متاحف عالمية.. صوامع تختزن كنوز التاريخ
شبكة النبأ
2015-11-11 08:41
منذ أزمنة بعيدة والانسان يحاول أن يوثق تأريخه عبر سبل شتى، منها التوثيق عبر سجلات تم تسميتها بسجلات التاريخ، أو مدوّنات التاريخ، حيث تسرد الحوادث مثل الحروب والكوارث والشخصيات المتميزة عبر كلمات ووثائق يتم الاحتفاظ بها من اجل الاحيال القادمة كي تطلع عليها، والهدف من ذلك الاستفادة من التجارب الانسانية السابقة كما يقول أهل التخصص.
وهناك نوع آخر لا تستخدم به الكلمات، وانما يتم حفظ الاشياء في أمكنة وقاعات تسمى بالمتاحف، وهي تنتشر في معظم دول العالم لاسيما المتقدمة منهاـ وتعني كلمة متحف بحسب المختصين باللغة العربية، المكان الذي تتجمع فيه التحف والأشياء النادرة والثمينة وتتزايد قيمته كلما مر الزمن عليه. ويرجع أصل كلمة متحف Museum إلي أصل يوناني يرتبط بكلمة Musa بمعني (سيدة الجبل).
والمتحف هو أي مقر دائم من أجل خدمة المجتمع وتطويره، وهو عادة ما يكون مفتوحا للعامة، ويقوم المسؤولون عنه بأعمال جمع، وحفظ، وبحث، وتواصل وعرض التراث الإنساني وتطوره، لأغراض التعليم، والدراسة والترفيه، كما لاحظنا ذلك في تعريف المجلس العالمي للمتاحف. وهناك عشرات الالاف من المتاحف في جميع أنحاء العالم تهتم بجمع أشياء ذات قيمة علمية، فنية، أو ذات أهمية تاريخية وجعلها متاحة للجمهور من خلال المعارض التي قد تكون دائمة أو مؤقتة.
وقد أخذ بعض الدول تتبارى في ما بينها لبناء وتشييد المتاحف الكبيرة، والتي تضم نوارد التحفيات التاريخية، كاللوحات الثمينة جدا او صور الشخصيات التاريخية النادرة، كما نلاحظ ذلك في متحف اللوفر الذي يعد من اشهر المتاحف في العالم أجمع، لدرجة ان احدى دول الخليج أبرمت عقدا بأموال طائلة لكي تبني متحفا على غرار اللوفر، حتى انها اخذت التسمية نفسها لمتحفها العربي!!.
ولعل اوروبا هي اكثر مناطق العالم مغرمة بالمتاحف، كما نلاحظ ذلك في التقرير المرفق، إذ تشير المعلومات الى اهتمام كبير بالمتاحف في هذه الدول، بالاضافة الى الارباح الهائلة التي تحققها للدول والعواصم التي توجد فيها متاحف حيث يزورها الملايين سنويا، ولكن قد تكون الحروب عاملا معيقا لاقبال السياح على المتاحف، وفيما يلي ابرز الاخبار والتقارير رصدتها شبكة النبأ المعلوماتية حول المتاحف العالمية.
متحف البوسنة الوطني
فقد توقف متحف البوسنة الوطني الذي تأسس في القرن التاسع عشر عن استقبال الزوار قبل ثلاث سنوات بسبب الخلافات السياسية التي اتت على تمويله لكن ثمة مواطنين يحتلونه الان للتنديد بهذا "الخزي"، وتؤكد اينيس تانوفيتش المسؤولة عن هذه المبادرة التي اطلق عليها اسم "انا المتحف"، لوكالة فرانس برس "لن نرحل من هنا ما لم يتم ايجاد حل لتمويل المتحف"، اطلق هذا التحرك في نهاية تموز/يوليو مع معرض بورتريهات للمصور البوسني زياد غافيتش تضمن صور موظفين في المتحف يستمرون في المجيء الى مركز عملهم مع انهم لم يتقاضوا اي اجر منذ ثلاث سنوات، ومن اجل التضامن معهم و"حراسة" المتحف رمزيا يأتي مثقفون ومواطنون رافضون لهذا "الموت البطيء" الذي يعانيه الكنز الوطني هذا، يوميا اليه لتأمين وجود الى جانبهم. بحسب فرانس برس.
ويقول غورسين ديجدار وهو عالم شاب اتى لتأمين حضور في المتحف "نحن غير معتادين على رؤية المتحف الوطني مقفلا انها فعلا مأساة"، وهو يعتبر ان "خطأ" المتحف الوحيد انه يشكل "احد رموز الدولة الرئيسية" في بلد منقسم اتنيا، ويوضح "نظامنا السياسي وضع فقط (بعد الحرب البوسنية 1992-1995) من اجل ترسيخ الانقسامات (الاتنية بين الصرب والمسلمين والكروات في البوسنة). في نظام كهذا لا احد يشعر بانه مسؤول تجاه الدولة ورموزها".
ويبلغ عدد سكان البوسنة والهرسك 3,8 ملايين نسمة وهي مقسمة منذ انتهاء النزاع الى كيانين احدهما صربي والثاني كرواتي-مسلم تربطهما حكومة مركزية ضعيفة. وتعتبر الثقافة من اختصاص الكيانين الامر الذي اوقع المتحف الوطن في فراغ مؤسساتي من دون تمويل آلي له، وفي ظل هذه الانقسامات التي تغذيها الاحزاب السياسية القومية، غالبا ما يكتب الفشل للمشاريع التي توحد . وبشكل عام يشكل التاريخ موضوع خلاف بين الجماعات البوسنية المختلفة، ويقول سرديان فوليتيتش وهو سينمائي بوسني "يشكل المتحف مثالا جيدا جدا حول عجز السياسات القائمة على الانقسام عن ايجاد حلول لهذا النوع من المشاكل".
في العام 2012 خفضت الحكومة المركزية الميزانية السنوية المخصصة لتشغيل المتحف من 450 الف يورو الى 180 الفا الامر الذي ادى الى اغلاقه في تشرين الاول/اكتوبر 2012 للمرة الاولى منذ تأسيسه العام 1888، وقد سد الموظفون البالغ عددهم نحو الخمسين في مقابل 120 قبل الحرب، باب المدخل بلوحين خشبين حملا العبارة التالية "المتحف مغلق"، وقال وزير الشؤون المدنية عادل عثمانوفيتش المكلف ايضا المسائل الثقافية قبل فترة قصير انه يسعى الى حل لتمويل المتحف لفترة 2016-2018.
وفي البلاد ست مؤسسات ثقافية اخرى ومكتبات وقاعات عرض فنية ومتاحف تعاني من المشكلة نفسها، وتؤكد بيرينا بيسيتش (50 عاما) مفوضة جناح العلوم الانسانية في المتحف "بعد عقدين هنا يتعذر علي ان ادير ظهري وارحل. المجموعات التي اهتم بها حية انها حديقة النبات التي تضم اكثر من ثلاثة الاف نوع من النبات. من المستحيل ان ادعها تموت"، وتضم مجموعات اكبر متحف في البوسنة اكثر من اربعة ملايين قطعة من بينها اقسام الاثار والاتنوغرافيا والعلوم الانسانية. وللمتحف الوطني مكتبة ايضا فيها اكثر من 250 الف عمل، وقد اسس المتحف عندما كانت البوسنة جزءا من الامبراطورية النمسوية-المجرية (1878-1914) وهو يضم مخطوطة هاغادا ساراييفو العبرية العائدة للقرن الرابع عشر التي تعتبر الاقدم في العالم. هذا الكتاب الديني لليهود السفرديم اجتاز قرونا حافلة بالتطورات من محاكم التفتيش الاسبانية الى محرقة الحرب العالمية الثانية وصولا الى الحرب البوسنية في التسعينات، وتوضح تانوفيتش "انه متحف متنوع جدا وهو اول مبنى صمم في جنوب شرق اوروبا ليكون متحفا"، ويعتبر المبنى رمزا في العاصمة البوسنية وهو مشيد على طراز النهضة الجديدة ويمتد على 24 الف متر مربع وقد صممه المهندس لمعماري التشيكي كاريل باريك، ويقول درافكو غرابو استاذ القانون في سارييفو واحد "حماة" المتحف "انه كنز في ذاكرتنا وتاريخنا المشتركين. كل ما يحويه المتحف ملك لكل سكان البوسنة"، ويضيف قائلا "حان الوقت لوضع حد لهذه القضية المخزية".
متحف جديد في برلين.. للجثث
افتتح في برلين متحف دائم يعرض جثثا محنطة منزوعة الجلد لإظهار مدى تعقيد الجسم البشري، والمتحف من بنات أفكار عالم التشريح الألماني جونتر فون هاجنس وزوجته انجلينا والي ويعرض جثثا معالجة بمادتي السيليكون المطاطي والراتنج في عملية ابتكرها فون هاجنس نفسه، ويجوب فون هاجنس العالم بمعرضه المثير للجدل الذي يحمل اسم "عوالم الجسد" منذ عام 1995 واستقطب نحو 40 مليون زائر. بحسب رويترز.
ويوجد في برلين حاليا اول متحف دائم لأعماله. وهو مقام على مساحة 1200 متر مربع ويعرض 20 جثة مسلوخة تكشف عن العضلات والأعضاء والأوردة والعظام في أوضاع كتلك التي تتخذها أجساد الأحياء مثل الجلوس والتمدد وممارسة الرياضة.
وقالت والي إن المعرض يقدم للزائرين أجسادهم ونمط حياتهم من منظور جديد، لكن ليس كل من في برلين سعداء بفكرة الإقامة الدائمة للجثث في مدينتهم، وكان على المتحف التغلب على رفض السلطات المحلية التي قالت إنه غير قانوني مشيرة الى قوانين الدفن المحلية والحظر على عرض الجثث وحاولت منع إقامته في اكتوبر تشرين الأول الماضي. لكن فون هاجنس فاز في نهاية المطاف.
متحف اللوفر في باريس
احتج علماء اثار قلقون حول مستقبلهم المهني في ساحة متحف اللوفر في باريس بعد ظهر الخميس، واقفلوا الصناديق سامحين للزوار بالدخول مجانا الى هذا المتحف الاكثر جذبا في العالم، ورفع علماء الاثار المحتجون لافتة كتب عليها "الدخول مجاني، مقدم لكم من علماء الاثار"، علقت امام صندوق بيع التذاكر في هذا المتحف الذي زاره العام الماضي 9,3 ملايين شخص، 70 % منهم اجانب. بحسب فرانس برس.
وندد علماء الاثار "بالمخاطر اللاحقة بحماية الاثار"، وجاء في بيان نقابي "ان خصخصة قطاع الاثار وتحويله الى قطاع تجاري اديا الى وضع كارثي"، وأبدى مسؤول في وزارة الثقافة في اتصال مع وكالة فرانس برس "استغرابه لهذا التحرك الذي يلقي عواقب على متحف وطني"، مؤكدا ان السلطات "في حوار دائم" مع النقابات الممثلة لعلماء الاثار.
متحف الحقوق المدنية في ممفيس
أعيد افتتاح متحف الحقوق المدنية الوطنية الموجود في نزل صغير بمدينة ممفيس الأمريكية اغتيل فيه مارتن لوثر كينج زعيم الحقوق المدنية الأمريكي بعد انتهاء اعمال تجديد المتحف التي تكلفت 27.5 مليون دولار ويقدم المتحف عروضا تفاعلية جديدة تسجل حركة الحقوق المدنية، وأعيد افتتاح النزل بعد مرور يوم واحد على الذكرى السادسة والأربعين لوفاة كينج. واغتيل كينج زعيم الحقوق المدنية في الرابع من أبريل نيسان 1968 بينما كان يقف في شرفة فندق لورين في وسط ممفيس بولاية تينيسي الأمريكية. بحسب رويترز.
ويزور قرابة 200 ألف زائر المتحف سنويا بينهم ما بين 50 ألفا إلى 60 ألفا من طلاب المدارس، وقال بيفرلي ساكايا مدير تطوير المتحف فإن المتحف يضم 40 فيلما جديدا بالإضافة إلى مقاطع يمكن الاستماع إليها و260 قطعة فنية حيث يأمل المسؤولون أن تساعد في مضاعفة الزائرين.
ويوجد بالمتحف خريطة تفاعليه تسمح للزائرين بتحديد ولاية أمريكية شهدت معارك الغاء التمييز العنصري في التعليم العام. وتوجد ولايات قليلة غير موجودة في هذه الخريطة، كما يعرض على شاشة كبيرة مقطعا مصورا لأخر كلمة ألقاها كينج في الليلة التي تسبق اغتياله.
أول متحف عالمي يشيد بالعالم العربي
يعد "اللوفر-أبوظبي" أول متحف عالمي يتم تشييده في العالم العربي، جاء ثمرة اتفاقية تعاون بين حكومتي أبوظبي وفرنسا في 2007، وسيقدم المعرض الأعمال الفنية، والمخطوطات، والمواضيع التي تتميز بأهمية تاريخية وثقافية واجتماعية خاصة، وستأتي المعروضات التي يمتد عمر بعضها لآلاف السنين، من مجتمعات وثقافات من جميع أنحاء العالم، في حين سيتم تسليط الضوء على المواضيع العالمية والتأثيرات المشتركة لتوضيح أوجه تشابه التجربة الإنسانية المشتركة التي تتجاوز حدود الجغرافيا والأعراق والتاريخ.
وكشف هولاند عن بعض جوانب متحف أبوظبي الهندسية، حيث يقع مقر "المدينة-المتحف" ضمن مبنى صممه المعماري الفرنسي جان نوفيل الحائز على جائزة "برتزكر"، قام خلاله بوضع نظام ري مستوحى من الأفلاج يمر عبر المتحف في محاكاة للهندسة العربية القديمة وهذا انطلاقا من إدراكه للسياق التاريخي لهذه المنطقة.
وتستلهم قبة اللوفر-أبوظبي المزينة بمُخرّمات هندسية شكلها من سعف النخيل المتداخلة التي كانت تستخدم في تغطية الأسقف وذلك للسماح للضوء بالمرور عبرها وتكوين أشكال وألوان آية في الجمال، ويأتي نمط السقف المعقد نتيجة للتصميم الهندسي نفسه والذي يتكرر بأحجام وزوايا مختلفة ضمن عشر طبقات، خمسة منها خارجية وخمسة داخلية. وبالرغم من شكل القبة الذي يوحي بالدقة وخفة الوزن، إلا أنها في واقع الأمر ثقيلة جدا حيث يوازي حجمها حجم خمسة ملاعب كرة قدم.
متحف كيفو
يضم متحف كيفو في الكونغو الديموقراطية مقتنيات ومحفوظات تختزن ذاكرة الحكمة المتوارثة لدى الجماعات التقليدية في هذا البلد، والتي توشك ان يطويها النسيان، على باب المتحف، يرتفع تمثال لسيدة تحمل جرة، وكانت صورة هذا التمثال ذي الدلالات الكبيرة في الثقافة المحلية، مطبوعة على اوراق العملة من فئة 10 فرنكات، والتي لم تعد متداولة الآن. بحسب فرانس برس.
ويقول بارتيليمي كايومبا مدير المتحف الواقع في مدينة بوكافو عاصمة جنوب كيفو في شرق البلاد ان لوران ديزيريه كابيلا، والد الرئيس الحالي جوزيف كابيلا، هو الذي شدد على وضع هذا التمثال الذي يطلق عليه اسم "كابيلا الصغيرة"، ويوضح كايومبا ان كلمة "كابيلا" تعني "التوزيع والقسمة" بلغة جماعة لوبا التي تسكن جنوب شرق الكونغو، والتي يتحدر منها رئيس البلاد، وان هذا التمثال كان يشير الى التعاون والتضامن بين ابناء الجماعة.
وكان لوران ديزيريه كابيلا زعيما متمردا انهى في العام 1997 العهد الاستبدادي للرئيس موبوتو سيسكو الذي حكم البلاد 32 عاما، ويضيف كايومبا "كان للتمثال قيمة رمزية، اذ يشير الى القائد الذي يعتني بالضعفاء او الام التي تهتم بالصغار"، وهذا التمثال المعروض ما هو الا نسخة مقلدة عن تمثال اصلي لم يعرف مصيره على غرار مقتنيات كثيرة اخرى فقدت ووضعت نماذج محاكية لها في المتحف.
وجمع المبشرون الذين اتوا الى البلاد في العام 1954 الكثير من هذه المقتنيات الاصلية، منها اغراض صنعت لتستخدم في احتفالات تنصيب الزعماء الجدد الذين كان يطلق عليهم اسم "موامي"، بحسب ما يقول الاب الايطالي ايتالو المقيم في الكونغو منذ اربعين عاما، وكان الاب ايتالو على معرفة بالاب اندريه الذي تعود له فكرة انشاء المتحف.
وفتح المتحف ابوابه في العام 2013، لكن جمع مقتنياته بدأ قبل ذلك بعشر سنين، بالتزامن مع انتهاء الحرب الاهلية الثانية التي ضربت البلاد بين العامين 1998 و2003، ومع ان الحرب انتهت رسميا، الا ان ذلك لم يؤد الى حلول السلام في جنوب كيفو، وكذلك في شمال كيفو المجاورة ومناطق اخرى من شرق البلاد، فما زالت اعمال العنف المسلح قائمة هناك بين مجموعات محلية واجنبية، وبفضل تعاون الزعماء التقليديين ووجهاء القبائل في جنوب كيفو، تمكن المسؤولون عن المتحف من تزويده بمجوعات من مئات التماثيل والاقنعة والتمائم، واراد الزعماء بذلك حماية هذه المقتنيات التي يعود بعضها الى مئة عام من امكانية ان تسطو عليها مجموعة مسلحة من هنا او هناك.
وبعض هذه المقتنيات مما ورثه الزعماء عن الزعماء السابقين ومن قبلهم، بحكم توليهم مهامهم في رياسة القبيلة، ومنها كنوز تاريخية، ويقول الاب ايتالو "مع وصول الاستعمار البلجيكي الذي حكم الكونغو بين العامين 1908 و1960، اعتبر المبشرون الكاثوليك ان هذه المقتنيات هي من ادوات السحر والشعوذة، وطلبوا من السكان التخلي عنها، علما انها ترتبط بتقاليد تؤشر على قدر كبير من الحكمة".
فقبيلة ليغا مثلا لا تنتقل فيها الزعامة بالوراثة، بل ان مجلسا من الحكماء يختار الزعيم الجديد مفضلا من يتحلى باعلى قدر من القيم الاخلاقية، ويقول الاب ايتالو "انشئ المتحف لحفظ الذاكرة الجماعية لهذا الشعب التي توشك على الاندثار"، ويضيف انه في الوقت الذي قد ينظر الكثيرون الى هذه المقتنيات على انها ادوات سحر وشعوذة "يسعى المتحف الى تعريف السكان باصولهم والمعاني والقيم في ثقافتهم".
إعادة افتتاح متحف عريق في بيروت
على مرمى حجر من حجارة المتظاهرين في وسط بيروت تتبدى مدينة أخرى لا يفصلها عن احتجاجات ضد الحكومة سوى أمتار كفيلة بتغيير الصورة والعودة ببيروت إلى عصر فني تشكيلي ضارب في عمق العاصمة، وخلف جدارين متوازيين كانت نخب سياسية تقص شريط الافتتاح لمتحف سرسق العريق في منطقة الأشرفية بعد إغلاق وعمليات ترميم دامت أكثر من سبع سنوات. والمفارقة أن هذه النخب نفسها هي التي ترتفع أصوات المتظاهرين ضدها وتطالب بعضها بالاستقالة. بحسب رويترز.
وكان نقولا إبراهيم سرسق قد أوصى بتحويل قصره بعد وفاته إلى متحف للفن الحديث والمعاصر في قلب بيروت. وافتتح المتحف أبوابه للمرة الأولى عام 1961 وغايته جمع الأعمال الفنية المحلية والعالمية والمحافظها عليها وعرضها، ومنذ عام 2008 يخضع المتحف الأثري لأعمال ترميم وتوسعة أضافت إليه أربعة طوابق ونتج عن أعمال التوسعة زيادة تقدر بخمس مرات عن حجمه السابق.
وفيما كان ثلاثة من مغني الأوبرا يصدحون بنبراتهم العالية احتفالا بإعادة افتتاح المتحف الذي يفتخر به سكان بيروت كانت القوى الأمنية على بعد أقل من كيلومتر واحد تستخدم الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه لتفريق احتجاج مناهض للحكومة مما أدى إلى إصابة عشرات، وكانت الاحتجاجات قد بدأت قبل أسابيع مطالبة في بادئ الأمر بحل أزمة تراكم القمامة في بيروت وحولها لكن سرعان ما تحولت لاحتجاجات على سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية وعلى ما وصفه المتظاهرون بأنه استفحال للفساد في دوائر الدولة، وتطورت مطالب المحتجين بعد ذلك لتشمل استقالة وزيري البيئة والداخلية ثم الحكومة بأكملها وإجراء انتخابات نيابية تليها انتخابات رئاسية.
وفيما كان المتظاهرون يطالبون باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق كان يقول لرويترز داخل متحف سرسق "أعتقد أنه يوم عظيم بالنسبة لي بغض النظر عن ظروفنا وبيئتنا ومشاكلنا. هذا حدث ثقافي فني متكامل تاريخي ينهل من تراثنا الأشياء التي نحن بحاجة لها دائما"، وأضاف "هذا معلم من معالم بيروت. هذا القصر الذي شهدنا فيه أمجادا فنية وثقافية. آمل بطريقة التوسعة التي حصلت والتطوير أن نصل إلى مرتبة أكثر ونقدر أن نعمل فيه أنشطة أيضا وألا تكون للنخبة إنما لكل الناس. اللبنانيون بحاجة إلى هذه الفسحة في غمرة ما نعيشه من مآس وويلات"، وعلقت على جدران المتحف صور من مناطق عدة في الشرق الأوسط ولوحات تجريدية تعود إلى ستينيات القرن الماضي، وينوي القائمون على المتحف استضافة سبعة معارض في العام ليكون أول متحف تفاعلي للفن المعاصر في لبنان. كما يسعون إلى تنفيذ جولات ليلية في شوارع العاصمة برفقة فنانين محليين وتنظيم جلسات دراسية لفن التصوير للفتيان والفتيات.
وقالت لمى سلام زوجة رئيس الوزراء تمام سلام في كلمة في حفل الافتتاح "هذا القصر هو أحد معالم بيروتنا الجميلة بقصورها كما بأحيائها الشعبية الجميلة بتنوعها وبتعدديتها وانفتاحها على كل الثقافات"، وأضافت "يولد متحف سرسق اليوم للمرة الثالثة. ولادته الأولى كانت في العام ١٩٦١ عملا بوصية مؤسسه ثم في السبعينات من القرن الفائت بعدما أعيد تأهيله. أما اليوم فنحتفل بتحول هذا المتحف إلى مؤسسة ثقافية بكل ما للكلمة من معنى بعد أن تم توسيعه ليكون على مستوى أعلى معايير المتاحف العالمية"، ومضت تقول "إعادة افتتاح هذا المتحف تشكل صورة مناقضة للمشهد الغائم الذي نعيشه.. صورة مشرقة تؤكد أن البؤس السياسي الذي نحن فيه لا يختصر لبنان".
لكن زينب حمود الصحفية في جريدة الأنوار اللبنانية والفنانة التشكيلية التي قالت إنها واكبت فعاليات المتحف منذ التسعينيات انتقدت غياب الفنانين في الافتتاح وما أسمته "الافتعال في تظهير الشكل على حساب المضمون حيث حضرت رائحة العطور الباريسية التي فاحت في المكان لكني لم أجد الفنانين"، وأضافت لرويترز "لكن لا يمكننا إغفال أهمية هذا المتحف ودوره في احتضان أعمال الكبار الموجودة في أقبية المؤسسات الرسمية والتي يأكلها العفن. نبارك للمتحف هذه التظاهرة عسى أن تفتح كوة في ظلام دامس".
متحف ارميتاج الروسي
منذ عقود عدة في سانت بطرسبرغ تطارد عشرات الهررة الحيوانات القارضة في اقبية متحف ارميتاج فيما الزوار يجولون على قاعات اكبر متحف للفن في روسيا، وتقول ايرينا بوبوفيتس المكلفة "وحدة القطط" في المتحف والعناية بسبعين هرا تقيم في اقبية المتحف في عاصمة الامبراطورية الروسية سابقا لوكالة فرانس برس "قططنا شهيرة بقدر مجموعاتنا" الفنية، تنزل ايرينا بوبوفيتس (45 عاما) كل صباح لاطعام هذه الحيوانات فيتحلق جيش من الهررة من كل الاجناس والالوان حول رجليها بانتظار الطعام. وهي تعكف مع ثلاث مساعدات اخريات في بعض الايام على تلقيح الهررة الوافدة اخيرا وتعالج المرضى منها.
وتقر ايرينا في مكتبها المزين بصور هررة والواقع قرب الاقبية التي تمتد على حوالى عشرين كيلومترا ان "غالبية هذه القطط تكون في وضع سيء"، وتضيف "وغالبا ما يحمل الناس الينا الهررة بشكل متكتم"، ويعود تاريخ قطط ارميتاج الى العام 1745 عندما وقعت الامبراطورة اليزابيث الاولى ابنة بطرس الكبير فرمانا يأمر "بايجاد افضل القطط واكبرها في كازان لتكون قادرة على القبض على الفئران، بغية ارسالها الى قصر جلالتها".
وفي ايام كاترينا الثانية كان يقيم في القصر رسميا عدة قطط اطلق عليها اسم "قطط قصر الشتاء"، واختفت سلالة هذه القطط خلال حصار لنينغراد من قبل الجيش الالماني بين آب/اغسطس 1941 وكانون الثاني/يناير 1944 عندما التهم السكان الجياع كل الحيوانات الاليفة الموجودة في المدينة، وتفيد الرواية انه اعيد تشكيل مجموعة القطط بعد انتهاء المعارك مع استقدام قطار مليء بالهررة التي جمعت من مناطق مختلفة في روسيا. وفي الستينات زاد عدد "قطط ارميتاج" الى حد دفع الى اتخاذ قرار بالتخلي عنها.
لكن بعد سنوات قليلة على ذلك وامام انتشار الجرذان في اقبية المتحف استعادت الهررة مكانتها. ومع انها لم تعد تدخل الى قاعات المتحف الالف حيث تعرض اكثر من ستين الف قطعة فنية، يعتبر المتحف ان وجودها كاف لابعاد القوارض.
ومع ان "قطط ارميتاج" لا تظهر الى العلن الا ان السياح الثلاثة ملايين الذين يزورون المتحف سنويا يعرفونها جيدا. وهي باتت رمزا لتقليد قديم ودعاية حية وتظهر على تذكارات كثيرة من قطع مغنطيس ودفاتر وبطاقات بريدية متوافرة في متاجر المتحف، واعلن ميخائيل بيوتروفسكي مدير المتحف نهاية ايلول/سبتمبر "نظرا الى شعبية قطط ارميتاج باشرنا اجراءات لجعلها ماركة مسجلة"، وتنظم حفلة سنوية مكرسة لـ"قطط ارميتاج" وقد استحدث موقع الكتروني يسمح لسكان المدينة بتبني احدى هذه الهررة، يرن الهاتف في مكتب ايرينا فيسألها رجل عن الاجراءات اللازمة لكي يتمكن من تبني قط رأى صورته على الموقع الالكتروني، وترد عليه ايرينا "انت على حق انه لشرف ان يتبنى المرء هرا من متحف ارميتاج".