الآداب الاجتماعية الرفيعة في الإسلام

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2022-12-15 05:36

(حذّر الإسلام من مساوئ الأخلاق وندَبَ إلى الفضائل والآداب)

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)

تتأسس البنية الاجتماعية على ركائز متعددة ومهمة، منها فكرية، وأخلاقية، وسلوكية، وكلما كانت هذه الركائز قوية ومتينة، أصبحت البنية الاجتماعية أكثر تماسكا وتعاونا واستقرارا، لهذا يلاحظ المهتمون بالاجتماع، أن المعيار الأخلاقي هو الأدق قياسا لدرجة تطور وتقدم الأمم، بمعنى كلما كان المجتمع أخلاقيا فاضلا، كان قويا ومتطورا.

التطور هنا لا يُقاس وفقا لما يتحقق من تقدم في المجال المادي، وإنما يجب أن يكون هنالك تقدم معنوي أخلاقي إنساني مشترك، يرتفع بالمجتمع ويسمو به إلى مراتب أعلى، فالأموال وحدها لا تكفي لكي نصف الإنسان الغني بالجودة والنجاح، وهذا ينطبق على الأسرة والدولة، فلا يكفي أن تكون الأسرة مالكة للأموال لكي تكون أفضل من سواها، فهناك المعيار الأهم ألا وهو المعيار الأخلاقي المعنوي الروحي الذي يرتفع بالإنسان أعلى بكثير مما ترفعه المادة.

لهذه الأسباب ركّز الإسلام في أحكامه وتعاليمه على أولوية الأخلاق والفضيلة، ووضعها في المرتبة الأولى، وجعلها من أهم وأفضل الأسس التي ينعقد عليها تقدم الأمم والأفراد والأُسَر، فلا تقدما يناله الإنسان دون الأخلاق، ولا تطورا حقيقيا تحصده دولة ما إذا لم تكن القيم الصالحة والفضائل الناجحة تحكم علاقاتها وسياساتها وأفعالها.

إن الإنسان الخلوق الفاضل المؤدَّب الذي يتعامل مع الناس بالحسنى والفضيلة، هو الركيزة الأهم لتطور الأمم والمجتمعات، ولهذا جعل الإسلام مرتبة الأخلاق والآداب الاجتماعية في المرتبة الأعلى من الأهمية بالنسبة للأفراد والجماعات، وأكد على أن القيم والأخلاق والفضائل هي الركائز والأسس التي يجب أن تكون في مقدمة اهتمام الجميع.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كتاب من (عبق المرجعية):

(حقيقة الإسلام وواقع الدين الإسلامي هو حقيقة الأخلاق الإنسانية، وواقع الآداب الاجتماعية الرفيعة، إنهما توأمان لا ينفكّان بل هما حقيقة واحدة لمعنى واحد، إذ لم يشذ شيء مما حبّذته الأخلاق عما أمر به الإسلام، ولم يفلت أمر مما حثت عليه الآداب مما حث عليه الإسلام وندب إليه).

منظومة أخلاقية تسمو بالجميع

ومما يزيد الأمر انسجاما وتوافقا، أن ما جاء به الإسلام من أحكام كلها تتوافق مع الفطرة الإنسانية، فتصبح سهلة التطبيق، وتساعد الإنسان على الارتقاء الدائم، على العكس من بعض القيم التي تكون دخيلة على طبيعة الإنسان وتكوينه، فيكون مجبرا بالقسر على قبولها والتعامل معها، لذا فإن هذا التوافق بين مضامين الإسلام وتكوين البشر يقرّب المسافة بينهما كثيرا، ولهذا نلاحظ الاقبال الملحوظ عالميا للدخول في فضاء الأخلاق الإسلامية.

لقد تم وضع واجبات واضحة المعالم، وفي مقابلها حقوق، فصّلتها الأحكام والتشريعات كي تساعد الناس، ولا تزيد من أعباء الحياة عليهم، وهناك محرَّمات وردت في هذا المجال كلّها تصب في صالح الإنسان، لأنها تقوم على أسس أخلاقية متينة، تقف إلى مصلحة البشر وتحثهم على النجاح والتفوق من خلال التمسك بالأخلاقيات الراقية.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(كل أحكام الإسلام وتعاليمه من عبادات ومعاملات وغير ذلك مبنية على أسس أخلاقية رفيعة، وقواعد آدابية رصينة، لذا أمر الإسلام بواجبات، ونهي عن محرمات، وحذر من مساوئ الأخلاق، وندب إلى الفضائل والآداب).

حتى ما أمر به الدين الإسلامي في منظومة التشريع والأحكام جاء منسجما بطريقة تامة مع روح الإنسان، مما يؤدي إلى رفع معنوياته عاليا، ويشجعه على التزام الفضيلة في قوله وسلوكه، ويعتمد السلوك الاجتماعي الراقي، بحيث يبتعد كل الابتعاد عمّا يسبب أذىً للآخرين، أيّأ كان نوع هذا الأذى، وساعد ذلك على تحلّي الناس بأرفع الأخلاقيات وأسماها.

