مركزية الذات: ما لا تعرفه عن الوجه الآخر للأنانية

عزيز ملا هذال

2022-05-29 07:05

تتنوع الشخصيات الإنسانية وتختلف اختلافاً كبيراً بين شخصية واخرى، ولا ننفي ايضاً ان هناك توافق نسبي غير ان الاختلاف هو المميز لكل شخصية عن الاخرى، فقد تجد الشخصية الواعية المنفتحة وعلى عكسها الشخصية المنغلقة على نفسها واخرى انانية والشخصية المتكبرة وغير ذلك من انواع الشخصيات وصنوفها، اليوم انا اود تسليط الضوء حلو الشخصية المتركزة حول ذاتها لكونها تمثل أحد الشخصيات في المجتمع والتي بدأت بالانتشار ربما أكثر من السابق.

يعرف علم النفس حالة التمركز حول الذات بأنها الحالة التي يكون فيها الفرد مستغرقًا في عالمه الداخلي الخاص، منشغلًا بذاته، مبالغاً في تقدير أهميتها للدرجة التي يتصور فيها واهماً أنه مركز الأسرة والعالم المحيط به، وان كل محاوله وجدوا لخدمته والعناية به.

علة تمركز الذات او التمركز هي الوجه الآخر للأنانية التي تسحب الفرد الى دائرة الانطواء التي تجعل الفرد يفضل الانشغال بذاته بعيداً عن كونه عضوا في الجماعة ومنزوياً في عالمه الخاص، وهذا النوع من البشر يعتبرون ان وآراءهم أو اهتماماتهم هي الأكثر أهمية او إقناعاً.

كما انهم ينظرون المعلومات ذات الصلة بهم على أنها أكثر أهمية في عملية تشكيل أحكام الإنسان على الآخرين مقارنة بالأفكار والمعلومات الأخرى التي يتقدم بها سواهم من الناس، وبذا هم لا يستطيعون إدراك أفكار الآخرين بشكل كامل أو التعايش معها، علاوة على عدم قدرتهم على التعايش مع الواقع الذي يشير إلى أن الحقيقة قد تكون مختلفة عن الأمور التي هم على استعداد لتقبلها وهو ما يحدث هوة كبيرة بينهم وبين مجتمعهم مما يجعل المجتمع ينظر اليه بعين الازدراء والرفض.

وتبدأ هذه المشكلة منذ طفولة الانسان لكون ان الطفل يكون غير قادراً على ان يميز بين الامور الشخصية او الخاصة وبين الامور المرتبطة بالحياة العامة، وبالضرورة هنا تسود الاعتقادات الخاطئة لديهم وهذه الاعتقادات ناتجة من اشياء غير منطقية من قبيل أن من يختلفون معهم في الآراء يكونون مخطئين دائما.

وفي هذا السياق يشير عالم النفس جان بياجيه الى ان الصغار بطبيعتهم متمركزين حول ذواتهم نتيجة لاعتمادهم على جانبي التمركز حول الذات وهما الأخلاقيات التي تعم بيئتهم الاولى وتأتي اللغة في المقام الثاني لكونهم يستخدمون اللغة للتواصل مع أنفسهم في المقام الأول.

ويعتقد بعض المختصين في التربية وعلم النفس ان كلام الطفل المتمركز حول ذاته له دلالات اخرى غير الانانية فهو يسهم في تطوير مستوى الحديث وبالتالي يسهم في التطور الاجتماعي والتطور الفكري الذي يحتاجه اي انسان لكي يندمج في جماعة يستوطن فيها، شريطة ان يتاح له المجال للتعبير عن نفسه شريطة ان لا يرى نفسه هو الاعلم والافهم من بين الجميع حتى لا يصاب بالإحباط إذا ما رفض كلامه الاخرين او قاموا بتعديله.

اما عن التمركز حول الذات مرحلة المراهقة في فأن ديفيد إلكيند هو عالم نفس أطفال أمريكي فيقول ان نزعة التمركز حول الذات تنشط في مرحلة المراهقة سيما المراهقة المتأخرة نظراً للتحولات الفسيولوجية التي يمر بها، فالمراهق يفترض أن الآخرين مشغولون بتصرفاته ومظهره بالقدر نفسه الذي يفكر هو في نفسه.

ويحدث التمركز حول الذات في فترة المراهقة كنتيجة حتمية لأسباب عديدة منها تغير الاطر الاجتماعية لدى المراهقين كدخول مرحلة الثانوية على سبيل المثال وهو ما يدفعهم الى ان يكونوا اكثر مكانة كما يعتقدون، "و قد يؤدي تطور الذات أو الهوية الشخصية للمراهق إلى شعور الفرد بمستويات عالية من التفرد والتي تنتهي أيضًا إلى نوع من التمركز حول الذات.

وقد يكون التمركز حول ذات نتيجة للرفض الذي يمارس من الابوين على سلوكيات اولادهم وهو ما يدفع هؤلاء المراهقين الى الاعتداد بالنفس لكونهم يشعرون بأن على مستوى عال من الوعي والقدرة على الاعتماد على أنفسهم والتماشي مع الحياة وتوفير المتطلبات، وهكذا تبدأ بالانحسار في مرحلة البلوغ والشباب وصولاً الى مراحل عالية من النضج حتى تختفي الازمة ويحل محلها التفهم للحياة وتقبلها بعيداً عن التعنت والغرور الفارغين.

وفي الختام نقترح ان يكون التعامل مع من يتصف بالتمركز حول الذات على انهم مرضى يحتاجون الى العلاج النفسي والذكاء في التعامل معهم، كما نفضل عدم التصادم معهم حتى لا يسوقهم العناد الى اتخاذ التمركز اسلوب حياة مما يعقد امكانية تعديل سلوكهم، وبهذين الامرين يمكن ان نحد من هذه العلة غير اللطيفة.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي