جولة في معارض الكتب والمسابقات الادبية: تكشف واقع الثقافة العربية المعاصرة
عبد الامير رويح
2018-11-29 04:27
تحديات وازمات كبيرة تواجهها الثقافة العربية المعاصرة ولاسباب كثيرة، منها ما هو سياسي واقتصادي يضاف الى ذلك الثورة التقنية التي كانت سببا في ابتعاد الكثير عن القراءة، الامر الذي اثر سلباً على المثقف والكاتب العربي الذي يخضع ايضا لقوانين الرقابة وهيمنة السلطة، التي ابتعدت كثيرا عن دعم الثقافة والمثقف باستثناء بعض الاقلام المقربة من مواقفها وتوجهاتها. تلك الازمات والتحديات دفعت بعض المؤسسات الثقافية الى اعتماد طرق جديدة من اجل انعاش الواقع الثقافي، من خلال اقامة المسابقات والمهرجات والمعارض في سبيل معالجة تلك الاخطاء والسلبيات.
وفي هذا الشأن حط معرض ضخم للكتاب، يسوق نفسه باعتباره أكبر معرض للكتب في العالم، في أول محطة له بالشرق الأوسط ليملأ قاعة ضخمة في دبي بثلاثة ملايين كتاب تُعرض على مدار الساعة بأسعار مخفضة. وانطلق معرض (بيج باد وولف) للكتاب في كوالالمبور بماليزيا عام 2009، ومنذ ذلك الحين زار مدنا آسيوية منها جاكرتا ومانيلا وسيبو وكولومبو وبانكوك وتايبه. وقال مؤسس المعرض أندرو ياب إنه يتوقع أن يغري العدد الهائل من الكتب الزوار. وأضاف ”في سوق ناضجة مثل دبي، ذلك سيتيح تنوعا للقراء“. وتقول الكاتبة الإماراتية روضة المري، التي يباع لها كتاب في المعرض، إن مدينة مثل دبي تحتاج لمثل هذا الحدث للمساعدة في تشجيع جيل التابلت (الكمبيوتر اللوحي) على القراءة. وأضافت ”نحتاج مثل هذه المعارض، تشجعنا للقراءة، تشجعنا نمسك كتاب.. نشم ريحته.. يكون أكثر.. يرجعنا لزمن حلو.. يدخلنا في يعني متاهات من القصص. نحتاجها أكيد. أي جيل يحتاجها“.
تونس والجزائر
على صعيد متصل وفي ظل صعوبات عديدة تواجهها صناعة الكتاب تسعى تونس للتشجيع على القراءة ودعم دور النشر والكُتاب المبدعين بتنظيم المعرض الوطني للكتاب التونسي في دورته الأولى. وقال منصور مهني مدير المعرض الوطني للكتاب التونسي ”يسعى الحدث الثقافي الجديد إلى دعم دور النشر، والكتاب، والكُتاب التونسيين باعتبار المعرض يكاد يكون النافذة الوحيدة للالتقاء بين القراء والكُتاب في ظل مشاكل التوزيع والتعريف بالإصدارات والإنتاجات الجديدة“. وأضاف أن المشاركة في المعرض الجديد ستكون حصريا للناشر والكاتب التونسي. ويرفع المعرض شعار ”الكتاب التونسي يجمعنا“.
وتنظم تونس سنويا معرضا دوليا للكتاب انطلق قبل نحو 39 عاما ويعتبر من بين أكبر المعارض العربية ويجتذب سنويا عددا كبيرا من الناشرين العرب والأجانب ويستضيف مفكرين ومبدعين عربا وعالميين. وأوضح مهني ”في المعرض الدولي للكتاب حظوظ الكُتاب والمبدعين التونسيين ضعيفة أمام نظرائهم من دول المشرق العربي أو الدول الأجنبية لذلك فكرنا في تنظيم معرض ثان خاص بالكُتاب التونسيين خاصة بعد أن أظهرت احصائيات أن نحو 70 بالمئة من التونسيين يقتنون كتبهم من المعرض“.
وتشارك في المعرض الجديد 76 دار نشر تونسية ويعرض 24 ألف عنوان كتاب كما ينظم ندوات فكرية وورش عمل ولقاءات مع كُتاب تونسيين وتوقيع اصدارات جديدة. وقال صلاح الدين حمادي رئيس اتحاد الكُتاب التونسيين وعضو الهيئة المديرة للمعرض ”سيكون المعرض آلية من الآليات الهامة لتكريس فعل القراءة في مجتمعنا، لأن مجتمعنا لا يقرأ“. بحسب رويترز.
وتابع ”سيكون المعرض فرصة للالتقاء بين أصحاب دور النشر والكُتاب المبدعين والقراء وتبادل التجارب والأفكار للارتقاء بواقع الكتاب التونسي ومناسبة للتعريف بالمنتوجات الأدبية والإبداعية للمفكر التونسي“. وتعاني صناعة الكتاب في تونس من صعوبات تعرقل التعريف بالإبداع والمبدعين المحليين مثل مشاكل التوزيع والعزوف عن القراءة.
الى جانب ذلك قال حميدو مسعودي مدير معرض الجزائر الدولي للكتاب إن دورة العام الماضي جذبت 1.5 مليون زائر فيما يأمل المنظمون جذب مليوني زائر في الدورة الجديدة. ويكتسب المعرض الذي تنظمه وزارة الثقافة إقبالا متزايدا دورة تلو أخرى سواء من دور النشر أو الزائرين. وقال مسعودي في مؤتمر صحفي بالمكتبة الوطنية ”تشهد هذه الدورة مشاركة 1018 دار نشر تمثل 48 دولة إضافة إلى الجزائر“ وهو ما يعتبر دليلا على مكانة المعرض عربيا وأفريقيا وعالميا. وأضاف ”نأمل أن نحافظ على نسبة الإقبال ونصل إلى مليوني زائر، ليحافظ المعرض على مكانته هذه“.
وقال مسعودي إن عدد دور النشر الجزائرية المشاركة بالمعرض انخفض هذا العام إلى 279 دار نشر ”حيث امتنعت 19 دارا عن المشاركة لأسباب مالية“ إلا أنها تظل تشكل النسبة الأكبر من المشاركين تليها دور النشر المصرية. وأضاف أن إجمالي عدد العناوين المطروحة بالمعرض يبلغ 300 ألف عنوان كتاب ”مما يعبر عن مدى التنوع الكبير في المحتوى المقدم“. وتحل الصين ضيف شرف المعرض مواكبة لمرور 60 عاما على العلاقات الجزائرية-الصينية. وتشارك الصين بوفد يضم 150 شخصية ثقافية من بينها الروائي مو يان الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 2012.
وقال مسعودي ”الدورة 23 ستشهد لأول مرة مشاركة أديب حائز على جائزة نوبل، الأمر الذي سيكسبها أهمية خاصة جزائريا وعربيا وأفريقيا“. وبجانب المشاركة الصينية الكبيرة يستضيف المعرض 94 كاتبا ومفكرا وأديبا من بينهم 65 جزائريا يشاركون في 40 ندوة ولقاء. وقال مسعودي إن عدد الكتب ”المتحفظ عليها“ هذا العام بلغ 54 كتابا مقابل 130 كتابا في العام الماضي. وأضاف ”هذا دليل على أن دور النشر فهمت سياسة لجنة القراءة، وهو عدد بسيط جدا مقارنة بالعدد الكبير للكتب المشاركة“.
القائمة الطويلة للقصة القصيرة
من جانب اخر أعلنت جائزة المُلتقى للقصة القصيرة العربية في الكويت القائمة الطويلة للدورة الثالثة والتي ضمت 10 مجموعات قصصية من ثماني دول. وضمت القائمة مجموعات (ابتكار الألم) للجزائري محمد جعفر و(أبناء الأزمنة الأخيرة) للكويتي فيصل الحبيني و(حيث تشير البوصلة) للسورية سناء عون و(كأي جثة مباركة) للأردنية سامية العطعوط و(مأوى الغياب) للمصرية منصورة عز الدين. كما ضمت (هل تشتري ثيابي) للسعودية بلقيس الملحم و(وحوش مركبة) للفلسطيني المتوكل طه و(كللوش) للعراقية رغد السهيل و(كونكان) للعراقي سعد محمد رحيم و(لا طواحين هواء في البصرة) للعراقي ضياء جبيلي.
وكانت الجائزة تلقت في دورتها الثالثة 197 مجموعة قصصية من الدول العربية وأنحاء العالم. وتشكلت لجنة التحكيم برئاسة الناقدة الكويتية سعاد العنزي وعضوية الناقد العراقي نجم عبد الله كاظم والناقد السعودي محمد العباس والروائي السوداني أمير تاج السر والناقد التونسي عبد الدائم السلامي. والجائزة هي تعاون ثنائي بين مؤسسة المُلتقى الثقافي والجامعة الأمريكية في الكويت وتعد هي الجائزة الأعلى قيمة عربيا بمجال القصة القصيرة. بحسب رويترز.
وتبلغ القيمة المالية للجائزة 20 ألف دولار إضافة إلى تولي الجامعة الأمريكية بالكويت ترجمة المجموعة القصصية الفائزة للغة الإنجليزية. وتعلن إدارة الجائزة القائمة القصيرة والتي تضم خمس مجموعات قصصية فقط في أول نوفمبر تشرين الثاني على أن يقام حفل إعلان المجموعة القصصية الفائزة في الأسبوع الأول من ديسمبر كانون الأول. وفي لمسة وفاء للكاتب الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل أحد مؤسسي الجائزة وعضو مجلس أمنائها الذي توفي في سبتمبر أيلول قررت إدارة الجائزة إطلاق اسمه على الدورة الثالثة.
الرقابة في الكويت
في السياق ذاته تثير ظاهرة منع الكتب في الكويت غضبا في أوساط الناشطين الشباب والكتاب الكويتيين الذين يعتبرونها نوعا من "الوصاية"، مع منع نحو أربعة آلاف كتاب خلال السنوات الخمس الماضية. يؤكد كتاب وناشطون وغيرهم أن أسباب المنع في الغالب غير منطقية وتأتي بسبب كلمة واحدة في بعض الأحيان. وخرج نشطاء وكتاب كويتيون في تظاهرتين للتنديد بمنع الكتب. ويغرد ناشطون على موقع تويتر مع وسم #ممنوع_في_الكويت، لانتقاد الرقابة ومنع الكتب بالإضافة إلى وسم #لا_تقرر_عني.
وتضم قائمة الكتب الممنوعة في الكويت روايات عالمية مثل "أحدب نوتردام" لفكتور هوغو و"مئة عام من العزلة" لغابرييل غارسيا ماركيز، وكتبا اخرى لمؤلفين عرب، وكتبا دينية اسلامية. وتقول الروائية الكويتية ميس العثمان "للأسف ظاهرة منع الكتب بدأت تتفاقم". حجزت رواية العثمان "الثؤلول" من قبل وزارة الاعلام الكويتية منذ 2015. والرواية التي تدور حول فتاة تعرضت للاغتصاب إبان الغزو العراقي للكويت، تم التحفظ عليها بسبب مضمونها.
وترى العثمان أن هناك ما تصفه ب "قسوة" في المنع. وتضيف "للأسف يتم ذلك عن جهل تام لأن الرقيب موظف ومهمته هي البحث فقط عن الكلمات المحظورة بشكل مجتزأ، حتى وإن تعلّق الأمر بكتب دينية إسلامية". وبحسب العثمان، تم تسريب وثائق رسمية صادرة عن لجنة الرقابة الكويتية صدمت الرأي العام بسبب عدد الكتب وطبيعتها وكون بعضها روايات عالمية متداولة في الكويت.
ويؤكد وكيل قطاع الصحافة والنشر والمطبوعات في وزارة الإعلام الكويتية محمد العواش أن "المنع هو الإستثناء والإجازة هي الأصل"، مؤكدا أن وزارته تقوم فقط بتطبيق قانون النشر والمطبوعات الذي صادق عليه مجلس الأمة في 2006. وبحسب العواش فان القانون "وضع 12 سببا للمنع بينها المسّ بالذات الالهية أو الرسول أو الصحابة أو ازدراء الأديان والنسيج الإجتماعي أو الوحدة الوطنية" وغيرها. ويقول الامين العام لرابطة الأدباء الكويتيين طلال الرميضي إن من أسباب المنع المحتويات "الخادشة للأداب". ويضيف "هذه محاذير فضفاضة ومرنة وتتغير (...) هذه المعايير تتغير عبر الزمن".
وتختص لجنة الرقابة في وزارة الإعلام بإجازة الكتب. ويقول محمد العواش إن سبعة من أعضائها التسعة، هم آكاديميون من غير موظفي الوزراة لضمان شفافية عملهم. وأثار منع كتب كانت متداولة في السابق في الكويت مثل رواية ماركيز وغيرها استغرابا شديدا في أوساط الشبان الكويتيين. وكتبت إحدى الكويتيات في تغريدة على موقع تويتر ساخرة "في بيتي مخدرات" مرفقة بصور لكتب ممنوعة في الكويت بينها رواية لماركيز. وفي تغريدة آخرى، قالت الكاتبة الكويتية بثينة العيسى "- ما هو سبب المنع؟ - الجهل".
ويشرح العواش أن السبب هو "إختلاف الترجمة ودار النشر وتضمّن الترجمة الجديدة لمحاذير قانونية". وكانت هذه الدولة الخليجية الصغيرة تشهد حياة ثقافية نشطة وصدر فيها مجلات عربية مهمة كثيرة مثل "العربي" و"عالم المعرفة" التي كانت منتشرة بشكل كبير في العالم العربي. وتعد الكويت أكثر دول الخليج العربي تحررا في الحياة السياسية. ويرجح الكاتب الكويتي عقيل يوسف عيدان الذي منعت الرقابة الكويتية اثنين من كتبه، أن أحد أسباب المنع تعود إلى "صفقات وضغوطات تمارسها بعض التيارات الدينية على عدد من المؤسسات الفكرية لحماية وزير القطاع من أداة الإستجواب في مجلس الأمة". ورأى أن "الرقيب يحاول اليوم تشويه سمعة الكويت الثقافية من خلال منع الكتب بسبب كلمة أو جزء من صورة".
لكن وكيل قطاع الصحافة والنشر والمطبوعات في وزارة الإعلام الكويتية محمد العواش، نفى وجود أي ضغوط على الوزارة أو وزير الإعلام. وقال إن "المسطرة الوحيدة التي نتعامل وفقها هي قانون النشر والمطبوعات فقط". ويرى الأمين العام للحركة التقدمية أحمد الديين أن على الكويتيين أن يركزوا الآن على مسألة إلغاء القيود التي يتضمنها قانون المطبوعات . ويتابع "هذه القيود وبينها المساس بالدين وإثارة البلبلة حول الوضع الاقتصادي، قابلة للتفسير بطرق شتى، وهناك فرق بين كتاب اباحي وآخر يتناول الجنس من الناحية العلمية وفرق بين كتاب يزدري الدين وأخر يتضمن بحثا علميا عن الأديان". بحسب فرانس برس.
من جهته، أشار الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين طلال الرميضي إلى أنه لم يحصل أبدا أن أدين أي شخص في الكويت بسبب بيع كتب ممنوعة. ويتم في العادة مصادرة الكتب وعدم إدخالها إن لم تحصل على ترخيص مسبق من وزارة الإعلام الكويتية خاصة قبل معرض الكتاب حيث يتم التدقيق على شحنات دور النشر الاجنبية . وترى العضو في الحركة الليبرالية الكويتية إيمان جوهر حيات أن أسباب المنع "غير منطقية في بعض الأحيان"، مشيرة إلى أنه "في بعض المرات يتم منع مُؤلّف بسبب كلمة واحدة" في كتابه. وتتابع "بعض الكتب مجازة في المملكة العربية السعودية وممنوعة عندنا وهذا معيب بالنسبة للكويت"، مؤكدة أنه "ليس لأحد أن يفرض علينا الوصاية".