المرجع الشيرازي: ضرورة تبيين حقيقة الحكومة الإسلامية
المرجع الديني السيد صادق الشيرازي
2020-10-19 07:37
تعريب وتقرير: علاء الكاظمي
بمناسبة ذكرى استشهاد أشرف الخلق أجمعين، سيّد الكائنات، نبيّ الرحمة، مولانا رسول الله محمّد المصطفى صلى الله عليه وآله، وكالسنوات السابقة، ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلمة قيّمة مهمّة، بجموع المعزّين، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، عصر يوم الجمعة المصادف للثامن والعشرين من شهر صفر الأحزان 1442للهجرة (16/10/2020م)، إليكم أهمّ ما جاء فيها:
في بداية كلمته القيّمة، قدّم سماحة المرجع الشيرازي دام ظله التعازي، بقوله:
أرفع التعازي للمقام الرفيع والمنيع، لمولانا بقيّة الله الإمام المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بمناسبة ذكرى استشهاد أشرف الأولين والآخرين، النبيّ الأعظم، سيّدنا محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، وبناء على رواية، ذكرى استشهاد سبطه الأكبر، مولانا الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه، وذكرى استشهاد مولانا الإمام الرؤوف الرضا صلوات الله عليه. علماً انّ الرواية الأصح باستشهاد الإمام السبط المجتبى صلوات الله عليه هو يوم السابع من شهر صفر الأحزان.
كما أقدّم التعازي إلى الشيعة كافّة ولكل الذين تحمّلوا المصائب بسبب فقدان هؤلاء المعصومين عليهم السلام. وأعزّي المؤمنين والمؤمنات خاصّة في كافة أنحاء العالم لاسيما المظلومين الذين تعرّضوا للظلم والأذي ولازالوا. وأسأل الله عزّ وجلّ وبعنايته الخاصّة أن يعجّل في الظهور الشريف لإمام العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، لكي ينجو العالم من المصائب التي ابتلي بها.
النبيّ جاء بالطيّبات
ثم قال سماحته: من آيات القرآن الكريم التي تتطرّق إلى النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله، هو قوله عزّ من قائل: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ). ويوجد في هذه الآية الكريمة الكثير والكثير من المضامين. و(طيّبات) يعني الجيّد، و(الخبائث) يعني السيئ. ومن أوصاف النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله انّه أحلّ جميع الطيّبات وماهو جيّد على الناس في مختلف المجالات، الاقتصادية والاجتماعية، والروحية، والنفسية، وغيرها، ودعا إلى اجتناب كلّ ما هو سيئ في كل مجال. فمن الطيّبات هو الاقتصاد الصحيح والسياسة السليمة والمجتمع الطيّب والأسرة الفاضلة والسلامة البدنية والروح المتعالية والنفس المطمئنّة الطيّبة. وأما الخبائث التي نهى عنها النبي صلي الله عليه وآله فهو كل شيء خبيث، ومنها الاقتصاد السيئ والسياسة السيّئة والمجتمع السيّئ والعسكرية السيّئة في زمن الحرب وغيرها. فكان النبيّ صلى الله عليه وآله ينهي عن كل ما هو خبيث، ولم ينهي عن أي طيّب ولم يحرّم أي شيء طيّباً علي الاطلاق. فلم يك هناك شيئاً ثالثاً بين الخبيث والطيّب عند رسول الله صلى الله عليه وآله.
أهميّة الزيارة الحسينية
وبعدها أشار سماحته دام ظله إلى الأربعين الحسيني المقدّس في السنة الجارية، وقال:
قبل أن أبدأ البحث، ووفقاً لمسؤوليتي الشرعية، أشكر كلّ الذين وفّقوا في هذه السنة، ببذل الخدمات في سبيل إقامة الشعيرة الكبيرة، شعيرة الأربعين الحسيني، وبالأخصّ الذين تشرّفوا بزيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه. وأنا أدعو لهم جميعاً في الصلاة وغيرها، وذلك تأسّياً بالإمام المعصوم صلوات الله عليه، حيث كان يدعو في سجوده لمقيمي الشعائر الحسينية. ولقد انتهى أربعين هذه السنة، ولكن يمكن للمؤمنين أن يبحثوا ويحقّقوا ويسألوا عمّن أصيب بمشاكل مختلفة في إقامته للشعائر الحسينية، وأن يقوموا بإعانته، فهذا العمل له عند الله تعالى المقام الكبير. وفي المقابل، الويل للذين أوجدوا العراقيل في طريق الأربعين الحسيني. وفي هذا الخصوص، أي عرقلة الشعائر والزيارة، توجد رواية، وحقّاً إنّها تزلزل الإنسان، وهي من الروايات المعتبرة، وهي:
قال إسحاق بن عمار للإمام الصادق صلوات الله عليه أنّ شخصاً سألني هل بإمكانه أن يتشرّف للحجّ أم لا؟ فقلت له لا تذهب، لأنّ وضعه الجسمي كان ضعيفاً. فقال له الإمام الصادق صلوات الله عليه: (ما أخلقك أن تمرض سنة). أي يليق بك أن تمرض سنة. فتمرّض إسحاق لمدّة سنة، بسبب تلك الكلمة الواحدة التي قالها بخصوص الحجّ فقط، وهي (لا تذهب).
محاربة الطواغيت للزيارة
كما تحدّث سماحته عن فضائل زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه، وما تعرّضت له من الحرب والعراقيل في طول التاريخ، من قبل الظالمين والطغاة، وقال:
لا شكّ، واستناداً إلى الروايات المعتبرة، فإنّ زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه أفضل من الحجّ، وقد اعتبرها علماء الشيعة مستحبّة، وبعضهم قال بوجوبها. وبهذا الصدد، أقول: الويل لمن يضع العراقيل في طريقها. فأين أمثال هارون، الذين منعوا زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه؟ فلقد قتل هارون الكثير، وسجن الكثير وعذّب الكثير، ولكن لم يبق له سوى اللعنة.
ذكروا إنّ أصعب الأيّام عل الزائرين الحسينيين كانت في زمن المتوكّل، الذي قتل ولمرّات ومرّات عديدة، الكثير من زائري كربلاء المقدّسة، أو سجنهم في سجن المطبق. وكان سجن المطبق سجناً مخيفاً وقد أوجدوه في حفرة كبيرة وسط الصحراء، واحتوى على حجرات صغيرة كانت لا تسع حتى لجلوس شخص واحد، وكانوا يسجنون الشخص فيها بعد أن يقيّدوه بالسلاسل والأغلال. ولكن انظروا اليوم، لا يوجد حتى قبر للمتوكّل.
إنّ الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم لم يمنعوا الناس عن زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه حتى في زمن كان تقطع فيه أيدي من يريد الزيارة، بل إنّ الإمام الهادي صلوات الله عليه بعث شخصاً إلى كربلاء ليدعو للإمام عند الحائر الحسيني حتى تقضى حاجة الإمام. فهل الذين منعوا الناس عن زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه هذه السنة، كانت لهم الولاية على الناس؟! فالويل للذين منعوا في هذه السنة زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه.
وتحدّث سماحة المرجع الشيرازي دام ظله عن بعض خصائص نبيّ الرحمة مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، وبيّن بقوله:
حقيقة الحكومة الإسلامية
حقّاً إنّ تاريخ نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله لجدير بالمطالعة وبالنشر والتبليغ. فكل ما كُتب عنه وقيل بحقّه وتم تأليفه فهو قليل. ولذا أوصي الشباب، بنين وبنات، أن يطالعوا التاريخ وسيرة النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله في مختلف الكتب.
طبقاً للآية الكريمة التي مرّ ذكرها أعلاه، إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قد أكّد على جميع الطيّبات، ونهى عن السيّئات كلّها. ولقد حكم صلى الله عليه وآله لمدّة عشر سنوات في المدينة المنوّرة، وتعرّض للعديد من المشاكل من قبل المنافقين بالداخل ومن المشركين، ولم يك لتلك المشاكل نظيراً في أيّة حكومة. ومن تلك المشاكل، ثمانون حرب أثيرت ضدّه صلى الله عليه وآله، فضلاً عن الكثير من خيانة المنافقين. ومع ذلك كله، لم يمت حتى شخص واحد من الجوع في حكومة النبيّ صلى الله عليه وآله. ففي أيّة حكومة اسلامية بعصرنا الحالي، تجد مثل تلك الكفاءة الاقتصادية التي كانت في حكومة نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله؟ وهل تجد في حكومة النبيّ صلى الله عليه وآله من انتحر بسبب شدّة فقره؟
كما أنّه لا تجد في حكومة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله حتى حالة اختطاف واحدة، أو مثلها من جرائم، وذلك بسبب الكفاءة الاقتصادية والسياسية والأخلاقية لرسول الله صلى الله عليه وآله. وأما اليوم، فكيف تتعامل الدول مع بعضها؟
إيجابيات ممارسة التبليغ
وأشار سماحته دام ظله إلى إيجابيات وثمرات تبليغ تعاليم وثقافة المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم، وقال:
في سنين مضت، استبصر بنور أهل البيت صلوات الله عليهم ، قسيس مسيحي من أهل مدينة أرومية الإيرانية، بواسطة شباب شيعة، وسمّى نفسه محمّد صادق. وبعد استبصاره، قام بممارسة التبليغ في مختلف المدن الإيرانية، وتشيّع بسببه الألوف من المسيحيين. وقام بتأليف بعض الكتب أيضاً، ومنها (بيان الحقّ)، وقد خصّص المجلّد الرابع منه حول معاجز النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله، التي ذكرتها كتب المسيحية. وهذا من ثمرات التبليغ للشباب الشيعة. فيجب تبليغ سيرة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله، وعلى الجميع أن يقوموا بهذا الأمر.
إذن، على الشباب، أولاً، أن يعرفوا تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم وثانياً أن يوصلوه إلى العالمين أجمع. فنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله اليوم هو المظلوم الأكثر، حيث نسبوا إليه الكثير من التهم والافتراءات، وقد خصّصوا لذلك ميزانيات كبيرة ووسائل إعلامية كثيرة. وهكذا هم الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم، أي أكثرهم تعرّضاً للظلم وأكثر مظلومية.
أحزان أهل البيت وفرحهم
كذلك أوضح سماحته في كلمته مشيراً إلى أيّام حزن وفرح أهل البيت صلوات الله عليهم، بقوله:
لقد شارف شهر صفر على الانتهاء. وشهر محرّم وشهر صفر وما يليهما من الأيّام المحسنية هي أيّام العزاء. وأمّا أيّام الفرح فهي تبدأ من التاسع من شهر ربيع الأول. فأيّام العزاء والحزن هي أيّام عزاء وحزن أهل البيت صلوات الله عليهم، وأيّام الفرح هي أيّام فرحهم صلوات الله عليهم، وعلينا أن نظهر الحزن ونظهر الفرح، لأنّ التولّي والتبرّي من أركان الدين.
رعاية الشباب
وبيّن سماحته دام ظله أهمية رعاية الشباب والاهتمام بهم، وقال: على الشباب المؤمنين أن يهتمّوا بأقرانهم الشباب، فلا يخرج أو يبتعد حتى شاب واحد من إطار أهل البيت صلوات الله عليهم. فالشباب لهم التأثير بعضهم على بعض. ولذا على الشباب المؤمنين أن يصرفوا أوقاتهم لغيرهم من سائر الشباب، حتى لا يبتعد عن الدين حتى شاب واحد. علماً انّ قسماً من هذه المصائب، أي مصائب ابتعاد بعض الشباب عن الدين، هو بسبب القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي المنحرفة، ولكن القسم الآخر يرتبط بمدى فعالياتنا التي يجب أن نقوم بها.
وبهذا الخصوص، أقول: مسؤوليتان كبيرتان تقع على عاتق اثنين: العلماء والحكّام. ففي الحديث الشريف عن النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله: (صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي إِذَا صَلَحَا صَلَحَ اَلنَّاسُ وَإِذَا فَسَدَا فَسَدَ اَلنَّاسُ اَلْأُمَرَاءُ وَاَلْعُلَمَاءُ) فالحكومات بيدها مصادر المال ولديها السلطة والقوّة الكبيرة، والعلماء لهم قدرة التأثير. وهذا ليس يعني انّ المسؤولية هي على العلماء والحكّام فحسب، بل على الجميع أن يهتمّوا بالشباب، وأن يجعلوا ما حولهم من الشباب في إطار الدين.
وتطرّق سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في ختام كلمته القيّمة، إلى أهم قضايا المجتمع، وقال:
أهمّ قضايا المجتمع
القضية المهمّة الأخرى هي قضية زواج الشباب. فعلى الجميع أن يهتمّ بقضية زواج الشباب، بنين وبنات. ويجب التعامل مع هذه القضية وأخذها بالسهل. فالإمام زين العابدين صلوات الله عليه قال ما مضمونه: إنّ من أسهل الأمور في الإسلام هو الزواج. ولذا يجب التساهل في هذه القضية لكي نحول دون انحراف الشاب والشابّة.
لقد كان مهر الزواج في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله، لمن يريد الزواج وهو غير متمكّن مالياً، إما حلقة من حديد أو أن يقوم الزوج بتعليم عدد من سور القرآن الكريم للزوجة. ولكن اليوم صارت أو نرى قضية الزواج من أعقد وأصعب القضايا. وهذا يبيّن لنا وبوضوح مدى وجوب الاهتمام بقضية زواج الشباب، والعمل على تيسيرها.
إذن، اهتمّوا بأمر زواج الشباب من يوم التاسع من شهر ربيع الأول وما بعده، واعملوا على إزالة الموانع في طريق الشباب. وهذه مسؤولية على عاتق الجميع، التي يجب أن يهتمّوا بها في أيّام فرح أهل البيت صلوات الله عليهم.
وختم سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، كلمته القيّمة، بقوله: أسأل الله عزّ وجلّ أن يوفّق الجميع، في أن يحافظوا على النشاط الذي كان لهم في شهري محرّم وصفر، وأن يستمّروا به ويحافظوا عليه في باقي الأيّام، وأن يهتمّوا بقضيتي: التولّي والتبرّي. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.