في شهر رمضان أغلقوا أبوابكم بوجه الشيطان
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2021-04-18 02:40
(شهر رمضان العظيم خير فرصة، بل فرصة جيّدة جدّاً للتعلّم)
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)
هناك صراع لابد أن يخوضه كل إنسان، ولا مجال لتفاديه أو التهرّب منه، بمعنى هو صراع حتمي يجب أن يستعد الإنسان لخوضه، وعليه أن يتعلم ويستعد لهذا الصراع الذي لا مفرّ منه، إنه الصراع ضد الشيطان.
شهر رمضان هو فرصة الإنسان للتعلّم على كيفية خوض هذه المواجهة، بما يضمن له الانتصار على خصمه اللدود، فالشيطان يتربص بالإنسان على مدار الزمن، ولذلك لابد من الحذر والتنبّه لهذا العدو، ومن المهم بل الأساسي في حياة الإنسان، أن يستعد ويتهيأ ويتعلّم أيضا كيفية خوض هذه المواجهة الشرسة.
نقول شرسة لأنها مواجهة مفتوحة من حيث المكان والزمان، فوجود الشيطان غير محكوم بزمن محدد، أي أنه يمكن أن يبرز في أي وقت، وفي أي مكان أيضا، ليدخل (بيت وحياة) الإنسان ويعيث فيها فسادا، لهذا على الجميع أن يفهموا بأن هذا النوع من الصراع معقّد وفيه من أساليب المراوغة الكثير.
كما أنه يقوم على منهج الترغيب، ومناغاة النفس وملاطفتها والبحث عن منفذ كي يدخل إليها ويغويها، الإغواء هو أسلوب الشيطان الذي يمكن أن يظهر للإنسان في أشكال مختلفة، باحثا عن نقطة الضعف والثغرة التي يمكنها التسلل من خلالها إلى داخل الإنسان للإطاحة به، في هذه الحالة ماذا على الإنسان أن يفعل؟؟
النقطة الأهم – طالما أن تحاشي هذا الصراع غير ممكن- فالشيطان موجود في دنيا البشر، وهذا أمر مثبت، الأمر الذي يوجب الاستعداد والتصدي له، فهو تماما كاللصّ الذي يدور حول البيت، باحثا عن نافذة أو باب مفتوح كي يدخل ويقوم بمهمته في إغواء النفس، وسحبها إلى نحو المحذور، ولذلك مهمة الإنسان الأولى والأكثر أهمية، هي غلق الأبواب والنوافذ في وجه الشيطان.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كلمته التوجيهية بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم:
(هناك رواية تقول: أغلق بابك فإنّ الشيطان لا يفتح باباً. فالشيطان خارج النفس، وخارج البيت، فإن كان باب البيت مفتوحاً فسيدخله الشيطان).
غلق أبواب النفس والقلب
مكمن صراع الإنسان مع الشيطان، يتركّز في قدرته على غلق (أبواب النفس)، والتأكد من أنها محكمة الغلق على الدوام، وعليه أن يحرص أشد الحرص على مواصلة هذا الغلق، لأن الشيطان متواجد بالقرب من النفس، يحوم حول أسوارها، متحيّنا الفرصة لكي ينقضّ عليها بألاعيبه وأحابيله وحيَلهُ التي تقوم على استدراج نفس الإنسان نحو الحرام بأنواعه كافة.
غلق أبواب النفس ليس بالأمر السهل على الإنسان، إنه صراع شرس، وهو لبّ الاختبار الذي يخوضه الإنسان في دنياه، ولذا عليه أن يتقن هذه المهمة جيدا، ونعني بها مهمة تحصين نفسه جيدا، والتأكد على مدار الوقت، بأن أبوابها ونوافذها مسدودة بوج الشيطان.
يحتاج هذا الأمر إلى خطوات ومتطلبات، في المقدمة منها تدريب النفس على هذا النوع من المواجهة الحتمية مع الشيطان، ولعل أخطر ما في هذا الصراع أنه بلا نهاية، بمعنى أن الإنسان مطلوب منهُ الحذر من الشيطان طيلة سنوات عمره، لأن الشيطان رغم هزيمته وطرده ومحاصرته، لكنه يبقى يحاول ويخطط لعبور أسوار النفس الشاهقة، والمحصنة لعله يعثر على ثغرة كي يتسلل منها إليها.
لذلك ليس أمام الإنسان فرصة أخرى سوى تعلّم غلق أبواب النفس، وهي ممكنة ومتاحة أيضا، ويمكن أن يتدرب عليها، أما الفرصة الأعظم لهذا النوع من التعلّم في مواجهة الشيطان، فتكمن في شهر رمضان المبارك بأيامه المليئة بالإيمان والخشوع والرهبة، وهي أجواء يخشاها الشيطان ويهرب منها.
ويمكن للإنسان أن يديم هذا النوع من الحصانة ضد الشيطان، من خلال استثماره لأيام هذا الشهر المعطّر بالقدسية والطهر والإيمان، وحين يتعلّم ويتقن مواجهة الشيطان في هذه الأيام المباركة، سوف يخرج من هذا الشهر مسلّحاً بإيمانه وقدراته التي تردع ألاعيب الشيطان، وتبطلها، وتفرغها من تأثيراتها.
القلب له حصّته من هذه المواجهة أيضا، فهو يمتلك أبوابا كما النفس، ولابد من أن تكون أبواب القلب مغلقة ومحصنة ومراقبة جيدا، النفس والقلب، يجب أن تُغلق أبوابهما جيدا بوجه الشيطان، ولا يُسمح بفتحها له، أو إهمالها، بل التعلّم المتواصل على إتقان تحصين النفس والقلب للخروج من هذه المواجهة بالفوز والظفر، وهذا جلّ ما يرجوه ويطمح له الإنسان في دنياه.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(على الإنسان أن يوصد باب البيت أمام الشيطان، وكذلك باب قلبه، فالشيطان لا يمتلك مفتاح الباب، ولكن إن شاهد الباب مفتوحاً، فسيدخل لا محالة، ليعمل عمله. ولذا يجب غلق الباب).
الصوم عامل مساعد على التغيير
لماذا يعدّ شهر رمضان فرصة لإتقان وتعلّم صدّ الشيطان وإلحاق الهزيمة به؟، هناك عوامل مساعدة للإنسان يأتي في مقدمتها الصوم، فهو مساعد مهم لمن يروم التعلّم للمواجهة والاستعداد لها، أما حين يكون الصيام جماعيا، على مستوى العائلة أو مجموعة العمل، أو الصداقات، أو التجمعات بأنواعها كافة، فإن الصيام الجماعي سوف يشكل ضربة قوية للشيطان.
هذا ما نجده في العائلة الصائمة، حيث تسود البيت أجواء العبادة، والطمأنينة والسلام الروحي، فيشارك أفراد العائلة في نشاطات إيمانية جماعية، منها تلاوة الأدعية، أو قراءة القرآن، أو الاستماع إلى محاضرات دينية معاً، أو حضور ندوات رمضانية بصورة مشتركة، كل هذه الفعاليات تمتّن لُحمة الإيمان، وتساعد على إيصاد أبواب النفوس والقلوب جيدا، لإبقاء الشيطان خارج أجوائها.
لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(من الأمور الجيّدة بشهر رمضان هو الصوم، الذي يهيّئ المرء قدراً ما ويجعله على استعداد للتعلّم. وكذلك أجواء شهر رمضان بالأخص للذين تصوم عوائلهم، سواء كانوا في المدينة أو في حيّ أو في قريّة وريف، فصيام العائلة يكون أمراً مشجّعاً).
هكذا بالإمكان أن ينجح الإنسان في الخروج من شهر رمضان، بحصيلة مهمة من التغيير، وهو أمر لا يدخل في إطار الاستحالة، فطالما كان الإنسان عارفا بما مطلوب منه، وفاهما لطبيعة شهر رمضان المبارك، ومؤمنا بأنه فرصته في القضاء التام على محاولات الشيطان لاستدراجه نحو المحارم، فإنه لا ريب سوف يخرج من هذا الشهر موشحاً بعلامات التفوق والتغيّر والتغلّب على الشيطان.
أما لا سمح الله، في حال حدوث العكس، أي حين يخرج الإنسان من شهر رمضان دون تغيير، فهو أمر بالغ الأسف حقّا، لأسباب كبيرة، أهمها أن هذا الشهر فرصة لا يصح هدرها، لأنها من الفرص النادرة جدا، كما أن الاستفادة منها ميسّرة لكل إنسان يتمنى ويريد أن يغيّر حياته ويجعلها قائمة على الاستقامة ومقارعة الشر بأنواعه والشيطنة بأشكالها المتعددة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(حقّاً إنّه ليدعو إلى التأسف أن يأتي شهر رمضان العظيم وينتهي ولا يتغيّر المرء أو لا يكون أفضل من السابق، فالإنسان مهما كان جيّداً يمكنه أن يكون الأحسن).
في الختام، إننا ملزمون بغلق الأبواب والثغرات التي يمكن للشيطان أن يتسلل عبرها إلينا، وهذا يتطلّب تدريبا وتخطيطا وتعلّما متواصلا، وأيام شهر رمضان المبارك، هي المساحة الزمنية المناسبة لهذا النوع من التدريب والتعلّم، ولابد للصائم أن يخرج من هذا الشهر بحصيلة تؤكّد دحر الشيطان بصورة نهائية.