متى وكيف يفشل المسؤول؟
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2020-04-02 05:00
المسؤول هو من يؤتمن على أداء مهمة معينة قد تكون فكرية تعليمية دينية معنوية أو مادية، ولا يكلَّف بالمسؤولية إلا عندما يكون أهلا لها من حيث الاشتراطات المختلفة، كالعمر والخبرة والضوابط والمؤهلات الأخرى، وهكذا يمكن أن تكون المسؤولية قيمة من القيم الإنسانية والأخلاقية والقانونية عند الإنسان.
ويقول المختصون إن المسؤولية حالُ أَو صفةُ مَنْ يُسْأَلُ عن أَمْرٍ تقع عليه تبعَتُه. فيقال: "أنا بريءٌ من مسؤولية هذا العمل". وتطلق أَخلاقيًّا على: "التزام الشخص بما يصدر عنه قولاً أَو عملا". وتطلق قانونًا على: "الالتزام بإِصلاح الخطأ الواقع على الغير طبقًا لقانون". وقيل أيضا: المسؤولية حالة يكون فيها الإنسان صالحًا للمؤاخذة على أعماله وملزمًا بتبعاتها المختلفة.
ومما تجد الإشارة إليه أن المسؤولية تتبعها فوائد عديدة منها، الإخلاص في العمل والثبات عليه. ثم كسب ثقة الناس واعتزازهم بالشخص المسؤول. كما أن المسؤولية تجعل للإنسان قيمة في مجتمع، هذا إذا أحسن التصدي للمهمة الموكلة له بحسب قدراته ومؤهلاته وخبرته.
فالسلوك المسؤول أو المسؤولية هي أن تؤدي العمل المطلوب منك على أكمل وجه في الوقت المحدد. وهذا التعريف للمسؤولية ليس بالأمر الهيِّن الذي يأتي نتيجة صدفة، بل نتيجة تربية وإيمان واستعداد وشعور وممارسة لقيمة المسؤولية. وهناك نقيض المسؤولية ــ اللامسؤولية، وتعني الإهمال والتكاسل والتسويف.
وبحسب ذوي الاختصاص ولكي تصبح مسؤولا وتصلح لهذه القيمة الكبير، فأنت مطالب بالتالي: أن تعرف ما هو عملك وما هو مطلوب منك. وأن تعرف أهمية عملك. وعليك أن تشغل نفسك بما أنت مسؤول عنه، فمن اشتغل بغير المهم ضيَّع الأهمَّ، ولذلك إذا كنت حريصا على عملك فسوف تبلغ الهدف المحدد، وفي هذه الحالة سوف تحصد الفائدة الأهم وهي لذّة النجاح في أداء المسؤولية.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كتابه القيّم (إضاءات):
(من يبلغ الهدف الذي كان يسعى إليه يحصل على لذّة).
هناك مشكلة يعاني منها الإنسان، هي جزء لا يتجزأ من خَلْقهِ التكويني، ونعني بها التعجّل في معرفة النتائج، لدرجة أن هذا النوع من التعجل قد يكون سببا في الإساءة إلى المسؤولية، فقد شاع في العراق مثلا، وعبر حكومات مختلفة، ودوائر خدمية عديدة أنها كي تثبت النجاح في مسؤوليتها تسرّع الإنتاج على حساب الدقة والنوعية، كأن تقوم جهة ما بإنشاء جسر أو تعبيد شارع، فيتم ذلك بشكل رديء بسبب العجالة في الإنجاز.
سماحة المرجع الشيرازي المسؤولين يقول:
إن (الإنسان بطبعه يتعجّل النتائج). والمسؤول إنسان تنطبق عليه هذه الصفة كما ورد في النص القرآني: (وكان الإنسان عَجولا) {الإسراء: 11}.
ارتباط وثيق بين الحق والصدق
وتبرز مشكلة أخرى لدى المسؤول مدعومة بالعجالة، على حساب الإتقان، تتبلور بدافع الحصول على منافع مادية أو وظيفية أو غيرها، وهذه المشكلة تحدث عندما يهمل المسؤول الجانب الأخلاقي في التعامل مع المهمة الموكولة لهُ، وتصبح المآرب الذاتية شغله الشاغل، وقد يتمادى ليصل درجة العصيان والمخالفة للتعليمات الدينية، بسبب الانصياع الذليل لأهوائه التي لا تسمح له بإنصاف نفسه والآخرين عندما يسيء للأمانة والمسؤولية التي أوكلت إليه.
يقول سماحة المرجع الشيرازي عن هذا النوع من المسؤولين:
إن (الذي يتّخذ هواه إلهاً فإنه يهتمّ لذاته قبل كل شيء, ولا يكترث إن عصى الله في هذا السبيل، فالمهم عنده توفير ذاته وتلبية رغباتها وتحقيق احترامها!)
