العراق وحماية الآثار من التدمير الداعشي والنهب الغربي
عبد الامير رويح
2015-07-22 08:27
الاثار العراقية التي تعود الى العصور القديمة وتعد من التحف ذات القيمة الجمالية والفنية والمادية العالية، تعرضت وكما يقول بعض الخبراء للعديد من الاخطار والسرقات والتي ازدادت بشكل كبير بعد عام 2003، حيث تعرضت هذه الكنوز المهمة وكما تنقل بعض المصادر، لعمليات سرقة كبيرة ومستمر وتم تسريب العديد منها سواء من قبل مهربي الاثار أو من قبل الوحدات العسكرية الأجنبية التي تمركزت في المناطق الآثارية أو قرب مواقع وجود تلك الاثار سواء في المتاحف او في المخازن المعدة للحفظ.
ويرى بعض المراقبين ان اخطر مرحلة كانت بعد استيلاء تنظيم داعش الارهابي على بعض المناطق والمدن العراقية المهمة، حيث سعى هذا التنظيم الارهابي الى تدمير وسرقة الاثار والكنوز العراقية، التي اصبحت من اهم مصادر التمويل لهذا التنظيم، وقد أكدت بعض التقارير الخاصة ان تنظيم داعش يحصل اليوم على ملايين من الدولارات من خلال سرقته وبيع للكنوز الأثرية في العراق وسوريا، ويقدر البعض ان ما يكسبه التنظيم عن طريق بيع القطع الأثرية المسروقة يتجاوز الـ(100 مليون دولار سنويا).
من جانب اخر لاتزال عمليات البحث عن الاثار المسروقة واستعادتها مستمرة، حيث تمكنت الحكومة العراقية وبالتعاون مع دول اخرى من استعادة بعض الاثار القيمة، لكن ما تم استعادته حتى اليوم وبحسب بعض الخبراء يبقى جزء بسيط جدا، خصوصا وان بعض التقارير تشير الى ان هناك اكثر من
15 الف قطعة آثاريه سرقت من العراق، يضاف الى ذلك استمرار عمليات السرقة والتهريب واخفاء هذه الكنوز التي من الصعب العثور عليها في الوقت الحاضر، وقد عثر وبحسب بعض المصادر الاعلامية على ما يقارب من 2000 قطعة آثار مسروقة في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى 700 قطعة في الاردن و200 قطعة في سوريا كما عثر على عدد آخر من القطع في فرنسا وسويسرا وغيرها من الدول الاخرى.
تجارة ملطخة بالدماء
وفي هذا الشأن تحصل الجماعات الإرهابية على الملايين من بيعها للقطع الأثرية المنهوبة، والتي يتوارى أكثرها عن الأنظار لتُحفظ في صورة مقتنيات خاصة، كما تقول الكاتبة الصحفية أندريا واتسن. "مجموعة إرهابية ناشئة ذات نموذج واضح للأعمال (التجارية)"، ذلك هو وصف كارين آرمسترونغ، مؤرخة الأديان، لتنظيم داعش. تعتبر هذه الجماعة المتطرفة أكثر المنظمات الإرهابية ثراءً، ولعل الذين شاهدوا مقاطع الفيديو الدعائية البشعة للتنظيم قد لاحظوا قوافل السيارات الجديدة ذات الدفع الرباعي التي يقودها أفراده.
لكن ما هي مواردهم؟ تفيد التحليلات أنها تأتي من التبرعات، والنفط المهرّب (الذي يجلب لهم ما يقرب من 1.645 مليون دولار يومياً)، وعمليات الاختطاف (لطلب الفدية) (والتي حصلوا من خلالها على نحو 20 مليون دولار العام الماضي، على أقل تقدير)، والمتاجرة بالبشر وتهريبهم، والابتزاز، والسرقة، وأخيراً-وليس آخراً- بيع القطع الأثرية.
إنها مصدر مربح للدخل. فعلى سبيل المثال، تفيد التقارير أن الإيرادات من بيع الآثار المنهوبة من موقع أثري بمدينة النبك، غربي دمشق، وصلت إلى 36 مليون دولار أمريكي. ويدير تنظيم داعش أغنى منطقة أثرية في العالم، وهي مهد الحضارات. وفي الوقت الذي دُمرت فيه مواقع أثرية مثل نمرود ونينوى والحضر، ظهر سيل من القطع الأثرية –التي يُتوقع أنها سرقت من هذه المواقع- في السوق السوداء.
ويستخدم التنظيم ما يسمى بـ"الجرافات الأثرية" (لكشف المواقع الأثرية بأية وسيلة متوفرة ما دامت مدمرة بشكل ملحوظ)، أو أنه يوظف أناساً محليين ليحفروا المواقع والقبور الأثرية. ثم يجبي التنظيم ضريبة يقول إنها وفق الشريعة الإسلامية، حسب قيمة الكنز مكتشف. لكن لا يدري أحد ما أُخرج من تحت الأرض، كما يستحيل لاحقاً تحديد المواد والقطع المسروقة.
ولا تنخدعوا بأفلام الفيديو التي يظهر فيها أفراد ذلك التنظيم وهم يحطمون تماثيل آشورية قديمة كانوا يزعمون أنها "أصنام حقيرة". ربما شوه التنظيم بعض التماثيل والمعالم الأثرية المهمة التي لا يستطيع بيعها، لكن ثمة دلائل تشير إلى أن التنظيم يتاجر في القطع الآثرية التي يمكن حملها ونقلها. على أية حال، كانت تماثيل المتحف التي ظهرت في تلك المقاطع المصورة نسخاً مصنوعة من الجص. ويقول فوزي المهدي، رئيس قسم الآثار الوطنية العراقية: "لم يكن أيٌّ من تلك القطع الأثرية أصلياً."
يقول مارك الطويل، الأستاذ بمعهد الآثار بجامعة لندن كوليدج: "كانت نسخاً من قطع أصلية حُفظت في متحف بغداد. وصنعت تلك النسخ عندما كان العراق يبني متاحف محلية". إلا أن نهباً واسع النطاق قد وقع في الموصل قبل ما لا يقل عن 25 عاماً، عندما كان هناك طلب غربي قوي عليها، كما يضيف. ويتزايد عدد الشركات التي تعمل جاهدة لتحديد أماكن تلك القطع الأثرية المسروقة، ومن بينها شركة "آرتياز" بمدينة أمستردام.
ويصف آرثر براند، الذي يعمل في هذه الشركة، تلك التجارة غير المشروعة بـ "القطع الأثرية الدموية". وفي الوقت الذي يصعب فيه نقل مثل تلك القطع الأثرية، مقارنة بالألماس، إلا أنها لا تزال تحتفظ بقيمة كبيرة. وهناك تقارير عديدة تفيد بتوفر قطع أثرية من سوريا والعراق في السوق السوداء في أوروبا.
ويُشاع بأن شرطة لندن تجري أربعة تحقيقات حالياً بخصوص قطع أثرية سورية – ولكن بدون إسناد مالي مُعتبر، فلن يكون تضييق الخناق على شبكات توزيع المسروقات حول العالم سوى مهمة مستحيلة. ويقول الطويل: "يستفيد اللصوص من شبكات قديمة مترسخة ويستخدمون قنوات وطرق تهريب تمر غالباً عبر تركيا ولبنان". ومن بين القطع الأثرية المرغوبة الأقراص المسمارية، والأختام الاسطوانية، والجِرار، والخزفيات، والنقود المعدنية، والزجاج وخاصة الفسيفساء، التي يمكن تكسيرها بسهولة لنقلها. فكلما كان الشيء أصغر وكان إخفاؤه وحمله ونقله أسهل، غلا سعره.
ويوصي كريستوفر مارينيللو، الناطق باسم "مجموعة استعادة القطع الفنية" ومقرها لندن، المشترين بتوخي الحذر، ويقول إن شائعات كثيرة تدور حول قيمة الأعمال الفنية المسروقة. ويضيف: "يتداولون أرقاماً كثيرة، ونظرياً، لا تساوي الأشياء التالفة إلا جزءا بسيطاً من قيمتها الحقيقية، مع أن الأمر يعتمد كليةً على الواقع. ربما يساوي شيء كبير، لكنه غير مجاز قانونياً، 10-15 في المئة من قيمته الحقيقية في السوق السوداء، بينما يمكن لشيء آخر، أصغر حجماً ويسهل نقله، أن يساوي قيمة أعلى بكثير".
ولم يكن تنظيم داعش أول منظمة إرهابية تستعمل القطع الأثرية الدموية لتمويل نشاطاتها. ففي عام 1974، سرق الجيش الجمهوري الأيرلندي لوحات فنية قديمة، بما فيها لوحة "السيدة التي تكتب رسالة وبجوارها خادمتها" للفنان "فيرمير"، والتي سُرقت من منزل بمقاطعة ويكلو. كانت الأعمال الفنية تلك تقدر بقيمة 12 مليون دولار أمريكي. ولن يرى سوى القليل جداً من آلاف القطع الأثرية المنهوبة من سوريا والعراق النور على الإطلاق. وستختفي البقية الباقية منها في الخزائن والسراديب الخاصة، وخصوصا في أوروبا وأمريكا – حيث يوجد طلب خاص على القطع التي تعود لعصور ما قبل الإسلام- وكذلك في اليابان واستراليا.
وإذا ما إكتُشفت أي قطع منها، فعادة ما تمر سنين قبل أن يستطيع المحققون رفع قضايا بشأنها. وعرضت دائرة الهجرة والجمارك الأمريكية في وقت سابق ما يقرب من 60 قطعة أثرية تمت استعادتها. شملت تلك القطع تمثالاً مهيباً لرأس الملك الآشوري سرجون الثاني، والذي قُدِّر ثمنه بـ1.2 مليون دولار أمريكي.
وتعود تلك العملية، التي تحمل اسم "عملية الكنز المفقود" (وهو اسم يوحي بفيلم من أفلام هوليوود) إلى عام 2008، عندما تناقلت الألسن معلومات عن تاجر قطع أثرية يقيم في دبي يقوم بشحن بضائع غير مشروعة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واسمه حسن فاضلي. وبيّنت وثائق الشحن أن مصدر البلد هو تركيا، وكانت الوثائق تشير إلى قيمة رأس سرجون الثاني بمبلغ 6.500 دولار أمريكي.
وشملت البضائع المهربة قارباً جنائزياً مصرياً بقيمة 57 ألف دولار أمريكي. كانت بعض الشحنات معنونة بشكل مباشر إلى متاحف ومعارض كبرى في مدينة نيويورك. وكان التحقيق فريداً من نوعه لأنه وجّه تهماً بجرائم غسيل الأموال، مما أتاح للسلطات الحجز على الحسابات البنكية التي تحتوي على العائدات من عمليات البيع. وكان ذلك التمثال السومري القديم من بين آلاف القطع الأثرية التي سرقت من المتحف الوطني في بغداد عام 2003 مع ذلك، فالمواد المستعادة من قبل دائرة الهجرة والجمارك الأمريكية تعود إلى فترة الحرب العراقية.
ولإدراكهم بما تخلفه الحروب من نتائج مدمرة، التقى علماء آثار ومديرو متاحف وغيرهم من المختصين بالقطع الفنية والأثرية مع مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية في عام 2003 لإقناعهم بحماية المواقع الأثرية. وقد فشلت تلك المبادرة، وبدلاً من حماية المواقع الأثرية، غيّرت القوات الأمريكية المعالم المعروفة لمدينة بابل، فيما سُمي وقتها بـ "جنان هاليبرتن المعلقة"، إذ قامت القوات الأمريكية ببناء معسكر على أراضي ذلك الموقع الأثري النفيس.
كما فشل الاجتماع مع مسؤولي البنتاغون أيضاً في منع نهب المتحف الوطني في بغداد. وعلى العكس من ذلك، تم تشجيع النهب بحجة أن المحتويات ستكون بمأمن أكثر إذا ما أصبحت في مكان آخر. وكما يقول أشتون هوكينغز، من الهيئة الأمريكية للممتلكات الثقافية: "شرعنة تشتيت الممتلكات الثقافية عبر بيعها في السوق،" كان أفضل وسيلة للحفاظ على الكنوز.
كان ذلك، فعلياً، دعوة للنهب. سُرقت أكثر من 15 ألف قطعة أثرية من المتحف، بما فيها مجوهرات وخزفيات وتماثيل. كان من أكثر القطع المنهوبة شهرةً جرّة "الورقاء" التي تعود لأكثر من خمسة آلاف عام (عُثر عليها واستعيدت لاحقاً، وكانت مكونة من 14 جزءا). حصل نفس الشيء لقيثارة أور، أقدم آلة موسيقية عرفها العالم، والتي استعيدت أيضا ولكن كانت بحالة يرثى لها. ولم يُعثر على المئات من القطع على الإطلاق، كما فُقدت سجلات عثمانية تعود إلى خمسة قرون مضت.
إضافة إلى ذلك، فُقدت أعمال فنية لبيكاسو وميرو، التي التهمتها النيران. تشير إحدى التقديرات إلى أن الخسائر التي تُعزى إلى سرقة الأعمال الفنية في العراق تبلغ ما يقرب من عشرة مليارات دولار. وتتبادل أيادي عديدة الأعمال الفنية والأثرية المسروقة قبل أن تظهر في السوق، وقد لا تظهر أبداً. وتقول ليندا ألبرتسن، رئيسة مؤسسة بحوث الجرائم ضد الأعمال الفنية، إنه يستحيل تحديد الموارد المالية التي يجنيها تنظيم داعش من السوق السوداء؛ لأن سنيناً قد تمر قبل أن تظهر المواد المسروقة في الأسواق.
فعلى سبيل المثال، ظهرت قطع أثرية من مجمع معابد "أنغكور وات" الكمبودية بعد أربعين سنة من انتهاء الحرب الأهلية. إن الهواة والمحترفين الراغبين في شراء قطع فنية وأثرية ليست معلومة المنشأ، يتحملون مسؤولية جسيمة في تدمير المواقع التراثية عبر العالم. إلا أن هذا الأمر أصبح لعبة خطرة، فقد توارى الأتراك واللبنانيون الذين يحتمل ضلوعهم في تهريب رأس سرجون الثاني عن الأنظار، وأصبحوا يشكون في المشترين. بحسب بي بي سي.
فالمسألة ليست مجرد انكشافهم وتعرضهم للخسائر فقط. فإذا ما تبيّن أنهم حصلوا على أية مواد وقطع فنية وأثرية من تنظيم داعش، فربما سيعني ذلك أيضاً توجيه تهم إليهم تتعلق بمعاونة الإرهاب. ويمكن القول إن هذا بحد ذاته هو الرادع الأقوى حتى الآن.
مئات القطع
على صعيد متصل احتفل العراق بعودة مئات من القطع التاريخية التي تتراوح ما بين تمثال آشوري قديم وطاقم شاي رئاسي يعود للقرن الماضي والتي نهبت أو فقدت أو أعيرت للخارج خلال العقود القليلة الماضية. ويمثل استعادة 800 قطعة تاريخية من متاحف وجامعات وصالات مزادات في الولايات المتحدة وإيطاليا والأردن نصرا محدودا للسلطات العراقية التي تبذل جهدا لحماية تراثها من السرقة والتدمير على ايدي مقاتلي تنظيم داعش.
واستولى المتشددون الاسلاميون على بعض من أغنى المواقع الأثرية في العالم في شمال العراق الذي يضم مدنا آشورية تعود إلى 2700 عام إضافة الى مدينة الحضر التي تعود للعصر الاغريقي-الروماني. وتعد المجموعة الأثرية التي أعيدت وعرضت في المتحف الوطني في بغداد متواضعة مقارنة بحجم ما يجري من سرقة مستمرة وتدمير.
وتشمل المجموعة عشرت من رؤوس الحراب المعدنية التي يقول المسؤولون إنها تعود الى الحقبة السومرية في العراق ما بين 4000 و2000 عام قبل الميلاد ومزهريات صغيرة الحجم وأختاما فخارية وشقافا عليها كتابات مسمارية. وقال المسؤولون إنه تم التعرف على بعض هذه القطع عندما عرضت للبيع في صالات المزادات بينما جرى استعادة قطع أخرى بعد اعارتها لفترة طويلة إلى جامعات في الخارج.
وأضاف المسؤولون أن القطع تضم أيضا نحو 200 قطعة فقدت من القصور الرئاسية في غمرة الاضطرابات التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للإطاحة بصدام حسين. وإلى جانب طقم شاي صيني أبيض -كل قطعة به ممهورة بالنسر الذي يشير للجمهورية العراقية- تضمنت القطع المستردة سيفا تذكاريا طويلا وأدوات مائدة من الفضة وبندقيتين. وطالب وزراء عراقيون حضروا الاحتفال باستعادة القطع الأثرية والتاريخية بمساعدة دولية أكبر لحماية آثار العراق قائلين إن نطاق الخطر لم يسبق له مثيل.
ودمر تنظيم داعش الذي يعارض كل ما يخالف تفسيره المتشدد للإسلام باعتباره بدعة معابد قديمة وأضرحة وكنائس ومخطوطات وتماثيل ومنحوتات في المنطقة التي استولى عليها. ويقول المسؤولون إن التنظيم يقوم بنهب القطع الأثرية وبيعها على نطاق واسع لتمويل حكمه. وقال وزير السياحة والآثار العراقي عادل الشرشاب إن العراق لا يتعامل مع مهربين بل جماعة تسمي نفسها دولة تحمل السلاح وتتاجر في الآثار. وأضاف أن على العالم أن ينتبه لهذا الخطر الجديد.
وأضاف الشرشاب أن المنطقة خاضعة لسيطرة الارهاب ولا تملك السلطات العراقية معلومات دقيقة أو مفصلة عن الأمور هناك مشيرا إلى أن الوضع غائم وغير واضح. وتابع الوزير العراقي ان الصور التي تظهر الدمار في المواقع الأثرية نشرت عمدا للتعتيم على الهدف الحقيقي لمقاتلي داعش مؤكدا أن الكثير من هذه القطع سرقت لتمويل "هذه الجماعة الإرهابية".
الى جانب ذلك أعادت الولايات المتحدة إلى العراق آثارا عثر عليها خلال عملية إنزال قامت بها قوات أمريكية ضد أحد قياديي تنظيم داعش في سوريا قبل نحو شهرين. وعرضت بعض الآثار المستعادة خلال احتفال أقيم في المتحف الوطني في بغداد الذي أعيد افتتاحه حديثا، بمشاركة وزير السياحة والآثار العراقية عادل فهد الشرشاب والسفير الأمريكي ستيوارت جونز.
وقال جونز خلال الاحتفال "هذه الآثار دليل قاطع على أن داعش إضافة إلى إرهابه ووحشيته وتدميره، هو أيضا عصابة مجرمة تنهب الآثار من المتاحف والمواقع الأثرية". وتابع "طبعا، الهدف من ذلك هو بيع هذه القطع في السوق السوداء". وتنوعت القطع الصغيرة التي عرضت في إحدى القاعات الآشورية للمتحف، بين نقود معدنية وتماثيل صغيرة ومجوهرات.
وقال الشرشاب إن القطع المستعادة "دليل مادي واضح على متاجرة تلك العصابات الإرهابية بالآثار العراقية". وعثرت قوات خاصة أمريكية على القطع خلال عملية إنزال نادرة في سوريا استهدفت قياديا في التنظيم يعرف باسم "أبو سياف"، ويعتقد أنه من أبرز المسؤولين عن توفير تمويل للتنظيم. وقال مسؤول قسم المعارض في المتحف حكيم الشمري إن القطع المستعادة "قيمة... لا تقدر بثمن".
وفي حين لم يشر الشمري إلى سعرها المقدر في السوق السوداء، أوضح أنها كانت لتوفر للتنظيم موارد مهمة. وقال "العائدات من بيع قطع كهذه تستخدم لتمويل العمليات، شراء الأسلحة، تجنيد الأشخاص وتصنيع السيارات المفخخة". بحسب فرانس برس.
ولم يدل المسؤولون المشاركون في احتفال، بتفاصيل عن المواقع التي نهبت منها هذه القطع وتاريخ حصول ذلك. وكان التنظيم الذي ارتكب فظاعات في المناطق التي يسيطر عليها في سوريا والعراق، أثار موجة استنكار بعد نشره صورا وأشرطة لمقاتليه وهم يقومون بتدمير آثار في شمال العراق. لكن خبراء في مجال الآثار يعتقدون أن الآثار التي يعمد التنظيم إلى تدميرها، هي التي لا يسمح له حجمها بنقلها أو بيعها. وتقول الولايات المتحدة إنها أعادت إلى العراق منذ العام 2005، ما يقارب ثلاثة آلاف قطعة أثرية، نهب معظمها إبان الاجتياح الأمريكي في 2003.
مخطوطات نادرة في باريس
الى جانب ذلك تعرض المحفوظات الوطنية في باريس حتى 24 آب/اغسطس المقبل مخطوطات عراقية نادرة وبعض النسخ او الصور عن مخطوطات الموصل، اخرجت بصعوبة بالغة الصيف الماضي لوضعها بمنأى عن تنظيم "داعش". ويضم معرض "بلاد ما بين النهرين ملتقى الثقافات المخطوطات العراقية" بعض الوثائق النادرة جدا باللغات السريانية والارامية والعربية وقد جمع الكثير منها الرهبان الدومينيكانيون.
وتستعيد المخطوطات تاريخ الارساليات وانتشار الرهبان في سهل بلاد ما بين النهرين (العراق) الذي يعتبر من "اقدم مواطن المسيحيين" على ما اوضح مفوض المعرض جاك شارل-غافيو. ويضم المعرض مخطوطات من رجال قانون وعلماء نحويين وشعراء عرب وعظات مسيحية كتبت بالعربية واطروحة طب بالسريانية فضلا عن نصوص دينية واناجيل ومصافح.
وثمة قطعة نادرة هي مصحف من بغداد دونت عليه ملاحظات الراهب ريكولدو دي مونتي كروتشي (1243-1320). ويتضمن الجزء الثاني من المعرض سبع نسخ بنوعية عالية لمخطوطات مأخوذة من مكتبة الموصل للرهبان الدومينيكان التي نقلت بشكل عاجل الصيف الماضي لدى سقوط الموصل وقره قوش بيد التنظيم والنزوح الكثيف للمسيحيين من المدينتين الى اربيل في كردستان العراق. بحسب فرانس برس.
وقال الاب نجيب وهو عراقي حمى هذه المخطوطات ونقلها، "هذه المخطوطات بامان وهي مخبأة في مكان ما في كردستان. نحاول ان ننقذ التراث الذي تسعى داعش الى القضاء عليه". واضاف "لقد قام مركزنا برقمنة حوالى ثمانية الاف مخطوطة على اسطوانة صلبة لكن نصفها لم يعد موجودا اليوم". وتفيد اليونيسكو ان التنظيم قضى عمدا على كنوز ثقافية تعود الى ما قبل الحقبة الاسلامية فضلا عن مزارات مسيحية ويهودية واسلامية في الموصل ومناطق اخرى من العراق. وخلال الهجوم على قره قوش كبرى مدن العراق المسيحية تم اتلاف اكثر من 1500 مخطوطة على ما قال بطريرك الكلدان الكاثوليك لويس روفائيل ساكو.
بين البحث والتخريب
في السياق ذاته يعمل مجموعة من علماء الآثار من جامعة مانشستر البريطانية في العراق، ويتوصلون إلى "اكتشافات هامة" في الوقت الذي يهدم مسلحو تنظيم "داعش" مواقع آشورية تاريخية. وقالت عالمة الآثار جاين مون "إذا ظن المسلحون أن بإمكانهم محو التاريخ، فنحن نساعد على ضمان عدم حدوث ذلك". ويستكشف الفريق موقعا لمركز إداري بابلي، يعود لعام 1500 قبل الميلاد. وقد أمدوا متحف العراق في بغداد بأكثر من 300 قطعة أثرية.
وفريق جامعة مانشستر هو أحد الفريقين الدوليين الوحيدين اللذين يعملان في المناطق غير الكردية من العراق. وعاد الفريق إلى بريطانيا بعد ثلاثة أشهر من العمل الميداني، بالقرب من مدينة أور التاريخية. وبينما كان فريق جامعة مانشستر يتعاون مع علماء آثار عراقيين في التنقيب عن آثار بلدهم، كان مسلحو التنظيم يهاجمون ويهدمون مواقع أثرية في نينوي، ونمرود، والحضر. كما يُعتقد أنهم دمروا قطعا أثرية في متاحف الموصل.
وانضمت جاين مون لاحتجاجات ضد تخريب آثار العراق وقال مدير المشروع، ستيوارت كامبل، إن السكان هناك "استاءوا" من الهجمات على تراثهم. وأشار إلى أن فريق جامعة مانشستر شاركوا في تجمع احتجاجي في العراق. وأضاف أن حالة من الفزع سادت بسبب التدمير المتعمد للمواقع الأثرية في بلد شديد الوعي بقيمة تراثه الحضاري، "فهناك إحساس شديد بالفخر كون أفكار كالكتابة وتخطيط المدن بدأت في العراق".
وعن مدينة أور التاريخية، التي كان يعمل الأثريون بالقرب منها، قال كامبل إن لها "أهمية رمزية كبيرة. فهي جزء هام من التاريخ الإنساني". وعمل الفريق في موقع مركز إداري بابلي، وعثروا على مستندات وأدلة على وجود "مدرسة مخطوطات" تعود إلى 3500 عام، كان يتدرب فيها موظفو الدولة. كما عُثر على ألواح من الطمي عليها "نصوص تدريبية" بقوائم من الحيوانات والأحجار الثمينة. بحسب بي بي سي.
وقالت مون "يعبر الكثيرون عن غضبهم الشديد من التدمير في الموصل. والحقيقة المحزنة أننا لا نستطيع فعل الكثير أمام هذا التخريب المتعمد على يد متعصبين مسلحين". وأضافت أنه حتى إذا دمرت هذه الآثار، ما زال من المهم استمرار القدرة على جمع وحفظ المعلومات من أجل المستقبل.