الصدمة النفسية.. قد تكون انت ضحية ولا تدري
شبكة النبأ
2022-12-28 07:34
نتعرّض في حياتنا للكثير من التجارب التي من المحتمل أن تصيبنا بصدمات نفسيّة، أو قد نسمع عن أشخاص مروا بصدمات نفسيّة، لكن ما هي الصدمة النفسيّة وكيف تحدث؟
يُقصد بالصدمة النفسية الإصابة الجسيمة التي تصيب نفسية الشخص، والتي قد تكون نتيجة حادث استثنائي شخصي يشكل عبئاً نفسياً على المعني بالأمر. قد يؤدي مثل هذا الحادث إلى الإصابة بصدمة نفسية، وذلك في حالة إذا كانت إمكانيات الفرد المُتاحة غير كافية لتخطي المَوقِف، أو في حالة عجز المتضررين عن التصرف، حيث يتولّد عن ذلك عبئاً نفسياً جسيماً (ضغط نفسي) وغالِباً ما يحس الإنسان بنفسه في مثل هذه الحالات عاجزاً تماماً أو يصيبه خوف شديد أو رُعب.
الحوادث التي قد تؤدي إلى الإصابة بصدمة نفسية هي تلك المواقف التي تكون ذات طبيعة كارثية والتي تجعل معظم الأشخاص يحسون بالإحباط، ومن أمثلة ذلك الكوارث الطبيعية أو الحوادث الخطيرة أو وفاة أحد أقرب المُقربين أو الإصابة بأمراض مهددة للحياة أو التعرض للعنف الجسدي والجنسي.
هناك اختلاف في الحوادث التي تُشكِّل عبئاً نفسياً على الفرد والتي قد يتضرر من جراء حدوثها، إذ قد يكون هو المتضرر من ذلك، أو قد تَتِم هذه الحوادث بحضوره (مثلا عند تقديمه للمساعدة) أو عند سماعه لخبر وفاةٍ مؤكّدٍ لِأَحد المُقرّبين منه أو إذا كان هذا الأخير على وشك الوفاة.
تعتبر العديد من ردود الفعل النفسية جرّاء التعرض للأحداث التي ينتج عنها عبئاً نفسياً أمراً عادياً وليست دليلًا على إصابة الفرد بمرض نفسي. يرتبط تعرض شخص ما لصدمة نفسية أيضاً بظروفه وبالشخص نفسه وذلك كُلٌّ حسب تجاربه الشخصية، حيث قد يكون مثلاً لمَشهد شخصٍ مُصاب في الشارع أثراً صادماً على أحد المارّين، بينما غالباً ما يُعد ذلك أمراً روتينياً بالنسبة لقوات الإنقاذ وليس له أي تأثير صادِمٍ عليهم. يلعب الدعم الاجتماعي، الذي يُقدَّم للمتضررين جرّاء تعرضهم للأحداث التي تُخَلِّف عبئاً نفسياً جسيماً على من يعيشها، أيضا دوراً كبيراً في تشخيص تواجد مشكلة نفسية من عدمه (ما يسمى بالاضطراب التـالـي للصـدمـة).
وفقاً لجمعية علم النفس الأمريكية APA، فإن الصدمة هي رد فعل لحدث مروّع يتعرّض له الشخص، مثل حادث أو اغتصاب أو كارثة طبيعية أو أيّ حدث يجده مهدّداً له أو مُضراً جسدياً أو عاطفياً.
وقد تحدث الصدمة خلال فترة الطفولة، بسبب التنمر، أو عوامل نفسيّة من قبل الوالدين تؤذي الطفل، ولا شك أن الحروب والاختطاف والحوادث المروّعة قد أصبحت تشكل خطراً كبيراً لكونها تؤثّر على مجموعة كبيرة من الأشخاص، وتؤدي إلى صدمات نفسيّة عنيفة وتكون آثارها مدمرة على المجتمع.
قد يكون تأثير الصدمة طويل المدى، ويشعر الشخص بالضغط النفسي والعجز والخوف الشديد والإحباط، ويجد صعوبة في مواجهة تجاربه الحياتية، كما أن الصدمة لا تؤثر نفسياً فقط في الشخص فقط، بل إنها تؤثر في صحته الجسدية، إذا استمرت أعراضها وتسبب اضطرابات ما بعد الصدمة أيضاً.
ومن الأعراض النفسية التي ترافق الصدمة: مشاعر الإنكار والعار والغضب والإحساس بالذنب، وصعوبة في التركيز واسترجاع الذكريات التي أدت إلى الصدمة، والتي بدورها تعتبر مجهدة للشخص، وتؤثر في وظائفه الفيزيولوجية، ومن أهمها: اضطرابات الجهاز الهضمي والصداع والشعور بالغثيان وازدياد دقات القلب.
ويجب ذكر أن الصدمة النفسيّة تختلف من شخص إلى أخر على حسب الحدث الذي أدى إلى هذه الصدمة، وبناء على عدة عوامل تؤثر على رد الفعل ومن أهمها:
1- نمط الشخصية للشخص المعرّض للصدمة، وبيئته وثقافته وظروفه الاجتماعية.
2- المعاناة من أمراض نفسيّة.
3- رد فعله والاستجابات العاطفية للمشاعر.
4- تعرّضه لصدمات متكررة.
وهذه العوامل تلعب دوراً هاماً أيضاً في تحديد نوع الصدمة، فهناك الصدمة الحادة: التي تنتجُ عن حدث واحد مرهق أو خطير.
الصدمة المزمنة: التي تنتج عن التعرض المتكرر والمطوّل لأحداث مرهقة للغاية، والتي تشمل حالات إساءة معاملة الأطفال، أو التنمر أو العنف المنزلي.
والصدمة المعقّدة: التي تنتج عن التعرّض لأحداث صادمة متعدّدة. وهناك الكثير من الأشخاص الذين يتعرضون لصدمات ثانوية غير مباشرة، من خلال احتكاكهم مع شخص تعرّض لحدث مؤلم، ويُعدُّ الأشخاص العاملون في مجال الصحة النفسيّة من أكثر الأشخاص الذين يتعرضون لصدمات ثانوية.
المواقف التي قد تؤدي إلى صدمة نفسية
تختلف الأحداث التي يكون لها عبئاً نفسياً شديداً على الفرد والتي من المُمكن التمييز فيما بينها.
تدخل ضمن المواقف التي قد تؤدي إلى الإصابة بصدمة نفسية تلك التي قد تحدث بالصدفة (مثلا الحوادث أو الكوارث الطبيعية) وأخرى التي يكون الإنسان هو السبب في حدوثها، حيث ما يُمَيِّز هذه الأخيرة هو أن المُتسبب فيها هو شخص يقوم بتعريض شخص آخر لموقف يُشكِّل عِبئا نفسياً ثقيلاً عليه (مثلا العنف الجسدي أو الإيذاء الجنسي). قد يكون أيضا لإصابة الفرد بأمراض شديدة أو خضوعه لعملية جراحية أو مروره من تجارب فشل أثرا صادماً عليه.
يتم زيادة على ذلك التمييز ما بين مدة دوام العبء أو مدى تكرار حدوثه، حيث عادةً ما يدوم التعرض للسرِقة مُدة قصيرة إلى حَدٍّ ما ويكون مرةً واحدةً، بينما قد يدوم العنف الجسدي الذي يُمارَس في الحياة الزوجية لمدة طويلة وقد يتكرر عِدّة مرات طوال سنوات عديدة.
يبدأ تعرض العديد من الأشخاص لمواقف تؤدي إلى صدمة نفسية في طفولتهم أو أثناء مرحلة الشباب.
أما الأشكال العَمَلِية فهي تعرف قيام أشخاص بإيذاء الأطفال أو الشباب عـمداً عن طريق اللجوء إلى استعمال العنف، ويتمثل ذلك مثلاً في العنف الجسدي (مثل الضرب أو الصفع) أو الإيذاء الجنسي أو العنف العاطفي. الاعتداء الجنسي هو جميع السلوكيات الجنسية التي تتم دون موافقة الضحية وذلك باستعمال العنف، أو التهديد بالإيذاء البدني أو القتل، أو عن طريق استغلال وضعية تكون فيها الضحية عاجزة عن الدفاع عن نفسها.
يُقصد بالإيذاء العاطفي مثلا الحالات التي تجعل الطفل يُحس فيها أنه عديم القيمة أو غير محبوب أو في خطر أو أنه موجود فقط لِتَلبية رغبات الآخرين. يُعد الإهمال من بين الأشكال السلبية لذلك وذلك بسبب التقصير الشديد في هذه الحالة في تلبية رغبات الأطفال، ومِن بين أمثلة تعرض الأطفال للإهمال البـدني هناك عدم توفير الحماية الكافية أو الأكل الكافي لهم. يكون الحنان والدفء الذي يتم تقديمه للأطفال الذين يعانون من الإهمال العاطفي أقل بكثير مما يحتاجونه في الواقع.
وتيرة التعرض للحوادث
يتعرّض في ألمانيا نحو 24 من أصل 100 شخصاً خلال حياتهم لِحَدثٍ واحد على الأقل والذي قد يتسبّب لهم في الإصابة بصدمة نفسية، حيث أن هناك فروقات بين النساء والرجال فيما يخص نوعية التجارب الصادمة. إذ يتعرض النساء بشكل أكبر للإيذاء الجنسي، بينما الرجال أكثر عُرضة للحوادث والاعتداءات بهدف سرِقتهم واعتقالهن أثناء الحروب. تعرض كِبار السِن لحوادث صادمة في الحرب أكثر من الأصغر منهم سِناً. تفيد التقديرات بأن 1 إلى 13 شخصاً من أصل 100 في ألمانيا سبق وأن تعرض للإيذاء الجنسي في سن الطفولة.
الهروب من البد الأصلي
يتعرض الأشخاص المضطهدين مثلاً لأسباب سياسية وفي ظل انتهاكات حقوق الإنسان والإرهاب الذين أُلزموا على مغادرة بلدهم الأصلي والبحث بالتالي عن الحماية في بلدان أخرى، بشكل واضح لأحداث صادمة أكثر من غيرهم: حيث أبانت دراسة أقيمت في سويسرا على أن 88 من أصل 100 شخصاً من بين الذين مرّوا من تجربة الهروب، تعرضوا خلال حياتهم لحادث صادمٍ واحد على الأقل، حيث أن هؤلاء الأشخاص المضطهدين كانوا في معظم الأحيان حاضرين عند تعرض آخرين للعنف (كونهم شهود عِيان) أو رأوا موتى أو تعرضوا بأنفسهم بشكل مباشر للإيذاء البدني.
ردود الأفعال النمطية
ردود الأفعال المحتملة أثناء وقوع الحدث: غالباً ما يكون نِظام الجِسِم أثناء الحدث المثقِل نفسياً في حالة تأهُّب وكرب شديد وعلى استعداد للمقاومة من أجل النجاة، إذ أنه من الممكن أن ينتج عن ذلك ردود أفعال مختلفة والتي قد تختلف من شخص لآخر؛ قد يؤدي ذلك مثلاً إلى مخاوف جسيمة وأحاسيس بانعدام الحماية والفزع، حيث يحس بعض الأشخاص أيضاً بالذهول وعدم الوعي أو الارتباك أو وكأنّهم معزولين عن أنفسهم أو عن الآخرين أو عن محيطهم، وتَتَراجع ردود الأفعال هذه في غالب الأحيان بعد مضي بعض الوقت على وقوع الحدث.
ردود الفعل المحتملة بعد الحدث: من الطبيعي جدّاً أن تَنتَاب المرء - بعد مروره من حدثٍ مؤثرٍ نفسياً بشكل غير عادي - مشاعر مزعجة وأفكار وأحاسيس جسدية.
قد تستمر ردود الفعل التي تقع أثناء وقوع الحدث لمدة معينة حتى بعد فواتِه (مثلا الشعور بالتهديد)، حيث ينطبق ذلك أيضاً على حالة التأهب التي يعرفها نِظام الجِسِم والتي تظل قائمة بعد الحدث، إذ قد يؤدي ذلك إلى اضطرابات النوم والتوتر والإصابة بِنوبات الفزع، وقد ينضاف إلى ذلك الإصابة بالاكتئاب والشعور بالذنب والتأنيب النفسي أو الغضب. غالباً ما يصعب على الأشخاص الذين يصابون بمثل هذه الحالات فَهم ما يَمُرّون بِه، بحيث أن التفكير المُتَكَرِّر فيما حدث ما هو إلا محاولةٍ مِن نَفسِيَّة المَعني بالأمر لاستيعاب هذه التجارب الخارجة عن العادة.
تتراجع ردود الفعل في معظم الحالات بعض وقت وجيز (ساعات قليلة إلى أيام) ويتمكن المرء بالتالي من ترتيب التجربة التي عَاشَها ووَضعِها في سياق مُعَيّن (مثلاً "كان أمراً فظيعاً، ولكِنّه الآن انتهى وقد نَجوتُ من ذلك.").
الاضطرابات المُحتَمَلة التـالـية للصـدمـة
لا يكون في معظم الحالات الحدث الذي يُشكِّل عبئاً نفسياً متبوعاً بظهور مرض نفسي، بحيث أنه في حالة إذا تعذر على الفرد التغلب بما فيه الكفاية على الحدث الذي ترك ثقلا نفسياً عليه وإذا كان الدعم الذي يُقدَّم للمعني بالأمر في محيطه من المُقَرَّبين منه غير كافياً، فإن العواقب قد تكون مُؤثِّرة بشكلٍ كبير مما سَيُؤَدي إلى الإصابة بأمراض نفسية، وقد يكون من بين ذلك مثلاً الإصابة بالاكتئاب أو الهلع أو الإدمان أو اضطرابات نفسية جسدية الشكل اضطرابات انْفِصَالِية أو تفاعلات حادة للكَرْب أو اضطرابات الكرب التالي للصدمة إضافةً إلى اضطرابات التوافق.
إذا ظلت هناك إعاقات قائمة بشكل واضحٍ بعد مرور سنوات أو عشرات السنين على تعرض الفرد لضغطٍ نفسيٍّ شديد ذي طبيعة كارثية، فإن ذلك قد يكون دليلاً على تَكَوُّن اضطرابات عميقة، حيث من الممكن أن يُواجه الأشخاص المصابون بمثل هذه الإعاقات إضافة إلى ذلك صعوبات كبيرة وبشكل دائمٍ في التعامل مع المشاعر الخاصة بهم أو مع الأشخاص الآخرين وقد تصبح لديهم نظرة جد سلبية عن الذات.
تفاعلات الكَرْب الحادة
قد تظهر تفاعلات حادة للكَرْب بشكل فوري بعد الإصابة بحدثٍ صادمٍ نفسياً والتي عادةً ما تتلاشى بعد مرور ساعات أو أيام قليلة.
يدخل ضمن الأعراض المختلفة التي قد تطرأ مثلاً فقدان بعض الأشخاص للقُدرة على وصف العواطف أو إصابتهم بفُتُور الشُعُور أو الارتباك أو مُيولهم إلى العُزلة، بينما يظل لدى البعض الآخر الإحساس بالتهديد الشديد قائماً وبانعدام الراحة الجسمانية. هناك بعض الأشخاص الذين لا يتذكرون بتاتاً الحادث أو يُحِسُون وكأنهم هُم أو الآخرون (تَبَدّد الشخصية) أو العالم من حولهم (تَبَدّد الواقع) قد تغيروا أو أصبحوا غرباء أو من عالم الخيال.
يمكن لهذه الأعراض أن تكون مصحوبة بالمخاوف والاضطرابات الاكتئابية والأعراض الجسمانية واستهلاك الفرد لِمواد مثل الكحول أو الأدوية.
اضطرابات الكرب التالي للصدمة
قد يدل استمرار هذه الأعراض النفسية وتشكيلها ضغطاً نفسياً لمدة أطول من 4 أسابيع على إصابة الفرد باضطرابات الكرب التالي للصدمة، غير أنه من الممكن أن تتأخر الأعراض في الظهور، أي أن تظهر لأول مرة بعد مرور بِضع الوقت على حدوث الموقف الصادِم نفسياً.
التعافي من الصدمة النفسيّة
تُعدّ الصدمة كغيرها من الأمراض التي تحتاج لعلاج، ولعل أهم وأول خطوات العلاج هو العلاج النفسي من قبل مختص يحدد طبيعة الصدمة ويعمل على معالجة الحالة النفسيّة للمريض، وتغيير نمط تفكيره، من خلال العلاج السلوكي المعرفي الذي يعمل على تغيير سلوك الفرد واستجاباته العاطفية التي تأثرت بسبب الصدمة، ويعتبر من أكثر أنواع العلاج فعالية لاضطرابات الصدمة.
يأتي بعدها دور المريض، إذ يجب أن يساعد نفسه من خلال اتّباع نظام مختلف كممارسة الرياضة، والنوم بشكل كافٍ واتباع حمية غذائية متوازنة، والابتعاد عن مسببات التوتر والتدخين والكحول، والابتعاد عن الانعزال وطلب المساعدة من الآخرين والتواصل معهم وتعلّم مهارات جديدة.
العلاج الدوائي: لا يمكن للأدوية وحدها أن تعالج الصدمات أو اضطراب ما بعد الصدمة، ولكنها يمكن أن تساعد الشخص في إدارة أعراض الصدمة مثل: القلق والاكتئاب واضطرابات النوم. ولا يجب اتّخاذ إجراء العلاج الدوائي إلا بعد مراجعة طبيب مختص.
استعادة التحكم
غالباً ما يكون فقدان الأمن والسيطرة أثناء وبعد المواقف الحَرِجة أمراً يُشكل ضغطاً نفسياً بشكل خاص، لهذا فإنه من المهم جداً بالنسبة للمصابين بعد تعرضهم لمثل هذه المواقف الحِرص إلى جانب استرجاع الأمن على استعادة التحكم بالحياة الشخصية. قد يكون من المفيد العمل قدر الإمكان على اتخاذ الكثير من القرارات شخصياً (مثلاً من هو الشخص الذي أريد أن يكون الآن برفقتي، أين أَوَدُّ أن أكون الآن..).
تكلف العواقب النفسية المحتملة الناتجة عن المواقف الصادمة المصابين الكثير من الجهد ولهذا فإنه غالباً ما تَقِلُّ قدرتهم على التحمل في أول الأمر، حيث يكون من المفيد للمعنيين بالأمر في هذه الحالة العمل على التخفيف قليلاً من الضغط والبحث عن مواقف مريحة وممتعة. قد يساعد في حالة التوتر الشديد مزاولة الفرد لِنشاط جسماني بسيط، أما في حالة الإحساس بالضغط جراء الذكريات المتطفلة، فغالباً ما يُساعد القيامَ بِنشاطٍ مألوفٍ على تخَطِّي ذلِك.
يمكن لكلٍ من الأشخاص المُقَرّبين من المصابين أو الموظفين المُتدرِّبين المساعدة على التعامل بإحكام مع المواقف القصوى التي تم التعرض لها، حيث قد يساعد إخبار هؤلاء الأشخاص المُقَرّبين بالقدر الكافي بما تم عَيشُه من تجرِبةٍ على التخفيف من الضغط ولا يزيد من درجة الإرهاق وقد يكون دعماً في التغلب على المعاناة.
ينبغي لِمَن ظلَّ يُعاني في غضون الأيام أو الأسابيع الأولى بعد حدوث الموقِف الصادِم نفسياً من الأعراض أو ظل يُواجِه صعوبات في الحياة اليومية (مثلاً الإحساس بالإجهاد النفسي)، أن يقوم بمراجعة طبيب أو اللجوء إلى مُعالجٍ نفسي، حيث يُنصح بذلك أيضاً في الحالات التي تظل فيها الأعراض التالية قائمةً بعد حدوث الموقف: الخوف الشديد، والتوتر الجسماني، والإحساس بالذهول، وإِعادة خوض الحادِث الصادِم، وتجنب التفكير في الموقِف الصادِم، وسلوك اختيار المخاطرة (مثلاً الاستهلاك المُتزايِد للكحول والمخدِّرات) أو ما يشابه ذلك من الأعراض.
تقديم المساعدة: الدعم المباشر أثناء الموقِف
تكون الأحداث الصادمة المحتملة غالباً مصحوبةً بمَشاعِر العجز وفُقدان كُلٍّ من المساعدة والسيطرة، لهذا فإنه ينبغي أن يكون الهدف من وراء كلِ دعمٍ يتم تقديمه هو الإسهام في مساندة المُصابين على التعرُف على قُدُراتهم الفردية في التغلب على الأحداث الصادمة وطريقة الاستفادة من هذه القُدُرات (الرفع من "إحساسهم بفعّالِية الذات"). هناك من بين وسائل تحقيق ذلك إمكانية تَرك المَجال بِقدر الإمكان للمعنيين بالأمر ليقوموا بأنفسهم بتحديد ما قد يكون مفيداً لهم، حيث قد يساعد في تمكين المصابين من الشعور بالأمان، أن يتم الحرص على التحدُث إِلَيهم قَدر الإمكان بِهُدوء وبِشَكلٍ واضح وصَريح. إذ ينبغي للمُساعدين الحِرص على عدم لمس المعنيين بالأمر دون موافقة واضحة من هؤلاء على ذلك، حيث يتم أحياناً بسبب تجارب سلبية سابقة أو بسبب الشعور بالخوف والتوتر الشَدِيدَين، النظر إلى لَمسةٍ وِديَة وَكَأَنّها تهديداً.
الدعم المُقدّم من طرف أشخاصٍ مُقَرّبِين
من المهم للمصابين أن يقوم المُقرّبين مِنهم باعتبار رد فعلهم كونه رَدُ فعلٍ عادٍ ناتج عن حدث غير عاد، حيث قد يكون من المفيد جدا أيضاً أن يرغب المعني بالأمر في التحدث إلى الأشخاص المُقرّبين منه حول تَجرِبته الصادمة. يُنصح في هذه الحالة -بِشكل خاص- البقاء رهن الإشارة والإنصات وتجنب إصدار حُكمٍ على ما يَتِم سَرده وذلك كون المُصابين أحياناً يَلُومون أنفسهم بسبب ما حدث لهم، إلا أنه ينبغي لجميع الأطراف عدم تجاوز حدود التحمل الخاصة بِهم والعمل عند الضرورة على اقتراح إمكانية الاستعانة بدعم أخصائيين محترفين. يستحسن لاَسِيَّمَا إذا كان الأشخاص المُقرّبين قد عايشوا الموقف الصادم بأنفسهم ومُصابين أيضاً أن يتم التحدث إلى أشخاصٍ غير مصابين، وذلك لاجتناب أن يكون هناك تحميلاً متبادلاً بين المصاب وأقربائه لعِبْءٍ ثَقِيلٍ.