شخصياتنا تحدد أسلوب تفكيرنا
د. اسعد الإمارة
2021-02-16 08:20
يعرف علماء النفس الشخصية بأنها التنظيم الدينامي داخل الفرد للأجهزة النفسية الفسيولوجية التي تضمن توافقه الخاص مع بيئته، وهو تعريف "البورت" ونعرفه "أي كاتب المقال" الشخصية بأنها جماع بعض جوانب الذات كما يرصدها الآخرون متمثلا في التوافق الإجتماعي مع القدرة على التأثير في الآخرين تأثيرًا محببا ومرغوبًا. أما التفكير كما تعرفه موسوعة علم النفس والتحليل النفسي بأنه نظام معرفي يقوم على استخدام الرموز التي تعكس العمليات العقلية الداخلية، أما بالتعبير المباشر عنها، أو بالتعبير الرمزي.
ان ما يشدنا لمعرفة العلاقة بين أنماط الشخصية واسلوب تفكيرنا هو السلوك الذي يصدر عنا بشكل عفوي، أو بأسلوب متعمد لأن نمط الشخصية هي التي تفرض على صاحبها أن يسلك هذا السلوك حتى وإن تَجَملَ في تحسين هذا السلوك، ويعلم من درس التخصص في علم النفس أن وراء كل سلوك دافع، ولا يوجد سلوك بدون دافع أي لا معنى له.
ومن أوليات التحليل النفسي لمن تعمق به أن كل سلوك له معنى وإن غاب عن التفسير في الوقت الحاضر، فلكل سلوك دلالة ومعنى. حينما نقول أن تفكيرنا يميل للعزلة، ويؤكد سلوكنا ذلك من خلال ما نقوم به، لأن التفكير تكوين فرضي نستدل عليه من خلال السلوك وما نقوم به ويصدر عنا، فهو عندئذ يدلنا على نمط شخصيتنا.
أن الشخصية العصابية النمط "العصابي – النفسي" وكذلك النمط الذهاني له مؤشرات يفهمها من درس علم النفس المرضي، أو الكلينيكي، أو سيكولوجية الشخصية، أو تعمق في الاضطرابات العصابية والذهانية وانحرافات الشخصية فيستدل على العلاقة بين نمط الشخصية وأسلوب التفكير والسلوك الذي يعبر عنهما.
فلا نغالي إذا ما قلنا أن منطق الاعراض المرضية النفسية والعقلية، أي المعاني التي تنطوي عليها أعراض الاضطرابات النفسية والعقلية هي التي تدلنا على طريقة التفكير لكل شخصية، وذهب البعض من علماء النفس التحليلي ومنهم "صلاح مخيمر" إننا نستدل على نمط الشخصية من آليات الدفاع التي يستخدمها مثل الكبت، أو الاسقاط، أو النقل، أو التبرير وغيرها من الآليات الدفاعية وطرح "مخيمر" بقوله أن فكرة العلاج النفسي التحليلي تبدأ بمعرفة إستخدام الفرد لنوعية الاساليب التي يلجأ إليها ويستخدمها في تعامله اليومي، وهي مؤشر يدلنا على الكثير من الدلالات الرمزية عن الشخصية وعن علاج الاضطرابات العصابية.
يقول عالم التحليل النفسي العربي البروفيسور "مصطفى زيور" إذا كانت الأعراض الهستيرية أشبه شيء بتعبير رمزي لحالات إنفعالية بعينها، فما الرأي في أعراض الاضطرابات العقلية كالهذيان والهلوسة وما إليها، ونستطيع القول بأن تفكير الشخصيات العصابية مثل الشخصية القلقة، والشخصية الوسواسية، والشخصية الاكتئابية العصابية" وهي تختلف في اعراضها عن الشخصية الاكتئابية الذهانية في الكثير من الأعراض، والشخصية السيكوسوماتية وغيرها من الشخصيات لها طريقة معينة في التفكير حتى ادت هذه الطريقة إلى تشخيصها بهذا الاضطراب وابتعدت عن السوية "السواء" بدرجات قد تكون بعيدة أو قريبة من خط السواء" Border Line ".
ان الأسوياء لا يبرأون عما نتحدث عنه في هذه السطور لأن الإنسان يتحدث بلغة رغبته كما يقول "سيجموند فرويد" ورغبته تقوده لأن يسلك في تعامله ويبدو ذلك ظاهرا وجليا، ويضيف لنا أكثر "دانيل لاجاش" قوله تنحصر صياغة السلوك في الشعور بحاجات الشخصية وفي اكتشاف الأهداف والموضوعات والوسائل المناسبة للإشباع.
فالشخصية التي يبدو عليها الاحباط تتميز بأنها تلجأ إلى الميكانيزم الدفاعي المعروف وهو "النكوص" وقول "هيلين دويتش" نستطيع أن نقارن الاحباط بحائط ترتطم به قوة نفسية تتحرك إلى الامام بحيث تضطر إلى العودة القهقرى، أن عملية العودة القهقرى هذه هي النكوص، وتضيف "دويتش" أن كل إنسان يكون في حقيقة الأمر في حالة مستمرة من الصراع الكامن، مع العلم الواقعي من جانب ومع قواه الذاتية الداخلية من جانب آخر، طالما كان عليه أن يواجه دوما الاحباط ويتحمله والكف ويغالبه.
ان الحل المنسجم لهذه الصراعات الداخلية والخارجية أمر يتعلق بشخصيته ولكل فرد أسلوبه الشخصي المميز في مواجهة الاحباط السوي وطريقة تفكيره.
نقول دائما أن ابدع الدراسات والابحاث وأكثرها إثارة للمعرفة هي دراسة الشخصية والغور في عقل الإنسان في أوج نموه وعبقريته وقدرته الفائقة، وكذلك في هفواته وزلاته وغياهب تفككه واختلاطه ورصد ما يصدر عنه من سلوك بشكل واع، أم غير واعي، ومثال ذلك الشخصية المتصلبة التي تبتعد عن التكيف مع المواقف الاجتماعية الجديدة ونستدل على ذلك من سلوكه، وهو خلاصة تفكيره، وأسلوب التفكير أذن مفتاح مهم لفهم الشخصية، ولتفسير مستوى التوافق النفسي والإجتماعي، أو مستوى الاضطراب ومدياته، وكذلك لفهم كثير من ظواهر السلوك الفردي والسلوك الجمعي، والسلوك الإجتماعي.