الشراكة بين منظمات المجتمع المدني في ملتقى النبأ الاسبوعي

حيدر الجراح

2015-06-16 12:52

استضاف ملتقى النبأ الاسبوعي السيد جميل عودة إبراهيم معاون مدير عام دائرة المنظمات غير الحكومية، للحديث عن الشراكة بين منظمات المجتمع المدني في العراق وسبل تفعيلها على ضوء تراجع وظائف الحكومة في الكثير من المجالات المجتمعية.

وكانت الافكار التي طرحها عودة، تمثل انعكاسا للمؤتمر الذي عقدته المنظمات غير الحكومية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء حول تعزيز دور المنظمات في البرنامج الحكومي، والتي تمثلت عبر رؤية دائرة المنظمات غير الحكومية حول آليات تفعيل دور تلك المنظمات في دعم البرنامج الحكومي.

وقد فرش عودة في بداية حديثه عباءة تاريخية غطت ما يقارب الثمانين عاما من تاريخ منظمات المجتمع المدني في العراق، مستعينا بذلك بأرشيف وزارة الداخلية العراقية التي كانت معنية بملفات تلك المنظمات، منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى العام 2003، عام سقوط بغداد وتغيير نظام الحكم في العراق.

فهي قد تأسست منذ تشكيل الدولة العراقية واستطاعت ان تكوّن لنفسها شخصيات اعتبارية مستقلة عن باقي مؤسسات الدولة الوليدة رغم المنح المالية التي كانت تستلمها من خزينة الدولة.. وكانت تلك المنظمات تتمتع بصفة النفع العام، ومعفية من دفع الضرائب والرسوم.

ويستذكر السيد جميل عودة عددا من تلك المنظمات والجمعيات في حديثه، مثلا على الجانب الشيعي: جمعية التضامن الاسلامي لمؤسسها محمد باقر الناصري، وجمعية منتدى النشر التي اسسها الشيخ محمد رضا المظفر، وجمعية الصندوق الاسلامي، التي اسسها السيد مرتضى العسكري مع تجار كبار من منطقة الكرادة في بغداد، وبالنسبة للمسلمين السنة منظمات وروابط مثل: جمعية الشبان المسلمين، ورابطة العلماء المسلمين، والاخت المسلمة. اضافة الى منظمات مسيحية ويهودية متعددة في ذلك الزمن.

ما يلاحظ على تلك المنظمات في ذلك الزمن انها قد دونت لها تاريخا من العمل الإنساني واسست علاقة متميزة بين رجال الدين والتجار.

لم تبق الصورة على ماهي عليه بعد مجيء حزب البعث الى السلطة في العراق، حيث عمل نظام الحكم البعثي على مد سيطرته على تلك الجمعيات والمنظمات وتبعيثها من خلال ادخال الأشخاص المحسوبين عليه الى مناصبها العليا وقيادة العمل فيها، إضافة الى تأسيسه لجمعيات واتحادات ومنظمات جماهيرية رديفة للشباب والنساء والطلبة والعمال والفلاحين وغير ذلك.

بعد العام 2003 عملت أمريكا على تشجيع تأسيس منظمات المجتمع المدني في العراق، وهي كانت قد جلبت معها منظمتان للعمل في كثير من المجالات وتدريب العراقيين على تلك الاعمال، لأجل ان تكون تلك المنظمات وبعد اكتسابها الخبرة اللازمة رديفا جيدا للحكومة في تقديم الخدمات للمجتمع.

يمكن النظر للتشجيع الأمريكي لمنظمات المجتمع المدني من زاويتين:

الأولى ان أمريكا لديها رؤية كاملة عن التناقضات السياسية للعراقيين، وهي تستطيع من خلال مؤسساتها الرسمية العمل على تقليص حدة هذه التناقضات.

الثانية: عن طريق منظمات المجتمع المدني تستطيع الاستفادة من تلك التناقضات السابقة لخدمة مصالحها والدفاع عنها حين تعجز عن ذلك بصورة رسمية بسبب ضغوطات قد تتعرض لها من قبل الراي العام العالمي.

ومن خلال التجربة كانت اكثر المنظمات فاعلية هي التي تكون مرتبطة بالامريكان وبعض الدول الاوربية، ولديها تعاون ومشاريع مشتركة معهم.

ومن خلال التجربة ايضا، يمكن رصد عاملين مهمين لنجاح أي منظمة في عملها، والعاملان هما: العلاقات العامة التي تقيمها المنظمة، إضافة الى الانفتاح على الاخرين.

من المؤاخذات على التجربة السابقة، ان التأسيس العشوائي وغير المنضبط للمنظمات والتجمعات المدنية، سمح للأحزاب السياسية العراقية، من تأسيس منظمات وتجمعات تختفي سياساتها خلف واجهاتها الاجتماعية والإنسانية، والهدف من ذلك إيصال بعض الشخصيات المحسوبة عليها الى مراكز السلطة والقرار في الحكومة العراقية، ونجحت في الكثير من تلك الاختراقات، مما اساء الى عمل بعض المنظمات الحقيقية وصورتها داخل المجتمع العراقي.

وقد وصلت اعداد تلك المنظمات في الفترة التي سبقت صدور قانون منظمات المجتمع المدني مابين 12000 – 13000 منظمة، ليتقلص عددها بعد صدور القانون الى 2350 منظمة، مع زيادة شهرية في عد المنظمات المسجلة شهريا بحدود 20 – 25 منظمة.

السؤال المطروح الان للنقاش هو: كيف يمكن للمؤسسات والمنظمات المدنية ان تنتقل من الدائرة الضيقة في عملها وعلاقاتها الى دائرة أوسع؟

في مشاركته الأفكار المطروحة، يعتقد الدكتور قحطان الحسيني التدريسي في جامعة الحلة، ان التمويل الكافي يعتبر هو القوة الدافعة لأي انطلاقة حقيقية للمنظمة او المؤسسة. لذا يجب البحث بداية عن مصدر مالي ثابت.

ويؤشر الحسيني عددا من المؤاخذات التي رافقت عمل المنظمات غير الحكومية في الفترة السابقة، منها ان اغلب المنظمات قد حصلت على تبرعات ومنح مالية من منظمات دولية هي في حكم المؤكد لها اهداف معينة غير معلنة.

وجود منظمات وهمية استفادت من كثير من الفرص لغرض الاثراء غير المشروع على حساب منظمات أخرى حقيقية تريد تقديم منفعة عامة للمجتمع.

وأخيرا، تسييس الكثير من المنظمات لصالح الأحزاب السياسية في العراق، وتجييرها لخدمة مصالحها الضيقة وخاصة في فترات الانتخابات المحلية والنيابية.

اما مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، فقد قدم هو الاخر رؤيته المختصرة حول الموضوع وحصرها في ثلاث نقاط:

التنظيم الإداري للمؤسسات الدينية.

التنظيم القانوني.

العلاقات العامة.

اما محمد معاش مدير العلاقات العامة لمؤسسة النبأ فقد استفاض في شرحه للمعوقات التي رافقت تجربته مع تلك المنظمات، ورأى ان قوانين عمل المنظمات غير الحكومية هي أصل المشكلة، لأنها هي من تدفع الى صعود ما سماها بالمافيات وتصدرها للمشهد المدني، اضافة الى التدخلات السياسية في تشكيل المنظمات، وتأثيرها على تشكيلها وسير عملها.

علي الطالقاني مدير الادارة في المؤسسة: يعتقد ان الكثير من منظمات ومؤسسات المجتمع المدني في العراق قد تأسست لدوافع ايديولوجية ان كانت تحت يافطات سياسية او اجتماعية او دينية، بعيدا عن دوافع النفع العام ومتطلبات تقديم الخدمة لعموم افراد المجتمع.

باسم عبد عون الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، انطلق في مشاركته من التركيز على مكانة تلك المنظمات في اوساط المجتمع، ورأى انها محل سخرية وانتقاص لدى عموم الافراد في المجتمع العراقي، وخاصة تلك المنظمات التي يكون ميدان عملها الثقافة او التنمية البشرية.

ويرى عون ان الكثير من المنظمات لاتقوم باي ادوار حقيقية، وعزا اسباب ذلك الى:

الاشخاص غير الكفوئين ادارة واعضاء.

الثقافة المجتمعية العامة.

 الجهة الحكومية المانحة للموافقة على التأسيس والعمل.

في ختام النقاشات طرحت عدة توصيات لتفعيل دور تلك المنظمات والمؤسسات وجعلها تنتقل من مجالاتها الضيقة والمحدودة الى مجالات اوسع من ذلك، وكانت التوصيات على الشكل التالي:

الدعوة الى التشديد في إجراءات التسجيل كي لاتكون تلك الاجراءات منفذا للمنظمات الوهمية.

حصر التمويل والمنح بدائرة المنظمات غير الحكومية.

تفعيل المنظمات المتخصصة.

الحد من الفساد الإداري والمالي.

التنظيم والارشيف الجيد.

معرفة القانون.

بناء الإدارة.

خلق شراكات وتدريب للمنظمات المرتبطة بالمرجعيات الدينية.

ورشات عمل او ندوات مشتركة للمنظمات، لزيادة الخبرات والاستفادة من تجارب الاخرين.

الاعتراف بالتقصير وتجاوزه، مع تطوير الاعمال الموجودة.

وضع رؤية موضوعية واستراتيجية لاتقوم على المزاجية.

عقد دورات لكوادر المنظمات في بغداد لخلق جو تفاعلي.

 

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي