انبثاق العدالة والحرية: التغيير الاجتماعي
أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ-السَّنةُ السَّادِسَةُ
نـــــزار حيدر
2019-05-15 08:12
ثلاثةٌ مقابل ثلاثةٍ
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
ثلاثةٌ مقابل ثلاثةٍ، الأُولى تبني مُجتمعاً سليماً قائماً على أَساسٍ صحيحٍ وعلاقاتٍ متينةٍ، وعلى النَّقيضِ منها ثلاثةٌ تبني مُجتمعاً سقيماً مُفكَّكاً يقفُ على جُرُفٍ هارٍ.
والحديثُ هُنا لا يخصُّ الدَّولةَ فقط أَو العلاقةَ بينَ الحاكمِ والمحكومِ وإِنَّما المُجتمع بشَكلٍ عام، فلكلِّ فردٍ فِيهِ دورٌ في خلقِ الفُرص اللَّازمة والأَرضيَّة المُناسبة لنموِّ وبناءِ النَّوع الأَول من المُجتمع كما أَنَّ لكلِّ واحدٍ فِيهِ دورٌ في بناءِ النَّوع الثَّاني مِنْهُ!.
فالعدلُ، مثلاً، يلزم أَن يكونَ صفةً عامَّةً في المُجتمع، في الأُسرة في علاقةِ الأَبوَين مع بعضهِما وعلاقتهما مع الأَولاد، وفِي المحلَّة بينَ الجيران، وفِي الشَّارع بينَ النَّاس وفِي الدَّائرة ومحلِّ العمل بين المُوظَّفين والعمَّال وفِي المُؤَسَّسة التعليميَّة، مدرسةً كانت أَم معهداً أَم جامعةً، بين الأَساتذة مع بعضهِم وبينهُم وبين التَّلاميذ والطُّلَّاب وبين التَّلاميذ والطلَّاب مع بعضهِم، وهكذا!.
وكذا الإِحسانُ الذي يجب أَن يكونَ الصِّفة التي تميِّز المُجتمع في كلِّ الدَّوائر والمُستويات الآنفةِ الذِّكر.
وكلُّ ذَلِكَ بحاجةٍ إِلى ثقافةٍ وقوانينَ وقوَّةٍ رادعةٍ لتحقيقِها، لأَنَّ الإِنسانَ بطبعهِ ميَّالٌ إِلى حُبِّ الذَّات والإِستحواذِ الذي يقودُ إِلى الظُّلم، أَلا ترَونَ كيفَ استحوذَ (المُتديِّنون) على كلِّ شَيْءٍ عندما وصلُوا إِلى السُّلطةِ على الرُّغمِ من (تشبُّعِهم) بـ (الثَّقافة الدينيَّة) لأَكثرَ من نصفِ قرنٍ؟!.
وقد تعترضُ فِكرتَان خاطِئَتَان الجُهد المُجتمعي فتحولان دُونَ تحقيقِ العدلِ والإِحسانِ؛
الأُولى؛ إِذا تصوَّرنا أَنَّ البدايةَ يجب أَن تكونَ من الدَّولة (السُّلطة) فإِذا لم تكُن عادلةً ومُحسنةً فمِنَ المُستحيل أَن يكونَ المُجتمعُ عادلاً ومُحسناً، وهذا عينُ الخطأ، فالعكسُ هو الصَّحيح فإِنَّ المُجتمع العادل هو الَّذي يبني دولةً عادِلةً وهو الَّذي يُقوِّمها إِذا ظلمت، على اعتبار أَنَّ المُجتمع هو أَصل الدَّولة وليسَ العكسُ، وهو أَكبرُ منها فإِذا قرَّرَ يوماً أَن يبتلعَها فبإِمكانهِ ذَلِكَ!.
ولهذا أَشارت الآية المُباركة (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ).
و (أَنفُسِهِمْ ۗ) هو المُجتمع وليس الدَّولة (السُّلطة).
الثَّانية؛ عندما يتوقَّف قرار كلَّ واحدٍ منَّا على قرار الآخر في تحقيقِ العدلِ والإِحسان في المُجتمع! فتكونُ النَّتيجة (صفر) لأَنَّ ذَلِكَ يعني غَياب المُبادرة أَو المسؤُوليَّة الفرديَّة في المُجتمع والتي هي الأَصلُ وحجر الزَّاوية في المسؤُوليَّة المُجتمعيَّة أَو مسؤُوليَّة الجماعة.
تقولُ الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
وعندما تلقى صدُوداً ينبغي أَن تنتبهَ لحقيقةِ الواقع الذي تعيشهُ فلا تقُل (حشرٌ مع النَّاسِ عيدٌ) أَو (وهل هِيَ بقِيَت عليَّ) وإِنَّما عليكَ واجب التصدِّي للمسؤُولية حتى لَو كُنتَ وحدكَ أَو انتَ وأَخوكَ فقط!.
يَقُولُ تعالى (قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ* قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ).
ولا ننسى هنا ما لروحِ الإِنتقام والرَّد بالمِثل من دَورٍ سلبيٍّ في إِسقاط كلَّ المُحاولات والسَّعي الرَّامي إِلى بناء مُجتمعٍ عادلٍ ومُحسنٍ لنفسهِ! لأَنَّ الإِنتقام يجرُّ إِلى الإِنتقام والردِّ بالمِثل يجرُّ إِلى مثلهِ، ولَو بحرفٍ، وبالتَّالي نرى المُجتمع في دوَّامةٍ لن تنتهي من الظُّلم.
ولذلكَ شرَّع الإِسلام العَفو في مجالاتٍ عدَّةٍ واعتبرهُ أَقربَ للتَّقوى حتَّى من القَصاص في أَحيانٍ كثيرةٍ، لأَنَّ العَفو يُوقف دَورة الدَّم والظُّلم والظُّلم المُضاد إِن صحَّ التَّعبير، فقال تعالى (وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ) وقولهُ تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).
وكانَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) يَقُولُ (إِنَّمَا هُوَ سَبٌّ بِسَبٍّ، أَوْ عَفْوٌ عَنْ ذَنْب!) لا أَكثر!.
لماذا يجوعُ ناسٌ ويعرى آخرون
(وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
هل يُستثنى أَحدٌ من هذه الآية؟!.
أَبداً، فكلُّ ما سخَّرهُ الله تعالى في هَذِهِ الحياة الدُّنيا إِنَّما هو مُشاعٌ لكلِّ النَّاس وفِي كلِّ مكانٍ وفِي كلِّ وقتٍ، بغضِّ النَّظر عن أَيِّ شَيْءٍ كالخلفيَّة!.
فلماذا، إِذن، يجوعُ ناسٌ ويعرى آخرون؟!.
الجواب؛ هو بسبب ظُلم النَّاس بعضهُم لبعضٍ، أَمَّا الله تعالى الخالق المُتعال فلقد سخَّر كلَّ شَيْءٍ في هذا الكونِ للنَّاسِ كافَّةً وهي تكفي لهم جميعاً إِذا أَحسنُوا التصرُّف والإِدارة والتَّوزيع وسادت العدالة وسادَ الإِنصاف في النُّظم التي تُدير ما سخَّرهُ الله تعالى لعبادهِ!.
يقول تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
إِنَّ المشكلةَ في السِّياسات الظَّالمة التي ينتهجها الإِنسان، في الإِحتكار والجشع ومُحاولات الإِثراء الفاحش على حسابِ قوتِ الآخرين، والتي تُنتج الفساد كما في قوله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
والأَسوأُ من كلِّ ذلك هو احتكار الفُرص والحيلولة دون استغلالِ الآخرين (القادرين والمتمكِّنين) لها، فكلُّ الفُرصِ تستحوذُ عليها زمرةٌ صغيرةٌ في هذا العالم أَو في البلد ولَم تترك شيئاً للآخرين، بل إِنَّها تُحاربهم لتمنعهُم من أَيَّة فرصةٍ مُمكنةٍ وعلى أَيِّ مستوىً كانت!.
فَلَو تساءلنا مثلاً؛ لماذا تتَّسِع يوماً بعد يومٍ الفجوة بين الأَغنياء والفُقراء في العراق؟! هل لأَنَّ خيرات البلاد قليلةٌ لا تكفي إِلَّا للسياسيِّين والأَحزاب الحاكِمة؟! هل لأَنَّ البلد فقيرٌ لا تكفي خيراتهُ ومواردهُ لكلِّ النَّاس؟! أَم أَنَّها تتقلَّص يوماً بعد آخر فتتَّسع الفَجوة بين الأَغنياء والفُقراء؟! أَم أَنَّ الفُرص قليلةٌ ونادرةٌ ولذلك فهي بالكادِ تسدُّ حاجة الزَّعيم وأَولادهُ وزبانيتهُ وأَبواقهُ؟!.
أَبداً؛ فليس من كلِّ ذلك شيءٌ، فالخيراتُ التي حباها الله تعالى للعراقيِّين كثيرةٌ جداً، كما أَنَّ أَموال العراق طائلةٌ والفرصَ كثيرةٌ جداً! ولقد سخَّر الله تعالى كلَّ ذَلِكَ لكلِّ العراقيِّين! لو أَحسنت الدَّولة التصرُّف والإِدارة والعدالة لعاش العراقيُّون في بحبوحةٍ وكرامةٍ وعزٍّ، لم نر طفلاً فقيراً يبحثُ عن لُقمة عيشِ أُسرتهِ في مزابلِ المدينةِ! ولما رأَينا الأَطفال من كِلا الجنسَين ينتشرُونَ في تقاطُعات الشَّوارع وفِي السَّاحات العامَّة يمدُّون أَيديهم للمارِّين بسيَّاراتهم طلباً لفلسٍ يسدًونَ بهِ رمقهُم!.
لو كانت الفُرص مُتاحةً للجميع بلا تمييزٍ واحتكارٍ ومُحاصصةٍ لوجدنا أَنَّ المُتفوِّقين والكفوئِين والنَّاجحين والمُتمكِّنين يملؤُون كلَّ المواقع في الدَّولة بما يُحقِّق النَّجاحات والإِنجازات المطلوبة!.
ولكلِّ ذَلِكَ أَشار وحذَّر أَميرُ المُؤمنينَ (ع) فقال؛ (وَإيَّاكَ وَالاْسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ) و (أَلاَ وَإِنَّي أُقَاتِلُ رَجُلَيْنِ: رَجُلاً ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ، وَآخَرَ مَنَعَ الَّذِي عَلَيْهِ) و (إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الاَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ، فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلاَّ بِمَا مَنَعَ بِهِ غَنِي، وَاللهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذلِكَ) و (مَا رأَيتُ نِعمَةً مَوفُورةً إِلَّا وإِلى جانبِها حقٌّ مُضَيَّع) و (وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الاَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا، إِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لاِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلاَةِ عَلَى الْجَمْعِ، وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ، وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ).
عندما حاصصُوا واحتكرُوا الفُرص وتمَّ تقسيمها حسب المكوِّن والدِّين والمذهب والعشيرة والمنطقة والكُتلة والحزب والوَلاء للقائدِ الضَّرورة! إِنهارت النُّظم الإِداريَّة وخاست معايير النَّجاح وقاعدة (الرَّجُل المُناسب في المكانِ المُناسب) حتى وصلنا إِلى ما وصلنا إِليهِ وأَسوأُ!.
التنافس وإِحترام النَّجاحات
(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ).
التَّنافس أَو التَّسابق مؤَشِّرٌ على أَربعةِ أَشياء مهمَّة تُشكِّل صُلب عمليَّة البناء والتَّنمية البشريَّة؛
الشَّيء الأَوَّل؛ هو الحريَّة.
الشَّيء الثَّاني؛ هو تكافُؤ الفُرص.
الشَّيء الثَّالث؛ هو سلامة المعايير.
الشَّيء الرَّابع؛ هو قيَم الحماس والمُثابرة والعزيمة والإِصرار والصَّبر لتحقيقِ الأَهداف.
وهذه كلَّها يخلقها مبدأ الإِحترام الذي يسود المُجتمع، إِحترام النَّجاحات وتقدير الإِنجازات، والتَّمييز بينَ النَّاس على أَساسِ الإِحسان والإِساءة كما يَقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في عهدهِ للأَشترِ لمَّا ولَّاهُ مِصر (وَلاَ يَكُونَنَّ الْـمُحْسِنُ وَالْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَة سَوَاء، فَإِنَّ فِي ذلِكَ تَزْهِيداً لاَهْلِ الاِحْسَانِ فِي الاِحْسَانِ،تَدْرِيباً لاَهْلِ الاِسَاءَةِ عَلَى الاِسَاءَةِ، وَأَلْزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ).
فعندما يَكُونُ هناكَ (سابقٌ) يعني أَنَّ هناك آخَرٌ متأَخِّرٌ عَنْهُ، ولا يتحقَّق ذلك إِلَّا بالتَّسابق والتَّنافس، الذي يُشيرُ إِلى الأَشياء الأَربعة الآنفة الذِّكر.
فلولا أَنَّ المُتنافسينَ يتمتَّعونَ بالحريَّة التي تُمكِّنهم من التَّنافس لما تحقَّق الفوز والخسارة أَو التقدُّم والتأَخُّر، ولذلكَ حرصَ المُشرِّع على تكريسِ قيمة الحريَّة في المُجتمعِ بإِزالة كلِّ العقبات التي تُكبِّل الإِنسان ليتمتَّع الجميع بفُرص التَّنافس كلّاً حسبَ إِختصاصهِ أَو رغبتهِ وطموحهِ.
فقالَ تعالى متحدِّثاً عن تنظيف الطَّريق من العقباتِ ليكونَ سالكاً إِلى الحريَّة (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
ثمَّ يدعوهم للتَّنافس بقولهِ (خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).
فلا تنافُساً حقيقيّاً قَبْلَ التمتُّع بالحريَّة وتحديداً الإِرادة الحُرَّة ليقدر المُتنافس على إِختيار الإِختصاص برغبتهِ وفِي الزَّمان والمكان المَعلومَين!.
كما أَنَّ القُدرة على التَّنافس الحقيقي ستختفي من المُجتمع إِذا لم يتمتَّع الجميع بنفسِ الفُرص وفِي كلِّ وقتٍ، فإِذا احتكرت مجموعةٌ ما فُرص التَّنافس فلن يكونَ بإِمكان الجميع المُشاركة في التَّنافس وبالتَّالي فإِنَّ الفَوز والخسارة أَو التقدُّم والتأَخُّر ستكونُ بِلا معنىً حقيقيٍّ لأَنَّها بالتَّزكيةِ والنَّتائج تَكُونُ، بهذهِ الحالةِ، معروفةٌ سلفاً.
وهذا شرطهُ سلامة معايير التَّنافس، فإِذا حكمت الفُرص معايير الغشّ والرَّشوة والحزبيَّة والمحسوبيَّة فلن يكونَ بإِمكان الجميع أَن يُشاركَ في التَّنافس وتالِياً فستكونُ النَّتائج كذلكَ محسومةٌ سلفاً، إِذ ليسَ بإِمكانِ كلِّ مَن يُشارك في التَّنافس أَن يرشي أَو أَن يكونَ بالضَّرورة محميّاً مِن حزبٍ حاكمٍ مثلاً أَو عشيرةٍ مُقتدرةٍ أَو ما إِلى ذَلِكَ.
إِنَّ التَّنافس الحقيقي الذي يرفع الكفُوء إِلى المَوقع الطَّبيعي الذي يستحقَّهُ هو الذي يعتمد على قِيَم المُفاضلة الحقيقيَّة من العِلم والقُدرة والكفاءة والخِبرة والنَّزاهة والتَّجربة وسجلِّ النَّجاحات وغير ذلك، أَمَّا التَّنافس الذي معاييرهُ الولاء الحزبي والمُحاصصة فهو تنافسٌ غَير حقيقي وهو ليس أَكثر من مُحاولةٍ من قِبَلهم لذرِّ الرَّماد في العُيون لغُشِّ وخِداعِ الرَّأي العام!.
وأَخيراً؛ فإِنَّ كلَّ هَذِهِ الأُسس تبقى في مهبِّ الرِّيح وحبرٌ على ورقٍ ومجرَّدُ تنظيرٍ إِذا لم يتمتَّع المُتنافس نفسهُ بالحَماسِ والمُثابرةِ التي بها يحقِّق طموحهُ، فإِذا كان خائفاً من التَّنافس أَو متردِّداً من المُشاركة أَو شاكّاً في قُدُراتهِ أَو يائِساً من إِحتمالِ منحهِ الفُرصة اللَّازمةِ أَو أَنَّهُ يدخل الحلبةَ من دونِ استعدادٍ أَو بِلا عِدَّتِها وأَدواتِها فإِنَّهُ سوفَ لن يحقِّق شيئاً حتى إِذا شارَكَ في المُنافسةِ لأَنَّ المهزُوم داخليّاً (نفسيّاً) والذي لا يتمتَّع بالإِندفاعِ الذَّاتي لن يحقِّقَ نصراً أَو فوزاً ماديّاً على الأَرْضِ أَبداً! وتلكَ هي طبيعة الأَشياء في هَذِهِ الحياة الدُّنيا!.