الشورى لتكريس الحوار وبناء الكرامة

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الثّالِثَةُ (٢٧-٢٨)

نـــــزار حيدر

2016-07-05 09:05

{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}.

 

اذا لم تُصغِ الى عدّة آراء فكيف يمكنك ان تتّبع أحسنها؟ فالقبول بالتّعدديّة أوَّل شروط حريّة التَّعْبِير التي هي شرط حسن الاختيار الذي يحقّق مفهوم الآية الكريمة والتي يمكن تسميتها بآية حريّة التّعبير.

دع الآخرين يُدلون بآرائهم كما تُحبُّ ان يدعَكَ الآخرون تُدلي برأيكَ، فلستَ وحدكَ تفهم لتحتكر حق الإدلاء بالرّأي، وليس رأيُك وَحْدَهُ يستحقّ ان يُصغي اليهِ الآخرون!.

ولذلك حثّ المشرّع على الاستشارة في كلّ الامور من أجل ان تستمع الى أكثر من رأي في الامر المقصود ثم تختار أفضلها وأحسنها، وهذا هو معنى التعدديّة الفكريّة، فلا اختيار للأَحسن من الاقوال اذا غابت التعدديّة، ولا تعدديّة فكريّة اذا غابت حريّة التّعبير في المجتمع، ليس على صعيد الحكم والسّياسة وإدارة الدّولة فحسب وانّما على كلّ المستويات.

ويخطئ من يتصوّر أنّ الشّورى تعني ان يقول المرءُ رأيهُ في قضيةٍ ما ثم يجب على المُستَشير ان يأخذ برأيهِ حصراً، أبداً، فذلك يسلب من الاخير حق اختيار الاحسن من الآراء، لانّهُ سيحكم برأيٍ واحدٍ ومعيّن فقط.

فضلاً عن ذلك، فإنّ هذه الطّريقة من التّفكير تُلغي فكرة الرّأي العام، رأي الأغلبيّة، الذي يتشكّل من رأي الجماعة ولا يجوز حصرهُ برأي الواحد.

في هذا الإطار كان الامام أميرُ المؤمنين (ع) يعلّم اصحابهُ على احترام رأي الآخرين من قبل كل فرد في الجماعة، فلا ينبغي ان يتصوّر أيّ واحدٍ منهم ان رأيهِ يكفي لاتّخاذ القرار فلا داعي للإصغاء لرأي الاخرين! وهي الحالة المرَضيّة التي يؤمن بها من يعتبرون أنفسهم (أهل الحلّ والعقد) فعندما يُشيرون على المسؤول يتوقّعون أنّ رأيهم قرار، كما توقّع ذلك عبد الله بن عباس عندما أشار على الامام (ع) في شيء لم يُوافق رايهُ، فقال له (ع) {لَكَ أَنْ تُشِيرَ عَلَيَّ وأَرَى، فَإِنْ عَصَيْتُكَ فَأَطِعْنِي} فأنتَ لستَ كلّ الجماعة ولذلك لا يحقّ لك اختزال رأيها برأيِك فقط فإنّ ذلك مصادرةً لحقّ الجماعة في حريّة التعبير.

ان التّحريض على الاستشارة في المجتمع يساعد كثيراً على خلق الجوّ المناسب للتّعاون بين الأفراد من جانب وعلى دعم النّجاح ومواجهة الفشل بشكلٍ كبير، من جانبٍ آخر، كما أنّ ذلك يُساهم في خلق الارضيّة لبناء الثّقة ونشر الفضيلة وأخلاق الحوار والتّفاضل والتّنافس الحرّ والشّريف، بشكلٍ كبير.

يَقُولُ أميرُ المؤمنين (ع) {بَعَثني رَسُولُ الله (ص) على اليَمَنِ، فقالَ وهوَ يوصيني؛ يا عليّ! ما حارَ مَنِ آستَخارَ، ولا نَدِمَ مَنِ آستَشارَ} لماذا؟ يُجيب الامام موسى الكاظِم (ع) {مَنِ آستشارَ لم يُعدم عِنْدَ الصّوابِ مادحاً، وعندَ الخطأ عاذِراً} وهو شيءٌ مهمٌّ جداً، امّا المستبدّ برأيهِ فسيحاصرهُ اللائمون اذا فشلَ او الحاسِدون اذا نجحَ! ولا اعتقد ان عاقلاً يرغب ان يضع نَفْسَهُ في مثلِ هذِهِ المواضع المُحرجةِ على أَيِّ حالٍ!.

ولقد وصف أَميرُ المؤمنين (ع) هذه الحال بقولهِ {المشاورةُ راحةٌ لَكَ وتعبٌ لغَيركَ} على العكس من الاستبداد بالرّأي الّتي يصفها الامام (ع) بقولهِ {الاستشارةُ عينُ الهدايةِ، وقد خاطرَ مَن استغنى برأيهِ}.

حتّى العاقل الذي يتصوّر انّهُ ملكَ ناصية العلم وبلغَ من الرُّشدِ مبلغاً، يبقى بحاجةٍ ماسَّةٍ الى الاستشارة، فلقد قال أَميرُ المؤمنين (ع) {حقٌّ على العاقلِ ان يضيفَ الى رأيهِ رأيِ العُقلاء، ويضمُّ الى عِلمهِ عُلومِ الحُكماء} وقولهُ {لا يستغني العاقلُ عَنِ المشاورة} اذ {لا ظهيرَ كالمشاورةِ} و{لا مُظاهرة أوثقُ من المشاورةِ} كما ورد في الحديث عن رسول الله (ص) الذي يقول سبطهُ الامام الحسن المجتبى (ع) عن المشاورة {ما تَشاورَ قومٌ الّا هُدوا الى رُشدِهِم}.

وفي معرض تفسيرهِ لفلسفة الحضّ على المشاورة يقول أَميرُ المؤمنين (ع) {انّما حُضَّ على المشاورة لانَّ رأي المُشير صِرفٌ، ورأي المُستَشير مَشيبٌ بالهوى} وما أعظمهُ من تفسيرٍ حقيقيٍّ وواقعيٍّ.

انّ الشّورى عاملٌ مهمٌ في تكريس أَخلاقيّات الحوار والعلاقة مع الآخر وإدارة الاختلاف وكذلك في ادارةِ المصالح ورعايتها.

عكسها تماماً الاستبدادُ بالرَّاي الذي يُعتبر عاملاً مهماً في تدمير الثّقة في المجتمع وكذلك يُميتُ روح المسؤوليّة والشّعور بها عند النّاس، فضلاً عن أنّ الاستبداد بالرّأي يقضي على كلّ الاخلاقيّات العامّة في المجتمع.

هذِهِ المعاني السّامية نقرأَها في قولِ الله عزَّ وجلّ؛

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.

وبنظرةٍ فاحصةٍ بسيطةٍ وسريعةٍ للذين يُكثرون من التّشاور في مُختلف قضاياهم الخاصّة والعامّة، وأولئك الذين يستبدّون برأيهم في كلّ قضاياهم الخاصّة والعامّة، سنلحظ أنّ الفرقَ واسعٌ وكبيرٌ بين النّوعَين في الاخلاق، فبينما يتحلّى النّوع الاول بأرقى الاخلاق نلحظ ان النّوع الثّاني عكسهُ تماماً.

ولذلك حثّ القرآن الكريم على الشّورى في أَبسط الامور كقرارِ الوالدَين فطامَ رضيعهُما {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وفي أَخطرِها وأعظمِها وأَقصد بها قرار إِدارة الدّولة والسّياسة والمجتمع وما يتعلّق بها من مصالح عامّة تخصّ الامّة كلّها { {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ}.

التّشاور والحوار للشعور بالكرامة

{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.

يلزمنا ان ننتبهَ الى انَّ أَيّة قِراءة تحرّض على الاستبداد والديكتاتوريّة، ومن ايّ نوعٍ وعلى ايِّ مستوىً كان، انّما هي قراءة مُغرضة الهدف منها شرعنة النُّظم السّياسيّة الاستبدادية والشّموليّة، وهو المنهج الذي كرّسهُ في الامّة الأمويّون عندما قرّر الطّاغية مُعاوية بن هند آكلة الاكباد لعنهُ الله القضاء على الخِلافة الاسلاميّة وتحويلها الى مُلكٍ عضوض، يتوارثهُ الأمويّون الذين لم يوفّروا خطيئةً او بِدعةً او جريمةً الا وقد ارتكبوها.

ليأتي بعدهم وعّاظ وكتّاب السّلاطين لينظّروا لِهذهِ القراءة على مرّ التاريخ، أمثال إِبن خلدون وإِبن تيميّة ومَن لفَّ لفَّهُم!.

لذلك، فانّ إِعادة الحياة للشّورى في المجتمع كقيمةٍ رساليّةٍ وأَداةٍ أساسيّة لإدارة العلاقات بين النّاس أَمرٌ ضروريٌّ جداً، ليس على مستوى السّلطة والدّولة فقط وانّما على كلّ المستويات، نزولاً عند مستوى الأُسرة، لنقضي على ظاهرة الاستبداد في الرّأي عند المواطن، وبالتّالي لنُساعد المجتمع على تغيير العلاقة النّمطيّة بين افرادهِ بشكلٍ جذريٍّ، فانّ استمرار العلاقة بين أفراد الأُسرة الواحدة والمبنيّة على تجبّر الوالِدَين مثلاً او استبداد الابُ برأيهِ في كلِّ قضيّةٍ من القضايا التي تخُصُّ الأُسرة، لاغياً دور الأُم او الأولاد مهما تقدّمَ بهم السّن، إِنّ ذلك بمثابة القُنبلة الموقوتة التي قد تنفجر في أَيّّة لحظة فتحوّل حياة الأُسرة الى جحيمٍ.

ينبغي ان يتوقَّف الآباءُ عن طريقة فرض الرّأي على الأولاد حتّى في القضايا التي تخصّهم، خاصةً عندما يبلُغوا سنّ الرُّشد، فانّ ذلك يقضي على شخصيّتهم المعنويّة اولاً، فلقد ولّى زمن الفرض والاكراه، وانتهى زمن التعنّت وتدخل الوالدَين في خيارات الأبناء بالتّفاصيل المملّة.

ينبغي ان يمنح الوالدَين الأولاد الثّقة اللازمة عند تحديد خياراتهِم، فبدلاً من الاستبداد بالرأي بحجّة انّ الابُ أعرفُ بمصالح أولادهِ من انفسهِم! او انّ الأُمُّ اعرف بمصالح بناتِها من انفسهنَّ، يمكنهما ذلك بالتّشاور وتوجيه مسار الخيارات الى نفس النّتيجة التي يراها الأبوان أَصلح لهم من غيرها، ولكن ليس بالاستبداد والاكراه والفرض والقهر، وانّما بالإقناع بطرق المشورة والحوار.

فبالتّشاور والحوار يشعر الأبناء بكرامتهِم، لانّ الشورى تَخلق الأجواء الإيجابيّة والصحيّة للأولاد لحريّة التّفكير والتّعبير عن الذّات وعمّا يدور في خلدهِم، امّا الاستبداد بالرأي فيخنق هذه الأجواء ويسمّمها في المنزل ما يدفع بالأولاد الى التّفكير خارج إطار الأُسرة وبالتّالي سيتعرّضون لخطر الارتماء في أَحضان الفاسدين الذين يتحيّنون مثل هذه الفرص لتلقّف الأبناء وقيادتهم الى حيث لا يُريد الوالدَين.

أخطرُ شَيْءٍ عندما يجد الأولاد أنفسهُم في الشّارع خارج الأُسرة، فتلك الّلحظة هي بداية المُنزلق!.

انّ العلاقة القائمة على أساس التّشاور واحترام رأي الأبناء والإصغاء الى خياراتهِم ومساعدتهِم على تحديد أفضلها تُساعد كثيراً على تماسك الأُسرة حتى بعد ان يكبر الأبناء ويؤسّسوا لأنفسهِم عوائل بعيداً عن بيت الأُسرة، امّا علاقة الاستبداد وعدم إِحترام رأي الأَبناء وفرض الخيارات في كلّ شيء حتى الخاصّة منها، فانّ ذلك سببٌ مباشرٌ من أسباب تحطيم الأُسَر وإضعاف العلاقة بين أفرادها، سواء بين الوالدَين أَنفسهم أَو بينهُما وبينَ الأبناء، ولو بعدَ حين.

على الوالدَين ان يكرّسا في الأُسرة ثقافة الشّورى، من خلال ممارستها فيما بينهُما، فعندما يرى الأبناء انَّ الابَ والامّ لا يتّخذان قراراً يخصّ الاسرة الا بالتّشاور وتبادل الرّاي ووجهات النّظر، فسيتعلّمون منهم كيف يتشاورون فيما بينهُم بل سيتعلّمون ان لا يتَّخذوا قراراً قبل العودة الى الابِ او الى الامِ او الى كليهِما، او فيما بينهم، وكلّ ذلك سينعكس على المجتمع في المستقبل، فالشّورى ثقافة يتعوّد عليها الانسان منذُ الصّغر، ولقد لاحظتُ انا ذلك شخصيّاً في المجتمعات الغربيّة، هنا في الولايات المتّحدة الاميركيّة مثلاً، ففي هذه المجتمعات يبذل الوالدان مزيداً من الوقت يتحدّثان لبعضِهما ومع ابنائهِما، إِمّا لبلورة مشروع قرار مثلاً او لإنضاج فكرةٍ ما، ولذلك يشبُّ الأبناء هنا وتشبُّ معهُم ثقافة الشّورى والتّشاور والاستشارة.