لهذا اجتمعت الآداب والسلوك القويم فيما دعا له الإسلام، وحث عليه الناس، كل هذا يتم في منظومة أخلاقية تسمو بالجميع إلى المراتب العليا في التفكير والتصرف والسلوك المتوازن، وهذه كلها من صفات المجتمعات المتفوقة في حياتها، حضورا وفعالية وانتاجا، وتعاملا أخلاقيا متحضّرا مع الجميع ضمن الأسس التي ترتقي بها الأمم.

لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على:

(إن جميع ما أمر به الإسلام، ونهى عنه، يلائم الفطرة الإنسانية، وينسجم مع روح الإنسان ومعنوياته، بل ومع بدنه وماديّاته، وذلك على أرفع مستوي أخلاقي، وأعلى قمة من قمم الآداب الإنسانية الرفيعة).

كيف بُنِيَتْ دولة المسلمين العظمى؟

لقد كانت الأخلاق والفضائل سببا في ارتقاء المسلمين، وتغييرهم من مجتمع متناحر متشظي محترب، إلى مجتمع إنساني أخلاقي منسجم ومتوازن، وهذا هو العنصر الأعظم الذي ساعد على بناء دولة المسلمين العظمى التي ضاهت بقوتها وتقدمها ونافست أعظم الدول في حينها، كل هذا حصل لاعتماد المسلمين الفضائل والأخلاق السليمة في حياتهم وتعاملاتهم.

وقد يسأل سائل بماذا يمكن أن نستفيد من هذا الدرس الأخلاقي الإنساني في حياتنا الحالية؟، والجواب واضح، فإذا أردنا الارتقاء والتفوق والنجاح والتقدم، ما علينا سوى العودة إلى أخلاقيات الإسلام والتمسك حيث يوجد لدينا الدليل على أنها ارتقت بالمجتمع الإسلامي عندما تمسكوا بها في صدر الإسلام، لهذا حين نعتمدها في حياتنا اليوم، فسوف تكون طريقنا الواضح والسليم نحو التقدم والازدهار.

الناس تتعلم من بعضها، وتستفيد مما تراه من أفعال جيدة، ومما تسمعه من أفكار فعالة، لذلك إذا حاولنا أن تقوم حياتنا على الأسس التي دعا لها الإسلام، وأوضحتها الأحكام والشرائع، فإننا سوف نختصر المسافة بيننا وبين المراتب العالية بين أمم العالم أجمع، حتى الأسرة البسيطة وهي أصغر دائرة مجتمعية يمكنها النهوض بهذه القيم الأخلاقية التي وضعها الإسلام ويمكنها أن تؤثر بالآخرين بشكل فعال.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد هذا الأمر فيقول:

(لو طبقتم ذات المنهاج الذي كان في صدر الإسلام، داخل أسركم، فإن جيرانكم وأقاربكم، والذين لديكم معهم روابط أسرية، سيحصل لديهم الاعتقاد بالتدريج في معاني وقيم أحكام الإسلام الإلهية؛ فلو كانوا كفارا فسيصبحون مسلمين، ولو كانوا غير محبين لأهل البيت سلام الله عليهم، فسيصبحون من محبيهم، ولو كانوا غير متدينين، فسيصبحون متدينين؛ ذلك لأن مناهج الإسلام وأحكامه وقوانينه عظيمة ورائعة).

ولابد من القول مرة أخرة وفي تأكيد صارم، بأن الأخلاق والأحكام والفضائل التي طرحها الإسلام، ليس تنظيرات كلامية مجردة، نقولها لكي نتبجح بها، وإنما هي أفكار ومضامين قابلة للتحول من الصيغ النظرية إلى التطبيقية العملية، وهذا ما يجب أن يتنبّه له مسلمو الحاضر، إذ عليهم أن يطّلعوا ويفهموا بأن ما يطرحه الإسلام يمكن تطبيقه فعليا لتغيير حياتنا، والفوز بما نستحقه من تطور وتقدم واستقرار.

لهذا يذكر سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا:

(ليس الإسلام مجرد نظريات بل كله فكر قابل للتطبيق، ولقد طبقت تشريعاته في العهود الإسلامية وأعطى نتائج باهرة).

في النهاية يتضح، بأن الإسلام أولى الأخلاق والفضيلة اهتماما يليق بهما، لما يشكلانه من أسس ومرتكزات راسخة ومهمة وكبيرة تقوم عليها النهضة البشرية برمّتها، فالناس من دون الأخلاق سوف يتحولون إلى وحوش، بعضهم يأكل بعضا، وتغيب التعاملات الإنسانية، وتضمحل الأخلاق، وتتراجع الفضائل، وهذا في مجمله لا يصب في صالح الإنسان، كونه يتنافى مع الآداب الاجتماعية الرفيعة التي يدعو لها الإسلام.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا