المرجع الشيرازي: لنجمع الناس تحت الراية الحسينية
مؤسسة الرسول الاكرم
2019-08-28 05:00
على أعتاب حلول شهر مصائب آل النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله، شهر محرّم الحرام 1441 للهجرة، ألقى المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلمة قيّمة، بجموع من توافد على بيته المكرّم في مدينة قم المقدّسة، من العلماء، والفضلاء، وأساتذة وطلبة الحوزة العلمية، والخطباء، والمبلّغين، من مختلف المدن الإيرانية، ومن العراق، ومن الخليج، ومن الهند وأفغانستان، ومن عدد من الدول الأفريقية، وغيرها، وذلك مساء يوم الاثنين المصادف للرابع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام1440للهجرة الموافق لـ(26/8/2019م)، إليكم نصّها الكامل:
على أعتاب شهر محرّم الحرام وشهر صفر الأحزان أتقدّم بالتعازي للمقام الرفيع والمنيع لصاحب العصمة الكبرى مولانا بقيّة الله المهدي الموعود صلوات الله عليه وعجّل في فرجه الشريف، وأدعو الله وأتوسّل وأتضرّع إليه أن يعجّل في ظهور مولانا صاحب العصر والزمان لكي ينتقم لكافّة المظلومين في التاريخ، قبل الإسلام وبعد الإسلام، وللذين كانوا قبل عاشوراء وبعد عاشوراء، وحتى هذا اليوم، وخاصّة أن ينتقم للدم الطاهر لسيّد الشهداء صلوات الله عليه وأهل بيته وأصحابه الطاهرين.
قتيل كل عبرة
(إنّ لقتل الحسين صلوات الله عليه حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً)، هذأ القول ذكره الإمام الصادق عليه السلام ونقلها عن جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله حيث كان رسول الله في يوم من الأيام جالساً وإذا بالإمام الحسين قد دخل عليه وهو صبيّاً فأخذ رسول الله بالحسين عليه السلام ووضعه في حجره وقال هذا الحديث: (إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً)، ثمّ بعد ذلك قال رسول الله: بأبي قتيل كل عبرة.
يقول الراوي فقلت للإمام الصادق عليه السلام ما معنى هذه العبارة (بأبي قتيل كلّ عبرة)؟ فقال الإمام الصادق عليه السلام: يعني ما ذكره مؤمن إلاّ بكى. ومعنى (ذكر) هل هو من الذكر أم من التذكّر أم إتيانه على اللسان؟ فإنّ مقتضى الروايات تؤكّد هذه المعاني المختلفة.
كلّ مصيبة في هذا العالم ومع مرور الأيام تتلاشى شيئاً فشيئاً ويقلّ أثرها، وهذا ما يحدث عادة، لأنّ الحياة الدنيا هكذا فُطرت، أما الآخرة سواء كان في نعيمها أو جحيمها فهي لا تتغير. ففي الحياة الدنيا إذا حصل الإنسان على نعمة وسعادة فمع مرور الأيام يقلّ أثر هذه السعادة فلا تكون كما كانت عليه من قبل، وإذا حلّت عليه مصيبة فمع مرور الأيام تقلّ حرارة هذه المصيبة.
أما الآخرة ليست كذلك فالآية تقول: (ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت) فالعذاب في الآخرة لا يتعوّد عليه ولا يصبح عادياً وهكذا نعيم أهل الجنّة لا يتعوّد عليه الإنسان. فعندما يدخل الجنّة يشعر بلذّتها ويبقى هذا الشعور مستمر إلى النهاية ولا يقل.
أعظم المصائب
مع أنّني قد ذكرت هذا الأمر مراراً وتكراراً ولكنّي أعود وأقول أنّ مقتضى الأدلّة المسلّمة هي أنّ هناك أربعة أشخاص أفضل من الإمام الحسين عليه السلام وهم جدّه وأبيه وأمّه وأخيه الأكبر الإمام الحسن صلوات الله عليهم أجمعين، فهؤلاء هم أفضل من الإمام الحسين عليه السلام.
لكن مع ذلك فإننا لم نرى أية رواية كالرواية التي نقلناها، مع عظم المصيبة التي نزلت بهم. فرسول الله صلى الله عليه وآله حلّت به مصيبة كبيرة بحيث أنّ فاطمة الزهراء سلام الله عليها وفي خطبتها قد عبّرت هذا التعبير ولم أرى مثله في أي مكان آخر فقالت عليها السلام أنّه بمصيبة أبيها (أزيلت الحرمة)، وعلى ذوي الاختصاص أن يتأمّلوا هذه العبارة، فمع عظم هذه المصيبة التي هي مبدأ لجميع المصائب التي وردت على أهل البيت صلوات الله عليهم وعلى البشرية والتأريخ إلاّ أنّه لم ترد فيها مثل هذه العبارة.
بعد ذلك كانت مصيبة استشهاد السيّدة الزهراء الصدّيقة الكبرى عليها السلام بتلك الطريقة الفجيعة إلاّ أنّه لم ترد فيها مثل هذه الرواية.
ثمّ مصيبة أمير المؤمنين والإمام الحسن المجتبى عليهما السلام وهكذا بقية الأئمة الأطهار عليهم السلام إلاّ أنّه أيضاً لم ترد فيهم مثل هذه العبارة مع عظم مصيبتهم، ولعلّه لا يوجد في اللغة عبارة تستطيع أن تفي بهذا المعنى الكبير، ولكن مثل هذه العبارة وردت فقط في الإمام الحسين عليه السلام وهذه من خصائص الإمام. والعبارة الأخرى (لا تبرد أبداً) وهي من علائم الإيمان التي يجب أن نجرّبها لنعرف كم هو مقدار هذه الحرارة في أنفسنا، حيث قال الإمام الصادق عليه السلام: (ما ذكره مؤمن إلاّ بكى).
الحرارة الحسينية من الإيمان
الواقع أنّ الإيمان له مراتب كما أنّ التقوى لها مراتب أيضاً والورع له مراتب، فليس معنى أنّ من ليس له حرارة هو غير مؤمن بل هذا المعنى شائع والأخوة المؤمنون يجب أن ينظروا إلى إيمانهم من خلال هذه العبارة أينما كانوا من هذا العالم من رجال ونساء وشباب وشيوخ وعلماء وغير علماء لينظروا كم في أنفسهم من هذه الحرارة التي لا تبرد. فبمقدار هذه الحرارة يمكن معرفة درجة إيمانهم (ما ذكره مؤمن إلاّ بكى) وهذه خاصّة للإمام الحسين عليه السلام، وحتى البكاء والتباكي، فإنّ التباكي له مكانة أيضاً ومعناه أنّ يتصنّع الإنسان البكاء وأن يومئ إلى الآخرين بأنّه يبكي. فحتى هذا له منزلة ومكانة وإن لم يبكي لأسباب قد تكون موجّهة إلاّ أنّ من ينظر إليه يتصوّر أنه يبكي على الإمام. إنّ مثل هذه المكانة والمنزلة هي خاصّة بالإمام وفي شهر محرّم وصفر.
لولا الحسين لما بقي الإسلام
هناك حديث آخر يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وآله: (وأنا من حسين) وهذه العبارة جاءت من حديث (حسين منّي وأنا من حسين) وهذا الحديث يعرفه الخطباء المحترمون، فالإمام الحسين هو سبط رسول الله كما ورد في العبارة (حسين منّي) ولكن ما معنى (وأنا من حسين)؟ فهذه العبارة ليس لها معنى جسماني، وحسب الظاهر فإنّ معناها إن لم تك عاشوراء وقضية استشهاد الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام لما كنّا نسمع أنا وأنت والآخرين باسم رسول الله صلى الله عليه وآله وباسم الإسلام. فلقد بعث الله الكثير من الأنبياء، وبعضهم قتل في سبيل الله وبعضهم حلّت عليهم مصائب كبيرة وبعضهم عُذّبوا، ولكن لا نرى اسماً لهؤلاء الأنبياء قد بقي. فالقرآن الكريم لم يذكر إلاّ بعض الأنبياء من مجموع 124 ألف نبي كما ورد في الروايات المعتبرة، فأين هم 124 ألف نبي أو ثلاثة آلاف نبي أو تسعمائة نبي أو أكثر من هؤلاء؟ لم يبق في التأريخ حتى أسمائهم.
فإذا لم يك الإمام الحسين عليه السلام وإذا لم تكن واقعة عاشوراء لم يكن ليبقى ذكر لأيّ شيء. فمحرم وصفر هم مناسبة وفرصة لبقاء الإسلام، والإسلام باقي وقد وعد القرآن الكريم بذلك (ليظهره على الدين كله) فإذا لم يك هذا الدين ظاهراً بالكامل فإنّه سيظهر في عصر الظهور، لكن السؤال أين أنا وأنت من هذا؟ وأنا لا أوجّه الخطاب للعلماء الأعلام والمدرسين الأكابر والخطباء الكرام اللذين أجلس في حضرتهم فقط، بل أوجّهه إلى الجميع في أي مكان في العالم. فهل نحن موفّقون في هذا المجال؟ وما هي حصّتنا من ذلك؟ وكم تمكّنا أن ندخل الناس إلى الإسلام عن طريق ذلك؟ فإذا كان هذا الأمر في أي واحد منّا فإنّ إسلامه سوف ترتفع مرتبته ويزداد إيمانه. فكم تمكّنا عن طريق الإمام الحسين عليه السلام وشعائره المقدّسة ومجالسه أن نساهم في هداية الناس إلى طريق أهل البيت عليهم السلام؟
قد يكون بعض الأمر اكتسابياً وبتوفيق من الله وبواعظ من نفسه فإذا عوّدنا أنفسنا وقبلنا بـ(من ينصحه) حيث يقول القرآن الكريم (وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى) فيكون كلّ شيء بمقدار سعينا. نعم يحتاج إلى الكثير من السعي، ومن هذا السعي هو التبليغ في شهر محرّم وصفر، وهذا التبليغ ليس فقط من مسؤولية المبلّغين والخطباء بل هو من مسؤولية الجميع وإن كانت مسؤولية المبلّغين أكبر في هذا المجال. فالجميع، في أي مكان كانوا من العالم، في البلدان الإسلامية وغير الإسلامية، عليهم أن يؤدّوا دورهم في الحسينيات والمساجد والمؤسسات.
لإتمام الحجّة على البشرية
إنّ من مسلمات الإسلام أن نلتزم في شهري محرّم وصفر بذلك فهو وجوب كفائي بمن فيه الكفاية وهو على الغالب غير موجود فيكون الواجب عينيّاً وعلينا إيصال مسلّمات الإسلام إلى البشرية جمعاء وليس فقط للمؤمنين والمسلمين ولا البلدان الإسلامية وحدها أو الشيعة أتباع أهل البيت عليهم السلام بل يجب إيصاله إلى جميع البشر حيث قال تعالى: (يا أيها الناس أنّي رسول الله إليكم جميعاً) والناس معناه سبعة مليار إنسان يعيشون على وجه الكرة الأرضية، فالواجب أن يصل هذا البلاغ. ولكن أي مقدار وصل لحد الآن؟
وأنا بدوري أشكر وأدعو إلى جميع اللذين يبذلون مساعيهم ويشحذون هممهم ويخدمون في طريق مسلّمات الإسلام ويوصلونها إلى البشر بغض النظر عمّن يقبل بذلك أو لا يقبل بل المطلوب إتمام الحجّة (لئلا يكون للناس على الله حجّة)، فهل قبل جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله بوصاياه؟ وهل عملوا بها جميعاً؟ إذا كان كذلك، فمن هم المنافقون اللذين كانوا بين أصحاب النبي صلى الله عليه وآله؟ والذين كانوا بجوار النبيّ وفي مسجده؟ فالمهم هو إتمام الحجّة سواء قبل بها بعضهم أو لم يقبلوا، فالمهم أن يؤدّي الإنسان دوره ومسؤوليته الشرعية. ومن مسلّمات الإسلام وعلى أقل التقادير هي الأمور التي أجمع عليها المسلمون، واتّفق عليها الفقهاء والطوائف الإسلامية التي ليس فيها أيّة شبهة أو شكّ أو ترديد، ويجب إيصال هذه المسلّمات إلى الناس.
من مسلّمات الإسلام
من تلك المسلّمات وللأسف أن أكثر المسلمين غافلين عنها ويجب أن يجري فيها حكم الله هي مسألة بيع الأراضي، فمن خوّل الحكومات بيع الأراضي؟ سواء كانت هذه الحكومات إسلامية أو غير إسلامية. فمن المسلّمات في الإسلام أنّ الأرض لله ولمن عمرها ويجب إيصال هذا المعنى إلى كل البشرية، فهكذا هو الإسلام. فالأرض ليست ملك لأحد بل هي ملك لله سبحانه وتعالى، وهي وكما قال الله للنبي ملكاً (لمن أحياها)، أي كل من يبني البيت ويزرع ويحفر القناة والبئر ومن يعمّرها وغيرها من معاني العمران.
فالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وخلال عشر سنوات من حكومته ومع كل الاحتياجات التي كانت تنقصه وهي ليست واحدة أو اثنان ولا مئة ولا أكثر، ومنها أنّه كان يستقرض لقضاء حوائج المسلمين إلاّ أنّه لم يبع شبراً واحداً من الأرض ولم يأخذ من ذلك المال لسدّ احتياجاته. ولذا لا تجدون فقيهاً واحداً يقول بغير ذلك، فهذه من مسلّمات الإسلام التي لا خلاف عليها. وهذا يجب إيصاله إلى الناس، فالأراضي الباقية هي من مسؤولية من؟ وعلى عاتق من يقع هذا الواجب الكفائي؟ لا شكّ إنّه من مسؤولية الجميع، سواء كان له التأثير في الناس أو لم يؤثّر، وسواء قبلوا بذلك أو لم يقبلوا، فالأرض لله ولمن عمّرها وهي من مسلمات الإسلام. وهذه إحدى المسلّمات التي ذكرتها، وهناك الكثير منها التي أجمع عليها الفقهاء التي أرى من الواجب الكفائي إيصالها إلى الناس.
الواجب تبيين الأحكام
في مدينة قم وقبل 20 سنة كان هناك أحد الفقهاء وهو معروف، وفي أحد الأيام رأيت شخصاً من أقربائه ونقل لي وقال كنت في محضر هذا الفقيه العالم ومرجع التقليد فرأيت شخصاً يسأل منه مسألة ولا أرى ضرورة في ذكرها، فقال ذلك الشخص هناك مسألة لا يعلم بها أبي وأمي فهل من الواجب أن أذكرها لهم؟ خاصة وإنّي إذا ذكرتها فإنّهم سوف يقعون في صعوبات بسبب عدم علمهم بالمسألة. فذكر ذلك الشخص أنّ المرجع الفقيه كتب ليس من الواجب إخبارهم بحكم هذه المسألة. فقلت لهذا الشخص عجباً أن يفتي هذا المرجع بعدم الوجوب لأنّ ذلك يغاير مبناه الفقهي لأنّي أعلم أنّ مبناه هو (الأحكام على سبيل الكفاية واجب) ولذا يجب على الأبناء إيصال هذا الحكم إلى أبيهم وأمّهم اللذين لا يعلمون به. فإنّ الأب والأمّ قد وقعوا في الحرام، وعلى الأبناء إخبارهم بذلك، فأي حكم يصدر من هذا الفقيه؟! فإنّ تبليغ الأحكام واجب على الجميع على نحو الكفاية. بعد مدّة من الزمان رأيت ذلك العالم في إحدى الأماكن فقلت له أنّ الشخص الفلاني أخبرني أنّكم أفتيتم في هذه المسألة بهذه الفتوى، فقال ذلك المرجع سوف أطلب ذلك الاستفتاء. فكتب المرجع نعم الواجب بيان الأحكام الواجبة.
لا عذر بعدم أداء المسؤولية
إنّ طلبة العلم يعرفون هذه المسائل من الشرائع وشرح اللمعة والمكاسب ومع أنّ المكاسب ليس من عموم الفقه إلاّ أنّه نأخذ بهذه المسائل من كتب الشيخ المفيد لكي نوصل مسلّمات الإسلام إلى الناس. فالآية الكريمة هي صغرى من المسلّمات (الأرض لله ولمن عمرها) والذين يملكون الأرض هم اثنان لا ثالث لهما سواء كان ذلك الثالث هي الحكومة أو غيرها. وأنا أدعو السادة والجميع في أي مكان من العالم أن يذهبوا إلى الفقهاء ويسألوهم ليعلموا أحكام هذه المسلّمات. فتبليغ الأحكام واجب كفائي وهي مسؤولية الجميع إلاّ الذين لا يستطيعون ذلك أو هم قاصرين عن ذلك، والقاصر هو الذي لا يوفّر المقدّمات لمعرفة ذلك، ومثل هذا الإنسان معذور، ولا إشكال على المعذور ولكن ليس كل جاهل معذور.
دولة إسلامية يحكمها قانون غير إسلامي!
قبل 55 سنة أو 56 سنة عندما كنت في كربلاء المقدّسة قامت الحكومة بتقسيم أراضي منطقة حيّ الحسين عليه السلام وبيعها، وكانت كل قطعة تحتوي على 600 متراً. في إحدى الأيّام رأيت المتصرّف في ذلك الوقت الذي كان يمثّل المحافظ فقال له أخي المرحوم هل العراق دولة إسلامية أم لا؟ فتعجّب المتصرّف من قول أخي وقال ما معنى قولك دولة إسلامية أو لا؟ فقال له أخي: هل العراق دولة إسلامية أم دولة كافرة؟ فضحك المتصرّف وقال في جوابه من المعلوم أنّ العراق هو بلد إسلامي، فقال أخي: إذن لماذا أحكامه غير إسلامية وأنتم تحكمون خلافاً لذلك؟ قال المتصرّف مثل ماذا؟ أجاب أخي: أنتم قمتم بتقسيم أراضي حيّ الحسين وبيعها، ومن الأحكام المسلّم بها في الإسلام أنّ الأرض لله ولمن عمّرها، فعلى أي أساس تقوم الحكومة ببيع الأراضي؟! فتأمّل المتصرّف ملياً ثمّ قال أنا عشت طويلاً لكنني لم أسمع بذلك. فقال له أخي: أنت معذور ولكن عليك أن تذهب إلى الفقهاء وتسأل منهم، إنّه من مسلمات الإسلام. فقال المتصرف: نحن هنا نفتح شوارع وهذه الشوارع تحتاج إلى مال. فقال أخي في جوابه: إذن أين تصرف الحكومة أموالها؟ أنتم في العراق تفتحون شوارع كثيرة وتقيمون مؤسسات عامة فهل هذه كلّها تأخذون أموالها من هذه الأراضي؟ فقال: نحن نعطي مقابل ذلك المبلغ 600 متراً من الأرض والمبلغ هو عشرة دنانير الذي كان في ذلك الوقت يعادل اثنان أو ثلاثة من الأغنام، وهذا يعني أن قيمته كانت قليلة. فقال أخي لا يحق لكم أن تأخذوا ديناراً واحداً ولا حتى ربع دينار فمن أعطاكم الحق أن تأخذوا المال مقابل الأرض؟ فتحيّر المتصرّف من ذلك. ولنسأل: كم من الناس يعلمون بمثل هذه المسلمات في الإسلام ومنها أن الأرض لله ولمن عمرها؟ في البلاد الإسلامية وللأسف نرى الكثير من الصحاري القفار الخالية من الحياة ونرى ملايين الأشخاص لا عمل لهم وعاطلين عن العمل.
من السيرة النبويّة والعلوية
أنا لا أقصد الخوض في نتائج هذه المسألة بل أذكر مسألة شرعية وأقول أنّ الأرض لله ولمن عمّرها وعلينا إيصال هذا الأمر إلى العالم، وهناك فرص لهذا الإيصال ومنها شهر محرّم وصفر. بلى إنّ الحكومة عليها إدارة الدولة لكي لا يتعدّى شخص على آخر والحكومة هي مدير لا غير. ولاحظوا في الرواية التي ينقلها العلاّمة المجلسي في البحار وفي مصادر أخرى وردت أيضاً، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد استقرض في أماكن كثيرة حتى أنه عندما استشهد قام أمير المؤمنين عليه السلام بعد استشهاده، وأتصوّر حوالي سبع مرّات أو أكثر، منذ السنة الأولى التي استشهد بها رسول الله، كان الإمام وفي حجّه وفي منطقة منى يعلن أنّ من لديه طلب من رسول الله فليأتي وليأخذه مني حيث جاء في الحديث الشريف: (ياعلي أنت قاضي ديني).
وفي بعض الروايات أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله عندما رحل عن الدنيا كان قد استقرض كم صاع من الشعير، وهذه إحدى قروضه. فلاحظوا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يذهب إلى الحجّ في السنة الأولى والثانية والثالثة والرابعة وحتى السنة السابعة، وكان يوفي دَين رسول الله صلى الله عليه وآله. فرئيس المسلمين ورئيس الدولة كان يموت مقروضاً لكي لا يموت الناس مقروضين. فخلال هذه السنوات السبع كم كان النبي مقروضاً؟ وكم وفّى عنه أمير المؤمنين من هذه القروض؟ لا أجد تفسيراً لذلك، وكلّ ما أتصوّره أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يعطي من قروضه ولمدّة سبع سنوات.
من أسلوب حكومة الإمام عليّ
لقد حكم أمير المؤمنين صلوات الله عليه خمس سنوات، فهل ترون في هذه الفترة في مكان ما قد باع الإمام شبراً واحداً من الأراضي؟ لو كان ذلك لعلم به المسلمون بلا أدنى شكّ. فعلينا أن نوصل هذه المسألة باعتبارها واجباً كفائياً إلى الجميع فإذا لم يصل هذا التبليغ ولو لشخص واحد فسنكون مقصرين وغير معذورين، فلا عذر إلاّ في إيصال هذا البلاغ سواء قبلوا به أم لم يقبلوا.
إنّ مسلمات الإسلام ليست واحدة أو اثنان والعياذ بالله، وأنا أوصي الشباب الأعزاء الذين يمتلكون الحيوية والذين يحملون عرقاً دينياً وحرارة في قلوبهم أن يهتموا بهذا الأمر وعليهم أن يقرؤوا قوانين الدول الإسلامية، العشرات بل المئات منها، التي جاءت مغايرة ومخالفة للقرآن ومخالفة لمسلّمات الإسلام، وهذا واجب عليهم، ولا نرى فقيهاً واحداً يقول أنّ هذا غير واجب، فهم يقولون بالكبرى وهذه المسألة هي صغرى ومن واجب الجميع إيصال ذلك. وأنا هنا أذكر مسألة الأرض كنموذج لكي لا نغفل عن المسلّمات الإسلامية، وهناك الكثير من الدول غير الإسلامية لا تعلم بهذا الأمر ولا تعلم بهذه الفضيلة الإسلامية. إنّها من عظمة الإسلام أن تكون الأرض للبشر من الذين يقومون بعمارتها.
من مآسي البلاد الإسلامية
قبل 60 عاماً وعندما كنت أنتقّل من كربلاء المقدّسة إلى الكاظمية المقدّسة كنت أرى وعلى طول الطريق أن في طرفي الشارع، الأراضي كلّها مزروعة في ذلك الزمان، وكانت وسائط النقل ضعيفة والحكومات لم تكن إسلامية بمعنى الكلمة لكنني مع ذلك أتذكّر أنّ الطريق بين كربلاء والكاظمية وعلى مدّ البصر كان مزروعاً وكانت الأراضي مليئة بالزراعة، صيفاً وشتاء، وكنّا في تلك الأيام نرى هذه البلاد الإسلامية مزروعة وعلى مد البصر لكننا اليوم نرى في هذه البلاد الإسلامية ومن خلال تنقّلنا عبر القطارات والسيارات والطائرات نرى الصحاري القفار، وكلّ ما نراه هي صحراء وصحراء، فلماذا؟ السبب أنّه لم يبق من الإسلام إلاّ اسمه، وهذا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله. ولذا يجب علينا التبليغ، وكلّ من يشك في مسألة عليه أن يراجع الفقهاء ويسألهم ويراجع مراجع التقليد ويسألهم هل الحكومة هي مالكة للأرض؟
وعلينا أيضاً في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية بتبليغ الشعائر المقدّسة للإمام الحسين عليه الصلاة والسلام وإيصالها إلى جميع أنحاء العالم ليتحقّق مفهوم (وأنا من حسين) الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وآله. ولنسأل كم من الناس وبسبب استشهاد الإمام الحسين عليه السلام قد دخلوا الإسلام وآمنوا به؟ وكم وصل إليهم البلاغ؟ بغضّ النظر عمّن آمن أو لم يؤمن (ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) فالمفروض أن يصل البلاغ.
من يصنع الحروب؟
إحدى مجلات الضلالة التي تطبع في خارج البلاد بلغات فارسية وعربية وانجليزية التي أعطاني إيّاها بعض الأصدقاء ولعله من مجموع مليون مسلم لا يعلم بها سوى عشرة أشخاص ولم يسمعوا حتّى باسمها، وهي ليست من المجلاّت المعروفة في بلاد الكفر، وأنا لا أريد هنا أن أذكر اسمها، بل أقول هذه المجلة مكتوب على غلافها أنّها تصدر بثلاث وثمانين ألف نسخة وتصدر بثلاثمائة وحوالي أربعين لغة، ويوجد مثلها العشرات بل مئات المجلات الأخرى التي تشابهها وهي جميعاً مجلاّت ضلالة وكفر ومجلات فساد التي تجر المجتمع إلى الفساد والضلالة. وهذه المجلات الضالّة والفاسدة تقوم باستهداف عقائد الناس وأخلاقياتهم، وقد صنعت هذه المجلات الحروب التي وقعت وتقع في العالم.
ومما يدعو للتأسف انّه في البلاد الإسلامية وخلال ستين سنة في مصر ومنذ انقلاب عام اثنان وخمسون وحتى يومنا هذا أي حوالي خلال ستين سنة، يعلم الله كم عدد الشباب الذين قتلوا في البلاد الإسلامية وكم مليون امرأة أصبحت أرملة وكم طفل أصبح يتيماً. وهذه من صنيع مثل تلك المجلات. فكل هذه الأمور تجتمع لتصل بنا إلى هذا المستوى وإلى هذه الحالة. لاحظوا مجلة واحدة تصدر بثلاث وثمانين ألف نسخة وبحوالي ثلاثمائة وأربعون لغة. وأتساءل: لماذا تطرح قضية الإمام الحسين عليه السلام بهذا المستوى البسيط؟ أليس للإمام الحسين طيف واسع من المحبّين؟ وهل الإمام الحسين عليه السلام يفتقد للمؤّيدين وللمحبّين؟ كلّا يوجد هناك عدد كبير من المحبّين من الأغنياء ومن غيرهم. ثمّ أليس للإمام الحسين عليه السلام أتباع في الحكومات والأنظمة؟
أجل إنّ للإمام الحسين عليه السلام مكانة في قلوب الشباب الغيارى والمؤمنين والمؤمنات، خاصّة من غير الأغنياء أيضاً وهؤلاء يمتازون بالحيوية والنشاط فيا ترى كم عدد هؤلاء؟
لقد كتبوا في المجلّة التي أشرت إليها أنّهم لا يحصلون على المال من أيّة حكومة ولا من أية جهة أخرى، بل يجمعون المال للمجلة من التبرّعات. فكم يجمعون من المال من الناس ليصّدروا هذا العدد الكبير من النسخ؟
قال لي أحدهم لعلّه يبالغون أو يكذبون في ادّعائهم بإصدار هذا العدد الكبير. قلت له كم توجد من الحريات في ذلك البلد؟ أليس لهؤلاء منافسين، فإذا بالغوا أو كذبوا سوف يقوم منافسيهم بفضح أكذوبتهم، وأنا لا أهتم كثيراً بصحّة أو عدم صحّة أعداد النسخ التي تصدر عن تلك المجلة لأن الذي ذكر لي الخبر قال رأيت ثلاث أشخاص من موظّفي هذه المجلة كانوا يطرقون أبواب كل بيت ويسألون أصحابها بأيّة لغة تتحدثون؟ ثم يعطون صاحب البيت المجلّة باللغة التي يتحدّث بها. يقول الشخص فقلت له أنا أتحدث بلغة كذا وزملائي بلغات أخرى وكانت اللغات هي العربية والفارسية والإنجليزية، فقدّموا لي المجلة بهذه اللغات الثلاثة التي نتحدث بها. أما نحن فيبدو أننا ننتظر لكي يأتي لنا شخص ويطرح لنا موضوعاً من باب الصدفة. إذن أليس من واجبنا أن نبلّغ ونتابع الأمور.
بذل الجهود وتوفير الأسباب
إنّ مقدمات الوجود هي واجب مطلق، فهل هي واجبة أم لا؟ أليس علينا أن نتابع وأن نوفّر الأسباب، كلٌ حسب قدرته واستطاعته؟ نعم إنّ قضية الإمام الحسين عليه السلام هي قضية فيها مشاكل ومصاعب منذ نشأتها وحتى اليوم وقد وعد الله تعالى بالثواب العظيم والدرجات العالية لكل من يخدم في طريق الإمام الحسين عليه السلام، فأيّة مشكلة نواجهها وأي بلاء يحلّ بنا وأي صعوبة تنزل لا تكون من دون أجر وثواب. فنحن ومن أجل شراء البيت نستقرض المال ونؤجر على ذلك، كما أننا نستقرض المال من أجل إقامة الأعراس لأبنائنا والله يجزينا الله بالخير، ونستقرض المال من أجل دوام حياتنا ثم لا نستطيع أن نوفي بالقروض وتقوم الأنظمة الإسلامية بسجن من لا يستطيع تسديد الدين لهذا السبب.
أنا لا أقول استقرضوا المال وتعرّضوا للسجن بل أقول لم أر شخصاً استقرض من أجل الإمام الحسين عليه السلام ولم يستطع إيفاء وتسديد ذلك القرض وتعرض للسجن فلماذا إذن لا نستقرض؟ وما الضير أن يسجن الإنسان من أجل الإمام الحسين عليه السلام؟ إنّ الكثير من الناس يسجنون من أجل حياتهم وبسبب القروض التي أخذوها للأعراس ولشراء الدور وهذا يحدث رغم أنّ الأئمة لم يصرّحوا بذلك وخاصّة في الحجّ حيث لم يقولوا اذهبوا إلى الحجّ في حال إمكانية تعرّضكم للسجن لأنّه لا تحدث بذلك الاستطاعة. فإذا كان الخوف من السجن في الذهاب إلى الحجّ موجوداً فلا يكون هذا الحج واجباً ولا تكون الاستطاعة، لكنه صرّح أهل البيت عليهم السلام بزيارة وخدمة الإمام الحسين عليه السلام رغم الخوف من السجن، حيث قال الإمام الصادق عليه السلام: (ما أجفاكم). فهؤلاء يخافون من السلطة والحاكم، وحسب قول العراقيين أخاف من الأمن والمخابرات. لكنه خلافاً لذلك قال الإمام عليه السلام: (زر الإمام الحسين ولو على خوف). أي إنّ الله عزّ وجلّ قد أراد للإمام الحسين عليه السلام أن يحيى ذكره. وفي الوقت نفسه قال الإمام عليه السلام: لا تذهبوا إلى الحجّ إذا لم تكن الاستطاعة حاصلة أو إذا كان طريق الحجّ فيه خوف وكان ذلك الخوف عقلائياً، بل إنّ بعض الفقهاء ذهب إلى أبعد من ذلك وقال: إذا ذهب جماعة إلى الحجّ ولم تك الاستطاعة حاصلة ومنها عدم الخوف فإنّها لا تحسب حجّة الإسلام حتى إذا لم يكن ذلك الخوف حادثاً.
أنا بصدد تبيين هذه الأحكام الشرعية ولا أقول أذهبوا إلى السجن لكنني أقول لا تهتموا لهذه الأمور فتمنعكم من مواصلة العمل. فاليوم يقبع في السجون الكثير من الناس. ففي إحدى البلاد الإسلامية وقبل شهر أو شهرين من هذا العام قرأت في خبر أنّ عدد من الأشخاص قد تم سجنهم بسبب الديون، لكن رئيس الحكومة قرّر الإفراج عنهم بعد أن سدّد ديونهم من ماله الخاص، وأقول لصاحب الحكومة لماذا تعتقلهم حتى تفرج عنهم؟ أليس القرآن الكريم يقول: (فنظرة إلى ميسرة) أليس هذا البلد هو بلد إسلامي؟ ألم ترد هذه الآية في القرآن الكريم؟
أهميّة القنوات الفضائية
كما قلت أنّكم إذا قمتم بسجنه فما هو مصير عائلته وأبنائه؟ ألا يجرّهم ذلك إلى الفساد؟ فأيّ منطق هذا الذي يحكم الدول الإسلامية؟ لعل الذنب في بعض ذلك يعود إلى الذين يعلمون بأحكام الدين ولا يبلّغون لها. يقول رئيس الحكومة قد أعطيت القرض من مالي الخاص، ولا ننكر هذه المرتبة من الجميل لكن من المسلّمات التي يجب أن نعمل بها هي أنّ البلاء البيان والبلاغ يجب أن يصل دائماً وعلى طول السنة، وربيع ذلك هو شهر محرّم وشهر صفر. فيجب البلاغ ويجب الإيصال. فكل واحدة من القنوات الفضائية التي يمتلكها أصحاب الكفر والضلالة جاءت لإفساد الناس في هذه الدنيا. فهناك عشرات المواقع والقنوات الفضائية التي تقوم بتغطية عالمية وللأسف قد وصل صوتها ورسالتها إلى الدول الإسلامية أيضاً، قامت وللأسف بإفساد الدول الإسلامية بشكل كبير وباتت الضلالة والفساد يتوسّع فيها بشكل مستمر.
إذن لماذا الفضائيات الإسلامية باتت قليلة إلى هذا الحدّ؟ وهي واحد بالألف، وكما نقل لي بعض ذوي الاختصاص أنّها قليلة جدّاً. فمن واجب الجميع ومنهم الأغنياء دعم هذه القنوات وأن يجمعوا المال لها. فاذهبوا وحاولوا ولا تيأسوا حتى لو استهزؤوا بكم وحتى لو تعرّضتم للإهانة فعليكم تحمل ذلك الأمر وهذا من سيرة ومنطق جميع الأنبياء حيث يقول القرآن الكريم: (ولنصبرن على ما آذيتمونا) واللام هنا هي لام القسم والنون هي نون التوكيد الثقيلة وهما يحيطان بطرفي عبارة الصبر. وإذا كان الإنسان يطلب الراحة والعيش والنعيم عليه أن لا يستقرض بأمور دنياه لكي لا يهينه أحد أو يستهزء به.
تهمة العمالة للأجنبي
إنّ ديدن الظالمين في التاريخ كله، هو اتّهام معارضيهم، وكان السذج من الناس يرضون بذلك وكل ما كان يتعرّض له للأنبياء كان سببه ذلك، وكل ما كان يحدث للأمة من مشاكل كان سببه تهمة إيجاد الفرقة بين الناس. فكان المشركون يتّهمون النبي صلى الله عليه وآله ويتهمون أبي طالب عليه السلام بأنّهما يفرقان بين الجماعة ويقولون: (فرّق جماعتنا). وللاسف هذه التهمة قد انتشرت في العالم ويروّج لها بعض الدول الإسلامية. وهذا المعنى من التفرقة هو معنى خاطئ لأنّ القرآن الكريم: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيّين مبشرين ومنذرين) فيجب أن نبيّن للعالم ولا سيّما المسلمين وخاصّة الذين لديهم حسينيات سواء كانوا في الدول الإسلامية أو غير الإسلامية أن يبيّنوا معنى هذه الآية ليعلم المسلمون ما المقصود منها. فلاحظوا التفاسير والروايات الشريفة إنّها تبيّن معنى: (أنّ الناس كانوا أمة واحدة) أنهم كانوا أمة واحدة على الكفر وليس معنى الآية الاطلاق في المعنى. فكان الناس أمة واحدة على الكفر والضلال، فجاء الأنبياء وفرّقوا بينهم وجعلوهم أمّتين، أمّة مؤمنة وأمّة كافرة، وهذه الفرقة هي فرقة لازمة وواجبة بين مؤمن وكافر.
الظالمون شغلهم التهمة
لقد كان المشركون يقولون لأبي طالب رضوان الله عليه وسلام الله عليه إنّ ابن عمّك قد فرّق جماعتنا، وكان قصدهم من الفرقة أن جعل شبابهم مسلمين. وكذلك قال معاوية لأمير المؤمنين وللإمام الحسين صلوات الله عليهما، أنّك فرّقت الأمة وذلك بقوله ياحسين اتق الله من الفرقة. وكذلك كان الظالمين من بعدهم يتّهمون معارضيهم بإيجاد الفرقة وهذه الحالة كانت موجودة ومنذ القدم، حيث انّ ديدن الظالمين كان مبنياً علي الاتهام، وكانوا يُعلّمون أتباعهم بذلك. وقد ورد في القرآن الكريم بخصوص النبي صلي الله عليه وآله (فهي تملى عليهم بكرة واصيلا) ومعني ذلك أن النبي كان يلقّن اصحابه ـ حسب ما يدّعون ـ وليس الله والقرآن، ومعاوية اتّهم الإمام الحسين عليه السلام بإيجاد الفرقة.
وصيّة للشباب
أرجو من الشباب الغياري أن يطالعوا وأن يقرؤوا التاريخ لكي لا يُخدعوا بدعاية الكفّار الضالة، سواء كانوا في الدول الكافرة أو غيرها ولكي يكونوا قاصرين وغير مقصّرين، ومنه انّ المرحوم الشيرازي الكبير وفي حادثة التبغ، ولا أقول لا نظير لها بل أقول قلّ نظيرها في تاريخ البشرية، قد استطاع بفتوي واحدة بكافّة مقدماتها وخواتيمها أن يطرد 400 ألف خبيراً بريطانياً من بلاد ايران، حيث كتبوا أنّه سقط عدد كبير من القتلى في هذه الحادثة، وقد وردت تفاصيل هذه القصة والحادثة في الكتب. وكتبوا أن الدعاية الضالّة التي أطلقها الإنجليز أنهم كانوا يشجّعون عدد من الناس ليقولوا أنّ الميرزا حسن الشيرازي الكبير والميرزا الشيخ تقي الشيرازي هم من أتباع الإنجليز والحكومة البريطانية هي التي بعثتهم ليقوموا بهذه الثورة. وهي ثورة أخرجت من إيران 400 ألف بريطانياً وأنقذت إيران من مصيبة عظمي، ويعلم الله إنّه لو لم تك هذه الثورة ماذا كان يحلّ بإيران.
الاستعمار يتّهم المرجعية
كذلك هذه القصة حدثت في زمن الشيخ محمّد تقي الشيرازي في ثورة العشرين بالعراق وقد سمعت بنفسي تفاصيلها. فقد كتبوا أنّ أحد الأشخاص صعد المنبر واتّهم الشيخ الشيرازي بالعمالة للإنجليز والكل يعلم انّ الميرزا محمّد تقي الشيرازي وبواسطة أربعة ملايين ونيّف الذي كان يمثل شعب العراق، حيث كانت نفوس العراق أربعة ملايين نسمة وبعض الشيء، قد واجه البريطانيين الذين كان عدد مناصريهم مليار نسمة، ستمئة مليون في الصين وأربعمائة مليون في الهند حيث كانا من مستعمرات بريطانيا. وبالنتيجة استطاع الشيرازي طرد الإنجليز من العراق وكتبوا أن في مدينة الرميثة وأطرافها قتل آلاف البريطانيين الذي كانوا قد جاؤوا من وراء البحار إلى العراق لاستعماره وتدميره. والشخص الذي صعد المنبر قال إنّ الميرزا محمّد تقي الشيرازي هو انجليزي وأنّ الانجليز بعثوه لتأمين مصالحهم وهم الذين طلبوا منه أن يصدر مثل هذه الفتوى وأن يعمل بهذه الطريقة. وقد سمعت من أحد وكلاء المرحوم آقا ميرزا محمد تقي أنّه قال أننا طلبنا من الميرزا محمّد تقي ليقطع راتبه الشهري بسبب التهمة التي وجّهها من على المنبر، لكنّ الميرزا لم يوافق على ذلك. وهكذا كانت طريقة تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله وهي نفسها أسلوب وطريقة أمير المؤمنين صلوات الله عليه إذ لا يجوز بسبب مخالفته أن يقطع عنه راتبه، فما يعني ذلك؟
منطق معاوية ويزيد
إنّ قطع الرواتب والمال هو منطق معاوية ومنطق يزيد ومنطق هارون بينما رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقطع راتب شخص واحد من المنافقين، ولم يقطع الإمام أمير المؤمنين راتب الذين حاربوه وقتلوا أصحابه بل قال لهم إنّ من حقّكم أن أسدّد لكم حقوقكم من بيت المال. فمن الذي عليه أن يعرّف مثل هذا الإسلام للعالم؟ إنّ على الشباب إيصال ذلك إلى المسلمين وغيرهم، فمن الواجب عليهم متابعة ذلك ومن الواجب أيضاً نقل ذلك إلى الآخرين لئلا يكون للناس على الله حجّة ولكي يعلم الناس في كل العالم ، بمدنه الكبيرة والصغيرة وحتى القرى والقصبات. فإذا لم ترفرف راية الإمام الحسين صلوات الله عليه في العالم كلّه سنكون أنا وأنت من المقصّرين وتبقى المسؤولية قائمة، وحتى القصور في ذلك الذي نتيجته الخجل، هذا القصور يقلّل من الدرجات في يوم الآخرة. فيجب أن لا نكون مقصّرين على الأقل. وكل شاب غيور وكل إنسان بما يملك من إمكانات يستطيع أن يفعل الكثير في هذا المجال. وعلينا أن نجمع التبرّعات ونتكلم مع هذا وذاك، ونتحمّل حتى الإهانة في هذا الطريق لأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان أسوة لنا (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).
تبليغ الإسلام بالسلم لا بالقوّة والسلاح
في أوائل الإسلام وعندما كان المشركون يأتون بأصنامهم إلى الكعبة في شهر رجب وذي الحجة كان رسول الله يأتي للتبليغ بينهم، فكان يتحدّث مع قبائل المشركين ويدعوهم إلى الإسلام. فراجعوا كتب التأريخ لتروا كم تحمّل النبي صلى الله عليه وآله من الإهانة في هذا الطريق وكم استهزؤوا به وكانوا يقولون للنبي أرحل عنا أرحل بعيداً لأنّك جئت لنا بالشوؤم، بل كانوا يبصقون في وجه النبي، لكنه صلى الله عليه وآله لم يرفع يديه إلى السماء ولم يدع عليهم. فعلينا أن نقتفي أثره وأن لا ندعو إذا تعرّضنا لشيء من الإهانة، وفي الواقع أنّ هذه ليست بإهانة. وثانياً وفي طريق الإمام الحسين عليه السلام علينا أن لا نقوم بتثبيت الإسلام بالقوّة والسلاح لأنّ النبي صلى الله عليه وآله لم يفعل ذلك وحتى أمير المؤمنين، فقد كانوا صلوات الله عليهما وآلهما يبلّغون وينشرون الدعوة، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وعلى الإنسان أن يتحمّل قليلاً حتى من الذي يسبّه وينسب إليه التهم، فلا يشعر بالتعب، لأنّ هذه أعذار لا أكثر.
قال أحد الأشخاص لقد ذهبت لخطبة زوجة لولدي إلى عشرات الأماكن ولكنهم جميعاً لم يوافقوا ومع ذلك ترى الأب لا يقول سوف أمتنع عن الذهاب فهو يذهب كثيراً حتى يستطيع أن يخطب فتاة لولده. وعمله هذا هو الصحيح. كما أنّنا علينا أن نسعى من أجل الحسينيات والمساجد والتبليغ والكتب والفضائيات والإذاعات التي تبثّ فضائل أهل البيت عليهم السلام. فعلينا نشر مسلّمات الإسلام عبر القنوات الفضائية والإذاعات والكتب والمجلات والصحف والعاقبة للمتقين، وهذا ما يحتاج إلى المزيد من التحّمل والصبر، وهذه الأمور لا يجوز فيها العذر لأنّ الإنسان يسعى لنفسه ولولده كثيراً ويتابع وربما يسجن من أجلهم، فهل إذا وصلت القضية للإمام الحسين عليه السلام يكون معذوراً في ذلك؟
إلى العاملين الحسينيين
الكلمة الأخيرة أوجّهها إلى جميع العاملين في شهري محرّم وصفر، والموفّقين للخدمة، سواء كانوا من الأساتذة والطلبة الفضلاء أو أساتذة الجامعات أو الأعزّة الغيارى الخادمين في طريق الإمام الحسين عليه السلام أو أصحاب المواكب وأصحاب الحسينيات وأصحاب المجالس، هؤلاء أوصيهم بأن لا يطردوا أحداً من أماكن الخدمة وإحياء الشعائر الحسينية، على الإطلاق، حتى إذا كان يسبب مشاكل بحسب نظرهم، بل عليهم أن يتحمّلوه لأنّه أولاً قد يتغيّر ذلك الشخص نحو الأفضل وهذا ما يحدث كثيراً، وأما إذا لم يحصل ذلك كما جاء في عبارة (يهلك عن بيّنة) فهنا يكون الأسوة هو رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين والأئمة الأطهار صلوات الله عليهم من بعده. فرسول الله صلى الله عليه وآله لم يطرد منافقاً على الإطلاق وإذا وجدتم شيء من هذا القبيل فأخبروني به، وكانت هذه أخلاقه صلى الله عليه وآله رغم أنّ آلاف المنافقين من أصحابه كانوا يحيطون به.
يقول الإمام الصادق صلوات الله عليه في رواية نقلها الكافي أن رسول الله قام بعمل، وأنا لا أذكره مع علمي به لأنّه لا لزوم لذلك، ثمّ قال: أنّ هناك آلاف من المنافقين عدلوا عن نفاقهم. ترى كم ألف من المنافقين كانوا إلى جانب رسول الله حتى عدل منهم ألف واحد؟ يبدو أنّ هناك آلاف المنافقين كانوا يحيطون بالنبي وكان صلى الله عليه وآله يتحمّلهم. فعلينا أيضاً كأصحاب حسينيات وهيئات وأصحاب مواكب وخطباء أن لا نطرد أحد من هذه الأماكن لأنهم ربما يتغيّرون ولأنّ النبي لم يفعل ذلك، وكذلك نحن لا نفعله.
لا للانشغال بالنزاعات
حتى أولئك اللذين حاربوا أمير المؤمنين عليه السلام في واقعة النهروان، ألقوا سيوفهم ولكنهم لم يرجعوا عن نفاقهم، إلا أنّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه جاء إلى المسجد ووقف في المحراب وصلّى جماعة وعندما كان يقرأ الدعاء انبرى أحد المنافقين ورفع صوته عالياً وقال: لئن أشركت ليحبطنّ عملك. فسكت الإمام أمير المؤمنين قليلاً، وبعد أن أنهى ذلك الشخص قوله، استمرّ أمير المؤمنين في صلاة الجماعة. وكما تذكر كتب التأريخ لم يأخذ أميرا لمؤمنين ذلك الشخص ولم يعرّضه للضرب ولم يسجنه ولم يقطع راتبه ولم يقل له أي كلمة غير جيّدة. فهل والعياذ بالله كان فعل أمير المؤمنين خطأً؟ الخطأ نحن نرتكبه إذا لم نفعل كما فعل الإمام. فعلينا أن نحتفظ بالأشخاص الذين يزورونا، فكل شخص له أفكاره الخاصة ولديه عقل خاص به. وربما يقول بعضهم هذا الشخص يفتعل الأزمات. أقول أليس من كان مع النبي من المنافقين كانوا يفتعلون الأزمات أيضاً. أرى أن هذا التعامل الطيب أفضل من أن ننشغل بالنزاعات مع زملائنا فالروايات والآيات الشريفة تدعونا إلى لمّ الشمل تحت خمية وراية الإمام الحسين عليه السلام.
تعامل غير جيّد
إنّ الفقهاء لديهم مثل هذه المسائل الشرعية في كتب الشرائع وشرح اللمعة والكتب الصادرة عن الشيخ المفيد وعليكم أن تراجعوا هذه الكتب التي تقول أنّ شخصاً إذا أوقف في مكان كمسجد أو حسينية أو دار أيتام أو مدرسة ووضع متوليا لهذا الوقف، فإذا عمل المتولّي بهذا الوقف وكان عمله صحيحاً فلا ضير في ذلك، أما إذا كان المتولّي لم يعمل بذلك الوقف فما هو حكم الشارع فيه؟ هل يطرده أم يضع شخص إلى جانبه؟ يقولون: يجب أن يضعوا شخصاً معه، فإذا لم ينفع يقومون بتبديله. فلماذا يضمّون إليه شخص آخر؟ والجواب لأنّ الطرد ليس من فعل الإسلام، وهذا ما يكون من المزاجيات خاصة. ففلان الشخص له رأي والشخص الآخر له رأي آخر وأنا لدي وجهة نظر وأنت لديك وجهة نظر أخرى. وليس المقصود من فعل المتولّي أنّه يفعل الحرام بل لا يقوم بتطبيق الوقفية، فحاكم الشرع لا يقوم بتبديله وإنّما يضم إليه شخص آخر ولو فعل ذلك ربما يعود إلى صوابه، وأما إذا لم يحدث ذلك فعندها يخرجه.
لنجتمع تحت الراية الحسينية
إذن علينا أن نجتمع جميعاً تحت خيمة وراية الإمام الحسين عليه السلام وأن نوسّع رقعة وسعة هذه الراية لكي لا نتحسّر يوم القيامة ولا نقول لماذا لم نفعل ذلك. ففي يوم القيامة سوف نرى أشخاصاً عملوا أكثر منّا وتحمّلوا المصائب ونزل عليهم البلاء وكانت لهم منزلة عالية فنغبطهم ونتحسّر على ما فاتنا.
أرجو من المولى سيّد الشهداء عليه السلام الذي هو باب الرحمة الإلهية الواسعة وسفينة النجاة، أن يمنّ علينا الله بالتوفيق أكثر فأكثر وأن يتوفّق لهذه الخدمة من لم يحصل له التوفيق. وأرجو من سيّد الشهداء عليه السلام الذي هو ممن قالوا بحقّهم (وإرادة الربّ في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم) وذكره الشيخ الصدوق في أصحّ زيارات الإمام الحسين عليه السلام، أن يوفّقنا أكثر لهذه الخدمة. وصلّى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين.