النظر الى القيادة من زاويةٍ جديدةٍ

شبكة النبأ

2024-05-06 06:39

نحتاج إلى النظر إلى القيادة من زاويةٍ جديدةٍ، وإيجاد أسلوب جديد لتنمية القيادة. ومن دون ذلك، سوف تستمر المؤسسات في نَسْخ القادة الموجودين، وإنتاجِ المزيد من القادة الذين يعتمدون بكثرةٍ على المهارات المعرفية لكنهم غير مؤهَّلين للتعامل مع المشكلات التي تصبح معقَّدة ومحيِّرة على نحوٍ متزايدٍ يوميًّا. وعندما نرى رئيسًا تنفيذيًّا أو قائدًا سياسيًّا يُظهِر الضعف أو الشفقة، أو يتقدَّم لتحمُّل المسئولية كاملةً عن سوء التقدير أو سوء التنفيذ؛ فإننا في الغالب نندهش كثيرًا ونحتفي بهذا الشخص بصفته قائدًا عظيمًا.

يتعامَل الرؤساء التنفيذيون وغيرهم من المسئولين التنفيذيين - الآن أكثر من أي وقتٍ مضى - مع مواقفَ معقدةٍ وعملاء معقدين؛ وهذا سيجعلهم في حاجةٍ إلى إظهار نطاقٍ أكبرَ من الصفات القيادية. إنهم يواجهون مواقفَ تتطلَّب قرارًا، ولا توجد لها حلول «صحيحة». سوف يواجهون تناقضاتٍ وسيتعلَّمون التعامُل معها بدلًا من محاولة حلها، وسوف يحتاجون إلى تعلُّم التصرُّف على نحوٍ مناقِضٍ للحَدْس في بعض الأحيان، وسوف يتعلَّمون أن يثقوا في حَدْسهم في مواقفَ أخرى.

إن التعامُل مع هذه المواقف الصعبة والمتغيِّرة دائمًا ليس ممكنًا دون الاستعانة بالعقل والقلب والشجاعة. علاوةً على ذلك، فالقائد المعتمِد على «العقل» فقط لا يمكنه أن يصبح قائدًا كاملًا عن طريق أخذ دورةٍ في الأخلاقيات، أو تلقِّي تدريبٍ في النزاهة. والقائد المعتمِد على «القلب» فقط لن يبدأ في الإقدام على المخاطرات من خلال الالتحاق بدورةٍ تدريبيةٍ تتضمَّن أنشطةً رياضيةً مُجازفة؛ فالتنمية لا بد أن تكون مستمرة ومتعددة الجوانب. نقصد بذلك أن القيادة تتألَّف من الخبرة والتدريب والتوجيه. 

يمكن توضيح منهجنا في القيادة على النحو التالي:

قيادة العقل

- إعادة التفكير في طريقة القيام بالأمور.

- إعادة تعيين الحدود عند الضرورة.

- فهم تعقيدات العالم الدولي.

- مراعاة التفكير الاستراتيجي دون إغفال الأهداف القصيرة المدى.

- البحث عن الأفكار داخل الشركة وخارجها، وفي أي مكان يمكن أن توجد فيه.

- تكوين وجهة نظر.

قيادة القلب

- الموازنة بين احتياجات الأفراد واحتياجات الشركة.

- خلق الثقة.

- تطوير تعاطف حقيقي في مكان عمل متنوع.

- خلق بيئات تتيح للأفراد تبَنِّيَ قيم الالتزام الحقة.

- تحديد المهم.

- فهم المعيقات المحتملة والتغلب عليها.

قيادة الشجاعة

- الإقدام على المخاطرة في ضوء بيانات غير كاملة.

- الموازنة بين المخاطرة والمردود.

- التصرُّف بنزاهة صارمة بالرغم من الصعوبات.

- السعي بإصرار نحو فعل المطلوب من أجل النجاح.

- الصمود في وجه المِحَن.

- عدم الخوف من اتخاذ قرارات صعبة.