في المدرسة يُعلّمون التّلاميذ على المشورة، فلا تجد مدرسة تخلو من العبارة [مَعاً نحقِّق التّغيير] وعندما يكبر الطالب ويصل الى مرحلة الإعداديّة والتي يحتاج فيها الى ان يتّخذ قرارات صعبة تخصُّ مستقبلهُ، كاختيار الجامعة او التخصّص او ما الى ذلك، ترى انّ لكلِّ طالبٍ مُستشار او مُستشارة في المدرسة، يعود اليهِ كلّما أرادَ ان يُناقشَ فكرةً او مشروعاً.

امّا عندما يدخل الطّالب الجامعة فمشروع المستشار لا يفارقهُ أَبداً في كلّ خطواتهِ، وكلّ ذلك ينمّي في شخصيّتهِ الحاجة الى الشّورى حتى تُلازم شخصيّتهُ طوال حياتهِ وكأنها جزءٌ لا يتجزأ منها، ولهذا السّبب فالتّشاور بالنّسبة لهُ ليس أمراً مفروضاً او مجبراً أو حتّى غريباً عليه، وانّما هي حاجة يشعر بها كما يشعر بأية حاجة أُخرى في حياتهِ اليوميّة وأَينما كان.

عندنا كذلك، لابدّ ان تنمو ثقافة الشّورى في الأُسرة وفي المدرسة والجامعة ومحلّ العمل وفي السّياسة وفي كلّ شيء، لنقضي او على الأقل نقلّص شيئاً فشيئاً ظاهرة الاستبداد في شخصيّة المواطن.

انَّ الآية التّالية {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} يُمكن ان تكون خارطة طريق لتحقيق هذهِ الحاجة:

١/ انّ الأخلاق هي الأساس الذي نبني عليها ثقافة الشّورى والاستشارة، فالمتكبّر مثلاً او الذي يستصغر الآخرين معتبراً انّهُ افهم من الجميع ولذلك فهو لا يحتاج الى رأي الآخرين، لا يُمكن ان يصغي في يومٍ من الأيام الى رأيِ أحدٍ او يطلب استشارةً من أحدٍ ابداً.

ينبغي ان يتواضع المرء مهما زادَ علمهُ وزادت معرفتهُ، ليقبل ان يتشاور مع الآخرين، فيصغي لهم ويسمع منهم.

٢/ اللاعنف في العلاقة مع الآخر فانّ غِلظة القلب وقساوة الأخلاق تحولُ بين ان يتشاور المرء مع الآخرين.

٣/ انّ الشّورى ليست كلّ شيء فلابدَّ من صلابة الارادةِ وقوّة العزيمة ليتّخذ المرء قرارهُ النّهائي بعد التّشاور مع الآخرين.

صحيح انّ الشّورى خير، وفيها الكثير من نقاط القوّة والايجابيّة، الا انّها في نفس الوقت تحمل أَحياناً في طيّاتها بعض السّلبيات وعلى رأسِها الفوضى، عندما يعتقد بعض النّاس انّ الشّورى لا تنضبط بوقتٍ معيّن ولذلك فمن حقّهِ ان يظلّ يُشير برأيهِ على الآخرين الى ما لا نهاية! وهذا تفكيرٌ أَعوج يُنتج الفوضى، فالشّورى محدّدة في وقتٍ والوقتُ معيَّنٌ، ينبغي ان تلتزِم وتنشط بهِ، ولذلك أَشارت الآية الى وجوب التوكّل واتّخاذ القرار حال الانتهاء من التّشاور، من أجلِ ان لا تظلّ المجموعة منشغلة بالتّشاور الى ما لا نهاية من دونِ قرارٍ وبالتالي من دون عملٍ او مشروعٍ قابل للتّنفيذ، اذ عندها سيكون عملها هو الكلام، ومن الواضح فانّ الكلام الذي لا يُنتج مشروعاً لا خيرَ فيه ولذلك وردَ في الحديثِ الشّريف {اذا غَضِبَ اللهُ على قومٍ إِبتلاهُم بكثرَةِ الكِلامِ وقِلَّةِ العَمَلِ} أَيْ وكأَنَّهم ينشغلون ليلَ نهارٍ بالتّشاور من دونِ ان يصِلوا الى قرارٍ ليبدأوا العمل، كحالِ ذلك المواطن الذي طالما سمعتهُ يشتكي من ضيق الوقت قائلاً [انا ليسَ لي عملٌ ولكن ما عندي وقت!] فهو مشغولٌ ليلَ نهار بالكلام والحديث الذي يُمْكِنُ وصفهُ بالفارغ لانّهُ لا يُنتج عملاً او إنجازاً!.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا