فاجعة البقيع: خطوات لمعالجة آثارها المسيئة للإسلام

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2019-06-13 07:19

مأساة فاجعة هدم قبور البقيع تتجسد في هذه الأيام، حيث نعيش ذكرى التجاوز البذيء على المراقد المقدسة لأئمة أهل البيت عليهم السلام، ونقول بأنها فاجعة لأسباب عديدة، أولها إنها أدمت قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وثانيها، إنها تشكل سابقة خطيرة في التجاوز على قدسية الرموز الإسلامية من السلالة النبوية، ممثلة بعدد من أئمة أهل البيت وهدم قبورهم، وثالثها، إنها تشكل تجاوزا صارخا على التراث الإسلامي والإنساني، مما يستوجب إدانته واستنكاره عالميا وإسلاميا، مع اتخاذ الخطوات اللازمة التي من شأنها أن تمحو آثار هذه الفاجعة النكراء.

فطالما بقيت المراقد المقدسة مُزالة من الأرض ولم يُعاد بناؤها واعتبارها، فإن مرارة هذا الفعل البذيء تبقى قائمة، والبقيع تبقى موحشة في بقاء معالمها المحمدية مغيّبة، ولا يمكن أن يزال الحيف عن السلالة المحمدية ولا عن المسلمين، طالما لم يتخذ المسلمون قرارا بإعادة قبور البقيع، بالتعاون من المجتمع الدولي كله، وخصوصا المؤسسات والمنظمات الدولية التي تُعنى بالتراث العالمي الإنساني، فمن يريد إزالة الحسرة والألم والوهن عن المسلمين، عليه أن يبادر في الشروع بإعادة ما تم تهديمه في البقيع ظلما وبهتاناً.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في أحد دروس بحث الخارج:

(التجاسر البذيء مازال باقياً ومستمراً مادام البقيع على حاله موحشاً، وقبور أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم فيه مهدّمة، ولا يزول هذا الوهن ولا يعالج إلا بزوال آثاره المفجعة، وبقاياه المؤلمة، وذلك بإعادة بناء المراقد الشريفة والقباب المنيعة وتشييد الأضرحة الكريمة والمآذن الشامخة).

على من تقع مسؤولية إعادة الأمور إلى نصابها وسابق عهدها؟، هناك عمل (عام مجموعي) يمكن من خلاله المشاركة في إعادة بناء مراقد أئمة أهل البيت، وهذا هو الأسلوب الأهم والأكثر قدرة على تذليل جميع العقبات التي تقف حائلا أمام إنجاز هذا الهدف، حيث الجميع يشترك في هذه المهمة، بغض النظر عن قدراته أو تخصصه أو مركزه الوظيفي والاجتماعي، فالفرد في إطار العمل العام المجموعي، له قيمة كبيرة بحيث أن غياب الفرد الواحد يؤثر على عمل المجموع.

كيف نحقق بناء قبو البقيع؟

هناك أسلوب عمل آخر هو العام الاستغراقي، وهذا لا يمكن أن يكون أسلوبا صحيحا أو مناسبا لإعادة البقيع إلى ما كانت عليه، لأن الفرد في هذا النوع من العمل يكون مستغرقا بمصالحه الفردية، ولا يعبأ كثيرا بالعمل المجموعي، والفارق بين النوعين كبير جدا، يتجسد باستعداد الإنسان للعمل الكلي على حساب المصالح الفردية، في حين أن العام الإستغراقي، يجعل الإنسان أنانيا لا يأبه إلا بما يدخل في صالحه الفردي.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(لا يمكن تحقيق - إعادة مراقد البقيع- إلا بالعمل على نحو العامّ المجموعي لا العام الاستغراقي حيث إن كلّ فرد من أفراد العام الاستغراقي مستقلّ عن الفرد الآخر بحيث لا أثر لوجوده وعدمه بالنسبة إلى الآخرين، بينما العام المجموعي ليس كذلك، لأنّ لكل فرد من أفراده العلّية في تحقّق العام المجموعي).

ويضيف سماحته مؤكّدا البون الشاسع بين (العام المجموعي), (والعام الاستغراقي):

(لو فُقد فرد واحد من أفراده لم يتحقق ذلك العام المجموعي، فالألف أو المليون مثلاً لكلّ فرد من أفراده كامل المدخلية في تحقّق الألف والمليون، فلو فُقد فرد واحد منه لم يكن الباقي ألفاً أو مليوناً).

لهذا فإن تحقيق هذا الهدف العملاق المتمثل بإعادة بناء المراقد والأضرحة في البقيع الغرقد، يحتاج إلى اشتراطات كبيرة، في المقدمة منها تلك المشاركة الجماعية الهائلة من قبل المسلمين جميعا، بل إن جميع أحرار وشرفاء العالم من الحريصين على ما تركته البشرية من كنوز تراثية عظيمة، مطالبون بالمشاركة في جهود إعادة الأمور إلى نصابها، لأن فداحة فعل الهدم، لا تخلو من تجاسر وتجاوز على الذات الإلهية الجبارة، وفيها تطاول بيِّن على الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وعلى الإسلام كله وكتاب الله الكريم.

بالإضافة إلى ازدراء القيم الأخلاقية، لذلك الجميع مطالبون على النحو العام المجموعي، بالمشاركة في إعادة بناء أضرحة وقبور ومراقد البقيع والمنائر وكل الأيقونات والرموز الإسلامية التي كانت تزهو بها البقيع قبل فاجعة هد القبور والمراقد والأضرحة، والتطاول عليها بعيدا عمَا تقره الشريعة الإسلامية والتقاليد الإنسانية الداعية للحفاظ على التراث الإنساني.

صيانة التراث الإسلامي والعالمي

عملية إعادة بناء قبور البقيع تحتاج إلى جهود جبارة، منها التهيئة المستدامة والتمهيد الكبير لهذا العمل، من خلال الجهد الإعلامي العالمي والمطالبات العالمية والإسلامية بأهمية إعادة بناء البقيع وإعادتها كما كانت، لأسباب ترجّح ذلك منها إن هذا المشروع يصب في صيانة التراث العالمي والإسلامي، وكذلك إنصاف الحق لأن هذه الفاجعة ألحقت ظلما هائلا بأئمة أهل البيت عليهم السلام، خاصة أن القبور تُقام في هذه المنطقة منذ عهد الرسول الأكرم ولا أحد اعترض عليها أو هدّمها.

المطالبة بإعادة بناء مراقد البقيع، مسعى مهم يجب أن يُسهم فيه الجميع، وكذلك القيام بمحاولات الوساطة الحميدة لانجاز هذا المطلب الكبير، خصوصا إذا عرفنا بأنه مطلب إسلامي وإنساني عالمي شامل، يصب في تأمين الحماية اللازمة للمخزون التراثي دون أن يمسه التطاول أو التهديم أو المحو القسري، من خلال بدع وتشريعات مظلِّلة، سعت ولا تزال تسعى إلى تقديم هذا الفعل الشنيع إلى فعل مقبول، وهو ليس كذلك باتفاق الجميع، لهذا يجب أن تستمر المطالبة بإعادة تعمير البقيع وبناء القبور والمراقد والأضرحة وفتحها أمام المسلمين للزيارة والتبرك.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(مسألة معالجة هذه الفاجعة المؤلمة ورفع هذا التجاسر البذيء المتطاول على الله والرسول، والإسلام والقرآن، والقيم والأخلاق، لابد وأن يكون من جميع المسلمين بل من جميع الناس الأحرار على نحو العام المجموعي، بمعنى: العلاج يحتاج إلى تضافر جهود الجميع وتضامن نشاطات الكل: في إبداء الآراء المطالِبة بالتعمير، وإنجاز المساعي الحميدة لإعادة البناء).

جميع المسلمين يقع عليهم مسؤولية المشاركة في محو آثار هدم قبور البقيع، كل فرد عليه هذه المسؤولية، ولا يمكن لأحد من المسلمين والشرفاء أن يعتذر أو يتردد عن القيام بواجبه في هذا العمل الكبير، وغير مقبول أن يتحجج أي فرد بأن عمله ضئيل وهو فرد واحد والآخرون المخالفون أعدادهم بالآلاف، كل منّا يجب أن يبادر للعمل، ويقدم ما يستطيع القيام به، سواءً كان ماديا أو معنويا أو إعلاميا وفكريا، كل عمل في هذا الإطار مقبول ومفيد، وبمجموع الأعمال في هذا الاتجاه، سوف يتكون سيل جارف من القوى القادرة على إعادة الأمور إلى نصابها فيما يخص محو آثار هدم قبور البقيع، التي لا تزال تنشر الوحشة والمرارة في ربوعها.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

لمحو آثار فاجعة البقيع (كل واحد يشارك حسب قدرته وطاقته، وإدراكه وإمكاناته، ولا يعتذر بأنه واحد والواحد لا أثر له في قبال الآلاف. إذ الوحدات تجتمع فتشكّل جيشاً عارماً، كما إن القطرات تجتمع فتصبح سيلاً كاسحاً وجارفاً، وإلا كان الجميع مقصّراً ومسؤولاً).

الخلاصة إننا جميعا مطالبون بتحشيد طاقاتنا، وتقديم قدراتنا ومواهبنا، وجعلها جميعا في خدمة انجاز هذا الهدف الحق الذي يجب أن نطالب به، إعلاميا، ودبلوماسيا، وفي كل المجالات المتاحة، ونشكل في هذا الإطار حملات إعلامية، ثقافية، دينية، وفكرية، تجسد وسائل ضغط هائلة ومستدامة، تساعد في جعل مهمة إعادة بناء وتعمير البقيع أقرب وأسرع، وتسهم في الضغط باتجاه محو آثار هذه الفاجعة الكبرى.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي