مجموعة عجائب العالم: بين الحقيقة والافتراض

د. ميثاق بيات ألضيفي

2019-02-09 04:05

بداية القول نؤكد إن حال العرب اليوم ليس حالا مقبولا ولا حتى معقولا فالشعوب صامتة مصمتة منهكة ممزقة محترقة في نار النزاعات تموت بلا كلل وآثارها الثقافية والمعمارية والتاريخية والتي لا تقدر بثمن متعرضة منذ عقود للتدمير والاختفاء والنهب دون أثر في كل يوم وكل ساعة وكل لحظة وذلك يجري بأيدي برابرة جدد سواء كانوا في شكل الجيش الأمريكي أو الصهيوني أو الروسي أو الجيوش النظامية الأخرى أو تحت أعلام سوداء مقلدة أو تشكيلات إرهابية جاهلة متجهلة وليتم عبرها جميعا تدمير التراث الحضاري والثقافي للبشرية جمعاء، ومع ذلك كله فليس هناك أي حق أو أية اعذار ولا حتى حجج أو تحججات للمجتمع العالمي في أن يتخلى على الاطلاق عن واجباته ولا إن يساير ذلك الوضع غير المقبول ولا ينبغي له أن يقف عاجزا معه مما يدل ويعني للصوص والناهبين والفاسدين على عدم قدرته على العمل.

وكلنا يعلم إن كل عنصر من عناصر التراث التاريخي والثقافي وكل موقع أثري هو رابط حيوي لمعرفة التاريخ البشري، وهو واحد وفريد من نوعه وخسارته لا يمكن سدادها ولذلك فإن الحفاظ على التراث الثقافي هو حق وواجب لكل أمة، فينعكس وجه المجتمع في القيم التي هي مصدر الخلق. ولقد ساهمت مبادرة الأفراد والمنظمات العامة في مسألة الحفاظ على القيم الثقافية كمصدر للذاكرة الجماعية وإن الصراعات التي نشبت في القرن العشرين وأدت إلى تدمير متعمد وإهمال للقيم الثقافية ونهبها غير أنها بذات الوقت ساعدت على تحقيق القيمة الحقيقية للتراث الثقافي والحاجة إلى حمايته.

المنظمات الدولية الرئيسة تتعامل مع مجموعة واسعة من مشاكل التعاون الثقافي والعلمي الدولي بما في ذلك حماية القيم الثقافية واهمها هي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) والتي امتد نشاطها لجميع دول العالم تقريبًا وكان سلفها هي المنظمة الدولية للتعاون الفكري والتي كانت موجودة في نظام هيئة عصبة الأمم. وقد قامت اليونسكو على مبدأ الحفاظ على المعرفة وحمايتها والتقدم فيها ونشرها والحفاظ على التراث المشترك للبشرية وحمايته هي والكتب والأعمال الفنية وغيرها من المعالم ذات الأهمية التاريخية والعلمية فضلاً عن توصية الشعوب المعنية بإبرام الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بعملها.

وكانت قد اعتمدت اليونسكو العديد من التوصيات وعدد من الاتفاقيات الدولية في مجال حماية التراث الثقافي كاتفاقية حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح الموقعة عام 1954، واتفاقية التدابير الرامية إلى حظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بصورة غير مشروعة الموقعة في عام 1970، وكذلك اتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي الموقعة في عام 1972، اضافة الى اتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه الوقعة في العام 2001، واتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي واتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي الموقعتين في عام 2005.

محور آخر لليونسكو هو القيام بحملات دولية لحماية المعالم البارزة في جميع الدول اذ أن هذه الآثار هي جزء من التراث الثقافي للبشرية جمعاء وتقلق المجتمع الدولي بأكمله لذلك وجب على الدول نفسها أن تتحمل جزءاً كبيراً من العبء وأن تواصل الوفاء بجميع الالتزامات التي تعهدت بها للحماية والحفاظ على تراثها واثارها. ولأن آثار تاريخ وثقافة بعض الدول قد اعتبرت هامة بالنسبة للبشرية جمعاء فقد تم إلى حد ما إنقاذ الآثار الأكثر قيمة في تاريخ وثقافة العالم من الانقراض واستعادة جزء منها وذلك جرى بالاضافة إلى تعزيز تطوير التعاون العلمي الدولي بشأن الحفاظ على المعالم واستعادتها، كما وتتناول مختلف المنظمات غير الحكومية الدولية التي تعمل بالتعاون الوثيق مع اليونسكو مسائل حماية الممتلكات الثقافية كالمجلس الدولي للآثار والمواقع (ICOMOS) المعزز لدراسة المعالم والمواقع والحفاظ عليها، والمجلس الدولي للمتاحف (ICOM) المطور للتعاون الدولي لمؤسسات المتاحف مع إيلاء اهتمام خاص لمكافحة التجارة غير المشروعة في الممتلكات الثقافية، كما إن المركز الدولي لدراسة القضايا فيما يتعلق بحماية واستعادة الممتلكات الثقافية بما يسمى مركز روما، لجمع ودراسات وتوزيع الوثائق وتنسيق البحوث والمساعدة في تدريب المتخصصين وتقديم توصيات بشأن حماية واستعادة الممتلكات الثقافية، وهذا يعني وجود تعاون ومشاورات متبادلة بين هذه المنظمات الدولية وهيئات اليونسكو. وإن الوضع الحقيقي في مجال حماية الآثار الأثرية هو مصدر قلق دولي ولذا فأن جهد الحفاظ على التراث الأثري هو مؤثر على العوامل الرئيسية الثلاثة التالية المتمثلة بالتدمير الطبيعي والتدمير نتيجة للنشاط الاقتصادي والحفريات السوداء المستهدفة للآثار الأثرية كما ويمكن إضافة ذلك إلى نقص الوعي العام بأهمية الحفاظ على آثار التراث التاريخي والثقافي وعواقب تدميرها المادي. وان هياكل الدول المسؤولة عن حماية التراث الثقافي في الغرب تستجيب بسرعة إلى الخطر الجديد غير إن حجم النشاط المفترس للآثار القديمة لأوروبا الغربية أكثر تواضعا وبما لا يقارن ابدا ولا يقاس مع مستويات دمار وتدمير ونهب الاثار في الدول الاخرى، لذلك يتم توجيه التيار الرئيسي للتهريب الأثري من الشرق إلى الغرب وإلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية.

يعتبر المجتمع العالمي عملية الحفاظ على التراث الأثري للأجيال القادمة بمثابة مهمة عالمية مقدسة لذا تنعكس عملية العولمة وقبل كل شيء على تطوير اتجاهات جديدة في الحفاظ على أنواع التراث الثقافي الملموسة وغير الملموسة وكانت إحدى أوائل الطرق المبتكرة للدعاية ودعم مواقع التراث الثقافي هي ظهور أول قائمة تراث عالمي للبشرية في عام 1978م ، فيتم استُخدامها كوسيلة لتوفير الدعم التشغيلي غير أنها اكتسبت تدريجيا معنى مناقضا لتشجيع الاعتراف من جانب المجتمع الدولي بالأهمية الخاصة للأشياء المدرجة فيها وإن التسمية الأكثر وضوحًا لها والتي تسمى غالبًا "مجموعة عجائب العالم" أو "تاج اللآلئ" لم تجذب اهتمامًا متزايدًا من المجتمع العالمي على مر السنين فحسب بل ولّدت أيضًا روحًا تنافسية، ولقد جعل الاعتراف المتزايد بأهمية ومكانة التراث الثقافي في العالم الحديث جزءاً لا يتجزأ من الصورة التي تسعى مختلف البلدان إلى خلقها لأنفسها اذ لا تنخفض النسبة بين عدد العقارات المقترحة والمدرجة بالفعل في قائمة التراث العالمي ونتيجة لذلك أصبحت القائمة ومن باب التباهي والاعلام مؤشرا جيدا على تغير موقف المجتمع العالمي تجاه التراث الثقافي للبشرية. وقد أدى تطور الفكر العلمي إلى إنكار النهج الحصري واعتماد مقاربة عالمية أكثر أنثروبولوجية لإدراج دليل مادي على وجود ثقافات مختلفة للإنسانية على قائمة التراث العالمي ليتم الحفاظ على الاكتشافات الأثرية ليس فقط في مجموعات المتاحف فيصبح ميل الحفظ المادي للأشياء الأثرية غير المنقولة في المناظر الطبيعية للمستوطنات القديمة والمدافن وبقايا المباني الصناعية والأشياء الدينية أولوية. ونتيجة لتزايد الاهتمام بالحفاظ على التراث الثقافي والروحي الناجم عن وعي الصحوة العالمية لهويتهم فقد ادرك الكثير من الدول بعمق الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات مستحدثة لحماية التراث والاثار لذا فنحن هنا نقترح انتهاج منهجا جديدا للحفاظ على التراث الثقافي وهو إنشاء شبكة إلكترونية بين المؤسسات الثقافية العربية والعالمية وذلك للحفاظ على التراث التاريخي والثقافي والطبيعي ودعمه من خلال تطوير المواقع الإلكترونية وإنتاج الأقراص المدمجة وتنظيم المعارض الافتراضية والتعليم عن بعد وتجسيدها كمجتمع للمتاحف الافتراضية، إضافة إلى دعوة المؤسسات البحثية والمتاحف والمعارض والمكتبات والجامعات ودوائر الأعمال التجارية إلى التعاون وتطوير التبادلات المهنية وتوسيع حضورها عبر الإنترنت، وإن الحفاظ على التراث التاريخي والثقافي وإعادة إنشائه ينتج الظروف اللازمة للتنمية الفكرية والروحية لمجتمع عربي مثقف و واع وساع لتمثيل امتنا بالصورة الحسنة في المجتمع العالمي.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا