تعسّف لغوي

د. لطيف القصاب

2023-05-07 07:17

ظاهرة التصحيح اللغوي ظاهرة عالمية، تعمّ لغات الناس كافة، لاسيما اللغات الحيّة المعترف بها عالميا، أي الانكليزية، والفرنسية، والروسية، والاسبانية، والصينية، والعربية.

وبحسب اطلاعي المحدود فإن الانكليز يحرصون على تصحيح ما يعتري ألفاظ اللغة الانكليزية، وتراكيبها من أخطاء قديمة ومستجدة، من ذلك أنهم يطبعون دوريًا، ومنذ عشرينيّات القرن الماضي كتاب: وبقدر ما يتعلّق الأمر بالعربية فثمة حركة قديمة حديثة تدور رحاها في مجال التصحيح اللغوي، وقد صدر عنها عشرات إن لم أقل المئات من الكتب التي تنهج نهج تصحيح ما يقع فيه الخطأ اللغوي سواء في نطاق الألفاظ أم التراكيب، وقد كتب نقّاد كثيرون في تقييم هذه المؤلفات بين مادح، وقادح مما يضيق به هذا المقام.

ولكن من المناسب القول هنا إن التشدد، والتقعر في مجال التصحيح اللغوي ينعكس آثارًا سلبية على اللغة العربية، والناطقين بها.

وفي ظل شيوع الخطأ في كتابة أبسط الكلمات من قبيل (لكن، وهذه، وأنتِ)، التي تجدها مكتوبة بصورة (لاكن، وهاذه، وأنتي)، لاسيما في مواقع التواصل الاجتماعي يغدو من اللازم النأي عن مسالك التشدد، والتقعّر هذه، والتحذير من خطرها الداهم في إطار التنفير من اللغة العربية، وتكريهها في نفوس أبنائها، وسوف أدرج في ما يأتي عيّنة من هذا الذي أراه تشددا، وتقعرًا لا داعي له أبدًا: يفرّق بعضهم بين كلمتي امتاز، وانماز ويرفضون استعمال كلمة “امتاز” بذريعة أنّها وردت بلغة القرآن الكريم في مقام الحديث عن المجرمين!

وأحسب أن من يذهب إلى هذا التعسّف يُغضي من سعة العربية، ويُقلق المستقر من التعبير ويضيّق على نفسه، وعلى الناس واسعًا بما يدعو إلى السخرية أحيانًا، لاسيما إذا دعاه هذا المذهب -مثلا- إلى قول: “صاحب الانمياز” بدلا من ”صاحب الامتياز”… ويفرّق بعضهم بين كلمتي ماتع، وممتع.

ومما يقولون في تسويغ الفرق بينهما أن “الماتع” هو ما يُحكَم بجودة صنعته، فإذا أحدث أثرًا طيّبا في نفس المتلقي فهو الممتع… وهذا مما يخالف المبنى اللغوي المعروف منذ مئات السنين، فمتع، وأمتع مما يشتركان في المعنى نفسه، أو هما بلغة القدماء مما جاء بصيغتي: فعلتُ، وأفعلتُ، وهما بمعنى واحد… ويأبى هؤلاء اللغويون المتعسفون -سدّدهم المولى- جمع أستاذ على أساتذة، وكذا جمع معجم على معاجم، بدعوى أن الصحيح أن تقول:” أساتيذ، ومعاجيم”، لا ”أساتذة، ومعاجم”… والحقّ أن أساتذة، وأساتيذ، ومعاجم، ومعاجيم كلّها جموع صحيحة فصيحة، وجولة سريعة على كتب اللغة المعتبرة تكفي للبرهنة على ذلك، رزقنا الله وإياكم الفصاحة، وجنّبَنا التفاصح.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

الإمام علي عليه السلام وتحجيم الجبروت والطغيانعلى حكومة السيد السوداني ان تكون أكثر حذراالمطلوب فهم القرآن بشكل جديد!مَعرَكَةُ بَدر هِيَ يَومُ الفُرقَانِ العَظِيمِ حَقَاًتعلم ثقافة السؤال بداية التعليم