رمضان المبارك: معول لهدم جبال الخلافات
مصطفى ملا هذال
2021-04-27 01:47
تستعد الشعوب العربية بمختلف اصقاع العالم عند إقبال شهر رمضان المبارك، فتزدحم الأسواق في معظم المدن، وهنالك طقوس تؤديها الاسر على اختلاف الثقافات السائدة في المجتمعات، كإخراج الاواني الجديدة وتبديل بعض الأثاث المنزلي، ولكن لا نجد أي استعداد من قبل الافراد الى إيجاد حلول للازمات التي تواجههم.
منذ سنين وطقوس شهر رمضان تحتفظ بنفسها، والشي الوحيد الذي يتغير هو تفاقم الازمات، وتعاظمها دون البحث عن الحلول لها في ظل التغيرات الهائلة التي هزت وماتزال تهز العديد من الدول العربية، خاصة في الجوانب الاقتصادية والأمنية.
العراق من بين الدول التي يحل عليها شهر الله والأزمات تطارد ساكنيه، الى جانب ذلك يسود عدم التراحم فيما بينهم، وستنتهي أيام الشهر دون الرجوع الى النفس والتدبر بفضائله، والتي من بينها ترك الخلافات والتراحم فيما بين الاهل والاقرباء، بينما ينتظر ان تنعكس نفحاته على الأشخاص وتصرفهم بصورة عامة.
الازمات التي يمر بها الانسان، لها في بعض الأحيان فوائد كثيرة، فهي على الرغم من انها تذكر بالشدة وقسوة الحياة وشظف العيش، لكنها تمكن الافراد من إجادة استخدام الحلول الممكنة، والتعامل مع الأوضاع المستحدثة التي تحتاج الى فطنة في اتخاذ القرار وعدم الوقوع بالخطأ.
تسود في أيام الشهر الفضيل حالة من التراحم ونبذ الخلافات، فنجد الأغنياء يعطفون على الفقراء، والجيران يتبادلون موائد الإفطار بصورة يومية او شبه ذلك، اذ تتجسد المبادئ الإنسانية بأتم صورة، وتزداد المبادرات الخيرية عبر توزيع السلات الغذائية، وبعضها تسمى بالوجبات الرمضانية تيمنا بشهر الله.
إذا لماذا هذا التخاصم في الأيام الاعتيادية والعودة الى الصواب والافعال المقبولة من الله والمجتمع على حد سواء في شهر الطاعة؟
ولأي سبب تصل الأمور بين الافراد الى طريق مسدود ولا يلجؤون الى الحلول المنطقية التي تتماشى والفطرة البشرية، لاسيما وان بين المجتمعات العديد من القواسم المشتركة أكبر بكثير من نقاط الخلاف، فقد خلقنا الله من نفس واحدة، فضلا عن الرابطة الدينية التي تربطنا بالله وحده، هذا إلى جانب التقاسم في اللغة والثقافة والتراث، ووسط تلك الخلافات، والاهم ن ذلك يجب ألا تضيع بين الزحام إنسانيتنا وقيمنا وأخلاقنا.
وقد تكون الصورة تتسم بعدم الوضوح بعض الشيء، ولكن لا يزال الكثير من الافراد يجدون في رمضان الحالي فرصة لتغيير الظروف نحو الأفضل، فلو استطاع الإنسان الخروج من حالة التخاصم مع الافراد، والانتقال الى منطقة يسودها الحب والانتصار على الخلافات، فإن ذلك في حد ذاته سيكون انتصارا للأفراد، وإسكات الأصوات التي تُطّبل لمثل هذه الفجوات التي تحدث بين شخصين او أكثر.
وفي خضم المنازعات التي تدور في فلك البشرية والاختلاف حول ابسط الأشياء وأكثرها بديهية، لابد من الوصول الى نقطة التقاء، وكلمة سواء يجتمع حولها الجمع المختلف في وجهات النظر، وهذا يحتاج الى أرضية مناسبة وخصبة نضمن بها البقاء وحدة واحدة وكتلة متراصة لا يمكن النيل منها، قادرة على الوقوف بوجه هجمات الخصام التي تعصف بنا من وقت لآخر.
وما تقدم لن يتحقق، الا إذا طبقنا جملة من القواعد، أولها اللين في القول تجاه الطرف المقابل مهما كانت صفته، ومرتبته، ولنا شاهد على ذلك ما كان عليه الأنبياء والاوصياء والعباد الصالحين، الى جانب تأكيد القرآن الكريم حيث امر المسلمين بقوله تعالى، (وقولوا للناس حسنا)، وظل رسولنا الكريم يخاطب المشركين أكثر من عقد من الزمن، بالحجة والعقل والقول اللين والصبر على الأذى، ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة.
ولا يقل أهمية عن القاعدة الأولى هو الانصات الى بعضنا البعض، وتغليب لغة العقل والابتعاد عن التمسك او الانتصار لآرائنا مهما كانت تحمله من أهمية قصوى ودرجة كبيرة من الدقة والواقعية، فقد ينظر لها على انها خطأ، ورأي غيرنا هو الصواب، وهنا يجب الانتباه لهذه النقطة العامة من قواعد الخطاب المثمر.
وأخيرا يبقى من اهم الأشياء التي تدعم وتقوي الرابطة بين الأشخاص، هي المحافظة على صلة الارحام مهما كبرت او صغرت خلافاتنا العائلية او مع الاقارب بمراتبهم المتعددة، ومن المفترض ان نستثمر هذه الليالي المباركة، لردم الفجوات فيما بينا والبدء بعلاقات اجتماعية، تتخذ من الاخلاق الحميدة سراجا ينير الطريق الموحش بالخلافات والكراهية التي لا تجلب سوى البغضاء والتفرقة.