بائعة العلكة

اسماء محمد مصطفى

2019-03-28 04:05

صباح اليوم، ضرب منبه الساعة على أبواب سكينتي بقسوة. وحين مددتُ يدي لأوقفه، بقي يواصل ضربه حتى كأنّه وَجَّهَ معولاً أخذ يحفر في رأسي. بالكاد استطعت سحب ستائر بقايا النعاس من على عينيّ، وفوجئت باختفاء الأرقام والعقربين من الساعة!

كان الضباب يكتسح الغرفة، والإتجاهات حولي قد التبست عليّ، فهممتُ أركض في الغرفة بحثا عن مخرج، شعرت بمقبض الباب في يدي، لم اتمكن من فتحه. وبينما أردت سحب يدي شعرت بيد أخرى تضغط عليها بقوة وتمنعها من الحركة. فزعت من منظر طفلة تقف قربي، تتشح بسواد حالك، تصوب عليّ نظرات حانقة.. وقد أحاطتها هالة وسط الضباب، شعرها وثيابها المتهرئة المبللة بل حتى علبة العلكة الندية التي في يدها، ذكرتني بأنني صادفتها مساء أمس حين كنت مسرعة بسيارتي والمطر قد اشتد قساوة، وطرقت الطفلة الصغيرة على زجاج نافذتي، طالبة المساعدة، عندما توقفت قليلا عند منعطف الشارع المؤدي الى منزلي، تحسبا، وانطلقت غير آبهة بإعطائها نقودا.. او شراء العلكة منها.

نظرت اليّ الطفلة في الغرفة بغضب، فقلت لها برّقة.. آسفة لم آبه لك أمس، لأنني كنت على عجالة من أمري وقد تأخر الوقت واشتد المطر. ساشتري منك كل العلكة الآن.

أسقطت الطفلة العلبة بتعمد، وتناثرت قطع العلكة، وسط تصاعد نوبة سعال شديدة أنهكتها حتى كادت تسقط هي الأخرى، لولا أنني مسكتها. سمعت صوتها الخافت.. لقد قضيتُ الليل في العراء تحت المطر.. توسلتُ بك أن تحمليني معك في سيارتك..

قدتها الى السرير، ومن ثم بحثت عن دولاب ملابسي، وسحبتُ، من غير أن أرى، أقرب قطعة ثياب الى يدي. بضع لحظات، وبلوزتي الزرقاء كانت تغرق جسد الطفلة التي نامت بهدوء، وأنا أمسد على شعرها محاولة تجفيفه لها. وقبل أن تنام استطعت أن أطعمها بعض الحلوى التي عندي. لم استطع الاستدلال على طريقي الى المطبخ لأعدّ لها وجبة خفيفة او كوب شاي او حليب دافئ، فاكتفت الطفلة بالحلوى مرددة قبل أن تخلد للنوم وهي تبتسم لي.. شكرا ياخالة.

بقي الضباب في الغرفة بعض الوقت حتى بدأ ينحسر.. والغريب أنه عند السرير ألتف حول الطفلة كأنه يقمطها به حاملا إياها الى أن تلاشت معه.. بقيتُ متسمرة في مكاني لهول ماشاهدت. خرجت بسيارتي لاستنشق بعض الهواء وقد توقف المطر ولم تتوقف معه أسئلتي حول مارأيت . وحين وصلت الى انعطافة الشارع وجدت الطفلة نفسها مبللة تماما وملقاة هناك وقد اختلط سواد ثيابها بوحل الطريق ، بينما كانت عيناها متسمرتين تماما، وعلبة العلكة مسحوقة تماما ومحتوياتها متناثرة.. والناس ينتشرون حولها، يشعرون بالشفقة والأسف وهم يسحبونها الى الرصيف.. ويتساءلون لماذا فمها مبتسم وقد علقت به بقايا حلوى.. لم اتمالك نفسي فأجهشت بالبكاء وهربت من المشهد المؤلم الى سيارتي.. كانت بلوزتي الزرقاء ملقاة على مقعدي الأمامي، ندية وعليها بقعة حلوى.. وصوت في المدى يردد.. شكراً ياخالة.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي