العمل الجماعي من اجل الابتكار.. وضع أهداف طموحة
شبكة النبأ
2024-04-04 05:52
من الممكن الابتكار من دون أهدافٍ سامية أو تطلعات عظيمة، لكنك إذا كنت مهتمًّا بالاستعانة بأشخاص أذكياء متحمسين في رحلة الابتكار غير اليقينية، فإن الطموح الذي يستحق الجهد يكون مصدرًا قيِّمًا للتحفيز.
عبر رحلة الابتكار، يعني التطلُّع إلى هدف طموح أن يتجاوز الهدفُ ما يبدو شيئًا ممكنًا من البداية؛ يجب أن ينطوي الأمر على تحدٍّ فعلي. في الوقت ذاته، من المهم ألَّا يكون الهدفُ غيرَ محتمل الحدوث على الإطلاق. يمكن أن يكون الاختلاف خيطًا رفيعًا للغاية؛ فينبغي للهدف أن يحفز لا أن يثبط أو يحبط مَن ينشدون الابتكارَ، ويُعَدُّ تطوير نُظُم يكون المرضى آمنين فيها من الحوادث الطبية، أحدَ تلك الأهداف.
إنه هدف ينطوي على تحدٍّ بالغ، لكن من خلال استخدام طرق مبتكرة لتغيير ثقافة الإبلاغ عن الحوادث الطبية، وتقديم آليات أفضل لرصد أخطاء العملية البسيطة وتصحيحها قبل أن تصل إلى المرضى، فإن تحسين مستوى سلامة المرضى تحسينًا جذريًّا ليس بالأمر المستحيل؛ فلقد كانت رحلة مورَث الابتكارية ثقافيةً وإجرائيةً في الوقت نفسه.
يتجلَّى مثال آخَر من نفس المجال في ابتكارٍ حديثٍ يُسمَّى «مؤسسات الرعاية المسئولة»، وتتمثل الفكرة في أن مؤسسات تقديم الرعاية الصحية توافق على أن تتلقَّى مبالغَ شهريةً ثابتة -مقدَّمًا- لتقديم الرعاية لمجموعة من المرضى، على النقيض من أسلوب «الرسوم مقابل الخدمة» التقليدي. بالنسبة إلى كثيرين، يشكِّل هذا النموذج -الذي يكافئ مؤسسات تقديم الرعاية الصحية، التي تقلِّل تكاليفَ الرعاية الصحية وترفع من أداء الجودة في الوقت نفسه- أحدَ أكثر الابتكارات الواعدة في مجال الرعاية الصحية.
التحق ريتشارد جيه جيلفيلان بالعمل لدى «مركز الابتكار»، الخاص بوكالة مراكز الرعاية الصحية والخدمات الطبية التابعة للحكومة الأمريكية، في عام ٢٠١٠، ليقود التغيير الذي كانت ستنتج عنه مبادراتُ دفْعٍ جديدةٌ على أساس القيمة، من بينها مؤسسات الرعاية المسئولة. وبعد فترة قصيرة من عمله بالوكالة، أعلَنَ عن ثلاثة أهداف بسيطة وواضحة يسعى لتحقيقها؛ وهي: تقديم رعاية أفضل، وصحة أفضل، وتقليل التكاليف بصورة ملحوظة. فماذا كان هدفه الطموح؟ كان هدفه توفير ١٫١ مليار دولار للوكالة بحلول عام ٢٠١٦.
أدرك جيلفيلان - شأنه شأن مورَث في مستشفى تشيلدرنز - الحاجةَ إلى إجراء تغييرات واسعة النطاق في النظام المعمول به في وقت مبكر من تولِّيه منصبَه، وسرعان ما شكَّلَ فريقًا من ٧٣ من «استشاريِّي الابتكار» من القطاع الخاص، الذين عملوا دون أجر؛ ليكونوا وسطاء بين مديري المشروع وفريقه في الوكالة. لقد أدرك حجمَ الشبكات الصحية المعنيَّة والتركة الثقيلة المطلوب حملها. قال جيلفيلان لمجموعة من الأفراد خلال قمة الابتكار في مجال الرعاية الصحية، في يونيو من عام ٢٠١١: «ليس هناك نقص في الابتكار في مجال الرعاية الصحية، وإنما نفتقر إلى نموذج عمل يكافئ الابتكار.» وأضاف: «إننا نبحث» عن مؤسسات مستعِدَّة ﻟ «تغيير نماذج عملها.»
تمثَّلَتِ استراتيجية جيلفيلان في التعاون مع مجموعة صغيرة من قادة تقديم الرعاية الصحية، الذين يتحلَّوْن بالشجاعة، والمستعدين للمشاركة في تجربة نموذج «الدفع المقدَّم» الخاص بمؤسسات الرعاية الصحية المسئولة. كان بعض هؤلاء يقودون مستشفياتٍ للرعاية الحرجة موجودةً في مناطق حضرية، بينما كان آخَرون يقودون مستشفياتٍ ريفيةً صغيرةَ الحجم؛ وقد وافقوا جميعًا على تلقِّي مبالغ شهرية مقدَّمًا بدلًا من رسوم في مقابل الزيارات والإجراءات الطبية الفردية.
وعندما بدأت خطوات التنفيذ، وجد أشخاصًا، مثل سوزان تومبسون - رئيسة مؤسسة ترينيتي هيلث سيستمز الواقعة في أيوا، ومديرتها التنفيذية (مع شريكها ترايمارك فيزشنز جروب) - مستعِدِّين للابتكار عبر تجربة محفوفة بالمخاطر. تقدِّم مؤسسة ترينيتي خدماتٍ صحيةً في منطقةٍ تضمُّ ثماني مقاطعات في وسط أيوا. تلك الشبكة الضخمة كانت تعني أن تومبسون كانت تتمتَّع بفرصة تنسيق رعاية المرضى الذين يقعون في دائرة عملها بفعالية، لكن لكي تدفع الجميعَ إلى الاشتراك معها في تنفيذ الخطة، كانت بحاجةٍ إلى مساعدتهم على الابتكار. وكما سنرى في الفصل التالي، بدأ طموحها الكبير في إحداثِ فارقٍ، في أن يؤتي ثمارَه.
التطلُّعات الطموحة التي تحثُّ على الابتكار
تُعَدُّ الفرصة لإحداث فارقٍ دافعًا مهمًّا للابتكار؛ فحين يشترك الناس في هدف طموح -بالإضافة إلى رؤية لمستقبل أفضل- فإن هذا الهدف يمنحهم هويةً مشتركةً؛ إنه يبني بينهم علاقةَ صداقةٍ متينة.
ما الميزة في هذه الصداقة المتينة؟ أولًا: أنها تُضفِي جوًّا من المرح على بيئة العمل. ثانيًا: يشعر الأشخاص بدرجة أكبر من الأمان، وحين يشعر الناس بدرجة أكبر من الأمان، يكون من السهل عليهم أكثر أن يبدعوا. ثالثًا: ونظرًا لأن الابتكار عملية صعبة ومعقدة، يجب أن يثق الأفراد بعضهم في قدراتِ بعض. إن تصوُّرَ عملية أو منتج لم يوجد من قبلُ قطُّ يتطلَّب الإقناعَ؛ ولهذا السبب، ينبغي أن يكون الهدف -كما سبق وأشرنا- محفوفًا بالتحديات، لكن ليس مستحيلًا!
وأخيرًا، وكما يعرف أيُّ قارئ جرَّبَ جيدًا العملَ الجماعي الحقيقي سعيًا وراء الابتكار، ليس هناك ما هو أفضل من ذلك. في بعض الأوقات، تعتقد أن أي شيء يكون ممكنًا حين تكرِّس مجموعة من الأشخاص المخلصين جهودها لفعل شيء كان يُعتَقَد أنه مستحيل.
إن الابتكار رياضة جماعية، لكن العمل الجماعي من أجل الابتكار ليس بالرحلة السَّلِسة دائمًا. في الفصل التالي، أوضِّحُ لِمَ يجب على الأشخاص تخطِّي الحدود التي تواجههم، وبناءُ الأمان النفسي، وتسويةُ الخلافات لجعل العمل الجماعي مُثمِرًا والسماح للابتكار بالازدهار.