تحويل النوايا الحسنة إلى تأثير حقيقي

انسياد

2019-11-20 04:25

بقلم: جاسجيت سينغ

قد تعطيك المشاريع المخصصة لخدمة المجتمع شعوراً جيداً، لكن هل تدرك حقاً جميع إمكانياتك؟

إذا كنت ناشطا اجتماعيا، قد تقوم أحياناً بحضور مناسبات خيرية، أو التطوع لتنظيف الشاطئ، أو السفر إلى مناطق نائية لتساهم بتعليم الأطفال الفقراء. لا بد لك وأن واجهت ما يطلق عليه علماء الاقتصاد السلوكي "الوهج الدافئ"، الوهج هو إحساس يعطيك شعور بالرضا كونك تقوم بمساعدة الآخرين. وسوف تكون مع صحبة جيدة: جاء في تقرير للأمم المتحدة أعدته في 2015 حول التطوع في العالم، أن هناك 109 مليون متطوع حول العالم يعملون بدوام كامل. ولكن إليكم الخلاصة: البحث عن ذلك الوهج الدافئ قد يصرفك عن تبني نهج عقلاني من شأنه تعظيم تأثيرك.

لنأخذ على سبيل المثال القفز بالمظلات كعمل خيري والذي كان شائعاً في المملكة المتحدة في التسعينيات. وجدت دراسة شملت 1500 قفزة أنهم نجحوا بجمع 45000 جنيه إسترليني من أجل الأعمال الخيرية ، ولكن كلفت الإصابات الناجمة عنها النظام الصحي في المملكة المتحدة 610،000 جنيه إسترليني - أو أكثر من 13 جنيهًا من الخسائر المجتمعية مقابل كل جنيه إسترليني تم جمعه.

النظر بجدية إلى التأثير

نستطيع تحديد التأثير من خلال هذه المعادلة البسيطة:

تأثيرك = العالم بعد مشاركتك المجتمعية - العالم بدون مشاركتك المجتمعية

عند حساب التأثير ما يهم بالنهاية هو مدى مساهمتك في تحسين النتائج التي تعد بدورها هامة للمجتمع، مثل الحد من الفقر، أو التعليم. توفر أهداف الأمم المتحدة المستدامة الإرشادات وتساعد في الحصول على المزيد من التفاصيل الدقيقة.

يجب أن تنظر في تكلفة الموارد التي تستثمرها في المشروع. في حالة القفز بالمظلات، كان بإمكان المتطوعين القيام بشيء آخر يتماشى بشكل أفضل مع ما يجيدوا القيام به. بالإضافة لذلك، يترتب عن أي مشروع عواقب غير مقصودة، مثل كسور العظام جراء القفز، أو العجز والاعتماد على الآخرين.

ابحث عن الفرصة المثالية

ينطوي جوهر التفكير العقلاني على ثلاثة أسئلة يجب أن تسألها لنفسك:

1- ما هي احتياجات المجتمع التي ترغب بتسليط الضوء عليها؟

2- ما هي نقاط القوة لديك والتي قد تساعدك على تقديم مساهمة فريدة؟

3- ما هي أهدافك من حيث دوافعك الشخصية والقيود؟

قد تقوم بخطوة إضافية وتسأل نفسك: هل بإمكاني بذل جهد أكبر لمعرفة الأثار المترتبة عن استخدام عملي كمنصة؟

إذا كنت تعمل في شركة كبيرة، قد تكمن نقطة قوتك بروح المبادرة الداخلية -الاستفادة من مهاراتك ومنصبك وشبكة علاقاتك- لبناء مبادرة تعود بالفائدة على كل من شركتك والمجتمع. في مقالي القادم: التعاون المستدام بين القطاعات: بناء منصات عالمية لتأثير مجتمعي، أظهرت وكل من زملائي كريستيان بودي وميشيل روجان، كيف بإمكان رائد الأعمال الموظف البحث عن أصحاب مصلحة من الداخل والخارج لإقامة تعاون مشترك بين القطاعات لأحداث أثر اجتماعي.

نُشر مقالنا في Academy of Management Discoveries، في سياق شركة استشارات إدارية عالمية. ويلاحق القصص التي ينجح فيها موظف واحد بإطلاق مبادرة مجتمعية. كانت الفكرة بإنشاء مؤسسة اجتماعية تقوم الشركات من خلالها بجلب قدراتها الاستشارية إلى قطاع التنمية الدولي. والأهم من ذلك، عوضاً عن الجهود التقليدية للمسؤولية الاجتماعية للشركات، صممت المبادرات الاجتماعية للشركات كمشروع قائم بذاته يستطيع بسهولة الحصول على الدعم، وقابل للتطوير حتى في سياق الشركة.

يبذل الاستشاريون في الشركة ممن يعملون على مشروع المسؤولية الاجتماعية قصارى جهدهم، كأن يطبقوا مهاراتهم في إدارة سلاسل الإمداد على توزيع اللقاحات في المناطق النائية بإفريقيا. تفرض المبادرة على عملائها رسوم أقل وتعمل نحو الاستدامة من خلال الطلب من الاستشاريين تخفيض رواتبهم خلال فترة المشروع. يحظى البرنامج بشعبية بين الاستشاريين وساهم بشكل كبير في إشراك الموظفين والمحافظة عليهم.

ألهم النموذج نطاق أوسع في مجال الاستشارات الإدارية التي تحولت من نهج قائم على المعاملات يخدم عملاء شركات فورتشن 500 إلى نموذج قائم على الشراكة يهدف لتلبية احتياجات المجتمع الملحة. تسهل شركة الاستشارات الآن التواصل بين أصحاب المصلحة المختلفين بشكل روتيني، كأن تصل مشغلي الهاتف المتحرك، ووزارات الصحة، ومقدمي الرعاية الصحية في رواندا وتانزانيا وكينيا، لإطلاق منصة لمراقبة الأمراض.

عوضاً عن سؤال أنفسنا "ما هي الأمور التي ستدفع العميل لإعطائنا المال مقابل لها"، تبدأ العقلية الجديدة بـ "ما هي الأمور المجتمعية التي تحتاج لتسليط الضوء عليها ومعالجتها"؟ تقوم شركة الاستشارات بعدها بتحليل المشكلة، واختيار الأجزاء التي ممكن أن تشكل قضية بالإمكان تناولها. أما الأجزاء الأخرى من المشكلة التي قد تعجز عن معالجتها بشكل فردي، تستطيع اللجوء إلى شركاء لمعالجتها.

يبدو أن الموظف الذي بدأ العمل كله -أي رائد الأعمال الموظف– وصل إلى النقطة التي يبحث عنها والتي تجمع نقاط قوته كاستشاري إداري، وهدفه بالمساهمة في مهام شاملة ومستدامة، وحاجة المجتمع لممارسات متطورة قي قطاع التنمية.

تحذير

في حين أن تحديد أهدافنا والاستفادة من نقاط قوتنا تشكل عاملاً مهماً، فإن تطوير رؤية حول حاجات المجتمع الأساسية هي التي تحسم وصولنا إلى النقطة التي نبحث عنها، لزيادة التأثير. ويأتي تريفور فيلد، تنفيذي مبيعات في جنوب أفريقيا مثالاً على ذلك.

أراد فيلد استخدام مهاراته المهنية لإنشاء نموذج عمل من شأنه تزويد المجتمعات الفقيرة بمياه شرب نظيفة. تعرف على سبيل الصدفة على اختراع يطلق عليه "بلاي بامب" يستخدم آلية مدمجة مع لعبة الأحصنة الدوارة للأطفال، في سبيل تسخير طاقة لعب الأطفال في سحب الماء من باطن الأرض. وكان هناك مياه خزان كبير، عليه لوحات إعلانية يتم استئجارها كمساحة إعلانية لتغطية تكاليف الصيانة. حلت "بلاي بامب" مشكلة المياه في أفريقيا عن طريق مرح الأطفال الفقراء، واستطاعت من الحصول على الملايين من خلال التبرعات. بحلول 2008 تم تركيب 1000 مضخة، وكانت خطتها تطمح لأن يصل حجم التبرعات إلى 60 مليون دولار وتركيب 4000 مضخمة بهدف توصيل المياه لعشرة ملايين شخص.

سرعان ما فشل المشروع لعدة أسباب. حيث أنهم لم يعيروا أهمية لمعرفة رأي المجتمع بهدف فهم احتياجاته الحقيقية، وكانت تكلفة المشروع عالية بالنسبة للبدائل الأخرى المتاحة مثل المضخات التقليدية اليدوية، كما ركز المشروع على تركيب عدد أكبر من المضخات بدلاً من التركيز على الصيانة اللازمة، ولم يأخذ خطوة جدية لمنع عمالة الأطفال كون بلاي بامب تتطلب فترات طويلة من اللعب لتعمل كما هو متوقع. كما أن إيرادات الإعلانات كانت أقل مما هو متوقع، فلم ترغب الشركات بشكل عام بالإعلان كثيراً في المناطق الريفية بإفريقيا. ولكن مع عدم إدراك المتبرعين للحقيقة وبقاء صورة الأطفال السعداء في مخيلتهم، استغرقهم الأمر سنوات قبل أن يتم تقليص المشروع في النهاية بشكل كبير.

يظهر هذا المثال كيف تركز المشاريع ذات التأثيرات المجتمعية على القصص العاطفية، أو هوسها بالتوسع بسرعة دون ضمان تأثير حقيقي على حياة الأشخاص. على الرغم من أنه لا يُتوقع من رائد الأعمال أن يعمل على حل كل شيء منذ البداية، من الضروري الاستثمار بفهم الحاجات الحقيقية للمجتمع، وإدراك أنه أي حل لن يصل لحد الكمال. يبقى التواضع والصبر والتجريب والتعلم، المفتاح الأساسي.

الإنسانية

مما لاشك فيه أن البشر تحركهم دوافع كثيرة، ولا يكونوا عقلانيين مثل شخصية السيد سبوك، خاصة في الأمور التي تأسر قلوبنا. يظهر التأثير بطرق لا تحصى. انضممت مؤخراً لرحلة خيرية لبناء منازل في المناطق الفقيرة بكمبوديا. بالطبع كنت أعلم أن مهارتي في الإنشاءات مشكوك بها، وأن أشخاص مثلي دفعوا تكاليف كبيرة لقاء التأمين على الحوادث ومكيف هواء مريح في السيارة. كان تأثيري على العمل الخيري سيكون أكبر في حال تبرعت بنفقات الرحلة. ولكن من خلال مشاركتي، تعلمت وابني الكثير عن الحياة في الريف الكمبودي، وعدنا نطمح إلى إحداث تأثير أكبر على المدى الطويل.

لكن النظرة الأشمل جديرة بالتكرار: ينبع تأثيرك من حقيقة إلى أي مدى أصبح العالم أفضل بفضل مساهمتك. قد لا تكون أفضل طريقة للمشاركة هي الأكثر وضوحاً أو سهولة. فعندما تضع قلبك بالمكان الصحيح ستكون البداية رائعة، وسيساعدك ذلك على إعادة النظر بتوقعاتك في بعض الأحيان، ويدفعك للتساؤل: "ماذا كان سيفعل مستر سبوكي؟".

* جاسجيت سينغ، أستاذ في الاستراتيجية بكلية إنسياد
https://knowledge-arabia.insead.edu

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي