المناخ يسمّم أجواء الزراعة المستدامة ويفاقم الجوع
صحيفة الحياة
2016-11-17 09:38
مي الشافعي
يحتاج العالم إلى مضاعفة الإنتاج الزراعي والحيواني في الوقت الذى يتزايد السكان باستمرار، فيما يهدّد تغيّر المناخ الزراعة والمحاصيل والأمن الغذائي للكرة الأرضيّة وسكّانها.
وفي تقرير أصدرته قبل أيام، لفتت «منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة» («فاو») إلى الحاجة الملحّة لتكيّف الزراعة مع تغيّر المناخ، سعياً إلى مجابهة الجوع. وذكّرت بأنّ القضاء على الفقر والجوع يتصدّران أهداف التنمية المستدامة وصولاً إلى العام 2030، كما يمثّلان محوراً أساسيّاً في «اتفاقية باريس- 2015» العالميّة عن تغيّر المناخ. وأشارت الـ «فاو» إلى وجود 800 مليون جائع يعانون نقصاً مزمناً في التغذية، محذرةً من احتمال زيادة أعداد الجوعى، ومعظمهم من صغار المزارعين والرعاة، بأثر مكابدتهم تقلّبات المناخ، والارتفاع المستمر في درجات الحرارة، وزيادة وتيرة الكوارث الطبيعيّة وغيرها.
وحذر تقرير الـ «فاو» أيضاً من عدم استقرار أسعار الأغذية، لافتاً إلى أنّ ظواهر التطرّف في المناخ ربما أدّت إلى انخفاض كبير في إنتاج المحاصيل الغذائيّة الرئيسيّة كالذرة والقمح والرز وفول الصويا. وأورد تقديرات بأنه مع حلول 2100، ربما ينخفض إنتاج القمح إلى 50 في المئة، والرز إلى 30 في المئة، وفول الصويا إلى 60 في المئة. وبيّن أن مصائد الأسماك ستهبط في المناطق المداريّة بمقدار 40 في المئة مع حلول 2050.
وفي تقريرها، نبّهت الـ «فاو» إلى أن تلك المعطيات تأتي في وقت يتبيّن فيه أن إطعام سكان الأرض في العام 2050، يتطلّب زيادة الإنتاج الزراعي بقرابة 60 في المئة. وتناولت تقارير أخرى للـ «فاو» مسألة الحلول التي تضمن تكيّف الزراعة مع آثار تغيّر المناخ. وتحدثّت عن حلول عدّة منها الحدّ من استخدام الوقود الأحفوري الذي يتسبب بتراكم غازات التلوّث في الغلاف الجوي، ووقف هدر الغذاء، وتحويل المخلّفات الزراعيّة والحيوانيّة إلى غاز حيوي يمكن أن يكون مصدراً بديلاً ومتجدّداً للطاقة وغيرها.
وكذلك حضّت الـ «فاو» على تبنّي الإدارة الجيّدة للمياه، وزراعة أنواع من المحاصيل تستطيع تحمّل ارتفاع درجات الحرارة، وحماية التربة، وإنشاء مصائد للأسماك وغيرها.
الأمن الغذائي ممكن عالميّاً ولكن...
تؤكّد تقارير منظمة الـ «فاو» أنّ إنهاء الجوع والقضاء على الفقر بحلول العام 2030 ربما يكونان ممكنين شرط توجيه استثمارات كافية في الأمن العذائي والتكيّف مع تغيّر المناخ. وتشير دراسة جديدة مشتركة بين الـ «فاو» و «الصندوق الدولي للتنمية الزراعيّة» و «برنامج الغذاء العالمي»، إلى أنّ الاستثمارات الإضافية المطلوبة للقضاء على الفقر المدقع والجوع، تبلغ 265 بليون دولار سنوياً بين عامي 2016 و2030. ويتوجّب ضخّ تلك الاستثمارات في الحماية الاجتماعيّة والتنمية الإضافيّة لمصلحة الفقراء، إضافة إلى صوغ سياسات متكاملة في التنمية الريفيّة وتحسين إدارة الأخطار. بقول آخر، تبدأ معركة القضاء على الجوع والفقر في الريف، وعبر التحوّل صوب طرق مستدامة وذكيّة في إنتاج الغذاء وتخزينه ونقله وتسويقه.
كذلك ترى المنظمة أن لا سبيل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ما لم يحرز تقدّم سريع في الحدّ من الجوع وسوء التغذية، مع حلول العام 2030.
العام الدولي للبقول
وتعتبر المنطقة العربية من المناطق الأكثر تأثّراً بتغيّرات المناخ، إذ تعاني الجفاف والتصحّر وندرة المياه وهشاشة البيئة، كما تستورد ما يزيد على 70 في المئة من غذائها.
وأخيراً، أطلق المكتب الإقليمى للـ «فاو» ثلاث مبادرات إقليميّة لتحقيق استدامة الزراعة في المنطقة العربية والحدّ من آثار التغيّر المناخي. تتناول الأولى مشكلة ندرة المياه، مع الإشارة إلى ندرة مصادر المياه العذبة في المنطقة، بل كونها الأدنى عالميّاً. وانخفض حجم تلك المياه بنسبة الثلثين خلال الأربعين عاماً الماضية مع توقّع أن يتفاقم الانخفاض بالتوازي مع اضطراب المناخ.
وتسعى المبادرة الثانية إلى تشجيع أصحاب الحيازات الصغيرة على تبني طُرُق الزراعة المستدامة. وتركز الثالثة على بناء القدرات عند المزارعين، مع تمكينهم من الصمود أمام المتغيرات، إضافة إلى تحسين الأمن الغذائي.
هل لا تزال أطباق البقول كالفول والعدس والفاصوليا والبازلاء والحمص، تجد طريقها إلى موائد المنطقة العربيّة؟ لاحظت دراسات عدّة للـ «فاو» حدوث تراجع فى تناول البقول على رغم فوائدها الجمّة للصحة والبيئة وحتى المناخ. وأشارت إحدى تلك الدراسات إلى أنّ «بصمة الكربون» Carbon Finger Print للبقول صغيرة تماماً. ويعني ذلك أنّها تساهم في الحدّ من انبعاث الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري.
وكذلك تتمتّع البقول بتنوّع جيني واسع يفسح الباب أمام استزراع أصناف جديدة تتكيّف مع المناخ، وتملك القدرة على تثبيت النيتروجين في التربة، وزيادة الكتلة الحيويّة الميكروبيّة في التراب.
وكذلك توفّر زراعة البقول بيئة جيدة للتنوّع البيولوجي، وتعزّز معدلات تراكم الكربون في التربة، مقارنة بالحبوب أو الأعشاب.
واستطراداً، من المستطاع تطوير نظم زراعيّة قادرة على التكيّف مع تغيّر المناخ عبر تعزيز زراعة البقول.
في ذلك الصدد، كرّست الـ «فاو» العام الحالي سنة عالميّة للبقول سعياً إلى تشجيع التوسّع في زراعتها، وإعادة إدماجها في قلب نُظُم الغذاء عالميّاً. وتشتهر البقول أيضاً بأنها مصدر للحديد والبروتين والألياف والبوتاسيوم والماغنسيوم والزنك والفيتامينات وحمض الفوليك، كما تخلو من الكوليسترول. وتحتوي البقول ضعفي ما في القمح من البروتينات، وثلاثة أضعاف ما يحتويه الرز.
عن حال الغذاء والمحاصيل
من الواضح أنّ التغيّرات المناخيّة أضحت قاسماً مشتركاً بين مختلف النشاطات العالميّة، خصوصاً مع تزايد تطرفّها وحدّتها.
وقبل أيام، صدر تقرير من الـ «فاو» أيضاً يرصد آثار تغيّر المناخ في الزراعة والأمن الغذائي، مشيراً إلى أن التلكؤ في تبني إجراءات سريعة سيؤدّي إلى وقوع ملايين البشر في براثن الجوع والفقر. وطرح أيضاً احتمال زيادة الفقراء بقرابة 122 مليوناً بحلول العام 2030. ورجّح تدهور الأوضاع في أرياف منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، إضافة إلى تراجع الإنتاجيّة الزراعيّة، وتفاقم الجفاف والتصحّر وتدهور الأراضي وغيرها. واعتبر أن تلك المعطيات تمثّل تحديات كبرى أمام الزراعة. واهتم التقرير بـ «اتفاقيّة باريس» المناخيّة، مولياً الاهتمام للزراعة والأمن الغذائي.
وورد في التقرير أنّه «يقع على عاتق الدول التزامات قويّة ببذل جهود مكثفة في التكيّف مع تغيّر المناخ والتخفيف من آثاره في الزراعة. وهناك حاجة إلى مزيد من التمويل لنشاطات مواجهة تغيّر المناخ في الزراعة». وركّز التقرير أيضاً على نُظُم الزراعة المستدامة بوصفها طريقاً رئيساً لمواجهة التأثيرات الخطيرة في الزراعة والغذاء. وألقى ضوءاً كاشفاً على ضرورة تطوير السياسات الزراعيّة واستخدام الطاقات المتجدّدة، ووقف الهدر في الغذاء، والإدارة الجيدة للمياه والتربة. ودعا إلى إيلاء اهتمام كافٍ بقرابة 475 مليون مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة الذين يندرجون ضمن ذوي الدخل المنخفض. وأشار إلى أنهم يفتقدون فرص الوصول إلى التقنيات المتقدّمة بوصفها مدخلاً لممارسات الاستدامة في الأراضي والغابات والمياه ومصائد الأسماك.
وحذّر التقرير من التقاعس عن اتّخاذ تلك الخطوات لأنّه سيكبد تكاليف باهظة تتجاوز كثيراً تكلفة الإصلاحات المطلوبة حاضراً. وبيّن أنّ الانتقال إلى النُظُم المستدامة في الزراعة، هو أمر مجدٍ تماماً اقتصاديّاً، إضافة إلى مساهمته في مكافحة الفقر والجوع وتغير المناخ.