مفخرة العصر
مروة ناهض
2015-10-08 07:21
في كل مرة أحزم أمتعتي متوجه في سفري نحو ملكوت الطُهر وعش آل محمد صلوات ربي عليهم، تُوقد تلك الأمنية المخبّأة بين حنايا روحي لرؤية ذلك الصادق الحبيب ذو الشيبة المباركة والابتسامة النبوية، وتشتاق مسامعي لتلك الكلمات الزاخرة بالولاء لآل علي الاطهار، والوصايا التي تروي عطش القلب في مسيره نحوهم.
أجوبُ شوارع قم وعيناي تتسارع لقراءة تلك اللافتات الصغيرة بتلك الأسهم التي تُشير لسكن كل عالم من علماء قم، أبحث عن ذلك السهم الذي يُشير باتجاهه نحو مبتغاي وما اريد، انه هو الشارع نفسه المُدون في صفحات ذاكرتي، ها انا أسيرُ رويداً رويداً نحو المبتغى، يا الله الشارع كان طويلاً كانتظاري لهذا اليوم، يحملُ على جدرانه رائحة الماضي، مُغلفاً بآثار البساطة! أُيعقل لهكذا شارع ان يحتضن نوره الواسع؟!.
بل الاجدر بي القول ان صدره الرحب قد وسع الشارع وأهله، أوقفَ مخيلتي صوت أحدهم، استمري بالسير! أترين تلك القُبة الخضراء لذلك الجامع ؟ بلى إني أراها.
مُبتغاكِ يقعُ خلفها مباشرة، أذكرُ أني صرتُ في سباق مع الوقت، أحثُ الخطُى بلهفة قد تعجز أبجدية الثمانية والعشرون حرفاً على وصفها.. وصلتُ، فاستقبلنا أحدهم بعبارات الترحيب التي ما ان تطرقُ مسامعك حتى يُخيّلُ إليكَ انك تطلبُ الاستئذان لدخول بيت من بيوتُ الله.. تفضلوا من هُنا.. هكذا بكل بساطه؟ دون تفتيش او ألف حاجز نجتازه لكي نصل؟ أُيعقل ؟!! بلى هكذا كأجداده حين كانوا يشرعون أبوابهم بوجه القاصي والداني، هكذا فأولاد علي لا يغلقون أبوابهم أبدا.
كنتُ في حالة من الذهول والترقب الممزوج بهالات الاشتياق لوجه العلوي، فأنا أدركُ قول مولاي حين يقول (النظر في وجه العالم عبادة)!، كانت صالة كبيرة، أخذتُ اطالع جدارانها وانا أُحسد كل ركن فيها (هنيئاً لك اغترافكِ من علمه واخلاقه،، هنيئاً لك وانت تحتضن نوره بدفء كما الشمس حين تحتضن اجسادنا في ليلة باردة).
مرت أقل الخمسُ دقائق حتى جاء ذاك الرجل المُسن بشيبته البيضاء التي تحكي تلك السنوات التي عاشها بجوار الصادق، تفضلوا فالسيد بانتظاركم.. المسافة بين مكان جلوسي ومكان لقائي به كانت أقصر من استيعاب ما جرى؟ واخيراً! أحقاً تحقق الُحلم؟.
قسماً بربي لم أرَ شيئاً من الغرفة التي دخلتها من نور هيبته الذي بدأ سلطان يحكم بقوة على أرجاء المكان، مازلتُ اسير بخطى هادئة حتى شق ذلك الهدوء السماوي صوته العلوي، تفضلوا، يا الله كم كان حانياً ذلك الصوت، جلستُ عنده فبادرني بالسؤال من أي البلاد انتم؟. فأجبته من بلاد العراق ومن كربلاء بالخصوص.
ما ان طرقت كربلاء مسامعه حتى رد علي السلام على ابي عبد الله الحسين واخيه ابي الفضل العباس.
بعدها بدأت رحلة الطُهر في ضيافة وصاياه، حين ابتدأها بالسلام والصلاة على محمد وآله الاطهار، ثم العروج نحو قول الرضا صلوات الله عليه (أحيوا امرنا رحم الله من احيا امرنا).. كل شيء كان مختلفا لا يمتُ لهذه الارض بصلة! فالدقائق لم تُولد من رحم هذه الارض ابداً، دقائق كانت كفيلة بتغيير مجرى حياتي وتفكيري واهتماماتي كلها، فحين تدركُ لبرهة ان وجودكَ مقدس، وانك لست جرماً لا يملكُ شيئا، يتفجر بركان الادراك في قلبك ويملأ كل وجودك، فالكُل منا جاء برسالة وسيذهب بها.
سيدي ايها الصادق تالله لا انسى نور محياك، وتلك الشيبة التي ما إن رأيتها حتى تبادر لفكري قولهم صلوات الله عليهم (وكتمان امرنا جهاد في سبيل الله).
وستبقى نوراً لا تحجبه خسة الظلام وان استحكم!.
كل عام ونحن بك بخير ايها الصادق.