هناك دعائم أخلاقية لا يصحّ أن يغفلها المسؤول، فإن حدث وأهملها أو تغاضى عنها لأي سبب من الأسباب، فإنه سوف يضطر إلى مجافاة الحق، ومغادرة الصدق في أقواله وحتى أعماله، فمن يتنصل عن الحق سوف يهجر الصدق، وغالبا ما يكون المسؤول الفاشل متنصّلا من الاثنين، فهو لن يكون صادقا لأنه يعارض الحق، ومعارضته للحق تقف وراؤها الأطماع والمنافع والمحاباة وعقد الصفقات، ومحاولة الاستفادة من المنصب إلى أقصى حد ممكن، وبهذا يتّخذ من الوعود الكاذبة أسلوبا وطريقة في معالجة إخفاقه في أداء واجباته التي أُؤتمنَ عليها.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على أنْ:
(لا انقطاع ولا انفصام في الحقّ، والصدق، خلافاً للكذب، فحبله قصير سرعان ما يقطع بصاحبه).
وهذا النوع من المسؤولين يُظهر غير ما يُبطن، وغالبا ما يكون شخصية ازدواجية، يستحيل عليها أن تكون صادقة في التصدي لمهامها، حتى في كلامه لن يكون مقنعا لأنه بالأساس غير مؤمن بما يقول، فالكلمات والتبريرات التي يحتمي بها ما هي إلا كلام معسول يرضي السامع، لكن المسؤول نفسه غير مؤمن به، وهذا جزء من إشكالية المسؤول مزدوج الشخصية الذي ينطق بما لا يؤمن به.
لا يتساوى المخلص مع الخائن
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول عن هذه الحالة التي ترافق بعض المسؤولين:
(قد ترى مسؤولاً يكلّمك عن موضوع ما كلاماً جميلاً جدّاً، ولكن هذا الكلام لا عمق له في قلبه، لأنه لا يلتزم هو به، فمثلاً يدعو الناس إلى الإسلام وهو أول المخالفين له).
إن المسؤولية أمانة، ومن يتصدى له لابد أن يكون أمينا، نعم دخائل وسرائر الناس غير معلومة، فقد يبدو المسؤول ملتزما ويمكن أن يؤتمن على حقوق الناس، لكن لا أحد يعرف ماذا يضمر في داخله، النتائج هي التي ستكشف هؤلاء، وإذا تعددت هذه النماذج وتسابه المسؤولون من هذا النوع سوف تكون لدينا مشكلة كبيرة على نطاق إدارة الدولة، وهو ما يحدث بالفعل في بعض الدول الإسلامية!.
وهناك فارق معروف لا يحتاج إلى توضيح أو تأكيد يميّز بين المسؤول المخلص والخائن، والخيانة هنا بمعنى إساءة استخدام المنصب وتوظيف المسؤولية والمركز الوظيفي للصالح الخاص بدلا من الصالح العام، والمسؤول من هذا النوع لا يمكن أن يكون ملتزماً دينيا ولا مؤمنا بالحفاظ على حقوق الناس، لأنه لا يفكّر إلا بمصالحه الخاصة كجمع المال والشهرة والنفوذ وما شاكل.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول عن ذلك:
(لا شكّ أن الله لا يساوي بين الخائن والمخلص، فهل يستوي من يعمل وهدفه منافع دنيوية, كأن تكون مالاً أو شهرة وسمعة أو شيئاً آخر, ومن يكون عمله خالصاً لله وحده، ولا يفكّر في ذاته؟).
المسؤول الصالح هو من يتحدى نفسه أولا، ويتمسك بضميره وبما يمليه عليه من ثوابت وقيم أخلاقية تجعله أرفع من التوافه، وأنزه من أن ينزلق في متاهات الحرام البائسة، وإذا كان المسؤول ممن يؤمن ويقتدي بأئمة أهل البيت عليهم السلام وأخلاقهم وملتزم بسيرتهم ومبادئهم، فما عليه إلا الجمع بين الحق الصدق فيما يتصدى له من مهام ومسؤوليات.
أما مهمة الآخرين فهي تتجسد في التشجيع على حفظ الأمانة والإشادة بالمسؤول الذي يتميز عن غيره في الأداء المنضبط والمخلص، ومن الأفضل التذكير بشكل دائم بأنّ المسؤولية تكليف وليس تشريف، وأن المسؤول الناجح هو من يشرف المنصب وليس العكس، وهذا النوع من التشجيع والمكاشفة له دور في إعادة الكثير من المسؤولين إلى رشدهم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إذا كان الأصل في أعمالنا الاقتداء بالأئمة المعصومين سلام الله عليهم وأن المتقدّم لهم مارق، والمتأخّر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق، فلنفتح صدورنا إذن لكل الناس ونشجّعهم على طرح ما يختلج في صدورهم وما يدور في أذهانهم، فهكذا كانت سيرة النبي الأعظم والأئمة المعصومين من أهل بيته سلام الله عليهم).
يتّضح أن الفارق بين المسؤول الأمين والنفعي كبير، وتبقى القضية فردية بالدرجة الأولى، أو ذاتية، فالمراقب الأول للمسؤول هو ضميره، لاسيما في الدول التي تعاني من تفشي الفساد وضعف القانون وزحمة المصالح واختلاط الأوراق، وتبقى العبرة بالعاقبة التي ينتهي إليها الإنسان حين يخرج من هذه الدنيا خالي الوفاض.