الثقافة العربية.. اشراقات خجولة تحت قيد الانسلاب
عبد الامير رويح
2015-03-03 03:54
الثقافة في العالم العربي كانت ولاتزال تواجه الكثير من التحديات والمشكلات المهمة التي أثرت سلباً واقع الثقافة العربية وأحوال المثقف العربي، الذي يعاني من حالة التهميش والإقصاء المتعمد من قبل الأنظمة الحاكمة المستبدة، التي سعت الى تغيب دور الثقافة وإهمالها وذلك من خلال تقيد الحريات وفرض القرارات الرقابية الصارمة كما يقول بعض الخبراء في هذا المجال. الذين أكدوا أيضا على وجدود تحديات خطيرة أفرزتها حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي والصراعات الداخلية المستمرة، التي تشهدها العديد من الدول العربية والتي كانت عاملاً رئيسيًا ضياع الهوية الثقافية والحضارية بعد صعود التيارات المتطرفة التي ترفض الفكر الأخر. وهو ما أسهم بتفاقم معاناة المثقف العربي الذي سعى الى تجسيدها في كتب وقصائد خاصة.
لكن وعلى الرغم من كل تلك المشكلات والتحديات فان البعض يرى ان الثقافة العربية تمر بحالة من الانتعاش والحيوية بفضل الجهود المستمرة التي تقوم بها بعض الجهات والمؤسسات المعنية، من اجل تعزيز الدور الثقافي في المجتمع والانفتاح على الثقافات الأخرى، وذلك من خلال إقامة بعض المهرجانات المسابقات الثقافية وتكريم المبدعين، يضاف الى ذلك الاستفادة من التطور العلمي والتكنولوجي المهم الذي أسهم بانتشار وتتطور عناصر الثقافة بين المجتمعات.
نهب التراث الثقافي
وفي هذا الشأن تعتزم مصر تنظيم مؤتمر دولي للتصدي لنهب التراث الثقافي والحضاري في العالم العربي في شهر مايو ايار بعنوان (تراث ثقافي تحت التهديد) تشارك فيه منظمات دولية من بينها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو). وقال ممدوح الدماطي وزير الآثار إن المؤتمر الذي يعقد بالتعاون بين وزارتي الآثار والخارجية المصرية وبمشاركة اليونسكو سيدعو دولا عربية منها "بشكل مبدئي" سوريا والعراق والأردن والسعودية ولبنان.
وأضاف ان تنظيم المؤتمر في هذا التوقيت يأتي "لإبراز حجم ما تواجهه عدد من دول المنطقة في الفترة الأخيرة من محاولات جاهلة تستهدف العبث بهويتها وموروثاتها التي لا تقدر بثمن". وقال إن المؤتمر سيبحث سبل التعاون المشترك في مختلف مجالات العمل الأثري وفي مقدمتها آليات مواجهة عمليات نهب وتهريب الآثار. وأضاف ان المؤتمر يسعى "للخروج بحلول أكثر فعالية يتم إعلانها على الصعيد الدولي. كما يحدد أطر التعامل مع أسواق بيع الممتلكات الثقافية." بحسب رويترز.
والتقى الدماطي في وقت سابق ديبرا لير رئيسة التحالف الدولي لحماية الآثار ومقره الولايات المتحدة وكيت سيلي نائبة رئيس معهد الشرق الأوسط بواشنطن. وتعرض كثير من التراث الثقافي الذي يشمل آثارا قديمة ومعالم أثرية للنهب والتدمير والسرقة خلال السنوات القليلة الماضية بسبب عدم الاستقرار الأمني في بعض دول المنطقة العربية.
جائزة البوكر العربية
من جهة اخرى وصلت ست روايات من السودان والمغرب ولبنان وفلسطين وسوريا وتونس للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2015 والتي اعلنت في المغرب. والروايات هي (شوق الدرويش) للسوداني حمور زيادة و(ممر الصفصاف) للمغربي أحمد المديني و(طابق 99) للبنانية جنى فواز الحسن و(حياة معلقة) للفلسطيني عاطف أبو سيف و(ألماس ونساء) للسورية لينا هويان الحسن و(الطلياني) للتونسي شكري المبخوت.
وبدأت المنافسة على جائزة هذا العام بمشاركة 180 رواية من 15 دولة عربية قبل إعلان القائمة الطويلة في 12 يناير كانون الثاني والتي ضمت 16 رواية فقط من تسع دول. ويرأس لجنة تحكيم الجائزة هذا العام الشاعر والكاتب الفلسطيني مريد البرغوثي. وتضم اللجنة كلا من الشاعرة والناقدة البحرينية بروين حبيب والأكاديمي المصري أيمن أحمد الدسوقي والناقد والأكاديمي العراقي نجم عبد الله كاظم والأكاديمية والمترجمة اليابانية كاورو ياماموتو.
ونقل الموقع الرسمي للجائزة على الإنترنت here عن البرغوثي قوله "بقراءتنا للمائة والثمانين رواية المرشحة للجائزة هذا العام لاحظت لجنة التحكيم تشابه الشواغل الموضوعية في هذه الروايات." وأضاف "كان هدفنا أن نتقصى قدرة المؤلفين على إيجاد حلول فنية خلاقة وزوايا مبتكرة لتناول تلك الشواغل. وترى اللجنة أن هذا الحرص الفني ينعكس في الروايات الست التي تضمنتها القائمة القصيرة لهذا العام." بحسب رويترز.
والجائزة العالمية للرواية العربية جائزة سنوية تختص بمجال الإبداع الروائي باللغة العربية. وأطلقت الجائزة في أبوظبي في 2007 وترعاها (مؤسسة جائزة بوكر) في لندن بينما تقوم هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة بدعمها ماليا. ويحصل كل من المرشحين الستة في القائمة القصيرة على عشرة آلاف دولار بينما يحصل صاحب الرواية الفائزة على 50 ألف دولار إضافية. ويعلن اسم الرواية الفائزة بجائزة 2015 في السادس من مايو آيار خلال احتفال يقام في أبوظبي عشية افتتاح معرض أبوظبي الدولي للكتاب.
معارض دولية
من جانب آخر بدأ معرض الدار البيضاء الدولي للكتاب في دورته الحادية والعشرين بمشاركة أكثر من 700 ناشر من نحو 40 دولة فيما تحل فلسطين ضيف شرف دورة هذا العام. ويستضيف المعرض مجموعة كبيرة من الكتاب والشعراء والمفكرين العرب والأجانب من بينهم الروائي العراقي أحمد سعداوي والكاتبة الفلسطينية عائشة عودة والشاعر التونسي محمد الصغير أولاد أحمد والشاعر السوري نوري الجراح والشاعر التشيكي مايكل مارش. ومن المغرب يستضيف أيضا الكاتب عبد الفتاح كيليطو والشاعر محمد الأشعري والشاعرة عائشة البصري والروائي عبد الإله بن عرفة.
وتقام على هامش المعرض أنشطة فنية وندوات وورش عمل كما سيشهد إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) وتسليم جائزة (الأركانة) للشعر وتسليم جائزة المغرب للكتاب السنوية. وقال السفير الفلسطيني في الرباط أمين أبو حصيرة إن المعرض سيشهد مشاركة 10 دور نشر فلسطينية من الضفة الغربية وقطاع غزة إضافة إلى مشاركة مثقفين فلسطينيين من الداخل والخارج. وأضاف أن المعرض يمثل فرصة ثمينة للتلاقح والتلاقي مع ثمرات المبدعين والباحثين في العالم العربي. ويشمل برنامج ضيف الشرف عرض ثلاثة أفلام فلسطينية هي (وحدن) و(نون وزيتون) و(فدوى .. حكاية شاعرة من فلسطين).
الى جانب ذلك أعلن معرض القاهرة الدولي للكتاب جوائزه التي يمنحها سنويا لأفضل الكتب المصرية الصادرة في العام السابق لإقامة المعرض وأن الدورة الجديدة زاد عدد زائريها على مليونين وحققت مبيعات كبيرة حيث بلغت مبيعات الهيئة المصرية العامة للكتاب وحدها مليون جنيه مصري. وفاز كتاب (البحث عن خلاص) لشريف يونس بجائزة أفضل عمل سياسي وفاز الروائي المرموق فؤاد حجازي بجائزة أفضل عمل للأطفال عن روايته (ابتسامات) وفاز كتاب (شفرة بصرية) للتشكيلي حمدي عبد الله بجائزة أفضل عمل في الفنون وفي العلوم الاجتماعية ذهبت الجائزة لكتاب (اقتصاديات جماعة الإخوان المسلمين) لعبد الخالق فاروق.
وفاز ديوان (أنت في القاهرة) لإبراهيم داود بجائزة شعر الفصحى أما ديوان (جنب البيت) لرجب الصاوي ففاز بجائزة شعر العامية المصرية وفاز كتاب (سقوط الآلهة.. قراءة في الوعي الجمالي عند سيد حجاب) لحميدة عبد الله بجائزة أفضل عمل في النقد الأدبي وفازت رواية (الحريم) لحمدي الجزار بجائزة الرواية أما جائزة القصة القصيرة فمنحت لمحمد عبد النبي عن مجموعته القصصية (كما يذهب السيل بقرية نائمة). بحسب رويترز.
وفي مجال العلوم فاز كتاب (الفطريات والمسرطنات في الأغذية) لفهيم شلتوت بجائزة أفضل عمل علمي أما جائزة أفضل ناشر وتمنح للناشرين الذين حققوا إنجازا بعد سنوات قليلة في هذا المجال ففازت بها دار (سما). وتبلغ قيمة كل جائزة 10 آلاف جنيه مصري (1311 دولارا). وقال رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للكتاب منظمة المعرض سنويا في ندوة قبل توزيع الجوائز إن المعرض "حقق إنجازا بندواته المتنوعة التي نجحت بفضل مشاركة الجمهور" حيث زاد عدد الزائرين على مليونين وبلغت مبيعات هيئة الكتاب مليون جنيه مصري.
شجرة النارنج
من جانب اخر وفي ديوان (شجرة النارنج) تكتب الشاعرة العراقية ديمة ياسين نصوصا تنتصر فيها لروح الشعر الذي يلخص حالة اللا جدوى واللا يقين ولكن برهافة تتجاوز قتامة المشهد الحالي في البلاد. وتنجو القصائد من الوقوع في فخ الميلودراما بل يصبح بعضها كأنه (هذيان) وهو عنوان قصيدة عن مصائر بعض ضحايا التعذيب وهم يراقبون مرور الوقت ويطاردهم شبح الماضي فيرون في جميع الناس مجرد "مخبرين".
وتقول الشاعرة في القصيدة نفسها إن هذه الحالة تؤدي إلى "أن ندفن كل ما نعرفه ونمضي في الصباح -للمدارس والطريق والنشيد وشعارات نرددها بينما العلم يرفرف- أن نصدق أننا نؤمن بزهو العلم.. كل ما علينا فعله.. أن ندفن كل هذا.. ثم يأتي العصر لنغلق الباب علينا-ونهذي بالحقيقة". وديوان (شجرة النارنج) الذي أصدرته دار الأدهم للنشر والتوزيع في القاهرة مع انطلاق معرض القاهرة الدولي للكتاب يقع في 92 صفحة متوسطة القطع يضم نحو 20 قصيدة.
والحالة البينية التي لا هي حقيقة ولا هي حلم تسري في كثير من القصائد وأولها (نصف سراب) وفيها يكون الإيهام بنصف الأشياء في حين يبقى النصف الآخر مراوغا إذ "تظن الخليقة أن العاصفة آتية لا محالة-لكن الحقيقة هي أن السراب ما زال سرابا-ونحن ما زلنا لا نتقن سوى نصف طيران-ونصف دوران-ونصف عاصفة-ونصف عطش".
وتأتي كلمة "نصف" في عنوان قصيدة أخرى هي (نصف ليل) عن علاقة النساء بالليل في "بلاد الليل فيها يكره النساء. بين المرأة والعتمة في بلادي.. نجمة-وآلاف الجدران... ربما كنت في حياة أخرى خفاشا - يحب أن يطير في السواد... ربما في حياة أخرى كنت وردة الليل... لكنني لم أعرف الليل من حيث أتيت - لم أر فيه كائنات تشبهني - ولم يدثرني ظلامه - خبرت نهاره وشمسه - لكنني لم أعرف ليله - فكيف لي إذا أن أعيش بذاكرة عن نصف يوم - ونصف حياة - ونصف وطن؟".
ويغلب هذا اللحن على قصائد الديوان التي تتفاوت طولا وقصرا ومن أقصرها قصيدة (دوران) وتقول فيها.. "أكاد أرى استدارتها-نهاية الأفق وبداية الكون-أكاد أشعر كيف تدور بنا وندور معها وبها-نركض ظانين أننا نسابقها-فتسبقنا دون جهد وتضحك من سذاجتنا الأبدية". وأما (شجرة النارنج) التي جعلتها ديمة ياسين عنوانا للديون فهي نص يتغنى بسماء بغداد حين كانت "سماء عذراء تماما تهيم فيها أرواح البشر النيام" في حين ينشغل الصغار بعد الؤلؤ الفضي للنجوم. بحسب رويترز.
وينتهي النص بهذه السطور.. تقول "أحلى ما في تلك الغرفة الرقيقة الجدران أن لا سقف لها. من قال إن علينا النوم تحت سقف؟ السقف في هذه الغرفة هو السماء. عندما كنت أنظر من فراش أمي وأبي إلى السماء أجدها محصورة في مربع جدران القماش تلك. فأعود راكضة إلى فراشي لأرى السماء كاملة بلا جدران ولا حدود".
اختطاف شخص اخر
على صعيد متصل ووسط أجواء من عنف آخذ في التزايد يهز أرجاء العالم ولا يفرق بين جنس أو عرق أو دين تنسج الكاتبة اللبنانية نرمين الخنسا بخيوط رقيقة مأساة إنسانية بعنوان "شخص آخر" لامرأة كان حظ ميلادها في لبنان. ومن مظاهر العنف والقسوة التي قررت نرمين الخنسا اعادة فهمها وتفسيرها مع القارىء "الخطف" الذي يقع لأسباب مختلفة من بينها الانتقام وطلب الفدية المالية وأحيانا "المبادلة" بمخطوفين اخرين.
وتتناول الكاتبة تحديدا مرحلة ما بعد عام 2005 واغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وما أعقب ذلك من أحداث مفجعة مثل قتل شخص خطأ بسبب الخلط بينه وبين شخص آخر أو الخطف الخطأ. وتعبر نرمين الخنسا بصدق ومباشرة عن كيفية تحول الإنسان في هذه الأوضاع إلى مجرد "شيء" لا قيمة له إلا كونه وسيلة لتحقيق غاية ما.
واذا كان من يجري خطفه بطريق الخطأ محظوظا لانه لم يقتل ويقال عنه في لبنان "انكتب له عمر جديد" فالواقع ان هذا الشخص يكون قد خسر بسبب هذه التجربة كثيرا من عمره القديم. وجاءت رواية نرمين الخنسا "شخص اخر" في 157 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن مؤسسة (دار سائر المشرق) في بيروت. وقالت نرمين الخنسا إن روايتها كانت الأكثر مبيعا بين الروايات في معرض الكتاب العربي الدولي الذي اقيم في بيروت في ديسمبر كانون الاول.
ويتسم أسلوب كتابة نرمين الخنسا بسهولة وانسياب يأخذان القارىء في رحلة تجعله يشعر خلالها انه مسافر في طريق "مستقيمة" أغلب الأحيان لا تحمل مفاجآت سوى في البداية ولا تنطوي على منعطفات إلا نادرا. والرواية باسلوبها وربما بسبب موضوعها الذي التصق بحياة اللبنانيين وأصبح للأسف مألوفا لدى عرب آخرين تخلق في القارىء شعورا بانها تقدم إليه امورا ليست غريبة عنه بل يكاد يتكهن بها أحيانا.
وبعض ما قد يؤخذ عليها انها تقول كل شيء بمباشرة وان كانت في حالات كثيرة سهلة ومقبولة. وتبدأ خيوط الرواية من عند مهندسة الديكور (علا) التي كانت متوجهة صباحا لمنزل صديقتها لتناول الافطار وفي الطريق تطاردها سيارة رباعية الدفع ينزل منها أشخاص اختطفوها وكمموا فمها وعصبوا عينيها. إنها الآن محتجزة في مكان قذر مظلم ولا تعرف ما اذا كان مصيرها القتل أو الاغتصاب أو أي أمر اخر. وتحدث (علا) القارئ عن خوفها وقلقها وحالتها النفسية السيئة لكن بقدر لم يأت متناسبا تماما مع المحنة التي كانت تمر بها.
وتفضفض خلال محنة الاحتجاز بأحلامها وخيباتها وحنينها إلى العالم الذي حرمت منه وأيام إنتظار القتل أو الاغتصاب أو طلب الفدية. إنها هنا تصور بنجاح تحول الإنسان إلى كائن عاجز يائس لا حول له ولا قوة ولا يعرف سببا للبلوى التي حلت به فجأة. ومع نهاية المحنة وعودة (علا) للحياة من جديد تتجلى المأساة بعد أن تكتشف انها لم تكن الشخص المقصود. بحسب رويترز.
وأخيرا لا بد من ملاحظة بل مفارقة وهي ان الكاتبة المعادية للتعصب الطائفي والمذهبي - كما عرف عنها وكما تشهد روايتها - جاءت بجميع شخصيات هذه الرواية إسلامية من المذهبين الرئيسيين وكأنها تتكلم عن عالم منفصل بعضه عن بعض بينما تهاجم في روايتها كل سمات الإنغلاق والانفصال. وسبق أن صدرت للكاتبة روايات (مرآة عشتروت) في 2002 و(هذيان ذاكرة) في 2005 و(ساعة مرمورة) في 2008 و(نصيبك في الجنة) 2011 و(آدم وحواء) في 2011 التي كتبتها بالمشاركة مع نزار دندش.