غيِّر سلوكك ليتغيّر تفكيرك.. عليك بالتأمُّل

شبكة النبأ

2024-05-02 04:44

تُؤثِّر أفكارنا تأثيرًا بالغًا على رفاهنا النَّفسي والجسدي. فكثيرًا ما تلعب الطريقة التي نرى بها حدثًا ما من الأحداث دورًا رئيسيًّا في شعورنا واستجابتنا.

من الطُّرق التي نملك بها السيطرة على أفكارنا والتركيز تمامًا على اللحظة الراهنة ممارسةُ التأمل. ينطوي التأمل على تحويل كلِّ انتباهنا إلى شعورٍ واحد، مثل دخول النفَس وخروجه من الجسد، أو فكرة أو عبارة وحيدة - شعار. يُمعن ممارسو التأمُّل إمعانًا في لحظتهم الراهنة ولا يسمحون لأذهانهم بالانجراف وراء الأفكار والشواغل المتنوعة.

بإمكان التأمُّل أن يُحدِث تأثيراتٍ قوية على الرفاه النفسي. إذ نجد مثلًا أن الناس الذين يشاركون في مجموعة لتأمُّل الحنان النابع من الحب لمدة ستة أسابيع يُفيدون بنمو مشاعرهم الإيجابية، وعلاقاتهم الاجتماعية، وأهدافهم في الحياة. كما أنهم يشعُرون بنموِّ قناعتهم بالحياة وتناقص مشاعر الاكتئاب لديهم. وقد صارت فوائد التأمُّل معروفة جدًّا حتى إن الشركات الكبرى -مثل تارجت وجوجل وجنرال ميلز- ومجالس إدارة المدارس أصبحَت تُشجِّع على ممارسة التأمل. وكذلك يمتدح فوائدَه مشاهيرُ مثل جولدي هاون وهوارد ستيرن وريتشارد جير.

كذلك يؤدِّي التأمُّل إلى صحةٍ بدنية أفضل. فالناس الذين يُمارسون التأمل يشتكون من أعراضٍ مَرضية أقل ومستويات أدنى من الألم. وتتجلَّى هذه الفوائد حتى لدى الناس الذين يُعانون أمراضًا خطيرة تُهدِّد حياتهم. فالمُصابون بالسرطان، مثلًا، الذين يتلقون تدريبًا على التأمُّل لا يعربون عن خوفٍ أقلَّ من معاودته إياهم فحسب، ولكن يبدو عليهم كذلك إنهاكٌ أقل، وتحسُّن في الوظائف الجسدية، واستجابة مناعية أفضل.

كيف تحديدًا يؤدِّي التأمُّل إلى تلك التأثيرات القوية؟ أحد التفسيرات أن التأمُّل يُساعد الناس على السيطرة على الضغط النفسي؛ ومن ثَم يحدُّ من الضرر الذي يطرأ على الجسم نتيجةَ الاستجابة الفسيولوجية للضغط النفسي. ولكن بإمكان السيطرةِ على الضغط أن يساعدنا كثيرًا على الشعور بتحسُّنٍ - نفسيًّا وجسديًّا. فالمراهقون المصابون بارتفاع ضغط الدم الذين يتمرَّنون على ممارسة التأمل مرتين يوميًّا - لمدة ١٥ دقيقة فقط في كل مرة - أقلُّ عرضة للإصابة بأحد أمراض القلب والأوعية الدموية عمن تعلَّموا فقط كيفية خفض ضغط الدم ومخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية. بل قد يبدو على مرضى القلب الذين يتلقَّون تدريبًا على التأمل انخفاضٌ في درجة الإصابة بتصلُّب الشرايين.

بإمكان التأمُّل كذلك المساعَدة على تعطيل أنماط التفكير المدمِّر التي تهوي بنا إلى الحضيض. فإن التركيز بإمعان وحرص على اللحظة والمكان الراهنين يُساعد الناس على الخروج من دوائر التفكير السَّلبي التي تبعث على الاكتئاب. وحتى إذا كانت أفكارهم تشرد بعيدًا عن الحاضر من حين لآخر، يُعرب الذين يتأمَّلُون عن درجةٍ أقل من الشرود في الأفكار غير المستحبة. وهذه الاستراتيجية للحفاظ على الانتباه خلال التأمل تُساعد الناس على التأقلُم بفاعليةٍ أكثر حتى أثناء ترقُّب أحداث مكدِّرة في المستقبل، مثل انتظار معرفة نتيجة اختبار نقابة المحامين.

قد يؤدِّي التأمُّل كذلك إلى تغيُّرات في المخ تعزِّز الصحة الجسدية والنفسية. مثال على ذلك ما أقدَم عليه باحثون في مستشفى ماساتشوستس العام حين تفحَّصوا صورًا ضوئية للمخِّ لعدد ١٦ شخصًا قبل الاشتراك في دورةٍ لممارسة تأمل اليقَظة الذهنية وبعدها. فقد اكتشفوا أن الأجزاء المُرتبطة بالعطف والوعي بالذات في المخ قد نمَت، فيما تقلَّصت الأجزاء المرتبطة بالضغط النفسي في المخ. وتظهَر تغيراتُ المخ المرتبطة بالشيخوخة بدرجة أقل على الذين يمارسون التأمل، مما يوحي بأن التأمُّل قد يساعد على إبطاء التطورات الطبيعية التي تطرأ مع الشيخوخة.

بل وقد يساعد التأمُّل على عكس عملية الشيخوخة. فقد اكتشفَت دراسةٌ جديرة بالاهتمام أن ممارسة التأمُّل قد يؤدي إلى تحسُّن معرفي لدى كبار السن الذين تظهر عليهم علاماتُ خرف مبكِّرة. فقد تقصَّى باحثون في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس فاعلية برنامج تدريبي يجمع بين اليوجا والتأمُّل من حيث الحد من المشكلات المعرفية والعاطفية لدى أشخاص في الخامسة والخمسين فأكثر كانت قد ظهرت عليهم علامات مبكِّرة للخلَل المعرفي، مثل وضع الأشياء في غير أماكنها، ونسيان المواعيد، ونسيان الوجوه. إذ يَصل احتمالُ إصابة أصحاب هذا النوع من الخلل المعرفي بألزهايمر وأشكالٍ أخرى من الخرف لأكثر من الضعف.

الأشخاص الذين مارسوا اليوجا والتأمُّل لمدة ثلاثة شهور، شملت صف يوجا لمدة ساعة أسبوعيًّا و٢٠ دقيقة من التأمُّل في المنزل يوميًّا، ظهر عليهم تحسُّن في الذاكرة وأظهروا مستويات أدنى من القلق والاكتئاب. في الواقع، كان هذا النوع من التدريب أكثرَ فاعلية حتى من تمارين الذاكرة التقليدية، مثل حلِّ الكلمات المتقاطعة وتعلُّم برامج الكمبيوتر، التي كثيرًا ما تُستخدم مع المرضى الذين تظهر عليهم علامات الخلل المعرفي. تُشير هذه النتائج إلى أن التمرُّن على التأمُّل لا يمكنه الإسهام في تحسين الذاكرة فحسب، وإنما يَمنح كذلك الناسَ مهارات تكيفية للسيطرة على انفعالاتهم العاطفية إزاء التشخيصات الصعبة.

فإذا كنت تبحث عن طريقة بسيطة نسبيًّا -ورخيصة- للحد من الضغط النفسي والشعور بتحسُّن، فابدأ في التأمل. تستطيع العثور على معلوماتٍ حول طريقة البدء في تبنِّي هذه العادة في كتب، وعلى الإنترنت، ومن خلال تطبيقات على هاتفك كذلك. الأمر لا يَستغرِق سوى وقتٍ قصير نسبيًّا ومن الممكن أن يدرَّ فوائد كبرى فيما يتعلَّق بالسعادة، والتقدُّم في العمر، والحالة الصحية. 

وتقول سارا لازار، أستاذة علم النفس في كلية الطب بجامعة هارفارد: «إن اليقظة الذهنية مثلها مثل التمرين. إنها شكلٌ من أشكال التمارين الذهنية في واقع الأمر. ومثلما تُعزز التمارين الحالةَ الصحية، وتساعدنا على تدبُّر التوتُّر بشكل أفضل وتطيل العمر، يبدو أن التأمل يمنح بعضًا من تلك الفوائد نفسها.»

خلاصة القول

أوضحت على مدار هذا الفصل أنواع السلوكيات المختلفة التي أثبتَت الأبحاث أنها تساعدنا على الشعور بتحسُّن والتمتُّع بعمرٍ أطول. فلتبدأ في تبيُّن أيها يُناسبك، والتمس السبلَ للشروع في تبني بعض السلوكيات الجديدة لتكون جزءًا من روتينك اليومي.

لكن عليك أن تتذكَّر دومًا أن الإقدام على أيِّ سلوك طويل المدى يكون أيسرَ حين تجد الدعم. لذلك حاول أن تجد صديقًا - أو اثنين أو أكثر - يمكنهم الإسهام في دعم هذا التحوُّل. هل تريد البدء في الانخراط في مزيد من القراءة؟ كوِّن ناديًا للقراءة مع أصدقاء في حيِّك. هل تريد أن تمارس الرياضة أكثر؟ اشترِ ساعة «فيتبيت» لتحسب خطواتك ونظِّم مسابقاتٍ أسبوعية مع زوجتك أو زميلك في العمل.

* مقتبس بتصرف من كتاب التحول الإيجابي: تحكم في طريقة تفكيرك وانعم بالسعادة والصحة والعمر المديد، للمؤلفة: كاثرين إيه ساندرسون، أستاذة علم النفس في أمهرست كوليدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية

ذات صلة

التقية المداراتيّةأثر التعداد السكاني على حقوق المواطنينبناء النظرية الدينية النقديةأهمية التعداد العام للسكان في داخل وخارج العراقالأيديولوجية الجندرية في عقيدة فرويد