تعايش التنوّع
أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الثّالِثَةُ (١٢)
نـــــزار حيدر
2016-06-21 10:04
{وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
٦/ التّعارف للتّعايش بالحوارِ والجدالِ بالتي هي أَحسن، وعدم احتكار الحقيقة ابداً لانّها تُلغي التّعدديّة التي جعلها الله تعالى كما في قوله عزّ وجلّ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
وانّ من أَعظم التحدّيات التي نعيشها اليوم هو تعايش التنوّع، والذي يعتمد أساساً على ترحيل الحكم النهائي الى يوم القيامة لنكرّس التّسامح {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.
مشكلتُنا انّ كلّ واحدٍ فينا يحتفظ بمفتاح الجنّة في خزانتهِ، عيّنَ نَفْسَهُ قسيماً للجنّة والنَّار، فيسوقُ هذا للجنّة ويرمي ذاكَ في النّار، كما حدّثتنا عن ذلك الآية أَعلاهُ!.
فأَولى لنا ان ندع هذا القرار لله تعالى ونرحّلهُ الى يوم القيامة، كما قال تعالى {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فما دخَلُكَ انت الذي لم تضمُن شيئاً لنفسِك فكيفَ تضمنهُ لغيرك؟ {قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
في بلدٍ متنوعٍ في كلّ شَيْءٍ كالعراق، نَحْنُ بحاجةٍ الى؛
أولاً؛ الاعتراف والاقرار بهذا التنوّع، وعلى مختلف الاصعدة.
ثانياً؛ الإقرار بوجوب التّعايش مع هذا التنوّع وعدم التقاطع او السّعي لالغاءِ الآخر.
ثالثاً؛ ان نؤمن بأَن البلد وخيراتها وكلّ فُرص الخير وعلى مختلف الاصعدة هي من حقِّ كل مواطن بغضّ النظر عن خلفيّاتهِ ومن ايّ نوعٍ كانت.
رابعاً؛ وعلى صعيد السّلطة، ينبغي الاعتقاد جازمين بانّ الشّراكة الحقيقيّة هي الأسلوب الأمثل لاستقرار البلاد، والتي لا تتحقّق بالمحاصصة ابداً كما ثبُتت ذلك لنا اليوم وانّما باعتماد المواطنة كمعيارٍ وحيدٍ في الحقوق والواجبات.
مشكلتُنا انّنا نأخذ كل المعايير بنظرِ الاعتبار في ذلك الا معيار المواطنة، الامر الذي أنتجَ التّمييز بكلِّ اشكالهِ، خاصةً التّمييز الطّائفي والعنصري الذي كرّسهُ نظام الطّاغية الذّليل صدّام حسين بشكلٍ واسع فيما رسّختهُ المحاصصة بشكلٍ مُخيف حتى في المكوّن الواحد، فاذا كان التّمييز فيما مضى كان يقتصر على الدّين والمذهب والقوميّة مثلاً فانّ التّمييز عمَّ اليوم وانسحبَ على الانتماء الحزبي والتّقليد المرجعي والمناطقيّة والعشائريّة وغيرها من الانتماءات الضيّقة التي مزَّقت المجتمع شرَّ ممزَّق، ليس فقط على المستوى الشّيعي مثلاً كما يتصوّر البعض وانّما على كلّ المستويات سواء الكُردي او السنّي بل حتّى على المستوى المسيحي، وبذلك قضينا على قيمة الانتماء الوطني لدرجةٍ كبيرةٍ.
ينبغي ان نبذل جهداً مُضاعفاً لاحياء قيمة الانتماء الوطني مرّةً أُخرى، والا فالانقسام والتّقسيم لن ينتهي لمستوى او مرحلة معيّنة.
لقد ساهمت كلّ مكوّنات المجتمع في بناء العراق المعاصر، الا انّ ما يُؤسف له حقاً هو انّ البعض يُراهن على ضعف ذاكرة العراقيّين فيحاول مصادرة الجهود الوطنية لصالحِ فئةٍ او مكوّن او شريحة معيّنة والغاء مساهمات الآخرين، وهذا ظلمٌ كبيرٌ يسبّب مفسدة كما في قوله تعالى {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} لا ينبغي علينا ان نتغافل عَنْهُ من أجلِ مصالح مرحليّة وآنيّة، قد نستفيد منها على المستوى المنظور ولكنّها لا تنفعنا على المستوى البعيد ابداً، اذ كلّما عرِفت وتعرّفت الأجيال على حقيقة المساهمات في بناء البلد كلّما تقاربت المكوّنات اكثرَ فاكثرَ وتعايشت واحترمت جُهدها المشترك، فلا يُهمّش احدٌ ولا يستأثر آخر!.
هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر فانّ احتكار الحقيقة والانشغال بالبحث عن الأدلّة العقليّة والنقليّة لإثبات انّ الاخرين سيُساقون الى النار، وأنّنا من أهل الجنّة يُعتبر سبب مهم وربما مباشر لإثارة النّعرات العنصريّة والطائفيّة في البلاد، وهذا ما تشير اليه الآية الكريمة متحدّثةً عن التّعالي الذي يُنتج الفُرقة {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.
كذلك، فاذا كانت الدُّنيا مزرعة الآخرة، فهذا يعني ان المعيار فيها هو الانجاز، امّا الحكم على الخلفيّة فذلك ليس من حقِّ احد ابداً، وانّما ذلك امرٌ يعود الحكم فيه الى الله تعالى كما في قوله عزّ مَن قائل {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} ولذلك طمأنَ الله تعالى عبادهُ بلا استثناء انّهُ سبحانهُ لن يضيِّع عملَ عاملٍ مهما كان صغيراً او حقيراً بنظر الآخرين، فقال عز وجل {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ} وقوله {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} وقوله {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ* فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} فمَن اعطانا الحقّ بعد كلّ هذا لنحتكر الحقيقة او الجنّة؟!.
سنتجاوزُ الكثير من مشاكلِنا اذا انشغلنا بالعمل الصّالح والانجاز الحَسن، وهذه هي مهمّتنا في الحياة الدّنيا {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وأرجأنا الحكم على النّوايا والخلفيّات والنّتائج النهائيّة الى اليوم الآخِر، فذلك ليسَ من مهمّتنا أَبداً، فأمرهُ الى الله تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}.
إِحذر، فقد يُفاجئك المشهد في يوم القيامة {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ* أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ}.
تعالوا ننشغل، إِذن، بما يضمن لنا الجنّة، بدلاً من ان ننشغلَ في إثبات انّ غيرِنا سيخلدُ في النار!.