الموجة الكورية: قتل الخاسرين والبقاء للأغنى
اخلاص داود
2021-11-17 07:13
اكتسحت الاعمال الكورية الجنوبية الساحة السينمائية والدرامية العالمية، لإنتاجها محتوى مُغَايِر عن ما تتناوله الاعمال العالمية الذي اتخذ شكل نمطي بما تحتويه من مشاهد العنف والإثارة الجنسية، وركزت على الحالات والقضايا المجتمعية المرتبطة بالمشاعر والعواطف الإنسانية التي طالما شغلت الناس في زمننا الحاضر، وهذا الطرح الذي تميز بإنتاجية عالية والاداء المتقن مهد الطريق لتحظى بمقبولية عابرة للقارات لدى الجماهير المختلفة.
القوالب والرؤى الجديدة التي اتبعها القائمون على الانتاج الكوري بذكاء ادخلهم التاريخ السينمائي العالمي، حصد من خلالها افضل الجوائز في مقدمتها الفيلم (Parasite) الحائز على اربع جوائز اوسكار.
منذ نهاية التسعينات ظهرت الدراما الكورية في اسيا ثم اصبحت منافس قوي مع ما يعرض من مسلسلات اجنبية وهندية وتركية في المجتمع العربي، واستحوذ على انتباه المشاهد واوصله إلى حد الانجذاب الشديد واثارة للشغف بكل ما يخص تفاصيل حياة الكوريين.
وقد ذكرت في مقال لي سابقا عن الاسباب التي ادت الى استجابة فعالة في مختلف المجتمعات ومنها المتحفظة مثل الدول العربية الاسلامية وهو تحريك مشاعر الجمهور بمختلف فئاته ولغاته وبيئته لتنمية تواصل عاطفي، ذا طابع مميز في تفاصيله، ومستوى تطويري نفسي توضح فيه الخير والشر والفقر والغنى بعيدا عن مشاهد الاثارة والعنف، تركيزها على التجارب والعواطف الإنسانية بشكل عام.
ولكن الامر لم يبقَ على هذا المنوال فبعد صعود الدراما الكورية من آسيا إلى العالم، والتي أسمتها الصحافة الأسيوية بـ"الموجة الكورية" لانتشارها الواسع اتخذت ميلا اخر وهناك تغيير حاصل في محتوى الاعمال الكورية، العنف الشديد ابرز سماته وتمجيد فكرة الصراع من اجل البقاء، في مسلسل "لعبة الحبار" أو "سكويد" الذي شغل العالم ووصلت مشاهداته ما يقارب 110 مليون شخص، تجسدت فيه فكرة ان الخاسرين مصيرهم الموت، وهو دليل على ان مسير الدراما الكورية يكتمل نجاحه بوجود عنف مفرط يجسدها ابطال ومشاهير بات شبابنا يملؤون هواتفهم بصورهم ويعلقونها بغرف نومهم حبا وتعلقا بهم، وسعيهم الحثيث لمعرفة اخبارهم وتفاصيل حياتهم.
مسلسل سكويد الذي بث على النيتفليكس في تسع حلقات ونذكر في شرح مختصر مضمونه الذي يدور حول اللهاث المستميت حول المال والثراء، فبعد ان يتعرض مجموعة من الناس الى مشاكل مادية واخرون فقراء ومعوزون يطمحون بالحصول على المال يلجؤون الى شركة استثمارية تدخلهم في لعبة يخوضون بها مجموعة العاب خطيرة أما تكون خسارة لأرواحهم او الفوز والحصول على الملايين من الأموال، والطامة الكبرى ان هذه الالعاب مستوحاة من لعبة اطفال في احد التطبيقات.
ومع ان المسلسل غير مُصنف لمشاهدة الأطفال" ويسمح بمشاهدته لمن هم فوق الـ 18 عاماً، ولكن هذا لا يعني ان اطفال الوطن العربي لم يشاهدوه او ان الشباب والبالغين لم يتأثروا سواء بهذا المسلسل او من يشابهه في الافكار العنيفة والمتمردة.
ونحن نشهد اليوم موجة (كوريا الجنوبية) بعنفوانها وقوّتها التي انتشرت بشكلٍ غير مسبوق بفضل الاستجابات الكبيرة للجمهور العربي والعراقي بشكلٍ خاص، ونكرر القول ان الاعلام العراقي لم يأخذ دوره الحقيقي في توعية وتحصين الجمهور من قوة القدرة الاعلامية في التأثير على وجدان المتلقي وانفعالاته واثارة حاجاته النفسية والاجتماعية والفكرية ومخاطر مخاطبة الحواس بما يحقق اهداف الاعلام الموجه من الخارج، راح يقلدهم في الملبس والسلوكيات مما ادى الى ازدواجية وعشوائية في التفكير بسبب تشابك مفاهيم الحضارة الاسلامية وتقاليد وعادات المجتمع الاسلامي وقناعتهم وانجذابهم للفكر الاجنبي.
ما يحتاجه اليوم الطفل والشاب تحصينه من تأثير الافكار الخبيثة والشيطانية المتجسدة في الاعمال الاكثر شيوعا وانتشارا وتقع هذه المهمة في المقام الاول على الاعلام المحلي والاسرة.
من خلال استثمار الاعلام للتقنيات الحديثة لوسائل الإعلام في تعريف مخاطر تلميع الافكار التي تبين تعزز مكانة الاموال وتبين ان الاخلاق والمصائر لا قيمة لها وتفنى من اجل تحقيق الأرباح الطائلة، وتوجيه أنشطتها الإعلامية بشكلٍ مكثف في توجيه رسائل تربوية ارشادية، وتتخذ دورها الرقابي لتوضيح خطورة مشاهدة هذه المسلسلات، وما تحمله من افكار العنف الهدامة الموجه ضد الأطفال والشباب.
ودور الاهل في الحفاظ على نظرة الابناء للناس والعلاقات من حولهم والعالم بنظرة ايجابية انسانية، وتعزيز صفات الخير والعطاء والتسامح في تعاملهم، ومعرفة ما يجول في خواطرهم وماهي أفكارهم وخيالهم واحلامهم، والمتابعة المستمرة لما يشاهدوه وكيف يتأثرون به وما هي قناعاتهم التي تشكلت حول ما يشاهدوه وتحليل وتفسير المغالطات والافكار السيئة حتى لا تترسخ في عقولهم.