مفاهيم أدبية: الخيال
علي حسين عبيد
2023-02-22 05:17
الخيال هو نقيض الواقعي، أو المعتاد، أو الملموس المرئي، أو السائد في حياة الإنسان، فيما ينظر إليه الباحثون المعنيون على أنه أحد أنواع الأدب الذي يريد اختلاق أحداث غالبا ما توصف بأنها غريبة أو غير متصلة بالحياة الواقعية. وغالبا ما ينتشر هذا النوع من الأدب في القصص والروايات، كما في سلسلة الحكايات المعروفة بألف ليلة وليلة.
الجانب الأهم في الخيال هو أن لا يكون عبثيا، أو عدميا أو ينحو باتجاه المسار السلبي المحبِط، لأن مفعول الخيال يمكن أن ينعكس على طبيعة الإنسان بصورة قوية.
لهذا شاع استخدام الخيال حتى في الحكايات الشفاهية الشعبية التي تُحكى ويتم تداولها بين الناس، وتنتقل من جيل إلى جيل، كما تم اللجوء إلى الخيال في مجالات التأليف والحكي الشفوي، في مجاليّ الأدب (قصة ورواية)، والعلم كما في روايات (الخيال العلمي).
المهتمون من باحثين وكتاب ونقّاد عرفوا الخيال بأنه هو كل شيء لا يقر به عـقل الإنسان في الرؤيا والتي لا تكون في تصور عقله من عمق معرفته للشيء الذي لا معالم له.
مثل هل الخيال هو هاجس ينمي مخيلة فكر الإنسان للأشياء؟، أو بمعنى آخر: هل هو الشيء الذي يتخيله الإنسان من مخيلة فكره عن تمني أمنية؟ أو يحدث عندما ينام الإنسان، ويصحو على حلم ولم يحقق ما يذكر من الحلم ولكن يبقى موجودا في داخله؟، أو قد يكون الخيال كألوان الطيف الشمسي، تشاهدها ثم تختفي.
هناك من يرى أن الخيال هو شيء يتشكل في مخيلة الإنسان، أو هو مجرد أوهام تصنعها مخيلة الإنسان. أو ما جاء من ضباب على العين فشاهد أشكالا قد لا تكون واقعية. أو أن الخيال لا يوجد له دليل ولا يرتكز إلى قاعدة حقيقية مثل السراب، أو هو ما وراء السراب أو هو كل شيء مبتدع لم تكن له نتيجة ولم يتحقق بها رؤية ينضجها الفكر وتكون غير قابلة إلى معرفة العقل، لكن الخيال في كل الأحوال لا يوجد كحقيقة قائمة في الواقع.
العلاقة بين الخيال والمعرفة
يقول العالم الألماني الشهير اينشتاين «الخيال أهم من المعرفة» لان المعرفة والمعلومات يمكن لأي أحد أن يصل إليها لكن الخيال يوظف هذه المعرفة للوصول إلى الحقيقة. بمعنى جاءت أفضلية الخيال من المعرفة لأنه يؤدي إلى تحويل المعرفة من مضمونها الفكري المجرد إلى نتائج واقعية ملموسة، فمثلا كان الإنسان القديم يرسم خياله أهدافا كثيرة كالطيران مثل الطيور، كان هذا مجرد فكرة، لكنها أصبحت حقيقة بمساعدة الخيال.
يقول نابليون بونابرت (إن الخيال يحكم العالم) وعندما سألوه كيف يحكم الخيال العالم، فأجابهم: حين كنتُ طفلا صغير كنتُ أتخيّل إنني سوف أحكم العالم كله، وكبر معي هذا الخيال وظل ملاصقا لي أحمله معي، أكبر ويكبر معي، ثم جعلني الخيال أحكم العالم بالفعل.
يقول أحد الكتاب، كثيراً ما يواجه الناس الخيالات المتعدّدة والتي تنقلهم لعالم آخر يستطيعون من خلاله التحكّم في حياتهم وفي الأمور التي تواجههم دون وجود ما يردعهم أو يوقفهم، فهو هاجس يقوم بتنمية الأفكار في عقل الإنسان بناءً على تمنّيه لأمنية ما والتي غالباً ما تكون بهدف تحديد المستقبل الذي يرضيه.
هنالك العديد من المفاهيم للخيال قام العلماء والمفكرون بتحديدها، مثل تعريف الخيال، حيث عرّفه أرثرث ريبر بأنه عمليّة اتّحاد الذكريات والخبرات السابقة، والصور التي تمّ تكوينها مسبقاً وتوظيفها داخل بنية جديدة، وهو عبارة عن نشاط يقوم به الإنسان بكل إبداع وقد يكون مبنيّاً على أساس رغبات الإنسان، أو الواقع الذي يعيشه، أو قصص مستقبليّة، أو مراجعات عن ماضيه، فهو بذلك توقعات الحاضر، ومراجعة الماضي، وابتكار المستقبل.
الخيال الإيجابي الفعّال
يمكن تصنيف الخيال إلى نوعين، وهما الخيال الإيجابي والخيال السلبي، الأول يقف إلى جانب الإنسان دائما ويحفزه على الإبداع، والثاني يدفع به نحو حافة اليأس والقنوط، وهكذا يوجد بون شاسع بين النوعين، حتى عند كتاب الرواية هناك خيال جيد وآخر يائس.
الاستخدام الأهم للخيال نجده عند كتاب الرواية والقصة وحتى الشعر، حيث يجنح المؤلف بخياله إلى عوالم يستحيل العثور عليها في عالميّ الواقع والحقيقة، لكنها موجودة في عالم الخيال، حيث يصنعها خيال الإنسان، ثم ما تلبث أن تتحول بمسعى الإنسان نفسه إلى نتائج ملموسة تتحرك في الواقع وتبدو كأنها إحدى الحقائق التي لا يمكن إنكارها.
هناك أيضا ما يسمى بالخيال الناجم عن الأحلام عند النوم، أو الخيال الناجم عن الحرمان، والذي يسمى بالهلوسة، فعندما يواجه الإنسان الحرمان بكافة أشكاله وأنواعه، فإنّ جهازه العصبي يقوم بإحداث هذه الهلوسات حتى يتم تعويض النقص والعجز. وهكذا يظهر ما يسمى (بالتخيّل التأليفي والإبداعي، بحيث يستخدم الإنسان حواسه كلها لكي يقوم بإنتاج العديد من الأفكار الإبداعية) كما يفعل الكتّاب والمؤلفون.
وأخيرا من أهم ما يقدمه الخيال للإنسان، هو التمهيد لتحقيق الأهداف التي قد تبدو للوهلة الأولى مستحيلة التحقّق، بسبب عدم واقعيتها، ولكن فضيلة الخيال كما ذكرنا سابقا، يساعد الإنسان على استثمار معرفته بشكل جيد، وبنوع من الإصرار والمثابرة وتكرار المحاولات، لكي يصل بالنتيجة إلى ما كان يتخيّله على الرغم منه كونه ليس معقولا، أو غير قابل للإنجاز، لكن الخيال من خلال اتحاده وامتزاجه بالمعرفة جعله ممكنا.