خمس آليات لمواجهة العولمة الثقافية
حسين علي حسين
2018-12-24 06:59
لم تعد الحروب تأخذ أشكال القتال التقليدية، مواجهات بين دول وجيوش وتحالفات، كما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية، أو الحرب الأمريكية الفيتنامية، ولا يتحدد شكل الحروب بين الأمم والدول بالمضاربات الاقتصادية واستعمال الاقتصاد كسلاح ضد الدولة المناوئة، فهناك شكل أقل حدّة وأقل في الخسائر البشرية، وهو النوع الذي سمّي بالحروب الثقافية، يميل إلى النعومة وتجنّب الصدام المباشر، فالحرب الثقافية باتت أكثر تأثيرا وخطرا من أشكال الحروب التقليدية المتعارف عليها.
واعتمد الغرب ومنه الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، العولمة الثقافية لتحقيق انتصارات راكزة على الثقافات الأخرى، في محاولات مستمرة بلا كلل أو ملل، لصنع نموذج ثقافي كوني تذوب في جوهره جميع الثقافات المحلية التابعة لدول أو أمم أو شعوب متأخرة، سبب اللجوء إلى هذا النوع من الصراع الناعم، يعود إلى أن (فكرة الثقافة تعد أحد الأوجه الرئيسية لظاهرة العولمة بمعناها الكلي، وتعني خلق صياغة مكوّن ثقافي عالمي وتقديمه كنموذج ثقافي، وتعميم قيمه ومعاييره على العالم أجمع، بالإضافة إلى الإشارة من خلال هذا البعد من العولمة إلى الثقافة كسلعة عالمية تسوَّق كأي سلعة تجارية أخرى، ومن ثم بروز وعي وإدراك ومفاهيم وقناعات ورموز ووسائط ووسائل ثقافية علمية الطابع) بحسب الكاتبة أ لمياء طالة في كتابها الإعلام الفضائي والتغريب الثقافي.
وقد شاع هذا النوع من ثقافة العولمة، بعد أن تفرَّدت الولايات المتحدة كقطب أوحد وأقوى في العالم، ووجدت أنه الأسلوب الأنفع والأقل كلفة لإنجاز أهداف الهيمنة على العالم من خلال النموذج الثقافي الأمريكي الذي يتم تمريره بطرائق إعلامية مختلفة عبر وسائل العولمة،
ولأن الولايات المتحدة الأمريكية انفردت كقطب مهيمن في السياسة الدولية في ظل الوضع الدولي الذي خلف انهيار الاتحاد السوفيتي، فإن العولمة الثقافية اليوم ما هي إلا هيمنة الثقافة والقيم الأمريكية، وبتعبير آخر ما هي إلا نشر القيم والمبادئ الأمريكية وفرضها كنموذج كوني. كما يقول محمد بن مرسي الحارثي: إن الثقافة الكونية التي تدعو لها العولمة لن تسمح لأي ثقافة محلية أن يكون لها دور ملموس في صياغة الثقافة الكونية ما لم تتنازل (الثقافة) المحلية عن بعض منجزاتها ومرجعياتها التي تنتمي إليها، وتتبنى مقابل ذلك قيما جديدة وهذه الحساسية الثقافية التي تنشأ بين الثقافة المحلية والثقافة الكونية ستتحول إلى صراع حضارات، وليس إلى تقارض أو تقارب بين الثقافات.
في حين أن التلاقح الصحيح والمقبول بين الثقافات ليس الإلغاء أو التذويب في نموذج ثقافي أمريكي أوحد، فالصحيح أن تبقى الثقافات المحلية قائمة ومحمية من الانقراض، وفي نفس الوقت تقوم علاقات ثقافية متكافئة بين جميع الثقافات تنصهر في بوتقة الإنسانية التي تراعي مصالح الجميع ولا تفضّل نموذجا على آخر أو تجعله سيدا على الجميع.
لهذا يرى مفكرون عرب وإسلاميون أن هناك خطورة جدية ومصيرية تتهدد النماذج الثقافية المحلية، (فالعولمة الثقافية أضحت خطرا فاعلا على خصوصية ثقافات المجتمعات المتخلفة وتهدد ذاتياتها بما تطرحه من أشكال ثقافية غربية، وبما تتسم به من سطحية، هشاشة، خداع، تلاعب بالعقول، نشر للأوهام، توليد للإحساس بالخواء والاستلاب، مع عدم إمكانية نقدها أو تفحصها أو إخضاعها للتحليل والتدقيق، بحسب المصدر المذكور سابقاً.
وقت تفنن الأمريكيون في صياغة وتوصيل أو تسويق نموذجهم الكوني، فهناك شركات وأفراد ومؤسسات تخصصت في التصدي لهذا الجهد العالمي، لأن العولمة الثقافية هي ثقافة تشبه سائر مواد الاستهلاك، معلبات تتضمن مواد مسلوقة جاهزة للاستعمال، وشركات إعلامية تتنافس لتقديم سلعها إلى المستهلك في إخراج مثير يضعه تحت وطأة إعراء لا يقاوَم، فلا وقت للتفكير والتمحيص والتردد النقدي وسائر ما يمكن أن يحمي الوعي من السقوط في إغراء الخداع.
وطالما أننا نقف في خط المواجهة الأول، وطالما أن شبابنا العراقي والعربي والإسلامي يواجهون هذا المأزق (مأزق التذويب الثقافي)، ولأن الشباب يشكلون المنطقة الرخوة في هذه المواجهة بسبب المشاكل الكثيرة التي تواجههم (البطالة، الفراغ، الإهمال.... وغيره)، فإن المطلوب وضع آليات للمواجهة، سهلة واضحة منظمة قابلة للتطبيق، فقد تم تحديد خمس نقاط لمضمون ثقافة العولمة، والتي تمثل نقاط التهديد للثقافات المحلية لبقية شعوب العالم، هذه النقاط هي:
- إن ثقافة العولمة تمجّد الاستهلاك: وهذا يعني أننا نحتاج إلى حملات كبرى للتوعية وتعبئة الشباب ووضعه أما الواقع بكل ما يحمله من مخاطر وتهديدات، لكي يحذر الشباب من أساليب الترويج الاستهلاكي الأمريكي، إن تركيز النموذج الثقافي الغربي يعتمد تزويق الشكل وتسطيح العقل، وإعدام التفكير الخصوصي أو المحلي، وهذا يعني أن الشباب يجب أن يكونوا على وعي تام في بطبيعة هذا المواجهة.
- إنها (ثقافة العولمة) تمهّد للعنف، بأن تبشر بنشر أجيال كاملة تؤمن بالعنف كأسلوب حياة وكظاهرة عادية طبيعية: وهذا يعني أننا جميعا مطالبون بمساعدة الشباب وتوعيته لهذا المأرب الخطير، فالعنف لا يمكن أن يكون حالة طبيعية لأنه محاولة لتدمير الإنسان وإشاعة قوانين الغاب وتدمير القيم المحلية.
- إن ثقافة العولمة تمجّد الأنانية والفردية: وهذا يعني أننا يجب أن نفهم هذا المقصد وأن نواجه هذا الهدف الخبيث، فالأنانية لا يمكن أن تبني إنسانا أو جماعة، ويجب أن يفهم الشباب وعموم المجتمع هذا الهدف وأن يحذروا من الإنجرار إليه.
- إنها ثقافة مادية بحتة: ومن أخطر ما يكوم عليه النموذج الثقافي الأمريكي الكوني أنه يعتمد القيم المادية ويقصي القيم الروحية في نوع من الحرب الناعمة عبر أساليب مبتكرة يجب أن يفهمها الشباب وغيرهم ويتصدون لها، من خلال تعميق الجانب الروحي واعتماده كرديف ومساعد أساس للجانب المادي.