كيف نستقبل شهر رمضان المبارك؟
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2018-05-17 05:58
من جديد ومع تباشير الأمل والخير والتفاؤل نبدأ كمسلمين مؤمنين مع شهر الله، شهر رمضان الكريم بكل ما يزخر به من أجواء روحية تلطّف مشاعر الناس وأحاسيسهم، وتجعلهم أكثر رهافة ورحمة ورأفة واحتراما للإنسان، وهكذا يستلزم هذا الشهر من المسلمين والمؤمنين أن يستعدوا جيدا لاستقباله، والاستعداد والتهيؤ هنا يبدأ بالنفس، وثمة خطوات ينبغي أن يتخذها كل فرد منا تيسّر له هذا النوع من الاستعداد، ومنها تلاوة القرآن الكريم والأدعية الشريفة.
فكتاب الله الكريم، أنزِل في هذا الشهر المبارك، لإسعاد المسلمين والبشرية جمعاء، من أجلهم كي تكون حياتهم مليئة بأسباب السعادة والنجاح والتوفيق، فما جاء في النصوص القرآنية المباركة يعد بمثابة خريطة طريق للإنسان الفرد وللجماعة، إذ يقدم لهما كل ما يرشدهما نحو الخير والتعايش والوئام، والابتعاد عن الأحقاد والضغائن، لذلك نجد أن من يلوذ في القرآن الكريم سوف يجد ضالته، على مستوى الوضع النفسي والهدوء والاستقرار الذي يعد نقطة انطلاق نحو النجاح المؤزر بالاعتدال والفكر النوراني الذي يفتح جميع الآفاق المتميزة أمام الإنسان.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتاب (من عبق المرجعية):
(في استقبال شهر رمضان الفضيل الذي خصّه الله تعالى بأن أنزل فيه أعظم كتاب في تاريخ السماء لإسعاد البشريّة إلى الأبد، وخصّه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بأن وصفه بقوله: «وجعلتم فيه من أهل كرامته»، ينبغي لعامة المؤمنين والمؤمنات في كل مكان من أرجاء الأرض أن يهيّئوا أنفسهم للاستفادة الكاملة من هذه الضيافة الربّانية العظيمة والشاملة).
ومن لطائف هذا الشهر المبارك، بما منحه الله من خصوصية، أنه يلطّف مشاعر الناس ويجعل أحاسيسهم مرهفة، فيكون الإنسان في هذا الشهر غاية في التوازن والهدوء والشعور بالسعادة على الرغم من انه يقطع الطعام والماء والعصائر أكثر من ثلثي اليوم أي ما يقارب 16 ساعة، ومع ذلك يصبح أكثر إنسانية ونزوعا إلى الخير، ويصبح أكثر فهما وقربا للفقراء والمحرومين ويندفع بقوة لمساعدتهم في تجاوز محنة الفقر والعوز وإطفاء وتحييد الضغوط الهائلة التي يتسبب بها ضعف الحال أو ضيق اليد، لذلك ثمة دعوة من سماحة المرجع الشيرازي لمساعدة هذه الشريحة في جميع بلدان العالم، ومن الأفضل كل منا يهبّ لمساعدة الفقراء والمحتاجين في بلداننا.
كما يؤكد ذلك سماحته بالقول: (يلطّف شهر رمضان المبارك المشاعر والأحاسيس، بما جعل فيه من البرامج، وخاصة الصيام، الذي يجعل الإنسان يشعر بآلام الفقر ويعيش، ولو بنسبة، مآسي المحرومين، لذا ينبغي للمؤمنين الكرام الاهتمام أكثر من ذي قبل بالفقراء والمحرومين في كل بلاد العالم، وخاصة في بلدهم).
تلاوة القرآن والتدبر فيه
كما سبق ذكره، من أهم الخطوات التي ينبغي أن يؤديها الإنسان في هذا الشهر، هو تلاوة القرآن، حيث يعد ذلك مقياسا أدبيا للسعادة في الدار الأولى وفي الآخرة، وكل من يتبعه سوف ينعم بأجواء ومزايا هذه السعادة، لذلك ينبغي أن نتدبر في نصوص القرآن الكريم، ونتعمق في فحواها، ونبذل ما يكفي من الجهود في فهمها والتعايش معها، فهي كفيلة بصنع كل ما من شأنه يريح النفس ويجعلها أكثر توازنا وسعادة ورحمة، وهذا يستدعي منا أن نتبع مضامين وتعاليم القرآن حتى تشيع في نفوسنا الأجواء القرآنية على نحو غامر، أما الذي يبتعد عن هذه النصوص المباركة، فإنه سوف يخسر السعادة، ويصاب بالشقاء الدائم.
يؤكد سماحة المرجع الشيرازي هذا الأمر في قوله:
(ينبغي علينا في شهر رمضان المبارك تلاوة القرآن الحكيم والتدبّر فيه، فهو المقياس الأدبي لسعادة الدنيا والآخرة، فمن اتّبعه سعد في الدارين, ومن تركه شقي في الدين).
ولا شك أن قراءة وترتيل الدعاء له مساهمة فعالة في مساعدة الإنسان على العيش بسلام روحي وهدوء نفسي، مع توافر جميع خصائص السعادة والرحمة وتشبّع الذات بها، ليغدو الإنسان كتلة أحاسيس متدفقة من لطف الأحاسيس وجمالها، فثمة لدينا الخطبة النبوية، وإذا ما قُرئت بتدبر وتأمل عميقين، فإنها تمنح الإنسان طاقة إيجابية هائلة، ولابد لأن يتم تطبيقها على نحو فعلي في حياة الإنسان وتعامله ونشاطه المجتمعي المتنوع.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي هذا الجانب بقوله:
(ينبغي علينا في شهر رمضان المبارك قراءة الخطبة النبويّة الرمضانية الشريفة، التي رواها الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، قراءة تأمّل وتدبّر، ومحاولة تطبيقها على الحياة العمليّة في أيام وليالي هذا الشهر، كلٌّ حسب طاقته وقدرته).
الخشوع في الليالي الرمضانية
ومن الخطوات الأساسية التي ينبغي أن يتخذها المؤمنون في هذا الشهر المتميز، كي يستمدوا منه السعادة والنجاح والثبات، هي الإكثار من إقامة المجالس والندوات التي يتم تخصيصها للأدعية في شهر رمضان، في النهار أو الليل، مع إقامة صلوات الجماعة، وندوات تلاوة القرآن، وتخصيص حيز من الوقت لتفسير الآيات القرآنية التي تتم تلاوتها، ويمكن أن تقام هذه التجمعات في المساجد والحسينيات والمعاهد والمدارس وسواها من الأمكنة، فهذه الأنشطة تعد من أهم ما يُقام في سهر رمضان، كونها تساعد الناس بصورة فعالة على كيفية التعاون المتبادل، وتقليل الاختلافات، وصنع السبل الكفيلة بالتقارب بين الجميع، وتشجيع الروح الجماعية، ومضاعفة مبدأ التكافل المجتمعي ونشر محاسنه الكبيرة والكثيرة بين أفراد وجماعات الأمة.
هذه النشاطات وما يشابهها من حيث المضمون والهدف، يمكن أن تجعل الناس أكثر قدرة على استثمار هذا الشهر الكريم لصالحهم، فثمة لدينا كتاب الله بكل ما يزخر به من تنوع ووجوه المعاني التي يمكن أن تفسر للإنسان مغاليق الأمور وتفتح له الآفاق الكبيرة نحو السعادة والخيرات والأمل.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(ينبغي على المؤمنين والمؤمنات العمل الجاد لتكثير المجالس الدينية، وتعظيم الشعائر الحسينيّة، وندوات الأدعية الشريفة في أيام شهر رمضان ولياليها، وإقامة صلوات الجماعة وحلقات تلاوة القرآن الحكيم والتدبّر فيه، وتجويده وتفسيره، في كل مسجد، وحسينيّة، ومعهد، ومدرسة، وسائر الأماكن العامة المناسبة).
ومما ينصح به سماحة المرجع الشيرازي الاستفادة الفردية أو على صعيد الأسرة، من أدعية الأئمة المعصومين عليهم السلام، ومنها دعاء الإمام السجاد، الذي كان يقرأه في السحَر وفي الليالي الرمضانية التي تزخر بالتعبد والتهجد والتقرب إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا لم يستطع المؤمن من قراءة الدعاء كاملا، يمكنه أن يقرأ جزءا منه وبقدر الاستطاعة، فيكون خاشع النفس مطمئنا، يتولد لديه ميلا عظيما نحو الاستقرار النفسي والإشباع الروحي مما يخلق له سعادة استثنائية في تأثيرها ونتائجها على التفكير والسلوك معا.
ولعل التأثير الأبرز الذي يحدثه الدعاء أثناء تلاوته، هو الوصول إلى أقصى درجة من الخشوع والسلام الروحي والسكينة والاطمئنان، وهذا مما يعد أو يدخل في إطار تقويم النفس وإرشادها وإصلاحها، وكما هو معروف أن نفس الإنسان هي من أشد أعدائها وأكثرها تغريرا به نحو الخطيئة، لهذا ينبغي أن يلجأ المؤمنون إلى تلاوة القرآن وقراءة الدعاء، من أجل تحقيق هذه الأهداف ذات الأهمية القصوى في حياة الإنسان.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب:
(من المهم في شهر رمضان الفضيل قراءة دعاء الإمام السجاد سلام الله عليه الذي كان يدعو به في السحر من ليالي شهر رمضان، وهو مما رواه المحدّث الثقة أبو حمزة الثمالي عليه الرحمة، وإن لم يوفق الشخص لقراءة كل الدعاء، فليقرأ جزءاً منه كل ليلة بتفهم وخشوع، فإنه من أبواب إصلاح النفس التي هي أعدى الأعداء).