الهشاشة النفسية
عزيز ملا هذال
2021-01-06 07:55
هي حالة من الرقة المبالغ فيها وسرعة في الانكسار والغرق في السلبية تؤدي بالفرد الى التعلق ببعض الناس للاحتماء بهم، ويميل الاشخاص المصابين بالهشاشة النفسية الى السهولة في جميع امورهم مما يجعلهم عرضة للإحباط من أبسط التحديات والازمات التي يواجهونها.
وتمثل هذه الظاهرة ضرب من ضروب الاضطرابات النفسية التي تعتري الاشخاص وتجعلهم ينظرون الى المشكلات على انها تهديداً لهم لا جزء من حياتهم، ويعدونها استثناءات تتطلب حلول استثنائية، وهذه الحالة الشعورية تجعل الفرد يؤمن بأن مشاكله أكبر من قدرته على تحملها والتعامل معها، او الميل الى واعطاء هذه المشاكل أكبر من حجمها الطبيعي، ويصاحب هذه الحالة صعوبة في العودة الى النشاط الطبيعي للفرد قبل التعرّض للشدة أو المحنة، مما يسبب في الضغط النفسي عليهم.
وتسري هذه الظاهرة في صفوف المراهقين والشباب سريان النار في الهشيم مما يجعل سلوكهم مصطبغ بصبغة المزاجية وسرعة الانجذاب والتعلق بأشخاص تعرفوا عليهم مؤخراً لتعويض حالة الضعف التي يعانون منها، والمصداق على ذلك هو وجود مئات الحالات على منصات التواصل الاجتماعي غير مبينة على اسس رصينة، فترى هؤلاء يبنون علاقات وهمية في اذهانهم لمجرد اعجاب او تعليق احد لمدونة لهم والاعتقاد ان صاحب التعليق اصبح من المقربين منهم والداعمين لهم وهو ما يؤشر خلل في السلوك.
يتفرد البشر دون غيرهم من سائر المخلوقات بعلاقاتهم مع بعضهم البعض وفي جزئيات حياتهم وعمومياتها، فتتشكل روابط وتنفصم اخرى في كل مرحلة من المراحل والاماكن التي يكون لهم فيها نشاط من مدرسة وجامعة فمكان عمل، ويرتب على هذه العلاقات تأثير المرء بمن حوله وتأثره بهم بالسلب او بالإيجاب فالإنسان السوي يؤثر ويتأثر، ففي كل مرحلة تتراوح فيها اسهم الفرد معنوياً بين صعود وهبوط فحيناً نفرح واخر نحزن، وبعض هذه التفاعلات البشرية تقدم سلوكيات المحيط لدى جهاز الاستقبال الذاتي (ادمغتنا) على شكل خبرات تترجم على محمل سلبي بحيث يعتقد الفرد بأن حدوث صدمات او مشكلات نفسيه سببتها الجماعة له هي للأضرار به و تأديبه او التآمر عليه سواء وجد في أفعال الآخرين ما يبرر هذا التأويل مما قد يوجه سلوكياتنا نحو السلب أو لم يوجد ، وعلى النقيض فقد تحمل السلوكيات الخيرة للجماعة قوة تأثير ايجابي تنجيه من غرقه في بحور السلبية والتذمر.
اولى العلامات التي تشير بالضرورة الى اصابة الفرد بالهشاشة النفسية هي امتلاكه للعاطفة العابرة للحدود الطبيعية والذي يفضح ذلك هو ميله الكبير الى الحساسية عند مواجهته للمواقف الانفعالية بمعنى ظهور استجابة غير طبيعية لمثير يحصل لك في مرات سابقة ولم تكن الاستجابة بهذا المستوى من الشدة على سبيل المثال بكاءنا على وفاة شيخ كبير بالسن يسكن في منطقتنا بمبالغة لا شعورياً وفي العادة نحن لا نتأثر الى هذا المستوى عند وفاة شخص بهذا السن في مناسبات سابقة، ويحدث ان يفضل بعض الافراد ارهاق العمل الى حد الاعياء بدل التذمر او التوتر منه والسبب من وراء حب العمل يأتي لتجنب الحياة المنزلية وتجنب اقامة علاقات غير العلاقات الموثوقة بالنسبة اليه لتجنب الوقوع في صراعات فبدلا من التفكير في المشاكل وما يتبع ذلك من إحباط وقلق، يلجأ الشخص إلى تشتيت ذهنه بالعمل وهو ما يعطيه مساحة للراحة النفسية.
وحين نغضب ينخفض معدل مقاومتنا لصعوبات الحياة ففي حالة الارهاق نكون سريعي الاستفزاز والغليان حتى مع الاشخاص اللذين نكن لهم قدر كبير من الحب والاحترام، وهذا الغضب السريع معلم اخر من معالم الهشاشة، كما يحاول الاشخاص الى تعويض فقدان الامان الداخلي عبر السيطرة على من حولهم، فيحكم المدير قبضته على موظفيه حين يفقد الاستقرار النفسي والعكس يصح، فالشخص الذي يفتقد للأمان ينعكس على سلوكه لذا تجده محباً للسيطرة والتحكم في الآخرين مما يؤشر وجود هشاشة في شخصيته.
الاسباب التي توصل الفرد الى الهشاشة النفسية متعددة منها غياب القدوة الذي تعرضت للازمات وتمكنت من تخطيها للإفادة من التجربة، والمشاكل الدراسية التي يتعرض لها في مراحل دراسية مختلفة هي ايضاً سبباً من الاسباب، وتلعب التنشئة الاسرية دوراً مهماً في اضعاف شخصية الابناء وجعلها وتحويلها الى شخصية انهزامية لا تصمد بوجه العقبات ولا تسعى الى حلها، كما تستخدم بعض الامهات سياسة التخويف لا بناءهم حتى يخلدوا الى النوم او القيام بعمل معين وهذا خطأ يجهل الكثير من الوالدين اثاره السلبية على الطفل وبقاء هذه الخبرة فيه حتى الكبر، كذلك الخلافات بين الوالدين وتطور الخلافات الى شتم وصراخ يخلق جو نفسي غير امن للطفل مما يجعله مهزوزا قليل الثقة بنفسه مرتبك عاطفياً يمثل سبباً من الاسباب، ويقول الخبراء في علم النفس امكانية تعرض الاشخاص المصابون بالاكتئاب العقلي تزيد عشرة اضعاف الاشخاص الاسوياء وهذا سبب اخر لأصابه الافراد بالهشاشة النفسية .
العلاجات الممكنة للحد من اثار الهشاشة النفسية تتمثل في تحديد المشكلة والاعتراف بوجودها في ميدان النفس ومعرفة ما تشكل من خطر عليها، الخطوة الثانية للعلاج هي المواجهة الايجابية للازمات من خلال الفضفضة لشخص تثق به وتعتقد انه يؤتمن على اسرارك وخصوصيتك ولديه امكانية لتقبل شكواك ومساعدتك في التغلب على المشكلة لا مفاقمتها، ومن الاهمية بمكان ان نشغل اوقات فراغنا بعمل ما للتغلب على الافكار والهواجس غير المنطقية التي يسببها ذلك الفراغ القاتل، واخيرا لابد من عدم مصاحبة السوداويين اللذين يظلمون الحياة امامنا ويقللون من حجم سعادتنا التي من اخطر ما يفسدها هو ان نكون ضعفاء ومنهزمين من الداخل.