التفكر والتحسب في الشخصية

د. اسعد الإمارة

2020-12-19 08:10

من الاضطرابات العصابية" النفسية" يظهر هذا السلوك التحسبي وكثرة التفكر فيه حتى يغطي مساحة واسعة من تفكير الفرد وفي معظم اوقات يومه، هذه الاعراض التي تبدو واضحة في سلوك الفرد وتعامله مع الاخرين بحساسية عالية تنم عن أفكار تسلطية حوازية، لا تبحث في ماضي الفرد، إنما في حياته اليومية الجارية وفي المستقبل.

ومن تلك الاعراض أن فكر الشخص يستبق الحوادث دائمًا والتوقع، فتكون تساؤلاته ماذا يحدث لو ركبت الطائرة؟ ماذا يحدث لو تشاجرت مع مديري في العمل، أو فلان من العاملين معي؟ هذا النمط من الشخصية التي تنتمي إلى العصاب الوسواسي القهري الحوازي تستشرف حوادث المستقبل بشكل قسري وتسيطر على فكره وتقلل من قابليته الانتاجية في العمل، وتزيد الشكوك في نفسه تجاه الآخرين وتضعف علاقاته الإجتماعية معهم. أنه يقضي حياته جزعًا ومهمومًا لأمور مازالت في عالم الغيب وكأنها أمور ماثلة في الواقع يذوق مرارتها.

الوسواس في التفكر الزائد والتحسب لكل صغيرة وكبيرة تسبب لصاحبها الكثير من المتاعب ويقول" بيير داكو" الوسواس فكرة صعبة الاحتمال إلى حد بعيد، إنها تبدو للفكر بطريقة متكررة، فظيعة غالبًا، فالفكرة عنيدة ومؤلمة تسبب ضروبًا شديدة من الحصر بكل ما لها من نتائج فسيولوجية وسيكولوجية.

ويضيف "داكو" قوله أن قوة ترقد في الفرد وهي جاهزة دائمًا لأن تتنبه لذا فهي معركة بين العقل والوسواس. يتناول أطباء الطب وعلماء النفس الكثير من حالات التحسب المرضي لدى البعض ممن نتعامل معهم في حياتنا اليومية فنسوق حالة من أحد الاشخاص ويعمل تدريسيًا في الجامعة، يعاني من كثرة التحسب والتفكر في كل صغيرة وكبيرة ، شكاك بكل من حوله، يحسب حساب لكل كلمة تقال امامه حتى وإن كان هو ليس طرفًا في الموضوع، يتناول الآخرين بالسر ولا يواجههم بأي كلمة في العلن، يتخفى بغطاء الدين والتقوى، لا يكون في عمله دقيق أو مخلص بل شكاك بالكل.

لديه أفكار تحسبية عن كل شخص في القسم العلمي الذي يعمل فيه رغم أنه متخصص في المجال الاجتماعي، ولا يستطيع أحد من المقربين إيقاف فكره التحسبي واستشرافه للمستقبل وما ستؤول له الاحداث رغم أنها لم تقع ولم تحدث، وربما لم تحدث ولن تحدث، كثير الافتراضات، كثير السعي وبطموح بغير حق، تأهيله العلمي لا يرقى لمستوى الجودة ولكن يدعي أنهم يحاربونه وهو أفضل شخص في القسم لا بل في الكلية، لا بل في البلد كلها، حتى خلط الجانب العصابي مع الجانب الذهاني وهو صحيح تماما كما يقول "بيير داكو" يرافق العصاب الذهان غالبًا، مستوياته كثيرة ويبدأ من الوسواس الصغير المتصف بالحصر إلى الوسواس الكبير المنهك.

ان الشخصية التحسبية والتي تتميز بالتفكر المرضي الزائد عن اللزوم هي شخصية عصابية "اضطراب نفسي" تضطرب في تقديرها لنفسها، كما تضطرب تقديرها للآخرين، غالبا ضعيف الثقة في نفسه، وشكاك دائمًا، مشحون إنفعاليًا ومتوثب، يحاول أن يبتسم بضحكة صفراء ملغومة تجاه أي شخص، يتحدث عن مظلوميته مع من يقابله في مناسبة وغير مناسبة، متملق ووصولي، وهو لا يشبعه أي تحصيل أو مكان اداري، ولا يقر عينًا بما يصل إليه من مركز يحسده عليه الكثيرون، إنه يجمع كل وأي شيء يمكنه الحصول عليه، لا لشيء إلا لإشباع حاجة في نفسه لا يستطيع تحديدها. يقول علماء النفس أن تشاؤمه الذي يحثه على الاحتياط للمستقبل بتكديس المعلومات والاشياء.

وترى الرؤية النفسية التحليلية أن هذه الشخصية التحسبية لديها شعور عالي وقوي بالدونية مع غلبة الشك والوجل في سلوكها دائمًا، وتتحصن هذه الشخصية ضد هذا الشعور بحمل درع فولاذي عناصره لها مظهر خارجي يحمل صورة الإقدام والشجاعة والثقة بالنفس التي تحجب معالم الدونية عن الانظار والشعور به، ويقول بعض علماء النفس رب أمانة ظاهرة أخفت من تحتها نزعة غش، أو غدر، أو تلاعب، أو اختلاس، ورب نظافة متطرفة كانت ستارًا كثيفًا ينسدل فوق سلوك قذر، ورب حماسة في الإخلاص والوفاء والمودة كانت رداء يبهر الابصار ببياضه الناصع، بينما هو يخفي من تحته سواد الأنانية القوية والغدر.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا