أسباب ونتائج الفوضى في المجتمع
أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الثّانيَةِ (٦)
نـــــزار حيدر
2015-06-29 03:09
الباب: شهر رمضان
{فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
وسبب ذلك، هو الفوضى في الفهم والوعي والتخبّط في المصالح، وغياب البصيرة التي تهدي للتي هي أقوم، ولذلك قال تعالى {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
وتتجلّى الفوضى في المجتمع، اي مجتمع، على الاصعدة التالية؛
اولاً؛ الفوضى في الهوية.
ثانياً؛ الفوضى في المنطلق والخطط والاهداف.
ثالثاً؛ الفوضى في الاعلام.
عندها سيكون هذا المجتمع مصداق واضح للآية اعلاه، لدرجة التقطّع والتمزّق حدّ الضياع!.
ولعلّ من اهم اسباب الفوضى هذه هو غياب الثقة بين ابناء المجتمع، وعدم وجود الحد الأدنى من الانسجام والتآلف، وبذلك يتمكّن العدو من بث الإشاعات والتأثير في الراي العام وخداعهِ بكلّ سهولة، اذ انّ كذبة صغيرة واحدة تكفي لنسف كلّ جسور الثّقة الممتدّة بين مكونات المجتمع، بل بين ابناء المكوّن الواحد، ولقد اشارت الاية المباركة الى هذه الحقيقة بقول الله عز وجل؛
{وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ* وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
هذا يعني ان المجتمع المتجانس الذي تآلفت قلوبه، لن يُخدع بالتّضليل والاكاذيب والفبركات الإعلامية التي يمارسها العدو في إطار الحرب النفسية التي يشنها، خاصّة في زمن الحرب المسلحة، وتحديداً في زمن الحرب على الارهاب، كما هو الحال في العراق اليوم، امّا المجتمع غير المتجانس الذي اختلفت قلوبه فيمكن لكذبةٍ بسيطةٍ او فبركةٍ تافهةٍ ان تقلبه رأساً على عقب، وهو الحال الذي نعيشه الان في العراق للاسف، اذ نلاحظ كيف يتمكّن العدو من مجتمعنا بأبسط كذبة او فبركة!.
انّ تشتّت الاهواء والقلوب لدرجة التمزّق، والذي يكاد ان يدقّ آخر اسفين في نعش الثقة في المجتمع العراقي، يلعب اليوم دوراً خطيراً في توسيع ظاهرة الفوضى التي نعيشها وعلى المستويات الثلاثة التي اوردتها في صدر المقال.
فالعراقيون اليوم يمرّون بأسوأ حالات الفوضى في؛
١/ الهويّة؛ فلقد غاب الحسّ الوطني بدرجة كبيرة وخطيرة ومُرعبة، فكلّ مواطن له اليوم هويّة صنعها لنفسه ليتخندق خلفها، محارباً ومقاتلاً، فبين الهوية الدينيّة والمذهبيّة والإثنية والمناطقية والحزبية والعشائرية، ضاعت الهوية الوطنية للأسف الشديد، ومن الواضح فانّ غياب الاخيرة يعني تضييع المجتمع للخيمة الواسعة والحقيقيّة التي يمكن ان يستظل بها خاصة عند الأزمات، والتي لا ينفع عندها التخندق بغيرها ابداً، لان ايّة هوية اخرى غير الهوية الوطنية ستضيق ذرعاً بالمجتمع، خاصة اذا كان متنوعاً بدرجة كبيرة كالمجتمع العراقي الذي يعيش التنوع بكل عناوينه.
٢/ المنطلق والخطط والاهداف؛ فلا تجد اثنين يتّفقان على امرٍ واحدٍ بهذا الصدد، ربما لوجود حالة الصّنمية وعبادة الشخصية التي تكرّست في المجتمع العراقي على مرّ العقود الطويلة من الزمن، ولذلك ترى ان لكلّ واحدٍ منطلقاته وخُططه واهدافه، تبعاً لمنطلقات وخطط واهداف الزعيم الذي هام به حد العبوديّة والتّقديس!.
ولعلّ من الأمثلة التي تُثير القلق بهذا الصدد هو تعدّد التّسميات في جبهة الحرب على الارهاب، واقصد بذلك تسميات فصائل الحشد الشّعبي، فاذا كان الحشد قد تشكّل تلبية لنداء المرجعية الدينية العليا عندما أصدرت فتوى الجهاد الكفائي في العام الماضي، وهو كذلك، واذا كانت أوامر وتوجيهات المرجعية تقضي بان تكون قوّات الحشد الشعبي تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة حصراً، فلماذا، اذن، تعددت الاسماء والمسمّيات والتوجّهات والقيادات؟ لدرجة انها تكرر تجربة العمل الحزبي، عندما تبادر كل مجموعة الى تشكيل حركة او حزب لخوض الانتخابات النيابية كل اربع سنوات!.
هل يُعقل ان يكون لنا في جبهات القتال اكثر من راية يقاتل الجميع تحت ظلّها وساريتها؟ واقصد بها راية العراق وعلم البلاد؟ هل يُعقل ان تتعدّد مراكز القيادة العسكرية حدّ الفوضى؟ هل يُعقل ان يتحوّل الحشد الى دكاكين مسلّحة {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}؟!.
انّها ظاهرة خطيرة لا تخدم الهدف المرجو من تشكيل الحشد، وهذا ما اشارت اليه المرجعية الدينيّة العليا اكثر من مرة، ولذلك ارى انّ من الضروري بمكان ان يُبادر القائد العام للقوات المسلحة، مستفيداً من صلاحيّاته الدستوريّة والقانونيّة، وبالتّعاون والتنسيق مع قيادات الحشد الشعبي، لتوحيد الاسماء والعناوين ومركز التوجيه والقرار، فنحن مقبلون على فصول حربٍ شرسةٍ ضِدّ الارهاب لا يجوز بأيِّ حالٍ من الاحوال ان ندخلها ونحن {طرائق قدداً} ابداً.
٣/ الاعلام؛ فالفوضى فيه حدّ المصيبة، فهو لم يُبقِ حرمةً لأحد ولم يحافظ على سرٍ ولم يدع خطة الا وفضحها!.
نحن بحاجة الى اعلام حربي وطني، يعمل على توجيه الرّاي العام بما يخدم البلد في حربه ضد الارهاب، فالحرب في جوهرها اعلام في اعلام، فمن يكسبهُ يكسب اكثر من نصف المعركة، اما خسارته فهي خسارة لارض المعركة.
وبهذا الصدد اود ان انبّه الى امرٍ في غاية الاهمية يتعلق بالوثائق التي بدا بنشرها قبل يومين موقع ويكيليكس.
شخصياً، فانا اعتقد بصحّة الوثائق وان مصداقيّتها عالية بدرجةٍ كبيرة، ولكنّنا يجب ان ننتبه لعمليات التزوير التي يبادر لها كثيرون مستغليّن الجو العام الذي يأخذ الان كل ما يصل اليه من وثائق كمسلّمات لا يرقى اليها الشك، ويتعامل معها بلا شكٍّ او تردّد، والهدف من التزوير طبعاً واضحٌ وهو التصيّد بالماء العكر والتسقيط وتصفية الحسابات.
وبالنسبة لنا، كعراقيين، فانّ أطنان الوثائق من هذا النّوع لن تُزيدنا يقينا لما نعتقد به فيما يخصّ الدور السيء الذي لعبه، ولا يزال، نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية ضد العراق الجديد، كما انها لن تغيّر من قناعاتنا فيما يخصّ الدور المشبوه للكثير من السياسيين وعلاقاتهم المشبوهة بنظام القبيلة، والتي صبّت كلها بالضد من مصالح العراق العليا، ولذلك ينبغي ان نتعامل مع هذه الوثائق بعقلانيّة وهدوء من اجل ان لا تترك بضِلالها السّلبيّة المُحتملة على البلاد وهي تمرّ بحرب مقدّسة ضد أقذر جماعات العنف والارهاب.
لنحذر من تسونامي ويكيليكس، فلسنا ناقصين!.