مشاهدات ومقارنات: معرض الكتاب الدولي الثالث عشر في أربيل
علي حسين عبيد
2018-10-14 04:30
شاركت أكثر من 150 دار نشر عربية ومحلية في معرض الكتاب الدولي في أربيل بدورته الحالية التي عقدت الشهر الجاري 2018، وتوفرت لنا فرصة الحضور والمتابعة لأنشطة هذا المعرض ودوَّنا بعض الملاحظات من خلال مشاهداتنا لدور العرض والنشر التي قدمت آلاف العناوين لكتب حملت أفكارا ومضامين وتخصصات مختلفة ومتنوعة، توزعت بين الكتب الفكرية والفلسفية والدينية والأدبية والعلمية والفنية وسواها.
ومن أبرز ما لحظناه في هذا المعرض ذلك الإقبال اللافت لجمهور القراء حيث طوابير الدخول الطويلة فضلا عن امتلاء قاعات العرض الداخلية بالمتابعين والقراء، وقد فاقت نسبة النساء الرجال بشكل واضح، حتى الأطفال كان لهم حضورهم المميز، ولم يقتصر المعرض على الحضور المتميز بل تجاوز ذلك إلى نسبة الاقتناء العالية للكتب بمختلف مضامينها، مع أن الأسعار الموضوعة للكتب المعروضة كانت عالية بعض الشيء، ونادرا ما يخرج زبون من المعرض لم يتأبط كتابا أو اثنين أو مجموعة كتب ما أعطى حيوية واضحة للمعرض، وقد غطت العديد من وسائل الاعلام لاسيما القنوات الفضائية مجريات هذا الحدث الثقافي المهم على صعيد الإقليم والعراق بنحو عام.
بالطبع مثل هذه المعارض الدولية تعطي نكهة خاصة للمكان، وتنشر التحضّر بين الناس، ولا نبالغ إذا قلنا أن هناك نوعا من الأمل والبهجة زرعها معرض الكتاب في نفوس أهل المدينة وزوار هذا المعرض من العراقيين خاصة، فالإقبال الكبير على المعرض وعلى الشراء بنحو لافت أكد على أن البلد يسير في الاتجاه الصحيح وأن الثقافة بمثل هذه الأحداث الدورية السنوية تنتعش بقوة، خصوصا أن هذا الحدث يتكرر سنويا، ويقدم للعقول الظامئة للمعرفة المزيد من العلوم والأفكار عبر الكتب التحليلية أو العلمية أو الفكرية والأدبية، وقد كانت دور النشر منهمكة بالبيع بصورة مستمرة ويبدو على كوادرها السرور والرضا، وقد انعكس ذلك على وجوه أصحاب الدور والزائرين على حد سواء، وقد أخبرنا أحد القائمين على هذا المعرض بأن الآلاف من القراء والمحبين للمعرفة من الرجال والنساء والأطفال يزورون المعرض منذ الصباح حتى إغلاقه في الثامنة مساءً، ولغرض إلقاء الضوء على تفاصيل وحيثيات معرض أربيل الدولي ومعرفة آراء الزبائن فيه كانت لنا بع التساؤلات الاستطلاعية حول هذا المعرض:
الأديب عبد الرضا سوادي قال: فوجئت بالحضور الكبير من الرجل والنساء وحتى الأطفال، وها يدل على أن هناك رغبة بتطوير الحياة من خلال تطوير الفكر عبر الاطلاع على الكتب في الاختصاصات المتنوعة، كما أنني دققت النظر في عملية الاقتناء اللافتة، يُضاف إلى ذلك التنظيم المتقن للمعرض، والرغبة العارمة لاقتناء المطبوعات المختلفة، وهذا إن دل على شيء فإنه يشي برغبة المجتمع في التطور ومواكبة العصر، كما أن اصطحاب الاطفال والمراهقين مع أهلهم يؤشر ظاهرة متميزة تجعل هذه الأعمار في شغف كبير للقراءة منذ نعومة الأظفار، وها يساعد بقوة على صناعة مجتمع مثقف ومفكر ينزع إلى المعرفة.
الإعلامي علي النواب قال في المعرض: لقد زرت هذا المعرض في دورات سابقة لكنني وجدت الفارق كبيرا بين هذه الدورة والدورات الماضية، ولعل هذا التواجد الكبير من البشر الذين يغص بهم المعرض دلالة كبيرة على أن الإنسان العراقي على الرغم من ظروفه العاصفة إلا أنه لا يزال يأمل بحاضر أجمل ومستقبل مشرق، فمؤشر الإقبال على القراءة والكتب دليل على وعي مضاعف للعراقيين ومحبتهم وتعلقهم بمجاراة العالم تأتي من خلال حضورهم الكبير الي ينعش القلب لهذا المعرض، ومن مشاهداتي تلك النسبة المتعاظمة من الشباب الذين واكبوا هذا المعرض بقوة، وهذا دليل عافية للثقافة العراقية.
الكاتبة كُليزار أنور: أكدت على أن معرض أربيل الدولي للكتاب في دورته الحالية ضرب أرقاما قياسية في عدد دور النشر المشاركة، وعدد زوار المعرض، والإقبال المهم على اقتناء الكتب بكافة الاختصاصات، وكل هذه علامات على التطور الثقافي والوعي العالي للإنسان العراقي رغم الظروف العصيبة التي يمر بها، ولعل أجمل ما في هذا المعرض ذلك التنوع الكبير في عناوين الكتب المعروضة، مع ارتفاع واضح في نسبة الكتب الفكرية المشاركة، وما الإقبال على شراء الكتب الفكرية إلا دليل على تنامي الوعي المستمر للعراقيين، وقد سألت بنفسي عددا من أصحاب دور النشر حول نسبة الشراء، فلاحظت الاستبشار والفرح في مطالعهم، وقال لي احدهم أنه لم يكن يتوقع بيع هذا الكم الكبير من المطبوعات التي عرضتها دار نشره، وأنا شخصيا أرى في مستجدات معرض أربيل في دورته الحالية نسبة عالية من الأمل بتطور العقل العراقي وحبه الجم للفكر ومنافذ المعرفة.
أما رئيس مؤسسة المدى للثقافة فقد قال في كلمة له: ان معرض الكتاب في أربيل ليس مجرد وجه آخر من وجوه حركة النهضة التي أخذت منذ سنوات تعيد صياغة ملامح المدينة وكل المساحات المضيئة في إقليم كردستان وتكرس هويتها، بل يتداخل مع عملية الاستنهاض التي تنتقل ورشها من ميدان إلى آخر وفي كل الاتجاهات لتكريس القيم الجديدة المتناسبة مع روح العصر ومتطلباتها وتوسيع مساحات التقدم والتطور التحديثي الذي تقوم به حكومة إقليم كردستان في العراق. إن الكتاب شأنه شأن وسائل الثقافة الأخرى كلها، يحتل موقعاً ريادياً في إطار ما تستهدف تحقيقه الحكومة ومنظمات المجتمع المدني وسائر الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي هذا الاتجاه يتحدد دور معرض الكتاب متجاوزاً الصيغ التقليدية التي باتت تؤثر سلباً على هذه التظاهرة الثقافية الحرة التي كانت في بداياتها أداة لإشاعة القيم الثقافية، وحاملة هماً ثقافياً ومناسبة مفتوحة لتبادل حر للخبر والآراء وتعميقها عبر المشاركة والتفاعل وهو في هذا السياق أبعد ما يكون من مجرد سوق لتصريف الكتاب والاتجار به. إن كردستان الآمنة في إطار العراق الجديد، تحتضن معرض الكتاب بصفته واحة ثقافية حرة، يتحرك منها إلى أنحاء البلاد الأخرى، ليتضح فيها ما تحمله من جديد في عالم الفكر والثقافة والعلوم وليرسي أسساً متينة في مجالاتها لنقلها وتمكين المراكز الأخرى في البلاد من خلق البنى المناسبة لها ريثما يتم استتباب الأمن والاستقرار فيها. إن معرض أربيل الدولي للكتاب وفي دورته الحادية عشر، إنما هو محاولة ومساهمة لتقديم شكل جديد بمحتوى معاصر لمعرض الكتاب، يتأكد فيه أن الثقافة هي قاعدة لأي تطور واستنهاض، والمعرض إذ يقام في أربيل، عاصمة إقليم كردستان- العراق سيقدر للمشاركين استجابتهم، وسيعمل من أجل أن تكتسب مشاركتهم معنى أبعد من تداول نتاجاتهم ووضعها بتصرف القراء ومؤسسات البحث والدارسين والجامعات وبيوت الثقافة، إن هذا المعرض سيكتسب خصوصيته المتفردة من الفعاليات الأخرى التي تتفتح على كافة أشكال الثقافة والفنون والعلوم والفكر.
وأخيرا نقول من وجهة نظر شخصية أن مثل هذه المحافل الثقافية الفكرية تزيد الأمل ببناء إنسان عراقي طامح للسؤدد، ومقبل على تنمية المعرفة، متسلحاً بالأمل في تحسين الحياة والإسهام بشكل فعال في بناء دولة حضارية متقدمة تطمح أن تضم بقوة إلى العالم المتقدم.