المجموعات العامة في المجتمع المدني ومهامها

ورؤى الفكر المجتمعي الإسلامي

موقع الامام الشيرازي

2015-09-29 06:43

ستنصرف هذه الدراسة، الى التفصيل في نطاق ومهام مجموعات المصالح العامة، والتعريف بها، وتبيان أهدافها، ومهامها ومسؤولياتها، ومعوقات العمل فيها، وإرثها التاريخي المجتمعي والسياسي، على الساحة العراقية نموذجا، مع مقاربة الرؤى والتصورات الذهنية، لمدركات الفكر المجتمعي الإسلامي فيها.

جرى تضمين مجموعات المصالح العامة، في تصنيف مكونات المجتمع المدني C.S، ومنظماته غير الحكومية NGOS، والتي تشمل أيضاً المجموعات الخاصة، وهيئات الإعلام غير الربحية، ومشاريع النشاط الخاص الخيرية، وهيئات المجتمع العلمي، وواجهات المؤسسات الدينية، إذ تكون مرجعية التصنيف الأكاديمي، مستندة لدالّة الجوانب الوظيفية لهذه المكونات، وتوفر إشتراطات عنوان المجتمع المدني فيها.

في المقابل، ينظر الفكر المجتمعي الإسلامي الى المجتمع المدني، من خلال فضاءات مكوناته العضوية، التي يرى فيها وحدات أساس لبنائه، والتي تشمل الفرد أو الأسرة إبتداءً، ثم مجموع الأفراد، والجماعات ومجموعاتها، وبضمنها النشاط الخاص، وإنتهاءً بالدولة، في تشكيلاتها ذات الخدمة المجتمعية، ويؤكد على مسؤولية جميعها تجاه المكونات الأخرى وتجاه أنفسها، بشكل من المسؤولية التضامنية، المترابطة والمتقابلة، لكنّه يحصر بمكوّن "المجموعات"، عنوان مؤسسات المجتمع المدني، المتميزة روحا واعتباراً، وبالتالي يحمّلها مسؤولية المهام التي يحددها للمجتمع المدني، وهي بناء المجتمع فكرياً ومادياً، والمساهمة في الخدمات والبنية التحتية، وتأمين الموازن الإستراتيجي للدولة.

ويؤكد الفكر المجتمعي الإسلامي، على البعد المستقبلي في مسؤوليات مؤسسات المجتمع المدني تجاه "الأمة" تحديداً، كمفهوم جامع لكل من الدولة والمجتمع، ضمن ثلاثية الإنسان والأرض والثقافة، فالإنسان مسؤول عن الحاضر بديهةً، لكنه مسؤول عن المستقبل أيضاً، وهذه المسؤولية ليست متعلقة بزمن معين، بل بالماضي وبالحاضر وبالمستقبل، بما يعرف بالإطلاق الأزماني.

فالمسؤولية التي تتحملها هذه "المجموعات"، أو مؤسسات المجتمع المدني، في إسنادها للمهمة المستقبلية المناطة بالدولة إفتراضا، يفهم منها معنيان، وكلاهما صائب، فالأول أنها مسؤولية ستمتد للمستقبل، بمعنى أنها لا تتوقف عند الحاضر المعاصر، وتنتهي في إنجاز المهمة المرحلية فيه، وثانيا أنها مسؤولية تجاه الزمن القادم، وذلك في مهمة البناء للأجيال القادمة، وليس للحاجة المرحلية حصراً، بما يعرف بحصة الأجيال القادمة من الثروات، مستنداً بدليل برهان الغرض، والوجوب الحالي، والواجب استقبالياً.

فجماعات مؤسسات المجتمع المدني، أو "الإنساني أو الإيماني وفق رؤى الفكر المجتمعي الإسلامي لعنوانها"، تكون مسؤولة عن مجموع الأمة، في حاضرها ومستقبلها، فتحدد المسؤولية عن الروح العامة للأمة، بما هو متعلق في حاضرها، وعن الاتجاه العام للأمة، فيما يتعلق في مستقبلها، بمعنى أن الإتجاه العام لها، يكون تصاعدياً، وليس تنازلياً ولا دائرياً، في الهبوط أو الرجوع الى نقطة البدء، وفق مفاهيم ومدركات البحث، في علم الإجتماع.

ولضمان هذه التصاعدية في الأداء المؤسسي لمكونات المجتمع المدني، يكون من الضروري تحصّلها على مراكز للتفكير والتخطيط، وهيئات للبحث والتطوير، وفرق عمل في الرصد الاستراتيجي، في قياس الرأي العام وتوجهاته، فضلاً عن رقابة أداء الجماعات الأخرى، والأمة في روحها واتجاهها، بما يشمل الإنسان والأرض والدولة، وهذه الرقابة تمتد الى منع الأدوار الإستبداية، التي قد تسلكها بعض مؤسسات المجتمع المدني، عند توفرها لسلطة المال، أو التأثير في مؤسسات الدولة، أو في علاقاتها بدوائر وجهات خارجية.

وبذا ستجري المفاضلة بين الحسن والأفضل، وليس بين السيء والحسن فقط، في استمرار الشعور بالقلق، وفي الرقابة الشديدة على الإنفاق، وتبيان مصادر التمويل، والكشف عن مجالات الصرف فيه، وبيان إجراءات الترشيد المالي والنزاهة المالية، أو ما يعرف بكشف الذمة المالية، بما يشمل جميع المكونات المجتمعية، وبما يضمن الإنجاز الأفضل لهذه المؤسسات، ضمن المهام المحددة لها، في بناء المجتمع فكرياً ومادياً، والمساهمة في الخدمات والبنية التحتية، وتأمين الموازي الإستراتيجي للدولة، الذي يمنع احتمالات الاستبداد وقمع الحريات، وسيجري إفراد دراسة خاصة بهذا المبحث لاحقا.

لاشك بأن المسؤولية حاكمة، لمؤسسات المجتمع المدني تجاه الفرد، سواء أكان الأصل فيها هو الفرد أو المجتمع، فالعلاقة متقابلة بين الطرفين، والمسؤولية متضامنة، أو هي وفق الحالة التفصيلية، فبعضها يكون الفرد فيها هو الأصل، وبعضها الآخر يكون المجتمع، فالنظر الى إختيار شكل المنظمة الأمثل في الفكر المجتمعي المدني، وفق متبنيات الثقافة العربية الإسلامية، هو الخيار الجامع، بما يمنح الفرد إطلاق طاقاته ومبادراته وإبداعه الشخصي، من جهة، وكذا العمل لإشاعة ثقافة الجماعة والتعاون، وفريق العمل المشترك، من جهة أخرى.

تعرف مجموعات المصالح العامة أكاديمياً، بأنها مكونات المجتمع المدني، التي تنشط في الاتجاه الاجتماعي العام، الذي يخص المجتمع ككل، وتشكّل هذه المجموعات، جزءً رئيساً من جماعات الضغط السياسي، ومع أن هذا الدور، محدوداً في نموذج العراق، مقارنة بالمجموعات الخاصة، لكنه ذا أثر اجتماعي وتنموي وحضاري كبير، وفي حالة ارتقائه إلى مستوى رفيع في الأداء، فإنه سيشكل قاعدة معلوماتية واسعة، لمراكز القرار السياسي والاستراتيجي.

إن أنشطة مجموعات المصالح العامة، ذات التوسع الأفقي، تكون ذا أثر ملحوظ في العملية السياسية الدستورية، وبالذات طرح الأسماء ذات الفرصة الأكبر، والتأهيل الأمثل، والكفاءة والنزاهة الرصينة، والاتجاهات الفكرية العقائدية والوطنية، لتحظى بمقاعد ممثلي الشعب، في المجالس التشريعية والرقابية، النيابية أو المحلية.

تختلف هذه المجموعات عن سواها في مجموعات المصالح الخاصة، فإن "الخاصة" تتحرك مهامها بالمسؤوليات النقابية أولاً، وذلك بهدف الدفاع عن حقوق منتسبيها، الذين يشتركون عادة في انتمائهم المهني لحرفة معينة، أو في انتمائهم لوسط مهني أو مجتمعي أو طبقي بذاته، أو لفئة عمرية محددة.

وثانياً فالمنظمات "الخاصة" من خلال الجامع المهني أو الوظيفي، تشترك بعملية التنمية والتطوير العمراني، بمعنى "الحضاري" في المفهوم الخلدوني، في تقديم المشورة التخصصية، أو المساهمة في البنية التحتية، من خلال مراكز البحث والتطوير الاستشارية، التي ترتبط بها تنظيمياً، ضمن المجالات التي تتحرك في قطاعاتها، كالمجالات الهندسية والتقانية، ومجالات الطب والصحة العامة، أو مجالات التربية والتعليم والبحث العلمي وغيرها.

ومن ثم يأتي الدور السياسي، ذو الطبيعة الإعلامية والجماهيرية، لهذه التنظيمات المهنية، باعتبارها جزء من جماعات الضغط، التي تمارس الرقابة الشعبية، وحشد وقياس الرأي العام، وبالتالي توعية الناخب، وتبيان واقع الماكنات الإنتخابية لمرشحي الكيانات السياسية وبرامجهم، ومن ثم مراقبة الأداء الحكومي، وتقدير شرعية "الأداء" للحكومة.

وهذا الدور غير النقابي، تنهض فيه هذه المجموعات "الخاصة" تحديداً، وخارج اختصاصها، نتيجة للإرث السياسي، والصفة العقائدية "الآيديولوجية" التي توارثتها، بكونها واجهة جماهيرية لحركات سياسية بالعادة، وأن هذه الحركات تتنافس على قيادتها، وفق اللعبة الديمقراطية، أو بنتيجة الصراعات البينية العقائدية، أو الحزبية التاريخية، مع أنها في الأصل، يفترض أن تنأى بنفسها عن هذه الصراعات، وتختص بالعمل النقابي والاستشاري حصرا، كما تصرّح أنظمتها الداخلية، أو أن تمارس هذا الدور إيجابياً بأقل تقدير.

وفي المقابل فإن مجموعات المصالح العامة، ذات طبيعة غير نقابية أصلاً، فهي تهتم بمصالح الشرائح المجتمعية عموما، بغرض النهوض بواقع المجتمع عموما، وتطويره مادياً وفكرياً، ضمن المجال التخصصي الذي تنهض فيه، وعليه فإن الدور المجتمعي والسياسي "غير النقابي"، يفترض أن يؤول الى هذه المجموعات، وأن تضطلع بدور جماعات الضغط، بشكل رئيس.

غير إن هذه التشكيلات، ذات خبرة محدودة في الساحة العراقية، حتى وإن وجدت قديما، فهي كانت مرتبطة بإحدى مؤسسات الدولة، وتعمل كإحدى تشكيلاتها، وضمن توجهاتها ورؤاها واستراتيجياتها، وعليه لم يعرف الشارع العراقي، أي أثر سياسي أو إجتماعي عام لها، مما يتطلب تنشيط التشريع القانوني لهذه التشكيلات، ووضع آليات عمل كفوءة لها، لضبط النهج الديمقراطي في قراراتها واختياراتها، ولضمان سلامة تأثيرها العام، في السياسة والمجتمع.

ولغرض تبيان تفريعات المهام والمسؤوليات، التي تضطلع بها المجموعات العامة، ضمن الآليات الأكاديمية للمجتمع المدني، والتي يفترض أن تمارس مسؤولية "الصغط" من خلالها، يمكن ذكر بعضها، ضمن المكونات التالية لهذه المجموعات، والمهام المناطة فيها:

أ. منظمات تطوير البيئة وحمايتها، التي تدافع عن التوازن الطبيعي، والمناخ والأراضي الخضراء أو الغابات والأحراش، وعن الثروة المائية والمسطحات المائية وسواها، من كافة التجاوزات التي تستهدفها، سواء مؤسسات الدولة المختلفة، أو قطاعات الإنتاج الأخرى.

ب. منظمات الرفاه الاجتماعي والاتحادات التعاونية، التي تهدف الى توفير السلع الضرورية لذوي الدخول المحدودة، ورفع المستوى المعيشي لهم.

ج. منظمات حماية المستهلك، التي تدافع عن حقوقه، إزاء إغراق السوق بالسلع هابطة القيمة والنوعية، أو التي تشكل خطرا على حياة الفرد ومعيشته، وبالتالي على المجتمع عموما.

د. منظمات الحد من الجريمة والوقاية منها، وحماية النظام العام وحصانة المجتمع، بما في ذلك دعم قوى الأمن الداخلي.

هـ. منظمات الوقاية الصحية والصحة العامة والخدمات الطبية الخيرية، التي تعمل على حماية الفرد والمجتمع، من الأمراض والأوبئة، أو تساهم في تقديم الخدمة الصحية واطئة الكلفة.

و. المنظمات التي تدعوا إلى ثقافة مجتمعية معينة، أو تدافع عن الحق المجتمعي العام، مثل منظمات حقوق المرأة، حماية الطفل، رعاية الأسرة، الأمومة والطفولة.

ز. منظمات الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان.

ح. منظمات قياس الرأي العام، ومراقبة العمليات الإنتخابية، ومتابعة الأداء الحكومي، لغرض الحد من الفساد المالي والإداري الحكومي.

ط. منظمات دعم وإسناد صناعة القرار، في المستويات الاستراتيجية، في مجالات البحث والتطوير، وأنشطة الهيئات الإستشارية التخصصية.

إن قدرة منظمات المجتمع المدني، في المؤسسات والجمعيات والهيئات، الفاعلة ضمن هذه الأنشطة العامة، على تفعيل جهودها، ومخرجات أنشطتها، تعتمد بشكل أساس على التشريعات النافذة، والقرارات والاستراتيجيات المتبناة من قبل الدولة، ليكون أداؤها وفعالياتها، بحجم ما تمتلكه من كفاءات تخصصية وفاعلة، بما يمكنها من أداء مهامها.

إن هذه الضمانات، تمكّن المجموعات العامة، من مسك ملفات حيوية ورصينة، متضمنة في مخرجاتها، مشاريع معللة وواعدة، تفرض على مؤسسات الدولة، ومجالسها المحلية ووحداتها الإدارية ودوائرها الخدمية، التعامل معها، وتبني الشراكة معها، في إقرار المشاريع التنموية وتنفيذها، بغرض الإرتقاء بالبنية التحتية، ودعمها تشريعياً، وضمان شرعية الأداء للحكومة، نتيجة رقابتها وتقويم سلوكياتها وأنشطتها، بصفتها جماعات ضغط فاعلة في المجتمع.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي