المُرَابِطُون الحُسَينِيُّون وَالأُمَّةُ المَخذُولَة
قراءة في خطاب المرجعية
عبد الحسين السيد
2021-08-14 02:01
مقدمة
الفكر الرسالي يجب أن يؤخذ من الرساليين، والفكر الحضاري يؤخذ من الحضاريين، وكذلك الفكر الحسيني يجب أن يؤخذ من الحسينيين، الذي حملوا همَّ الإمام الحسين (ع) ومناسكه، وشعائره، وقضيته المباركة، ونهضته العالمية، ورسالته الكونية على أكتافهم منذ نعومة أظفارهم وساروا بها في العالمين، ودعوا إليها أهل العالم أجمعين، كلٌ في مكانه وبطريقته وأسلوبه وما يتناسب مع ثقافته وعاداته وتقاليده، لأن مسألة الحزن والأسى واللوعة على سيد الشهداء هي مسألة إنسانية، فدع كل إنسان يُعبِّر عنها بطريقته وأسلوبه وثقافته وعرفه الاجتماعي الخاص.
ومن هؤلاء الحسينيين سماحة السيد المرجع الديني الكبير والمفكر الولائي القدير السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، له في كل عام على أبواب وأعتاب شهر محرم الحرم وقفة وجدانية ومحاضرة حسينية وولائية يلقيها في بيته العامر على طلابه ومحبيه ولا سيما الخطباء وأصحاب المنابر الحسينية يعطيهم فيها خلاصة جديدة وقراءة متجددة لتراث أهل البيت الأطهار (ع) لقضية ونهضة الإمام الحسين (ع) وشعائره المباركة ويحثهم على نشر الدِّين الإسلامي العظيم، والأهداف الحسينية والشعائر الإيمانية في شهري محرم الحرام وصفر الأحزان.
المرابطون الحسينيون
في هذا الموسم الحزين والعبادي بامتياز كانت كلمة سماحة السيد المرجع (دام عزه) تتمحور حول الحديث الوارد في أكثر من مصدر من مصادرنا الروائية وهي قول الإمام الصادق (عليه السلام): (عُلَمَاءُ شِيعَتِنَا مُرَابِطُونَ بِالثَّغْرِ الَّذِي يَلِي إِبْلِيسُ وَعَفَارِيتُهُ يَمْنَعُونَهُمْ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا وَعَنْ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ وَشِيعَتُهُ النَّوَاصِبُ؛ أَلَا فَمَنِ انْتَصَبَ لِذَلِكَ مِنْ شِيعَتِنَا كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ جَاهَدَ الرُّومَ، وَالتُّرْكَ، وَالْخَزَرَ أَلْفَ أَلْفِ مَرَّةٍ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ أَدْيَانِ مُحِبِّينَا وَذَلِكَ يَدْفَعُ عَنْ أَبْدَانِهِمْ). (بحار الأنوار؛ المجلسي: ج ٢ ص٥)
والمرابطة؛ هي ملازمة ثغر تجاه العدو في دار الحرب وموضع المخافة من حدود الأوطان، والدفاع عن البلدان الإسلامية، فالعلماء الأعلام هم أشد وأكبر أهمية من أولئك المجاهدين المرابطين على الحدود التي يُخاف منها العدو المحارب وذلك لأن المجاهدين يُدافعون عن الأجساد والأبدان، وأما العلماء فيُدافعون عن العقائد والأفكار والأديان، فكيف ونحن في هذا العصر وقد اجتمعت الحربان علينا حرب الأفكار والثقافات وبما يُسمونه بالغزو الثقافي والفكري للأمة الإسلامية، فيتضاعف الأجر لأولئك العلماء الأعلام الذين يتصدون لهذا الغزو الغاشم.
وسماحة السيد المرجع الكبير صادق الشيرازي (حفظه الله) دائماً يؤكد على أن الواجب يقع على عاتق كل من:
1- العلماء..
2- الشباب..
يقول سماحته: "صنفان، عليهم المسؤولية الأكبر، في سبيل نصرة الإمام الحسين (عليه السلام)؛ العلماء، والشباب.. فعليهم أن يعرفوا مسؤوليتهم، ويؤدّوها".
ثم ينقل سماحته قصة حقيقية وواقعة جرت عنده كانت هي: "نقلوا أنّ عدّة من الناس ذهبوا إلى مدينة أخرى، غير مدينتهم، لكي يجمعوا التبرّعات المالية لتعظيم الشعائر الحسينية، وجاء هؤلاء للقائي، وقال أحدهم: قلت للإمام الحسين (عليه السلام): لقد خدمتُ كثيراً، والآن أكتفي، لأنّني تعرّضتُ للإهانة في سبيلك.
قلتُ له: هل طردوك؟ قال: كلا
قلتُ: هل بصقوا في وجهك؟ قال: لا
قلتُ له: لقد ألقوا على وجه النبي (صلى الله عليه وآله)، ماء أفواههم (أي بصقوا والعياذ بالله).
وقال سماحته مخاطباً الشباب: "أيّها الشباب! بأنفسكم أنتم اقرؤوا تاريخ النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فهو (صلى الله عليه وآله)، وفي سبيل تبليغ الدِّين، طردوه، وآذوه، وألقوا على وجهه الكريم، ماء أفواههم، ولكنه (صلى الله عليه وآله) لم يشتك أبداً، فتعلّموا هذه الخصلة منه (صلى الله عليه وآله)".
فالشعائر الدينية والحسينية هي هدف أبالسة الإنس والجن وذلك لأنه كما في الرواية الشريفة المعروفة بحديث أم أيمن الذي يقول رسول الله (ص) في آخره: (إنّ إبليس (لعنه الله) في ذلك اليوم يطير فرَحاً فيجول الأرض كلّها بشياطينه وعفاريته فيقول: يا معاشر الشياطين؛ قد أدركنا مِن ذريّة آدم الطلبة، وبَلغنا في هلاكهم الغاية، وأورَثناهم النار إلا من اعتصم بهذه العصابة، فاجعلوا شُغلكم بِتَشكيك الناس فيهم وحَملِهم على عَداوتِهم، وإغرائهم بهم وأوليائهم، حتى تستَحكموا ضلالة الخَلق وكُفرهم، ولا يَنجو منهم ناج.
ولقد صَدَقَ عليهم إبليس ـ وهو كذوب ـ أنه لا يَنفعُ مَعَ عداوتكم عمل صالح، ولا يضرّ مع محبّتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر).
ويعلِّق سماحة السيد المرجع بعد أن يُشير إلى هذه الرواية الشريفة بقوله: "فإبليس هو منشأ التشكيك، وعلى الجميع أن يتصدّوا للتشكيك.. فالتشكيك واصطناع الشبهات، كان من الأزمنة الماضية، وحتى بعضهم أنكر استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، واليوم كم هم الذين يعرفون الإمام الحسين (عليه السلام) في العالم؟ أليس من الجدير أن يعرفوا الإمام صلوات الله عليه؟! وهذه مسؤولية الجميع".
خذلان الأمة الخاذلة للإمام الحسين (ع)
وهنا يُشير سماحته إلى مسألة جوهرية وهي في غاية الأهمية وهي ما ورد في رواية عن سليمان قال: وهل بقي في السماوات ملك لم ينزل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعزيه في ولده الحسين (عليه السلام)؟ ويخبره بثواب الله إياه، ويحمل إليه تربته مصروعاً عليها، مذبوحاً مقتولاً، جريحاً طريحاً مخذولاً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (اللهم اخذل مَنْ خذله، واقتل مَنْ قتله، واذبح مَنْ ذبحه، ولا تمتِّعه بما طلب). (العوالم، الإمام الحسين (ع): البحراني، الشيخ عبد اللّه: ج1 ص125)
هذه الرواية العجيبة التي تصوِّر الخذلان الذي تواجه فيه هذه الأمة إمامها وسبط نبيها وسيدها ومولاها الإمام الحسين (ع) ولذا تُصاب بلعنة رسول الله (ص) وأهل السماوات والأرض، ولذا تراهم ما أفلحوا في شيء منذ ذلك اليوم وإلى اليوم وهم في تسافل وتساقط قيمي حتى صاروا أكبر تجمع بشري الآن إلا أنهم أذل وأخزى الخلق بحيث يستذلهم مَنْ ضُرب عليهم الذِّلة والمسكنة وهم أذل وأقل خلق الله في هذه الأرض.
يقول سماحة السيد المرجع فيها: "والمعنى من هذه الجملة (اللهم اخذل من خذله): إلهي، بعلمك وقدرتك الواسعة، اخذل كل مَنْ يخذل الإمام الحسين (عليه السلام)، والخذلان هو نقيض النصر، وهو أمر سلبي، ويعني عدم النصرة.. وهكذا يكون معنى العبارة: كل مَنْ يُقصّر في نصرة الإمام الحسين (عليه السلام)، إلهي أنت كذلك لا تنصره، وجاء الخذلان في العبارة المذكورة بصورة مطلقة أيضاً، ويعني؛ ألا تنصر كل مَنْ حدثت له أيّة مشكلة، سواء كانت سياسية، أو عائلية، أو اجتماعية، وغيرها، ممَّن قصّر في نصرة الإمام (عليه السلام)".
نعوذ بالله من الخذلان الرباني، وربما كل ما أصاب ويُصيب هذه الأمة عبر العصور والدهور هو نتيجة طبيعية لخذلانهم سبط نبيهم وإمامهم وسيد شباب أهل الجنة، الإمام الحسين (ع) وأن الأمور ستذهب إلى ما هو أبشع وأشنع من ذلك فستخرج الأجيال من هذا الدِّين إلى الكفر والإلحاد إذا لم يستفق أهل الفكر والوعي والتدُّين الحقيقي ليصدعوا بالحق وينصروا أهل البيت الأطهار (ع) لا سيما القضية والنهضة الحسينية المباركة التي هي الشَّرف كل الشرف، والكرامة التي ما بعدها كرامة في الدِّين والدنيا.
ولذا يؤكد سماحة السيد المرجع في كلمة على ضرورة التبليغ للدِّين الإسلامية والدفاع عن القضية والشعائر الحسينية لأنها عنوان كل فضيلة في هذه الأيام يقول سماحته: " قضية تبليغ الدِّين والإسلام، والإمام الحسين (عليه السلام)، وهو ما يجب أن ينصبّ الاهتمام عليه في شهر محرّم، وعبره يمارس تبليغ الإسلام الأصيل والصحيح، الإسلام الذي لا ينفّذ حتى في البلدان الإسلامية.. فيجب إيصال العقائد، والأحكام، والأخلاق الإسلامية، للعالَمين، وهذه مسؤولية على عاتق الجميع، كل حسب قدرته.. فيجب في هذا الشهر، تبليغ تلك الأمور، أكثر وأكثر، ويجب الاهتمام بها، فاليوم، تنشط الكثير من القنوات الفضائية لأجل تشويه صورة الإسلام، والتصدّي لهذا الأمر مسؤولية الجميع، والمسؤولية الأكبر في هذا المجال على العلماء، وأكثر من غيرهم".
عليكم أن تعرفوا أنّ تعظيم الشعائر الحسينية المقدّسة هو من تقوى القلوب، ومصداقه عرفي، ويعني: كل ما من شأنه، عرفاً، تعظيم وتجليل الإمام الحسين (عليه السلام)، فهو من الشعائر الحسينية.. وكل العزاء، والمراسيم، واستقبال محرّم، ورفع السواد وغيرها، هي من الشعائر الحسينية، ومَنْ يُعارض ذلك، فإما يُعارض عن جهل أو للاحتيال على الناس.. فمَنْ قرأ اللمعة (الدمشقية)، والرسائل (للشيخ الأنصاري) وغيرهما، لا يُخالف ولا يُعارض.. والذي يُعارض هذه الشعائر، فهذا منطقه الشخصي، وليس منطق أهل البيت (عليهم السلام)".
أي أنه مَنْ كان من العلماء بمستوى أنه قرأ ودرس هذين الكتابين الذين يدرسا في مرحلة السطوح العليا في الحوزة يعرف أن شعائر الإمام الحسين (ع) هي مسألة عرفية ولا يمكن لعالم أن يُعارضها، ومَنْ يُعارضها فعلاً وحقاً يُعرِّض نفسه للخذلان لا سمح الله.
عظم الله أجركم يا مؤمنين ونسأله تعالى أن يكتبنا من الناصرين لسيد الشهداء (ع).