العلاج السلوكي المعرفي.. الارتباط الشرطي الكلاسيكي

شبكة النبأ

2023-10-19 07:05

الارتباط الشرطي الكلاسيكي هو التعلُّم الذي يحدث عندما يُقْرَن مثيران بشكلٍ متكرر؛ أي إنهما يحدُثان في الوقت نفسه. الاستجابة التي يولِّدها المثير الثاني في البداية، يولِّدها المثير الأول وحدَه فيما بعد. يتضمن الارتباط الشرطي الكلاسيكي ثلاث مراحل، وفي كل مرحلةٍ تُعْطى المثيرات والاستجابات المَعنية أسماءً علمية محدَّدة.

المرحلة الأولى: ما قبل عملية الارتباط الشرطي. تركِّز هذه المرحلة على العلاقة الطبيعية بين المثير والاستجابة. المثيرات والاستجابات هنا غير شرطية؛ لأنها ليست ارتباطاتٍ جرى تعلُّمها (شرطية)، ولكنها استجابات طبيعية. ومن ثَم، فالمثير في البيئة ينتِج استجابة، وهي التي تكون ردَّ فعل طبيعي لهذا المثير. على سبيل المثال، يَنتج عن المثير غير الشرطي، المتمثِّل في الشوكولاتة، استجابةٌ غير شرطيةٍ متمثلة في المتعة. أو يَنتج عن مثيرٍ غير شرطي كعَضة كلب استجابةٌ غير شرطيةٍ متمثلة في الألم. يُطلق على المثير الثاني المتضمَّن في هذه المرحلة المثير المحايد، ويمكن أن يكون أي مثير (مثل لون أو صوت أو شيء) لا تنتج عنه في هذه المرحلة أيُّ استجابة.

المرحلة الثانية: أثناء عملية الارتباط الشرطي. تتم عملية الارتباط الشرطي عندما يرتبط المثير المحايد بالمثير غير الشرطي، وعند هذه النقطة يُعرف باسم المثير الشرطي. لإجراء هذا الارتباط، لا بد أن يرتبط المثير غير الشرطي بالمثير المحايد/الشرطي عدةَ مرات. إذا ربطتَ باستمرار بين مثير غير شرطي، مثل عضة كلب، ومثير محايد (الكلب)، فسيصبح المثير المحايد (الكلب) في النهاية مرتبطًا بالألم كاستجابة غير شرطية، حتى في حال غياب المثير غير الشرطي (العَضة). عادةً ما تأخذ مثل هذه الارتباطات العديدَ من صور الاقتران، بين المثيرات المحايدة وغير الشرطية، ولكن يمكن تعلُّمها من خلال اقترانٍ واحدٍ فقط من المثيرات، إذا كانت الاستجابة جديدة، أو ممتعة أو منفِّرة بشكلٍ خاص.

على سبيل المثال، إذا أُصِبْتَ بتعبٍ شديدٍ بعد تناول طعامٍ معيَّن (والذي كان في السابق مثيرًا محايدًا)، خصوصًا إذا كانت هذه هي المرة الأولى التي تتناول فيها هذا الطعام (أي إنه جديد)، فمن المحتمَل جدًّا أن تشعر بالإعياء إذا فكَّرت في هذا الطعام، بغض النظر عما إذا كان هو سبب المرض الأصلي أو لا.

المرحلة الثالثة: ما بعد عملية الارتباط الشرطي. الآن جرى الربط بين المثير الشرطي (المحايد سابقًا) والمثير غير الشرطي، لإحداث استجابةٍ شرطيةٍ جديدة. أثبتَ عالِمُ الفسيولوجيا الروسي إيفان بافلوف عمليةَ الارتباط الشرطي الكلاسيكي الشهيرة، عندما جعل الكلاب تفرِز لُعابها عند سماع صوت الجرس، وهذا بإقران صوت الجرس مرارًا وتكرارًا بعملية إطعامها. كان الارتباط الطبيعي هو أن يسيل لعاب الكلاب عند رؤية طعامها، ولكن بعد إقران مشهد طعامهم بصوت الجرس بشكل متكرر، بدأ لعاب الكلاب يسيل بسماع صوت الجرس فحسب، مما يدُل على أنها تعلَّمت ارتباطًا جديدًا بين ما كان سابقًا مثيرًا محايدًا (الجرس) واستجابة غير شرطية (إفراز اللعاب).

مثالٌ يومي على ذلك هو عندما تأتي قطتي ركضًا، عندما تسمعني أفتحُ بابَ الخزانة التي أحتفظ بطعامها فيها. تُبين حقيقةُ أنها لا تأتي عندما أفتح أبوابَ خزاناتٍ أخرى أنها تظهر «تمييزًا للمثير»؛ أي إنها تعلَّمت الاستجابةَ بشكلٍ مختلفٍ للمثيرات المختلفة المتشابهة. تشكِّل نفسُ المبادئ الأساسَ الذي تقوم عليه الوسائل المساعدة في تدريب الحيوانات الأليفة، مثل الأطواق المضادة للنُّباح أو الأسوار المكهربة، حيث يربط الحيوانُ تلك المنطقةَ من الحديقة بالألم؛ ومن ثَم يتعلَّم تجنُّبها.

بمجردِ ما أُثْبِتَ هذا الارتباط الشرطي الكلاسيكي، أو التعلُّم عن طريق الارتباط، في الحيوانات، كان التحدي التالي هو معرفةَ ما إذا كان ينطبق أيضًا على البشر. كان الإثبات السيئ السمعة، الذي أصبح الآن موضعَ تساؤلٍ أخلاقي، على انطباقه على البشر؛ هو وصف جون واطسون وروزالي راينر الذي يعود إلى عام ١٩٢٠، لتعلُّم صبي، يُعرف باسم «ألبرت الصغير» يبلغ من العمر ما بين ٩ إلى ١٢ شهرًا، الخوفَ من الفئران البيضاء عن طريق الارتباط الشرطي.

دفعت الملاحظات اليومية للأطفال عالمَي النفسِ الأمريكيَّين جون برودوس واطسون وروزالي راينر، إلى افتراض أن استجابات الأطفال التي يُظهِرون فيها خوفًا من الضوضاء الصاخبة، كانت استجاباتٍ فطرية غير شرطية؛ أي إن معظم الأطفال الصغار يَستجيبون بالفطرة تجاه الضوضاء الصاخبة بالخوف. أرادَ واطسون وراينر معرفةَ إنْ كانت استجابة الخوف غير الشرطية هذه يمكن أن تكون شرطيةً بما كان مثيرًا محايدًا فيما سبق أم لا. أولًا، لترسيخ خط أساسٍ يبدءون منه اختبروا استجاباتِ ألبرت للعديد من المثيرات، بما في ذلك فأرٌ أبيض، وأرنب، وقرد. لم يُظهر ألبرت خوفًا مرتبطًا بأيٍّ من هذه المثيرات، ولكنه أصدرَ استجابة بالبكاء تجاه الأصوات المرتفعة. أثناء التجربة، وُضِع فأر أبيض بالقرب من ألبرت الذي شُجِّع على اللَّعب معه. في كل مرةٍ لمس فيها ألبرت الفأر، أحدث القائمان على التجربة ضوضاءَ صاخبة. استجابَ ألبرت للضوضاء بالبكاء وإظهار الخوف. وبعد تكرار الاقتران بين المثيرَيْن (الفئران والضوضاء) عدةَ مرات، بدأ ألبرت في إظهار الخوف والبكاء استجابةً لرؤية الفأر، حتى دون وجود الضوضاء العالية المصاحبة. أصبحَ الفأرُ، الذي كان في الأصل مثيرًا محايدًا، مثيرًا شرطيًّا، وكان يثير استجابةً شرطية مشابهة للضيق (الاستجابة غير الشرطية) الذي ظهر في الأصل استجابةً للضوضاء الصاخبة (المثير غير الشرطي). أظهرَ ألبرت أيضًا بعضَ الخوف من الحيوانات الأخرى البيضاء ذات الفراء، ما يعني أنه أظهر «تعميمًا للمثير»، وهو عكسُ تمييز المثير الذي أظهرته قطتِي، ويحدُث عندما يُظهر الكائنُ الحي الاستجابةَ الشرطية للمثيرات الأخرى التي تشبه المثير الشرطي.

أظهر كلٌّ من واطسون وراينر أنه يمكن استخدامُ الارتباط الشرطي الكلاسيكي، لتوليد خوفٍ مرتبطٍ بشيءٍ لم يكن مخيفًا في السابق. في الواقع، لقد خلقوا رُهابًا؛ أي خوفًا غيرَ عقلاني مُبالغًا فيه لا يتناسب مع الخطر الذي يمثِّله الشيء. وخلال الأسابيع القليلة المقبلة، خضعَ ألبرت للملاحظة، وبعد عشرة أيامٍ من إتمام عملية الارتباط الشرطي قلَّ خوفه من الفأر كثيرًا. يُعْرَف تلاشي الاستجابة المكتسَبة هذا باسم «الانطفاء». ولكن توجد أيضًا ظاهرة «الاسترجاع التلقائي»؛ أي عودة ظهور استجابة شرطية متلاشية، عندما يعاود المثير الشرطي الظهور بعد فترةٍ من الغياب. ولذا، لا يوجد ضمانٌ أنَّ خوف ألبرت من الفئران أو الأشياء المماثلة ما كان ليعود في وقتٍ ما في المستقبل.

بينما أظهر كلٌّ من واطسون وراينر أنهما يمكنهما استخدامُ مبادئ الارتباط الشرطي الكلاسيكي، لتحفيز خوفٍ لم يكن ليحدث لولاها، لا يوجد ما يثبت أنهما حاولا عكسَ هذا الخوف. ألهمَ عملُ واطسون وراينر عالِمةَ النفس الأمريكية ماري كافر جونز، فكانت أول مَن حاول استخدامَ الأساليب نفسها، لتقليل الخوف في عشرينيات القرن الماضي. كان بيتر صبيًّا يبلغ من العمر ثلاث سنوات يُعاني رُهابًا طبيعيًّا من الأرانب، كان معممًا لمثيراتٍ مماثلة. استخدمت جونز مبادئَ الارتباط الشرطي الكلاسيكي لتقليل خوفه، من خلالِ عكسِ ما فعله واطسون وراينر مع ألبرت تقريبًا. قدَّمت الأرانبَ تدريجيًّا لبيتر وأقرنت تلك التجربة بمثيرٍ سارٍّ (الحلوى). في البداية، أُبْقيَ الأرنب على مسافةٍ من بيتر ثم قُرِّب تدريجيًّا، وأُعطي بيتر الحلوى في الوقت نفسِه. وكانت النتيجة أن خوفه تضاءل تجاه كلٍّ من الأرانب والمثيرات المماثلة. ومع ذلك، لا نعرف ماذا كانت النتيجة على المدى الطويل.

* مقتبس من كتاب (العلاج السلوكي المعرفي: مقدمة قصيرة جدًّا)، لمؤلفه فريدا مكمانوس، مترجم من قبل مؤسسة هنداوي

ذات صلة

التقية المداراتيّةأثر التعداد السكاني على حقوق المواطنينبناء النظرية الدينية النقديةأهمية التعداد العام للسكان في داخل وخارج العراقالأيديولوجية الجندرية في عقيدة فرويد