ومن الواضح أن كثيرًا من هذه الصفات ليس محور التركيز التقليدي في مجال تطوير القيادة. وحتى الصفات العقلية تختلف عن المهارات المعرفية المعتادة المتمثلة في اتخاذ القرار، والتخطيط الاستراتيجي، وما شابه ذلك. ونحن لا نُرجِّح فكرة أن المهارات التقليدية غير مهمة، بل نفترض في واقع الأمر أن أي قائدٍ يتبع طريقًا تقليديًّا يبدؤه بالالتحاق بإحدى كليات الأعمال، ثم شَغْل وظائف المبتدئين في أي شركة؛ سوف يكتسب تلك القدرات المعرفية في نهاية المطاف. ما نقصده هو أن تلك القدرات لم تَعُدْ كافية.

إننا ندرك أن كل هذه السمات ليس من الممكن اكتسابها عبر التدريب أو التوجيه؛ فعلى سبيل المثال: إذا كنت مفتقرًا إلى القدرة الفطرية على مراعاة النزاهة، فلن يساعدك أي أسلوب، مهما بلغتْ كفاءته، على اكتسابها. وندرك أيضًا أن بعض السمات قد لا تنشأ إلا بعد خوض الأفراد مجموعةً من التجارِب، والفشل في بعضها، والتعلُّم من تلك الإخفاقات.

نحن نفترض أن معظم القادة، إذا مُنِحوا الوقت الكافي، فسوف يكتسبون الخبرة ويتعلَّمون منها، فضلًا عن أننا متفائلون بما يكفي لافتراض أن الشركات ستصبح أكثر وعيًا بتوظيف واختيار أشخاصٍ لديهم إمكانيةُ أن يصبحوا قادةً كاملين. وعلى الرغم من أن الشركات ترتكب بعض الأخطاء أو يُعمِي بصيرتَها أحيانًا ماجستير إدارة أعمال رفيعُ المستوى أو غيره من مؤهلات الدراسات العليا، فإنها تدرك قيمة توظيف قادةٍ مستقبليين قادرين على التعاطف ويمتلكون قِيَمًا قوية، تتجلَّى بطرقٍ عديدةٍ وفريدة، بالإضافة إلى توظيف المتفوقين من حَمَلَة مؤهلات الدراسات العليا.

الفزَّاعة، ورجل الصفيح، والأسد الجبان

نعلم أن أهمية هذه الصفات البشرية الثلاث -العقل والقلب والشجاعة- قد أدركها الناس قبل عصرنا؛ فالفكرة ليست جديدة. ولعل أوضح تمثيلٍ لهذه الفكرة يأتي من الأفلام؛ فالجميع تقريبًا شاهدوا فيلم «ساحر أوز»، أحد أشهر الأفلام على الإطلاق، ولعلك تذكر أن الشخصيات الثلاث الرئيسية (بجانب دوروثي وكلبها توتو) كانت الفزَّاعة، ورجل الصفيح، والأسد الجبان. كان الفزَّاعة يبحث عن العقل، وكان رجل الصفيح يبحث عن القلب، وكان الأسد يبحث عن الشجاعة؛ أي إنهم كانوا يبحثون عن العقل والقلب والشجاعة. لقد أدرك كلٌّ منهم أنه غير كامل، وكلٌّ منهم كان يبحث عن الجزء المفقود الذي سيجعله كاملًا. وكان لدى كلٍّ منهم قدرةٌ غير متطوِّرة لكنه لم يكن يعلمها، أو لم يكن يعلم كيفية استخدام ما لديه.

لقد وجدنا أن كثيرًا من قادة الشركات في الوقت الحاضر يمرون بالموقف نفسه الذي مرَّ به كلٌّ من الفزَّاعة، ورجل الصفيح، والأسد؛ فهم يبحثون عن الصفة الشخصية الأساسية التي ستجعلهم إلى حدٍّ ما ناجحين أو كاملين (وفي الغالب يستثمرون الكثير في «السَّحَرة» الذين يَعِدُونهم بفعل ذلك). وفي أغلب الأحيان تكون لديهم بالفعل الصفةُ التي يبحثون عنها، لكنها غير مدرَكة أو غير متطوِّرة.

* مقتطف بتصرف من كتاب: العقل والقلب والشجاعة: ثلاث سمات تصنع منك قائدًا ناجحًا، للمؤلفين: ديفيد إل دوتليتش وبيتر سي كايرو وستيفن إتش راينسميث، نشر: مؤسسة هنداوي

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي