انا متعاطف، انا انسان
عزيز ملا هذال
2022-12-15 05:22
الانسان في محطات حياته المختلفة يتعرض للحزن والالم والهم والغم والكثير من منغصات الحياة وهذه الامور من الطبيعي انها تجعل الانسان في حالة ضعف وخواء مما يجعله يطلب النجدة وان لم يصرح بذلك، فمن جميل صنع الله في خلقه انه جعلهم يشعرون ببعضهم ويسعون لحل مشكلاتهم او تهدئتهم على اقل تقدير في حالات الاهوال والمخاوف، وهذا الاصطفاف بين البشر هو مايعرف حرفياً بـ( التعاطف)، فماهو التعاطف؟، وماذا يضيف للانسان؟، وهل يدلل قلة التعاطف الى ازمة انسانية؟
التعاطف في علم النفس هو يعني القدرة على فهم ما يشعر به الآخرون ورؤية الأمور من منظورهم وليس من منظور شخصي، إضافة إلى القدرة على وضع النفس في موقفهم والشعور بما يشعرون به، وبمعنى آخر فإن التعاطف هو قدرة الشخص على تصور نفسه مكان الآخر الذي يعاني والشعور بالتعاطف مع ما يمر به.
التعاطف هي هبة الله في خلقه وبها يتخطى الانسان حواجز الطبيعة المصطنعة التي وضعت بخبث البشر، فالتعاطف يكون علاقات انسانية اكثر نقاءاً سواء في محيط الأسرة أو العمل أو غير ذلك، كما أن الافتقار إلى التعاطف يدل على وجود اضطراب في الشخصية، فتكون الشخصية غير المتعاطفة عدائية ونرجسية ولا يهمها ان ماذا سيحصل للآخرين وهذا قمة الانانية والفردية التي تبعد الآدمي عن ادميته وتقربه من الجماد اكثر.
المتعاطفون لديهم قدرة عالية على الاستماع الجيد الى من يقدم شكواه بين ايديهم لتقديم المساعدة له ولأشعاره بالاهتمام به وبما يثقل كاهله، كما ان المتعاطف بسبب اسلوبه الخاص الذي يعبر من خلاله بشعوره بما يدور حوله من ضيق لزميل او اخ او اي انسان آخر يدفع الناس الى الانفراد به لأخباره بمشاكلهم وما يعانونه في حياتهم وهذا الذي لن يحدث لو لم تكن هناك مسافة امان بين الطرفين، ومن انسانية الفرد المتعاطف انه يشعر بالضيق والحزن والارهاق من الاحداث المأساوية التي يسمع بها او يراها لدى الاخرين سواء كان يربطه بهم علاقة مباشرة ام لا، وبسبب كل هذه الصفات الانسانية هو يمتلك رغبة عارمة في مساعدة الاخرين وتخليصهم من معاناتهم.
ايجابيات التعاطف
ثمة ايجابيات تعود على المتعاطف والمتعاطف معه والمجتمع الانساني بصورة عامة ومن هذه الايجابيات هو توثيق صلة الانسان بأخيه الانسان ومنحه الامن النفسي الذي يجعله على مستوى عال من الصحة النفسية والتوافق النفسي الذي يعد مطلب انساني عام، ويتيح التعاطف تكوين روابط وعلاقات اجتماعية مع الآخرين والتي تعود على مزاج الانسان بشكل ايجابي مما يزيد من نسب انجازهم في مجالات الحياة المختلفة.
ويرمم التعاطف سيما للمتعاطف التدهور الاجتماعي والانساني الذي يحدث بفعل الزمن وتعقد الحياة التي ينتج منها الانشغال الدائم لمجاراة هذا التعقيد، ثم ان التعاطف يجعل الشخص المتعاطف ينخرط في بعض السلوكيات مما يجعل الآخرين يتعاطفون معه عندما يتعرض للمشاكل ايضاً وبالتالي تصبح الحاجة متبادلة وهذه هي طبيعة الانسان وسنة الله في خلقه.
اشارة
في مقال سابق لي حذرت من الوقوع في فخ التعاطف وفي احد مقاطع هذا المقال قلت: من المنطقي ان نتعاطف مع من حولنا لكن بحدود لان التعاطف الزائد عن حده يوصل صاحبه الى مرحلة مرهقة جداً يصبح فيها التعاطف عبئاً، فالتعاطف الصحي هو فهم أننا مجرد زوار لعواطف الآخرين ولسنا ملاكا لها ولا يمكن أن نسمح لها أن تملكنا لا ذلك سيجعلنا مرهقين نفسياً فعلينا وضع حدود تحمينا مقدماً لإيصال ما نشعر به تجاه الاشخاص المتضررين ولا نسمح أبدا بانتهاك سلامنا الداخلي تحت دعاوى التعاطف والانسانية، وهذه ليست دعوى للابتعاد عن التعاطف بقدر ماهي دعوى لانتقاء مكان ومناسبة التعاطف بذكاء.