من تصاحب؟

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ العاشِرة (١٠)

نـــــزار حيدر

2023-04-02 07:22

{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ}.

إِنَّ من النَّاسِ في كُلِّ مُجتمعٍ مَن لا يُعجبهُم أَن يتميَّزَ أَحدٌ عنهُم، فإِذا كانُوا مُتهتِّكينَ أَو فاسدينَ أَو فاشلينَ يتمنَّونَ لَو أَنَّ كُلَّ النَّاسِ مثلهُم مُتهتِّكينَ وفاسدينَ وفاشلينَ من بابِ [لو عمَّت هانَت] فيضيعُوا في الزَّحمةِ ولَم يُشَر لهُم بالبنَانِ {وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ}.

ولتحقيقِ أَحلامهِم المرِيضة هذهِ فإِنَّهم يبذلُونَ كُلَّ ما بوِسعهِم لتدميرِ الطَّاقات الخلَّاقة المُتميِّزة المُنتجةِ في المُجتمعِ لغلقِ البابِ بوجوههِم حتَّى لا يتميَّزُوا عنهُم في يومٍ من الأَيَّام.

تراهُم ينصبُونَ العَداء للنَّاجحينَ ويُثيرُونَ التُّهم وينشرُونَ الإِفتراءات ضدَّهُم ويُقلِّلُونَ من قيمةِ إِنجازاتهِم ونجاحاتهِم ويشوِّهُونَ تميُّزهُم وإِذا اقتضت الضَّرورة فيمدُّونَ أَيديهِم لقتلهِم أَو إِغتيالهِم سياسيَّاً بالتَّسقيطِ والتَّشهيرِ وما إِلى ذلكَ.

يقُولُ تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}.

إِنَّهُم أَعجزُ مِن أَن يُنجِزُوا ما يُنجزَهُ النَّاجحُون {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَاۙ} فينتقِمُوا لفشلهِم بتسقيطِ النَّاجحِينَ!

أَمَّا الذي يسعى للنَّجاحِ فإِنَّ عليهِ ما يلي؛

أ/ أَن يتجنَّب مثلَ هذهِ النَّماذج فلا يُصادِفهُم في طريقهِ بأَيِّ شَكلٍ من الأَشكال {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} خاصَّةً اليَوم في وسائِلِ التَّواصُل الإِجتماعي!.

ب/ أَن يُصاحب مَن يَزيدهُ علماً وخبرةً وتجربةً، وأَن يتَّخذ مَن يُحرِّضهُ على استغلالِ الوقتِ وعدمِ تضييعِ الفُرَص خليلاً لهُ {قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}.

ج/ أَن يتجنَّبَ الإِصغاء ومُتابعَة كُلَّ ما يُساهم في زيادةِ الطَّاقةِ السَّلبيَّة عندهُ، سواءً كانَ خبراً أَو معلومةً أَو رأياً أَو أَيَّ شيءٍ من هذا القَببل {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}.

إِنَّ للصُّحبةِ دورٌ كبيرٌ جدّاً في تحديدِ نوعيَّة الطَّاقة عندَ المرءِ فإِذا كان خليلهُ إِيجابيّاً فسَيزيدهُ طاقةً إِيجابيَّةً والعكس هو الصَّحيح، فالذي يكونُ صديقهُ كُتلةً من الطَّاقةِ السلبيَّة، في طريقةِ تفكيرهِ وفي كلامهِ والأَخبار التي ينقُلها لهُ والزَّاوية التي يبني من خلالِها رأيهِ في الأَحداث، فهو بِلا شكٍّ سيُضاعف عندهُ الطَّاقة السلبيَّة التي تُدمِّر معنويَّاتهِ وتقضي على تطلُّعاتهِ الإِيجابيَّة وتحوِّلهُ في نهايةِ المَطاف إِلى كُتلةٍ من الطَّاقةِ السلبيَّة التي تُدمِّر ذاتها وتُدمِّر مَن حُولها.

ولهذا فعندما نهانا الله تعالى عن حضورِ المجالسِ التي يخوضُون فيها بآياتهِ تعالى {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أَي يستهزِئُونَ بها، ليس لأَنَّك عاجزٌ عن ردِّهم أَو لأَنَّك لا تمتلِك القُدرة الفكريَّة والثقافيَّة والعقليَّة على الحِوار، أَبداً، إِنَّما لأَنَّ مُجرَّد الحضُور بمثلِ هذهِ المجالس بمثابةِ الشَّرارةِ الأُولى لزرعِ الطَّاقةِ السَّلبيَّة في نفسِكَ، وهذا الذي لا يريدُ الله تعالى أَن تتورَّطَ بهِ.

أُنظر إِلى الفاشلينَ الذين يملأُونَ [مجالس البطَّالينَ] فإِذا دعاكَ أَحدهُم لحضورِها معهُ وامتنعتَ عن ذلكَ، تراهُ يبذل كُلَّ ما في وسعهِ للإِستخفافِ بما تتطلَّع إِليهِ والطَّعن بما تسوقهُ من أَدلَّة لامتناعِكَ عن الحضُور ليُثيرُكَ فقد تُغيِّر رأيكَ فتنساقَ معهُ، كقَولهِ [على أَساس أَنت فيلسُوف] و[على أَساس أَنتَ مُستفيدٌ من كُلِّ وقتِكَ] و [على أَساس أَنت عبقري] و [أَنتَ علَّامة زمانِكَ] وهكذا فبمثلِ هذه العِبارات يُحاولُ أَن يكسِرَ إِرادتكَ ويُثنيكَ عن الإِمتناعِ لتنجرَّ إِلى رغباتهِ.

إِنَّ الفاشل يتزيَّن لكَ بلسانهِ ليقنعكَ وبالتَّالي لإِيقاعِكَ بحُفرتهِ واصطيادكَ بشِباكهِ، فكلامهُ عسلٌ مدسُوسٌ فيهِ السُّم {وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ} وقولهُ تعالى {قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.

يلزَم أَن تنتبهَ إِليهِ فمثلِ هذهِ النَّماذج {إِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا ۖ} وليسَ كما يُصوِّر لكَ الأَمرُ مِن أَنَّكَ ستخسر فُرصةً تِلو فُرصة إِذا رفضتَ مُواكبة طريقهِ، والعكس هو الصَّحيح فلَو كانَ في طريقهِ خَيراً لكانَ نمُوذجاً للنَّجاحِ والنَّزاهةِ.

إِنَّهم كما وصفهُم ربُّ العزَّةِ {وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ} أَو هُم مِمَّن {يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ۚ لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي