رمضان شهر المحاسبة والإصلاح وانتهاز فرص الخير
علي ال غراش
2023-03-29 06:28
شهر رمضان فرصة لمحاسبة النفس، وللتغيير والإصلاح على الصعيد الشخصي الروحي والجسدي وكذلك على الصعيد الاجتماعي.
الإنسان بطبعه ناقص يحتاج للتعلم والمعرفة لسد النواقص، من لديه نقص وتقصير في الجانب الروحي أن يخصص برنامج لرفع مستوى العلاقة مع الله -عزوجل- وعلى المستوى الروحي والعرفاني، ومن لديه نقص وتقصير مع القرآن الكريم كقراءة صحيحة وتدبر وتفسير وحفظ السور، وكذلك مع الأدعية.. أن يخصص برنامج لذلك.
ومن لديه نقص في جانب العقائد والاحكام الشرعية والتربوية والثقافية.. أن يخصص وقتًا للاطلاع على الكتب والمحاضرات المخصصة.
ومن لديه عادات سيئة مثل تأخير الصلاة أو الصلاة قضاء لبعض الصلوات كصلاة الفجر أو عدم الالتزام بالمواعيد أو الغيبة أو السخرية والاستهزاء أو التنمر من الاخرين، أو الغضب السريع والشديد -إن الغضب صفة سيئة مدمرة للشخص والمجتمع في الحاضر والمستقبل.. أو من لديه عادات أخرى غير جيدة، إن شهر رمضان المبارك فرصة لتغيير تلك العادات إلى عادات حسنة مثل الحلم، أو غيرها من صفات وعادات واطباع...
ولمن يريد الاتصاف بصفات حميدة وحسنة مثل التقوى والورع والأخلاق الفاضلة العالية والعبادة الحقيقية والعرفان والروحانية وغيرها؛ شهر رمضان فرصة لترويض النفس وتطهيرها وتزكيتها، لانها أمارة بالسوء. ((إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي)).
ترويض النفس رياضة روحية لتهذيبها، لتحمل المشقة والتحلي بالصبر والحلم والكرم والورع والشجاعة للنجاح في الدنيا والآخرة، والقيام بما يحبه الله ويرضاه، وترك كل ما فيه سخطه من الشهوات والملذات والافعال المحرمة، والصفات السيئة الغضب والبخل والحسد والغيبة والنميمة..؛ ومن أجل أن تكتمل المعرفة وتحقيق العبادة الصحيحة.
قال تعالى ((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)).
وجاء عن أمير المؤمنين الإمام علي -عليه السلام- قال: "من استدامَ رياضةَ نفسه انتفعَ".
ومن رياضة النفس المحاسبة اليومية لكل الأفعال والاقوال والمواقف..، فالمحاسبة من صفة الموالين لمحمد وال محمد والسائرين على منهج مدرسة أهل البيت -عليهم السلام- قال الإمام علي (ع): "ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم فإن عمل خيراً استزاده وإن عمل شراً استغفر اللَّه".
وقال أيضا(ع): "حاسبوا أنفسكم بأعمالها وطالبوها بأداء المفروض عليها والأخذ من فنائها لبقائها، وتزوّدوا وتأهبّوا قبل أن تبعثوا".
ومن فوائد المحاسبة هو إصلاح النفس كما روي عن إمام المتقين (ع):"ثمرة المحاسبة صلاح النفس".
وهناك الكثير من الآيات والروايات والكتب التي تتحدث عن محاسبة النفس والإصلاح..؛ شهر رمضان المبارك من أعظم الأوقات وأكثرها بركة لتحقيق الرغبات والأهداف الصالحة، منها المحاسبة وإصلاح النفس، والسعي في إصلاح المجتمع والوقوف مع أهل الحق ونصرة المظلومين ورفض الظالمين.
ومما قال الإمام زين العابدين (ع) في دعاء استقبال شهر رمضان المبارك:
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَامْحَقْ ذُنُوبَنَا مَعَ امِّحاقِ هِلاَلِهِ وَاسْلَخْ عَنَّا تَبِعَاتِنَا مَعَ انْسِلاَخِ أَيَّامِهِ حَتَّى يَنْقَضِي عَنَّا وَقَدْ صَفَّيْتَنَا فِيهِ مِنَ الْخَطِيئاتِ، وَأَخْلَصْتَنَا فِيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ.
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَإنْ مِلْنَا فِيهِ فَعَدِّلْنا، وَإنْ زِغْنَا فِيهِ فَقَوِّمْنَا، وَإنِ اشْتَمَلَ عَلَيْنَاعَدُوُّكَ الشَّيْطَانُ فَاسْتَنْقِذْنَا مِنْهُ.
في ضيافة الله
هل يعلم العبد الصائم انه في هذا الشهر المبارك يحل ضيفا على الخالق -عز وجل-، لقد قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم "شهرٌ دُعيتم فيه لضيافة الله"، وان التواجد في شهر رمضان المبارك نعمة الهية ورحمة وتوفيق عظيم للعباد؟.
ماذا يجب على الضيف القيام به عندما يحل ضيفا على الكريم وليس هناك أكرم من الخالق -سبحانه وتعالى- فهو أكرم الأكرمين، القادر على تحقيق كافة احتياجات الضيف وأكثر؟.
من باب أخلاقي على الضيف احترام المضيف وصاحب الضيافة الكريم بل أكرم الاكرمين، وهو الخالق -عز وجل- وضرورة التهيؤ النفسي والجسدي.. لان صاحب الضيافة، هو الأكرم والاجود والأغنى والأكثر سخاء وقوة، مالك الملك والأكثر رحمة فهو أرحم الراحمين القادر على فعل كل ما يريد، وهو الوهاب..، كما جاء في الافتتاح: "الظاهِرِ بالكَرَمِ مَجْدُهُ، الباسِطِ بالجُودِ يَدَهُ، الَّذِي لاتَنْقُصُ خَزائِنُهُ، وَلا يَزِيدُهُ كَثرَةُ العَطاءِ إِلاّ جُوداً وَكَرَما، إِنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الوَهَّابُ".
وجاء في الدعاء كذلك: "الحمد لله مالِكِ المُلْكِ، مُجْرِي الفُلْكِ، مُسَخِّرِ الرِّياحِ، فالِقِ الاِصْباحِ، دَيّانِ الدَّينِ، رَبِّ العالَمِينَ".
أيها الإنسان أيها العبد أنت ضيف على الخالق الرازق ذي الجلال والإكرام والفضل والانعام، الذي هو ليس كبقية اي مضيف أو مدعو، بل ليس هناك شبيه له، فاذا الإنسان حينما تقدم له دعوة من قبل سلطان أو وجيه أو شخصية ما كبيرة.. يشعر بالفخر والاعتزاز بتلك الدعوة ويحرص على تلبية الدعوة والحضور في الوقت المناسب، واحترام البرامج والتقيد بالقوانين والأنظمة المصاحبة لتلك الدعوة، اذا كان يفعل كل ذلك مع السلطان والوجيه، فكيف يكون التهيؤ والاستعداد والاحترام اذا كان صاحب الدعوة والضيافة هو خالق السلطان، الخالق الذي لا شبيه له في كرمه وعطائه وقوته وقدرته وعظمته..، وهو الرازق الكريم، صاحب الدعوة لمدة شهر، وهو شهر رمضان المبارك، الدعاء والمطالب فيه مستجابة.
حيث جاء في دعاء الافتتاح:.. الحَمْدُ للهِ خالِقِ الخَلْقِ باسِطِ الرِّزْقِ، فالِقِ الاِصْباحِ، ذِي الجَلالِ وَالاِكْرامِ، وَالفَضْلِ وَالاِنْعامِ، الَّذِي بَعُدَ فَلا يُرى، وَقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوى، تَبارَكَ وَتَعالى. الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُنازِعٌ يُعادِلُهُ، وَلا شَبِيهٌ يُشاكِلُهُ، وَلاظَهِيرٌ يُعاضِدُهُ، قَهَرَ بِعِزَّتِهِ الاَعِزَّاءَ، وَتَواضَعَ لِعَظَمَتِهِ العُظَماءُ، فَبَلَغَ بِقُدْرَتِهِ مايَشاءُ.
الناس في هذا الشهر الكريم ضيوف، وعلى الضيف احترام المضيف غاية الاحترام، والتأدب في مضيف الله -سبحانه وتعالى- الكريم الذي هو في غاية الكرم في عطائه، وتقديم أشهى وأعظم الجوائز والهدايا على مائدته الرحمانية لضيوفه خلال شهر رمضان الكريم، فيجب الافتخار والتشرف بهذه الدعوة الربانية، وأن يحرص الضيف للحصول على أكبر وأعظم الجوائز بالفوز بالرحمة والمغفرة والعتق من النار والفوز بالجنان، خلال الدعوة من أكرم الأكرمين الرحمن الرحيم، القادر على تحقيق دعاء وطلبات وحاجات ورغبات الضيوف عباده المخلصين.
"وَدُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ.. فَاسْأَلُوا اَللَّهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ وَقُلُوبٍ طَاهِرَةٍ أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ وَتِلاَوَةِ كِتَابِهِ فَإِنَّ اَلشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اَللَّهِ فِي هَذَا اَلشَّهْرِ اَلْعَظِيمِ".
و جاء في دعاء الافتتاح".. وَهُوَ قادِرٌ عَلى ما يُرِيدُ".
لا يمكن معرفة ماهية وأهمية شهر رمضان الكريم مثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي عرف للناس كافة بالشهر المبارك، الذي قال (ص): "أيها الناس، إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياله أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابة، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم،..".
انتهاز فُرَصَ الْخَيْرِ
شهر رمضان شهر تحقيق الأهداف، نسأل الله تعالى ان يوفق العبادة جميعا، لكل ما يحبه ويرضاه. نعم لاغتنام بركات شهر رمضان، فهي فرص ثمينة لا تقدر بأي ثمن؛ والفرصة تمر مر السحاب كما قال أمير المؤمنين (ع): "الْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ ".
وهل هناك خير وشرف أعظم من خير وشرف وبركة شهر رمضان المبارك؟.
وهل هناك جائزة أعظم من الفوز بالعتق من النار والفوز بالجنة،.. وهي أهم الجوائز التي تقدم للفائزين في شهر رمضان الفضيل؟.
شهر رمضان كله خير، وهو خير فرصة ينبغي اغتنامها و انتهازها،.. الإنسان لا يعلم هل سيعود عليه شهر رمضان المبارك في العام القادم، بل لا يعلم هل سيتمكن من إكمال صيام هذا الشهر الكريم في هذا العام؟.
ان التوفيق لصيام شهر رمضان الفضيل، نعمة إلهية وهدية ربانية، إذ ان مع هذه النعمة ادراك والتواجد في شهر رمضان المبارك يولد الإنساني من جديد ببركات هذا الشهر الفضيل، حيث يحصل العبد المؤمن على صك الغفران والعتق من النار..؛ فذلك هو الفوز العظيم.
كل يوم وليلة وساعة ودقيقة وثانية من شهر رمضان الفضيل ليس مجرد جزء من الوقت، وانما فرصة، ربما في لحظة من لحظات شهر رمضان الكريم يحصل الإنسان على مبتغاه بنيل أعلى الدرجات وأغلى الجوائز.. شهر رمضان فرصة من أهم الفرص الاستثمارية التي ينبغي الحرص على انتهازها، وعدم تضييعها بالانشغال في أمور تافهة والترفيه والتسلية وكثرة الطعام والشراب والانشغال ببرامج التواصل التافهة ومشاهدة برامج التلفاز غير الهادفة البعيدة عن رحمة الله.
الإنسان الذي يدرك ويتواجد في شهر رمضان الفضيل فهو محظوظ بان يكون ضيفا على الله، وهذه فرصة عظيمة.. للدعاء وتقديم الطلبات.. فالدعاء في هذا الشهر الكريم مستجاب، فينبغي ان لا يشغله شاغل عن المضيف الكريم -عز وجل- الذي يوزع الجوائز والهدايا الرحمانية. إن الشقي هو من حرم غفران الله في هذا الشهر الفضيل.
يقول الإمام السجاد -عليه السلام- في دعاء استقبال شهر رمضان المبارك:
.. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَإذَا كَانَ لَكَ فِيْ كُلِّ لَيْلَة مِنْ لَيَالِيْ شَهْرِنَا هَذَا رِقَابٌ يُعْتِقُهَا عَفْوُكَ أَوْ يَهَبُهَا صَفْحُكَ فَاجْعَلْ رِقَابَنَا مِنْ تِلْكَ الرِّقَابِ وَاجْعَلْنَا لِشَهْرِنَا مِنْ خَيْرِ أَهْل وَأَصْحَاب.