متى يخسر الإنسان كرامته؟

عزيز ملا هذال

2025-07-08 04:18

للإنسان جانبان وكلاهما يتمم الآخر، الأول هو الجانب المادي وهو جسمه الظاهر للعيان، والجانب الثاني هو الجانب المعنوي أو الروحي. وهذان الجانبان يبحث الإنسان عن إشباعهما وحمايتهما على الدوام؛ لأن النقص في أي منهما يعني بقاء شعور الإنسان بالنقص الذي يبقيه عليلًا أو على مستوى منخفض من الصحة النفسية. ففي المجال المعنوي تحديدًا ينبغي للإنسان أن يحفظ كرامته ويمنع من خسرانها بأي ثمن، فما هي أبرز ما يجعل الإنسان مسلوب الكرامة؟

في الحياة يدخل الإنسان بصراعات كبيرة مع أبناء جنسه وقد يربح فيها أو يخسر. فعند الربح يرفع قيمته وعند الخسارة يفقد جزءًا من عزمه وقوته، إلا في صراع الكرامة فلو خسر الإنسان كل الدنيا قبالة الحفاظ عليها فهو رابح؛ لأن كل شيء ممكن تعويضه إلا هي، فلا منصب ولا إشادة زائفة ولا ضحكات مسمومة ولا رضا مجتمعي ولا غيرها يمكن أن تساوي قشة أمام كرامة الإنسان. وكرامة الإنسان تأتي من تفضيله من بين كل المخلوقات، حيث أن الإنسان له موقع في الكون يجعله موضع احترام وموضع صيانة وله احترام وله حقوق، لا أن يكون مهانًا مهدور الحقوق، ومنها الحقوق الأساسية للبشر، منها حق الحياة وحق العيش وحق الأمان وحق الحرية، الحقوق الأساسية التي تتقوم بها حياة البشر مع الاحترام لهذه هي الكرامة.

وعلى الرغم من اختلاف مقامات البشر غير أن الكرامة يجب أن تحفظ للجميع فليس من المنطقي أن تحفظ كرامة فلان لكونه كبير سن على سبيل المثال، بينما يهان الأصغر منه بداعي أنه صغير عمر أو قليل حيلة كما يحدث في مجتمعنا الذي يدخل نفسه في مغالطات منطقية كثيرة وذات أثر سلبي على المجتمع ومنها الاستحكام للعمر والشهرة والمال وغيرها من المعايير غير المنطقية والتي تجافي قيم الإنسانية وتنال منها.

يخسر الإنسان كرامته في مواضع عدة أهمها:

يفقد الإنسان كرامته حين يعجز عن الإنفاق على نفسه وعلى عائلته لكونه لم يبحث عن فرصة عمل أو أنه من الذين يعتمدون على غيرهم كالأبوين سيما حين يكون الأبوين متمكنين، ومع كون الآباء يستطيعون إعالة أبنائهم وعوائلهم إلا أن ذلك يُعد منقصة على الابن سيما كونه ليس لديه مشكلة تعيقه من العمل كما هو الحال بالنسبة للكثيرين من الناس المتسكعين أو الاعتماديين.

ويخسر الإنسان كرامته عندما يتسكع على أبواب الفاسدين من أصحاب السلطة والسياسيين طلبًا لحاجة أو طلبًا لمنصب أو طلبًا لرضا منهم عنه ليكون مقربًا منهم متناسيًا أن الكرامة إن ذهبت مرة فلن تعود لو عاش ألف سنة قادمة، والمؤسف أن هذا النموذج الإنساني نراه في صفوف الأساتذة والمتعلمين وغيرهم من الناس أصحاب الأسماء والرتب المجتمعية، فأي حاجة تساوي كرامتك التي تفقدها على باب هذا أو ذاك أما تستحي من نفسك؟

كما يفقد الإنسان كرامته حين يكون منافقًا متقلبًا لا يحكمه مبدأ ولا يحترم قيمه وأخلاقه سيما في المواقف التي تتطلب أن يكون الإنسان ذا موقف، فيكون مع هذا إن وافق مصلحته ومع ذاك إن لوح له بفائدة، وهو يعتقد أنه ذكي ومتلاعب بهذا وذاك ولا يدرك أن ثمن مكاسبه هي كرامته وإنسانيته.

ويفقد الإنسان كرامته حين يقبل الإهانة مع كونه صاحب حق أو أنه غير مقصر، إذ يسكت الكثير من الناس عن حقوقهم بغية إرضاء المسؤول أو المدير كما هو الحال في مجال العمل، أو إرضاء شيخ العشيرة مثلًا وبذا يفقد حقه وكرامته معًا ولن يجد من يعوضه هذه الخسارة لكونه هو من سمح بها.

في الخلاصة نقول: إن كرامة الإنسان هي أثمن من كل ما يمكن أن يمتلك الإنسان وفقدانها خسارة لا تضاهيها خسارة لذا يجب أن يحفظ الآدمي كرامته مهما كان الثمن ولا يخشى في ذلك لومة لائم.

ذات صلة

السكوت على الظلم مطلبٌ سلطويالحسين (ع) ينتصرالحسين عليه السلام بوصفه تأويلًا مفتوحًاالدروس المستفادة عراقيا من الحرب الصهيونية-الإيرانيةلمحة في التواصل والديمقراطية التداولية