حالة حداد دائمة

علي حسين عبيد

2018-06-09 05:40

يعتّل عالمنا بعلل كثيرة وكبيرة، تبدأ بالتوتر والاضطراب ولا تنتهي عند المجاعات والفقر، وقد يكون الاحتقان من أوضح سمات العالم الراهن بروزاً، وتكمن جملة من الأسباب وراء ذلك، منها أو أهمها سياسات الاحتكار وتركيز الثروات لدي أفراد وشركات، لذلك بتّسم المشهد العالمي الحالي بالتشنج، ويزداد الاحتقان على المستويين الفردي والجمعي، وما ينتج عن ذلك من حالات اكتئاب تصيب فئات عمرية مختلفة من كلا الجنسين، بالأخص الشباب، فهؤلاء أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بوباء الاكتئاب، بالطبع نحن لا نغالي بوصف (وباء الاكتئاب)، فهذه حقيقة ملموسة يعاني منها عالمنا، وهو ما يستوجب البحث عن حلول ناجعة.

تُرى هل نحن على حق حين نصف العالم الحالي بالتوتر وعدم التوازن؟، بالتأكيد لو أجرت المؤسسات المنظمات ومراكز البحوث المعنية، مسحا عالميا للاكتئاب، وانتشاره في معظم دول العالم، فإننا سنحصل على الأدلة التي تثبت بأن الاحتقان والاكتئاب بلغا درجة الوباء، لا يقتصر ذلك على المجتمعات المتأخرة والدول القابعة في أسفل قائمة البؤس، بل حتى المجتمعات التي نعتقد بأنها مرفهة، سنلاحظ أن نسبة الاكتئاب والعدمية وحتى الانتحار تشكل ظاهرة في هذه المجتمعات والدول، بسبب الشعور باللاجدوى وهيمنة العبثية نظرا لاختلال الفرص وعدم توافر أركان العدل عالميا.

ويرى علماء النفس والاجتماع وبعض علماء اللاهوت أن التراجع في الاهتمام الروحاني والتركيز على الجانب المادي الشكلي الذي لا يشمل الروح، جعل من العالم كله يعيش حالة من الاحتقان والاكتئاب، يعلو مستواها وينخفض تبعا لتطور الدول والمجتمعات، يحدث هذا في ظل صراعات قائمة ودائمة بين القوى الكبرى لديمومة قوتها وما تتطلبه حماية مصالحها وتطبيق حساباتها، النتائج غالبا ما تنعكس على الدول والشعوب الفقيرة او المتأخرة، فتظهر حالة الشعور بالعدم واللاجدوى بقوة، وتؤدي الى سيطرة ظاهرة الاكتئاب على التفكير والسلوك الفردي والجمعي في وقت واحد، كما نلاحظ ذلك بوضوح في المجتمعات الإسلامية والعربية، وكذلك في الشعوب التي لا تزال تقبع في حالة من التخبط والفوضى، إذ تنمو حالة اكتئاب لتشكل ظاهرة واضحة لدى الشباب والفئات العمرية الأخرى، لا يمكن تجاهلها أو نفيها، بل لابد من التأكيد على انتشار ظاهرة الاكتئاب حتى في المجتمعات الغربية المتطورة، حتى يكون هناك رأي عالمي لمكافحة هذه الظاهرة أو هذا الوباء، من خلال استخدام الطرق والأساليب والوسائل العلمية لمعالجة هذه الظاهرة بعد فهم أسبابها ووضع الخطوات المكيلة بالقضاء عليها أو على الأقل الحد منها.

احتقان عالمي

فهل يمكن لمراكز البحوث والدراسات التصدي لهذا الأمر بجدارة، بالطبع من أهم واجبات هذه المراكز معالجة مثل هذه الظواهر، بل هي تدخل في صلب اختصاصها، وليس صحيحا أن تُترَك الأمور على عواهنها، فحالة الاكتئاب كما يصفها المعنيون، هي حالة من الحزن الشديد والمستمر ويبدو الشخص المصاب وكأنة في حداد دائم والكآبة واضحة على قسمات وجهة، نتيجة الظروف الخاصة والعامة المحزنة والأليمة التي يعيشها او يعاني منها، وقد لا يعي المريض مصدر الكآبة التي تهيمن عليه فكرا وسلوكا، وقد يشعر الإنسان انه مصاب بأمراض فاتكة لا أمل له في الشفاء منها أو انه ارتكـب خطيئة لا آمل له في المغفرة أو الغفران، يرافق ذلك شعور بالملل والاعتياد على مخلوق نراه دائما في نفس الحالات التي رأيناه فيها من قبل، أي أن الملل شعور بالاعتياد والتكرار، وآفة الاعتياد أنه يفقد المرء إحساسه بالدهشة والإثارة، كما أن التكرار يوحي بأننا أمام مشهد سبق أن رأيناه من قبل، مما تعزف عنه النفس ولا أحد فينا يحب أن يرى ما سبق أن رآه عشرات المرات، ومن أهم أعراض الاكتئاب، مزاج هابط يتظاهر بملل لا يعجبه شيء، وهبوط الروح المعنوية معظم الوقت، والانشغال بأفكار سلبية، وضعف في النشاط والطاقة، وصعوبة في التركيز واتخاذ القرار وإهمال في الدراسة، ‏وشعور بعدم الثقة بالنفس. والابتعاد عن الآخرين، وتراجع الاهتمام بالذات وبالآخر أيضا، وهذه علّة لا ينبغي لها الاستمرار، لكن العقبات تكمن في أشكال الصراع السياسي العالمي والمحلي بمستوياته المختلفة وما ينتج عن ذلك من انعكاس على المجتمعات والأفراد في شكل أمراض يكون الاحتقان والاكتئاب من أشدها، ‏فما هي الحلول المتاحة؟؟ هذا التساؤل يستدعي إجابات متوازنة ودقيقة تلامس لبّ المشكلة وليس سطحها.

ولعلنا لا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن الحلول أو بعضها على الأقل تكمن في التركيز على الجانب الروحي، خصوصا في شهر رمضان الكريم وما يحمله معه من أجواء تنعش الأرواح وتهدّئها، وتمنحها الأمل والطمأنينة، لذا لابد من معالجة هذه الظاهرة بشهر الصوم وأجوائه خصوصا أن الاحتقان والاكتئاب قطبان يشكلان إعاقة واضحة لتنمية الفرد والمجتمع، لاسيما الطاقة الشبابية، وهكذا يأتي شهر رمضان المبارك ليشكل فرصة ذهبية للتصدي لظاهرة الاكتئاب، بسبب الأجواء الإيمانية والهدوء الروحي والنفسي الذي يعيشه الجميع في هذا الشهر المميز بتصاعد الجانب الروحي على حساب الماديات بأكملها، لذلك يعده المعنيون فرصة مهمة لمقارعة ظاهرة الاكتئاب في المجتمع الإسلامي وحتى على الصعيد العالمي، وقد ثبت علميا أن دعم الجانب الروحي ينبغي أن لا يقل من حيث المستوى والنوع عن الجانب المادي، مع أننا نلاحظ اهتماما متزايدا بالجانب المادي سواءً على مستوى الدول والحكومات أو على مستوى الأفراد.

الإفادة من شهر الله

وليس غريبا أن نجد ضالتنا في الاعتناء بالروح، وحين ندعو إلى استثمار شهر رمضان وأجوائه بتخفيف أو القضاء على الاحتقان، فإننا لا ننطلق من هدف ذاتي ترويجي ديني، بل هي الحقيقة التي تدعم الوجود العالمي وتجعله أكثر اتّزانا، فهذه الظاهرة تستدعي خطوات إجرائية مهمة ومتواصلة، للمعالجة على صعيد التخطيط والتنفيذ، علما أن بث روح الأمل وتعميق الإيمان في النفوس، يتطلب ظرفا نفسيا وعمليا مناسبا، وليس هناك أنسب من شهر رمضان الكريم كي نستثمره في بث روح التفاؤل، والتغيير والحماسة والحيوية في نفوس الشباب وغيرهم، لكن الأمر يتطلب جهدا منظما ومدروسا، على أن لا يقتصر ذلك على المنظمات الأهلية أو الدينية، أو بعض الجهات والشخصيات المهتمة بشكل محدود في مقارعة هذه الظاهرة، لأنها من الخطورة بمكان بحيث تتطلب جهدا استثنائيا يقارب الجهد الحكومي في كل دولة على حدة، من حيث التخطيط والتطبيق للحد او القضاء على هذه الظاهرة، وهو هدف ينبغي أن يكون ضمن مسؤولية الجميع، فتخفيف الكآبة والاحتقان على مستوى العالم مهمة ينبغي أن يتصدى لها قادة الدول الكبيرة ومن يشترك معها ويجاريها، نزولا إلى مستوى التجمعات الصغيرة وحتى الأفراد، لكن المهم هو الجانب التخطيطي والتنسيق الجمعي، حتى لا تهدر الجهود ولا تضيع سدى بسبب الارتجال، أو عدم التنسيق بين الحكومات والمنظمات والأفراد أيضا، بالتالي في حال استثمارنا لشهر رمضان جيدا، واعتماد أجوائه للارتفاع بالمستوى الروحي، سوف يمهد للقضاء على الكآبة والاحتقان، لذلك لا يمكن التعامل بنوع من التجاهل مع ظاهرة خطيرة كهذه، تهدف إلى زرع اليأس التام في النفوس، ولا شك أننا مطالبون جميعا، ونعني بذلك المؤسسات والمنظمات والنخب، بالتعامل مع ظاهرة الاكتئاب والاحتقان السياسي أو سواه، كونه ينعكس بطريقة أو أخرى على الجماعات والأفراد أيضا.

ولا شك أن التركيز على ظاهرة الاحتقان العالمي لا يعني أننا نبالغ أو نغالي في تضخيم هذه الظاهرة، كما أن المعالجة من خلال توظيف المزايا الرمضانية هدف ينبغي أن لا يغيب عن أذهان وعقول القادة والمنظمات المستقلة التي يهمها أمر استقرار العالم والمجتمعات وتوازنها، والابتعاد عن كل ما يفاقم الأزمات عالميا، مجتمعيا، وفرديا، على أن يلجأ المجتمع العالمي وقادة الدول إلى وسائل وسبل المعالجة الصحيحة، وفي مقدمتها رفع مكانة الروحيات وعدم التركيز على الماديات فقط، أي خلق حالة من التوازن بين القطبين اللذين يحكمان سلوك وتفكير الجميع.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا