منهج الغدير وصناعة السعادة الشاملة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2022-07-14 05:56

(الغدير بجوهره وروحه يعني مدرسة أمير المؤمنين سلام الله عليه)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

نعيش في هذه الأيام المباركة، مناسبة عظيمة بفحواها وأحداثها المصيرية، ألا وهي ذكرى عيد الغدير الذي تمّ فيها تنصيب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، من قبل رسول (الله صلّى الله عليه وآله) علَما عاليا وفنارا مضيئا، تهتدي به أمة الإسلام من بعد استشهاد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).

ولولا الخيانة والغدر والانحراف الذي غيَّر مسار الأحداث، ومن ثم الالتفاف على ما تمّ في يوم الغدير، لكان المسلمون والبشرية كلها تتمتع بسعادة لا منتهى لها، لأن منهج الغدير ينبع من مدرسة أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن رؤيته ونظرته وإدارته لشؤون الناس كافة، وفقما تعلّمه في مدرسة أستاذه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث القيم العظيمة هي التي تسود العلاقات المختلفة في الدولة والمجتمع.

وأول هذه القيم وأعظمها تلك العدالة الاجتماعية التي تشكل حجر الزاوية في نجاح الدول والمجتمعات، وقد اشتهر بها منهج الغدير، حيث عُرف الإمام علي (عليه السلام) بعدالته التي أنصفت الجميع حتى أعداءه، ولذلك كان عيد الغدير ولا يزال وسيبقى أعظم أعياد الله تعالى، فهو اليوم الذي اكتمل فيه الدين وإتمام النعمة وجعل الإسلام دينا للأمة، بالإضافة إلى تنصيب الإمام علي (عليه السلام) في هذا اليوم قائدا أعلى للمسلمين.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى محاضراته القيمة حول هذه المناسبة الخالدة:

(طبقاً للروايات الإسلامية فإنّ عيد الغدير هو أعظم أعياد الله تبارك وتعالى. رويَ عن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله أنّه قال: يوم غدير خمّ أفضل أعياد أمّتي وهو اليوم الذي أمرني الله - تعالى ذكره - فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب علَماً لأمّتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتمّ على أمّتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام ديناً).

إن هذا العيد يأخذ مكانته العظيمة، وصيتهُ الخالد، من ذلك الارتباط الوثيق بين هذا العيد وبين الإمام علي (عليه السلام) لدرجته أنه سمّي باسمهِ، ليس هذا فحسب، فهو يوم الرسول (صلى الله عليه وآله) أيضا، وانطلاقا من ذلك فهو يوم الله تعالى، لأنه هو الذي أمر رسوله بأن ينصّب أمير المؤمنين (عليه السلام) قائدا للمسلمين من بعده.

عيد الغدير أعظم أعياد الله

لهذا فإن الارتباط الحاسم لهذا اليوم وهذا العيد بالله وبرسوله (صلى الله عليه وآله) وبالإمام علي (عليه السلام)، جعل منه أعظم أعياد الله كلها، والسبب كما هو واضح ذلك المنهج الذي ينبع من مدرسة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو منهج سعادة المسلمين والبشرية كلها، حيث تغوص اليوم في لجّة المشاكل المستعصية، بسبب الانحراف والالتفاف الذي حدث على ما جاء به هذا العيد من تنصيب مصيري للإمام علي (عليه السلام) كقائد ذي منهج يلبّي حاجة المسلمين والبشرية للحكم الأمين العادل والمتمكن.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول في محاضرته القيّمة:

(عيد الغدير ليس يوم أمير المؤمنين علي سلام الله عليه وحده، بل هو يوم الرسول الكريم صلى الله عليه وآله أيضاً، بل يجب القول بأنّه يوم الله تعالى، لأنّ مراد الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين سلام الله عليه في طول مراد الله تعالى).

لهذا السبب أيضا، فإن كل عقيدة لا يكون الغدير منهلها، فلا تعني شيئا، ولا تلبي أي هدف وطموح للناس، ذلك أن كل شيء ينبع من مدرسة أمير المؤمنين هو ما يصلح للناس، أما حين يحدث الالتفاف على هذا المنهج، وإقصاءه، وتهميشه، والابتعاد عنه، فإن المسلمين أصبحوا في آخر الركب، كما أن البشرية كلها تعاني من الأزمات والمشاكل والويلات.

لذا أكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على أن (كلّ عقيدة لا تغرف من معين الغدير فهي ليست على شيء، والغدير بجوهره وروحه يعني مدرسة أمير المؤمنين سلام الله عليه التي تصلح لإسعاد البشر أجمع).

من المعروف للكل أن هدف الجميع هو بلوغ (مجتمع الحرية)، وهذا لا يتم ما لم يكن بناء المجتمع قائما على العدالة والأخلاق وسيادة قيم الخير على الشر، وهذا لا يمكن أن يتوافر للجميع ما لم نسلم بما بلّغ به رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث نقل الأمر الإلهي بالتنصيب من الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) سورة المائدة، الآية 67. إلى التطبيق الفعلي وهو ما قام به الرسول (صلى الله عليه وآله) حين نصب أمير المؤمنين قائدا للمسلمين من بعده، وهو ما تم على رؤوس الأشهاد.

العودة والتشبّث بمنهج الغدير

فالقبول العملي بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) أحد أهم أسباب توفيق الأمة، بل البشرية كلها، وفي حال الاستمرار بالتغاضي عن ذلك، واستمرار التجاهل والإصرار على منهج الانحراف، فإن هذا يبقي المسلمين على المنهج الخاطئ، ويحرم البشرية من فرصة التصحيح والخلاص من المشكلات والأزمات التي كانت ولا تزال تعاني منها.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(من الشروط المهمّة والرئيسية للوصول بنا إلى مجتمع الحرية والبناء القائم على أساس العدالة والأخلاق وسيادة القيم والفضائل الأخلاقية الإنسانية أن نسلّم لما بلّغ به رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم الغدير، وأن نقبل عملياً بولاية أمير المؤمنين سلام الله عليه).

لماذا هذا الإصرار على الأخذ بولاية الإمام علي (عليه السلام)، والعودة إلى منهجه الذي هو منهج الغدير النابع من مدرسته؟، السبب لأن هناك أثرا تكوينيا في تقديم الخيرات والبركات للمسلمين والبشرية كلها من الأرض والسماء، وهي إرادة الله تعالى التي باركت ولاية الإمام علي (عليه السلام) وأمرت بها، وشجعت عليها، كونها الطريق الصحيح الذي يساعد البشر على تجاوز مصاعب ومحن الحياة بصورة متمكنة وعادلة.

لهذا أكد سماحته (دام ظله) على:

(إنّ الأخذ بولاية أمير المؤمنين سلام الله عليه، له أثر تكويني، ويوجب سبوغ البركات والخيرات على الناس من الأرض والسماء).

من هنا فإن منهج الغدير ممتلئ بالفضائل، وقائم على الأخلاق، ومرتكِز على القيم الأصيلة، ومنها قيم العدل والإنصاف واللين والتسامح والتكافل فيما بين الناس، كما أنه منهج المكارم الذي ساعد البشرية على التطور الحضاري والمعنوي، وشجعها على السير في مناهج الحكم السليمة، والعلاقات الصحيحة بين الناس مع بعضهم من جهة وبينهم والحكام من جهة ثانية، لذلك ليس من صالح المسلمين إنكار منهج الغدير أو إقصائه، لأن خسارتهم وخسارة البشرية كلها سوف تبقى مستمرة طالما هجروا هذا المنهج.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(الغدير روضة الفضائل والأخلاق والمكارم والمحاسن بل هو المكارم بعينها، ويدين التطور الحضاري والمعنوي له بذلك؛ لأنّه أهمّ عامل في حفظ كيان الدين والملّة، ويعدّ إنكاره بمثابة إنكار لجميع القيم الإسلامية السامية الممتدّة على أرض الإسلام الواسعة).

وأخيرا في هذه المناسبة العظيمة، ألا وهي عيد الغدير، لابد من الاحتفال الجماهيري المستمر، والتذكير بتفاصيل منهج الغدير، وترويج هذه الثقافة التي تقوم على نشر قيم العدالة والإنصاف والتراحم بين الناس، فالمسلمون اليوم أكثر الناس حاجة لهذه القيم من أجل التصحيح، كما أن البشرية بأسرها فيها حاجة ماسة لامتصاص الغضب والاحتقان وتذويب التفاوت الطبقي وتقليل الفقر والظلم وتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء، كل هذا يمكن تحقيقه بالتشبث بمنهج الغدير وليس بتهميشه كما نلاحظ اليوم.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي