التطور المجتمعي بين الثقافتين الرسمية والطوعية
علي حسين عبيد
2015-04-07 01:06
نعني بالثقافة الرسمية، هي تلك النشاطات الثقافية التي تنتج عن المؤسسة الحكومية المعنية بالثقافة في المجتمع، كمثال عن ذلك وزارة الثقافة وما تقدمه من مشاريع وأنشطة مختلفة تتكفل الحكومة او وزارة المالية بتمويلها وتكلفتها، أما الثقافة الطوعية فهي تلك المشاريع التي يتكفل بها الاشخاص او المنظمات المدنية غير التابعة للدولة، من حيث التخطيط والتمويل والإعداد وما شابه، بحيث لا يوجد تدخّل للدولة او السلطة التنفيذية في المشاريع والانشطة الثقافية الطوعية.
ويبدو أن الفارق الأهم من حيث الجانب العملي بين هذين النوعين من الانشطة الثقافية، يتعلق بجانب التمويل المالي الذي تتطلبه هذه الانشطة، إذ تعتمد حرية الطرح والمعالجة واستقلالية الرأي والافكار على قضية التمويل، فالجهة الحكومية او الحزبية التي تقف وراء التمويل، لابد أن تكون لها سياسة محددة تخدم اهدافها ومصالحها، لذلك ترغب من نشاطات الثقافة التي تمولها ان تتماشى مع تلك السياسة تحقيقا لأجندة مرسومة مسبقا.
أما بالنسبة للثقافة الطوعية، فإن أهم المزايا التي تنطوي عليها، أنها مشاريعها وأنشطتها غير مرتبطة بأهداف سياسية مسبقة، أو ينبغي أن تكون كذلك، بل غالبا ما تكون مهام الثقافة الطوعية معروفة، وغير قابلة للتوظيف الفردي أو الجهوي، خاصة اذا كان مصدر التمويل شخصية مدنية تهدف الى بناء المجتمع ثقافيا، من دون أن تضع في حساباتها أهداف مصلحية ذات منحى ذاتي او فردي.
في الانظمة الديمقراطية يمكن أن تنشط الثقافة الطوعية وتزدهر، ويكون لها دور مؤثر في نشر الوعي والفكر السليم بين افراد ومكونات المجتمع، وهي لا تشكل خطرا على الحكومة او الدولة، فغالبا ما تكون هناك تشريعات واضحة تسمح للقائمين على هذا النوع من الثقافة بالنمو والاستمرارية، على العكس تماما مما يحدث فيما لو كانت الحكومة او النظام السياسي غير ديمقراطي، فالأنظمة القمعية لا تقبل بالثقافة الطوعية ولا تسمح لها، إلا اذا كانت صنيعتها، وهي مصدر تمويلها، في هذه الحالة لا تعبّر هذه الثقافة عن افكار المجتمع، بل تحسب على الحكومة الاستبدادية لأنها تساندها من خلال الترويج لأفكارها ومنهجها.
هذا بالضبط ما كان يحدث في ظل الحكومات الاستبدادية في العراق، فالثقافة الطوعية كانت ممنوعة في ظل تلك الحكومات، في حين كانت الثقافة الحكومية او المشاريع الثقافية التي تروج لأهداف الحكومة، هي وحدها الفاعلة في الوسط الاجتماعي والسياسي، لذلك كانت الدولة هي التي تتبنى جانب التمويل لتلك المؤسسات او المنظمات التي تنشط في المجال التثقيفي، فيكون هناك فرق كبير بين الثقافتين، او بين هذين النوعين من الثقافة، كما نلاحظ ذلك الآن في العراق، في ظل حالة الانفتاح التي يعيشها اليوم.
أما بخصوص المنظمات الثقافية الأهلية التي تنتمي الى الثقافة الطوعية، فتوجد هناك عشرات المنظمات التي تنشط اليوم في العراق، من دون العودة الى سياسة الحكومة او الدولة، ومن دون أن تأتمر بأوامرها، او تروج لأهدافها وافكارها ومصالحها، وهذا يدل على وجود حرية في هذا المجال، على العكس مما كان يحدث في ظل الانظمة العسكرية السابقة التي كانت تمنع مثل هذه النشاطات، فعلى سبيل المثال توجد اليوم اكثر من عشرة ملتقيات ومجالس ثقافية في محافظة بابل وحدها، جميعها لا ترتبط بالحكومة اداريا او سياسيا او تمويليا، فخلال الاسبوع الواحد يعيش الجمهور في بابل يوميا مع نشاط ثقافي حر، واحيانا نشاطين في اليوم الواحد، أما الجمهور فهو جيد من حيث الحضور الى هذه الفعاليات والاستفادة منها، لسبب بسيط أنها ليست حكومية، وليس هناك ضغط على احد او قسرية واجبار على حضور هذه الفعاليات، على العكس من الانشطة الحكومية التي غالبا ما تكون شكلية وجمهرها كله من موظفي الدوائر الحكومية!!.
من هنا على العراقيين اليوم أن يستثمروا الاوضاع الراهنة لصالحهم وصالح الثقافة، لاسيما أن الضغوط على المنظمات الثقافية تكاد تكون معدومة، وهذا دليل على واقع آخر، ينبغ أن نستغله بطريقة صحيحة، فإذا كانت الثقافة الحكومية نمطية وآلية وشكلية، تهدف الى إسقاط الفرض المطلوب منها، من دون أن تعنيها جودة المشاريع التي تقدمها، ومدى فائدتها للمجتمع، فإن الثقافة الطوعية ينبغي ان تختلف عنها تماما، من حيث الاهداف واساليب العمل ايضا، ومن اجل استثمار هذا الظرف المناسب لتطوير الفعل الثقافي في المجتمع، لابد للمعنيين بالثقافة الطوعية كافة، أن يستغلوا هذا الظرف المناسب، لصالح الثقافة والمجتمع وكما يلي:
- هناك حاجة كبيرة، لمضاعفة أعداد المجالس الثقافية الطوعية في عموم العراق، بما يسهم في نشر الثقافة الصحيحة.
- ترسيخ التقاليد الثقافية الصحيحة اثناء ادارة مثل هذه الانشطة، حتى تكون بمثابة التأسيس المثالي للفعل الثقافي.
- انتهاز الفرصة المتاحة لنشر الثقافة المدنية الملتزمة.
- التدريب على الثقافة الحرة، من خلال منظمات العمل الثقافي الطوعي.
- توضيح الفوارق الكبيرة بين الثقافة الشكلية (المقولبة) والثقافة الطوعية المتحررة.
- التأكيد على أن مشاركة اصحاب المال من اثرياء البلد في إنعاش الثقافة الطوعية، لا تقف وراؤها اهداف شخصية مصلحية.
- تعليم الجيل الشبابي على هذا النوع من الانشطة الثقافية، وتكريس الفعل الثقافي المتحرر بين الشباب، حتى لا تقع الاجيال القادمة في فخ الثقافة الحكومية.
- ليس هناك صراع بين الثقافة الحكومة والطوعية في العراق، ولكن على الثقافة الطوعية أن تقدم النموذج الثقافي الأفضل دائما.