مسؤولية التبليغ في شهر الإيمان
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2018-05-31 07:12
من أهم عناصر التقدم على المستويين الفردي والجمعي، تطوير الثقافة، ووضع خرائط عمل مجدية للتبليغ، لاسيما في شهر رمضان المبارك الذي نعيش أيامه وأجوائه الآن، حيث يحمل هذا الشهر مزايا كثيرة للناس لا، تقف في طليعة هذه المزايا، تلك الأجواء الروحانية العميقة التي توفر للبشر فرصة ذهبية لتصحيح الذات وتقويمها، وتشذيبها، وجعلها أكثر استعدادا للإيمان، وفي الوقت نفسه يضع رمضان على الإنسان واجبات، منها على سبيل المثال الشروع في مضاعفة بناء النفس، بما يجعلها قادرة على تحمّل المصاعب، خاصة ما يتعلق بمواجهة النفس لمغريات الحياة التي لا تعد ولا تحصى، وهي في الغالب إغراءات تنسجم مع الغرائز وتتفق معها وتحقق رغبات الإنسان، بعيدا عن الالتزام بالضوابط الشرعية والأخلاقية والعرفية، لذلك تبقى تهدد النسيج الاجتماعي وتماسكه على نحو مستدام.
وهكذا فإن هذا الشهر الكريم يتطلب من الناس أن يكونوا ذوي قدرة مضاعفة على بناء نفسه، وهذا الجانب يعد من أهم الواجبات التي يجب أن يذهب إليها الانسان، وثمة مقومات وعناصر تساعده في هذا الامر، وتجعله اكثر قدرة من غيره على تحقيق هذا الهدف المهم، خاصة اذا عرفنا أن الصراع ضد النفس، غالبا ما يكون من الصعوبة بمكان لدرجة أن يفشل الانسان في هذا المجال، اذا كان قليل الصبر، وغير عارف أو متبصّر بما ستقوده إليه نفسه من مهالك، تحطّ من ثيمته وتعرضه هو وذويه الى مشكلات صعبة وقد تكون خطيرة في كثير من الحالات والمواقف، وهنا تظهر لنا الحاجة للتبليغ وتعضيد الثقافة ومضاعفة وعي الفرد والمجتمع عموما، وثمة واجب آخر يتطلبه هذا الشهر الكريم، يتعلق بقضية التبليغ، وتنوير الناس، وه مهمة عسيرة ايضا، وواجب مهم يتطلب قدرة وإصرار على التنفيذ، مدعوما بالصبر الذي ينبغي أن يتحلى به الانسان لتحقيق هذا الهدف، خصوصا أن الأجواء تدعم تحصيل القيم وترسيخها في قلوب ونفوس المؤمنين وحتى بعض المشككين، نظرا لازدياد موجات التبليغ بصورة لافتة في هذا الشهر.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة:
(إن شهر رمضان العظيم هو شهر بناء النفس، والتبليغ، فعلينا أن ننتهز هذا الشهر المبارك بالعزم على ذلك. ومن يعزم يوفّق إن شاء الله تعالى، ومن لا يعزم فلا يوفّق وستنتابه الحسرة في الدنيا والآخرة. ولذا يجدر بالمؤمنات والمؤمنين كافّة، أن يعزموا على هذين الأمرين المهمين).
وينبّه سماحة المرجع الشيرازي، على المسؤولية الشرعية الملقاة على السادة العلماء والمبلغين، بخصوص أداء هذا الواجب المهم، إذ يؤكد سماحته على:
(أنّ المسؤولية الشرعية للسادة العلماء والمبلّغين دائماً وفي هذا الشهر المبارك تتلخّص بواجب عيني وهي تزكية النفس. وواجب كفائي وهي هداية الآخرين).
الإنسان عرضة للأخطاء الصغيرة والكبيرة
من الأمور المعروفة حينما ينشط الانسان لكسب رزقه، أو مزاولة أعماله أياً كانت، فإنه كما ذكرنا يكون عرضة للاخطاء، وخاصة ما يتعلق بارتكاب التجاوز بحق الآخرين، وهي تجاوزات كثيرة متنوعة، حاول الدين والقانون الوضعي، بالاضافة الى حزمة الاعراف والتقاليد ومنظومة الاخلاق، تقليل تلك التجاوزات والمحرمات، وردع أصحابها بشتى السبل والوسائل، ولكن في هذا الشهر الكريم، هناك أهمية قصوى لتزكية النفس، حتى تكون مستعدة وقادرة تماما على رفض الاغراءات وتجنب التجاوزات بصورة تامة.
من هنا ينبّه سماحة المرجع الشيرازي على:
(أن المراد من تزكية النفس، هو ما أشار إليه القرآن الكريم في الآية الكريمة التالية: *قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا*. وهذا يعني على الإنسان أن يسعى في هذا الشهر إلى أن يكون الأفضل والأحسن من باقي الشهور والأيام، وأن يسعى إلى الإرتقاء في الأفضلية).
وثمة جانب آخر على المؤمن أن يتمسك به، ويقوم بتأديته، ألا وهو الجانب الذي يتعلق بهداية الآخرين، وهو واجب ينبغي أن يؤديه كل انسان مؤمن قادر على ذلك، وفقا لمعلوماته وقدراته في هذا المجال، وقد رأى سماحة المرجع الشيرازي، أن هداية الناس (واجب مطلق)، من هنا نستطيع أن نقدّر مدى أهمية هذا الأمر، ودعمه للبناء المجتمعي عبر الهداية والبناء الإيماني والنفسي.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(إنّ هداية الناس واجب مطلق، ومقدّمات وجوده واجبة على كل شخص حسب فهمه وعلمه وقدرته)، وثمة شرط يرافق فعل الهداية، ليس هناك مفر منه، لمن يريد أن يؤدي واجب الهداية للآخرين، وقد عرفنا أنه واجب مطلق، أما هذا الشرط المهم الذي ينبغي أن يكون مرافقا للهداية، يتمثل بالاسلوب الصحيح والحسن، بمعنى عندما يقوم الانسان المؤمن بهداية الآخرين عليه أن يؤدي ذلك بطريقة صحيحة حتى يتم تحقيق الهدف الأهم متمثلا بنشر الفضيلة في عموم مفاصل المجتمع وخصوصا الأماكن الرخوة ثقافيا وعقائديا.
فيطالب سماحة المرجع الشيرازي بأهمية: (أنّ التعامل الصحيح والحسن يوجب هداية الناس وتربيتهم. فهل عملنا في عمرنا كله عملاً يوجب هداية وصلاح الآخرين؟). وتشير الإجابة عن هذا السؤال بصدق، بين الانسان ونفسه وبينه وبين ربه، سوف تكون عاملا مساعدا على اندفاع الانسان، لكي يؤدي واجبه في هادية الآخرين، إذا كان قادرا من حيث المعلومات والاطلاع، على أداء هذا الواجب المهم.
هبات كثيرة وهبها الله للإنسان
الذكاء نعمة، والموهبة، والتخطيط السليم والوعي، وكلها تتجمع في وعاء العقل، وتعد من أهم النعم التي وهبها الله تعالى له، فقد تم تنصيبه سيدا على المخلوقات، وتميز عليها جميعا بالعقل، لذلك سيطر الانسان بعقله وذكائه، على عالم الارض وما يشتمل عليه من كائنات تتوزع بين النبات والحيوان، ونظرا لهذه المكانة التي حصل عليها الانسان، وهذه الميزة العظيمة المتمثلة بالعقل، عليه أن يشكر الله بكرة وأصيلا، وعليه أن ينتهز الفرص في هذا الشهر المتميز (شهر الله)، لكي يقدم الطاعة والشكر لله تعالى، وهناك جانب آخر مهم جدا، يتجسد بأهمية أن يرضى الانسان على ما قسم الله تعالى له في حياته، بمعنى عليه أن يتقبل بصدق وعمق، ما وهبه الله تعالى له من أرزاق ونِعَم في حياته، لكي يتخذ منها منطلقا، للنجاح في شقيه الدنيوي والأخروي.
من هنا يرى سماحة المرجع الشيرازي:
(يجب على الإنسان أن يشكر الله تعالى دائماً على ما أعطاه وعلى ما لم يعطيه، وأن يرضى بما قسم الله تعالى له).
لذلك فالمطلوب من الانسان واضح، ولا يحتاج الى تأكيد، إلا إذا تعلق امر التذكير بالإفادة، ففي الاعادة إفادة كما يُقال، وهذا التذكير يتعلق بحتمية إلتزامه في هذا الشهر المبارك، وقبوله بما أعطاه الله من عطايا وهبات ومزايا في العقل والذكاء والخلْق، خاصة أن هذه الدنيا مستمرة ف المضيّ بشكل اكيد نحو الفناء والزوال، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(على الإنسان أن يدعو الله تعالى ويتوسّل إليه، ولكن عليه أن يعلم أن الدنيا زائلة وفانية، وكل النعم لا تتوفّر للإنسان، فيجدر بالإنسان أن يرضى بما قسم الله تعالى له). وكلنا نعرف حالة الطمع التي تتلبس الانسان منذ ولادته حتى وفاته، لذلك على البشر أن يردع نفسه عن الطمع بما لا يحق له، او بما يمثل تجاوزا على حقوق الاخرين، ويجدر بالانسان كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي، أن يتميز بالقناعة والقبول بما وهبه الله تعالى، وعليه ان يكون شاكرا راضيا على الدوام، وأن يجتهد في التعليم والتبليغ ونقل ما يستوعبه بصورة صحيحة إلى كل من يحتاجه من الناس، فمن أهم مزايا هذا الشهر الكريم، نشر العلم وترسيخ القيم الفاضلة.