اختفاء
اسماء محمد مصطفى
2019-09-02 06:59
طلبت منه صيدلانية المستشفى أن يوقع تحت اسمه في الورقة التي قدمتها له حتى يتسلم حصته من أدوية السعادة وراحة البال. حدق في خانة التوقيع وقد بدت عليه علامات الحيرة. سألته الموظفة إن كانت ثمة مشكلة لديه. خجل أن يقول إنه نسي كيف يكون توقيعه.
فكر بأنّ التوقيع ولاشك يحمل حرفا او اثنين من اسمه او حتى اسمه كله، فنظر الى خانة الاسم. ذهل حين لم يجد اسمه أيضاً، بخجل طلب من الصيدلانية أن تريه توقيعا له على إحدى الأوراق التي سبق له أن وقعها خلال زياراته السابقة للمستشفى.
دهش حين لم يجد اسمه وتوقيعه على أي من الأوراق بين يديه. لم يعثر على اسمه في دفتر الأمراض المزمنة خاصته، تداخلت الضجة في رأسه مع ضجة المرضى الذين كانوا ينتظرون أدوارهم وراءه، وهم يتذمرون من تأخيره لهم.
انسحب بتثاقل وحيرة. فهذه المرة الأولى التي يحدث له شيء كهذا. في المرات السابقة كان يحضر للمستشفى ويتسلم أدوية السكر والضغط والقلب والأعصاب بلا إشكالات، لكنه هذه المرة ومع فرحته باكتشاف أدوية فعالة للحزن والخيبة والقلق، وصلت الى مستشفيات البلد، حدث مالم يكن بحسبانه.
أخرج هاتفه النقال، ليتصل بأول رقم في قائمته، وهو لزوجته، بقصد سؤالها عن اسمه !! لم يجد رقماً ! قرر الاتصال بأحد أصدقائه ومعارفه. هاله أن يجد الهاتف فارغاً من كل اسم ورقم، ركض بإتجاه منزله غير آبهٍ بمضاعفات الركض على جسده. كان المنزل قديما، متصدعاً، خاوياً.
فقد الامل بإيجاد أوراقه الثبوتية. حتى صورته منفردة وصورة أمه في شبابها وصوره العائلية وشهاداته العلمية اختفت من على الجدران، لم يفهم ما الذي يحصل له وأين اختفت زوجته وأولاده وجيرانه والأشياء والذكريات.
في حديقة المنزل العارية إلاّ من الأوراق الصفر التي كان بعضها يتمرجح بين أذرع الهواء، وبعضها يتقلب على الأرض الجرداء، وقف يائسا جامداً، حتى حركت سكونه أصداء صراخ ثم نحيب وولولة، كانت ثمة امرأة شابة تستلقي على فراش في الحديقة تتلوى وتواجه آلام الطلق، وحولها القابلة والنسوة ومستلزمات الولادة.
لم يكن وجه المرأة غريبا عليه. اقترب بخطى وئيدة منها. كانت أمه في ريعان شبابها. نظرت اليه بحزن قبل أن تغمض عينيها الإغماضة الأبدية وهي تحتضن وليدها الوحيد الذي خرج من رحمها ميتاً.