الضمان الاجتماعي في منهج الرسول (ص)

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2022-09-22 04:33

إن مفردة الضمان تعني أن يضمن لك شخص أو جهة معينة شيء ما أو حاجة حياتية مهمة، أما الضمان الاجتماعي بحسب المفهوم الحديث فهو يشير إلى برامج عمل الحكومة التي تهدف إلى تعزيز رفاهية السكان، من خلال اتخاذ تدابير مساعدة تضمن الحصول على ما يكفي من الموارد للغذاء والمأوى، ومن أجل تحسين الصحة ورفاهية السكان في قطاعات كبيرة، ومن المحتمل أن تكون ضعيفة مثل الأطفال وكبار السن والمرضى والعاطلين عن العمل. وغالبًا ما تُسمى الخدمات التي تقدم الضمان الاجتماعي بـالخدمات الاجتماعية.

وقد نصت المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن كل شخص، باعتباره عضوًا في المجتمع، له الحق في الضمان الاجتماعي وله الحق في أن يتم توفيره له، من خلال الجهد المحلي والتعاون الدولي وبما يتفق مع التنظيم والموارد في كل دولة، من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها من أجل كرامته والتنمية الحرة لشخصيته.

بمعنى أبسط، يعني ذلك أنه ينبغي على المجتمع الذي يعيش فيه أحد الأشخاص أن يساعده في تنمية شخصيته وتحقيق الاستفادة القصوى من جميع المزايا (الثقافة والعمل والرعاية الاجتماعية) التي تقدم له في البلاد.

وقد يشير مصطلح الضمان الاجتماعي إلى التأمين الاجتماعي، حيث يحصل الناس على منافع أو خدمات تقديرًا لمساهماتهم في برنامج التأمين. وعادة ما تشمل هذه الخدمات توفير رواتب التقاعد والتأمين ضد العجز واستحقاقات الناجين وتعويضات البطالة.

وقد عملت حكومة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) على تثبيت دعائم الضمان الاجتماعي لكل فرد يدخل ضمن رعايا دولة المسلمين، وتميز قانون الضمان الاجتماعي الإسلامي بمزايا لا يوجد لها نظير في قوانين الأمم الأخرى سواء إبان قيام دولة المسلمين عند انطلاق الرسالة النبوية، وإلى هذا الحين.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقدّم لنا في كتابه الموسوم بـ (نفحات الهداية) نموذجا من قوانين الضمان الاجتماعي في حكومة الرسول (صلى الله عليه وآله)، إذ يقول سماحته:

(أقدّم لكم نموذجاً واحداً من طريقة عمل رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد ورد ذكره في كتب الحديث عند العامة والخاصة، بل رواها غير المسلمين أيضاً. هذه الرواية التي سأنقلها لكم، لو عُرضت على أي شعب، أو أتباع أي دين أو مذهب أو بلد في الكرة الأرضية فسيتغيرون حتماً إذا ما حصل لديهم التصديق أو الاعتقاد بها).

عدم فرض الضريبة على الإرث

إن أكثر ما يهتم به الإنسان هو ضمان حياة كريمة لنفسه وعائلته، وفي حال غادر الحياة، فإنه يحرص كل الحرص على أن يؤمّن لأولاده ما يساعدهم على سد الرمق والعيش بكرامة، وهذا هو الهدف الأهم الذي حققه الرسول (صلى الله عليه وآله) من خلال قانون الضمان الاجتماعي الذي طبّقته حكومة المسلمين على رعاياها.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يذكر لنا الرواية التي تقول: في الوقت الذي كان نبي الإسلام صلى الله عليه وآله في المدينة المنورة، وكان يتولّى سائر الأمور والشؤون، بصفته رئيساً للحكومة، أعلن صلى الله عليه وآله أنه: من ترك ديْناً أو ضياعاً فعليّ، ومن ترك مالاً فلورثته). فماذا يعني ذلك؟

إن هذا القانون يعني بوضوح أنه لا توجد ضريبة على الإرث الذي يتركه الأب أو ولي الأمر لمن يخلفه من الأبناء أو المشمولين بهذا الإرث، على عكس أنظمة الحكومات في الأمم الأخرى، وهذا بحد ذاته يشكل علامة فارقة في تاريخ أنظمة الضمان الاجتماعي في عموم العالم وعلى مرّ التاريخ.

ويضيف سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا:

(إن قضية (الضريبة على الإرث) متداولة اليوم في أكثر دول العالم، بل هي موجودة حتى في الدول التي تدعي بأن لديها أفضل وأرقى القوانين. إن قانون (الضريبة على الإرث) لم يشرّع حديثاً، بل يعود إلى ما قبل الإسلام، حيث كان رائجاً في أوساط المشركين. ففي قوانين وأحكام المشركين قبل الإسلام - وكذلك الديانتين اليهودية والنصرانية المحرفتين طبعاً - كان يُعمل بمثل هذا المرسوم، فإذا ما مات شخص وترك مالاً، فإن رئيس الحكومة أو العشيرة، أو أي شخص يتمتع بسلطان، يأخذ قسماً من هذه الأموال، كضريبة على الإرث).

ويقول سماحته أيضا: (أما في الإسلام فلا وجود لشيء اسمه (الضريبة على الإرث) بمقتضى حديث رسول الله صلى الله عليه وآله المذكور آنفاً).

هذا القانون المهم الذي تميزت به حكومة النبي (صلى الله عليه وآله) لا يكتفي بعدم وضع الضريبة على الأرض، وإنما يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث يقوم الحاكم أو السلطة بسداد ديون المتوفى في حال كانت عليه ديون للآخرين ولا تمتلك عائلته قدرة سدادها، بمعنى قانون الضمان في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) لا يكتفي بعدم فرض ضريبة على الإرث وإنما يقوم بالإيفاء بديون الميت من رعايا دولة المسلمين.

الضمان الاجتماعي مكفول في الإسلام

فقد جاء في كلمة سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (يقول صلى الله عليه وآله أيضاً: ومن ترك دَيْناً أو ضياعاً فـ (إليَّ أو عليَّ) أي من مات ولم يترك مالاً، وكان فقيراً، وخلّف أسرة لا تجد ما تعيش به، فـ (إليَّ وعليَّ)، أي إن نفقتهم على حاكم الدولة الإسلامية).

هل قرأنا أو سمعنا بمثل هذا القانون الضامن في أمة أو دولة أخرى غير دولة وحكومة الرسول (صلى الله عليه وآله)، حتى في حاضر الدول التي تدّعي رعاية حقوق الإنسان؟

إن جميع الدول المتمدنة أو المتحضّرة لم تصل حتى في الوقت الحالي إلى هذه الدرجة من رعاية الناس، ودعمها، وضمان العيش اللائق لها، فهذا القانون المتفرّد بمضمونه وإنسانيته، تم تطبيقه قبل قرون وقرون في حكومة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولو أننا شرعنا القيام بمقارنة مع أنظمة الضمان الاجتماعي في عموم العالم، فإننا لن نجد شبيها لهذا القانون في الأمم والدول الأخرى.

لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا: (حقّاً إنه لا وجود لمثل هذا القانون في أي مكان من العالم، فحتى الدول الثرية والدول التي تدعى بالمتمدنة، ليس عندها مثل هذا القانون الرائع).

هذه هي الميزة الأساسية في قانون الضمان الاجتماعي إبّان حكومة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وهو قانون لا يوجد لا سابقا ولا في دول عالم اليوم، حتى تلك التي تتمتع بثراء هائل لم تتبنَّ سداد ديون رعايا بعد موتهم، وقد تخصص لهم بعض الأموال في أفضل الأحوال، أما الضمان في إطار القانون الإسلامي، فإن الحاكم وحكومته يجب أن تتولى إيفاء الديْنن بالإضافة إلى الامتناع عن فرض ضريبة على الإرث كما هو معمول اليوم.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(حتى في أكثر الدول ثراءً في عالم اليوم، بحيث يتحمل الحاكم الأعلى دَيْن المتوفى؟ نعم قد يتّفق أحياناً، بعد مراجعات مضنية في الدوائر الحكومية، أن يحصل الورثة على جزء يسير من المال، ولكن لا وجود لمثل هذا الأمر (ضمان الدَّيْن)، كحالة قانونية، في مكان من العالم).

وأخيرا حريّ بالدول التي تتخذ من الإسلام دينا لها، أن تتعلم ضمان حياة الناس وأرزاقهم من الدروس العظيمة التي قدمها الرسول (صلى الله عليه وآله) في سنوات حكمه، حيث عاش الناس سواسية في الحقوق والواجبات، وتحقق لهم الضمان الاجتماعي الذي يحفظ كرامتهم، ويضمن لهم حياة مستقرة وكريمة، ويبقى السؤال قائما: هل الدول التي تنتمي للإسلام وتجعل منه دينا رسميا لها، قادرة على تطبيق قانون الضمان الاجتماعي كما كان يفعل نبيّهم وقدوتهم وأسوتهم (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي