العودة للإستثمار
بروجيكت سنديكيت
2016-10-09 07:23
جنيف- في قمة مجموعة العشرين في هانزو ، الصين وضع قادة العالم خطة طموحة " لحقبة جديدة من النمو العالمي " ولكنهم تركوا مكون رئيسي وهو : إصلاح مناخ الإستثمار، إن الحكمة التقليدية تقول بإن المدخرات المنزلية سوف تتدفق من خلال الأسواق المالية إلى الشركات التي تكون الأفضل فيما يتعلق بالإستخدام المثمر لتلك الأموال ولكن في العديد من الدول النامية فإن الوصول الأسهل للتمويل – بسبب التدفقات المالية غير المقيدة عبر الحدود ورفع القيود التنظيمة عن الأسواق المالية- لم يؤدي بعد لمزيد من التمويل للإستثمارات الطويلة المدى وخاصة في مجال التصنيع .
إن قرارات الإستثمار تعتمد على مجموعة من العوامل المعقدة والإحتياطات للحالات الطارئة كما إن وجود خليط من التمويل العام والخاص هو أمر حيوي من أجل تنفيذ المشاريع الجديدة ففي منطقة شرق آسيا والتي شهدت نمو واسع وتطوير في السنوات الأخيرة ، قام صناع السياسات هناك ليس فقط بالسماح بأرباح أعلى للشركات بل شجعوا عليها طالما أنها موجهة للإستثمارات المثمرة وكنتيجة لذلك فإن أربعة أخماس الإنفاق الإستثماري للشركات في شرق آسيا يأتي من الأرباح التي تحتفظ بها الشركات بينما ساعدت المؤسسات المالية المملوكة للقطاع العام على المحافظة على رتم النمو الذي يحركه الإستثمار.
إن إنعدام التوازن بين الأرباح والإستثمارات هو السبب الرئيسي للنمو الفاتر اليوم في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء وما لم يتم التعامل مع ذلك فإن النتيجة يمكن أن تكون أزمة أوسع تتعلق بالشرعية لحوكمة الشركات والإدارة الإقتصادية.
لقد زادت ربحية الشركات في الدول المتقدمة بشكل ثابت وهذا يعود جزئيا لإستراتيجية" إعطاء الأولوية للمساهمين " والتي تركز على إتخاذ القرارات قصيرة المدى وإجراءات تخفيض التكلفة والأشكال الأخرى من الهندسة المالية التي تشجع عليها جهات الإستثمار المؤسساتية علما أنه وبدرجات مختلفة فإن الإستراتيجيات التقليدية " الإحتفاظ والإستثمار" يتم إستبدالها بإستراتيجيات " التقليص والتوزيع " بحيث يتم إنفاق الأرباح على زيادة أرباح الأسهم وإعادة شراء الأسهم وعمليات الدمج والإستحواذ.
في الدول النامية فإن التدفقات المالية العالمية قد ساهمت بشكل واضح في الصدمات المتعلقة بالإقتصاد الكلي والتي أشعلت حالة الغموض الإقتصادي التي قلصت من الأفق التخطيطي للإستثمارات بالنسبة للشركات ومؤخرا بدأنا نرى أن الشركات في الدول النامية أصبحت تسعى لتطبيق نفس إستراتيجيات حوكمة الشركات الموجودة في الدول المتقدمة فإذا نظرنا لموازنات الشركات لوجدنا أن النسبة والتناسب بين الإستثمار والربح إنخفض من سنة 1995 إلى سنة 2014 مع وجود هبوط حاد في البرازيل وماليزيا وكوريا الجنوبية وتركيا.
إن الشركات العامة الضخمة هي أقل شيوعا في معظم الإقتصادات النامية مقارنة بالدول المتقدمة ولكن بالنسبة لتلك الشركات التي تقوم بشكل منتظم بتوزيع الأرباح في الدول النامية فإن هناك زيادة في الدفعات للمساهمين وحتى مع بقاء الربحية بنفس المستوى تقريبا كما إن مثل تلك الشركات تقوم أيضا بتجميع الأصول المالية – وفي بعض الأحيان بشكل أسرع من تراكم دين الشركات- مما يوحي بإنهم يفتقدون لفرص الإستثمار المربحة على المدى الطويل وخيارات إستثمار المحافظ المالية في الأسواق المالية التي تم تحريرها .
سيكون من السابق لإوانه القول بإن العلاقة بين الأرباح والإستثمارات قد إنهارت في الدول النامية ولكن بينما زادت ربحية الشركات بشكل عام فإن التوجهات الإستثمارية في كل مكان (بإستثناء الصين والهند) تعاني من الضعف وحتى قبل الأزمة المالية العالمية سنة 2008 .
في الوقت نفسه فإن زيادة نفوذ وحجم المؤسسات المالية تستمر في التأثير سلبا على إستقرار الإقتصاد الكلي على مستوى العالم فعلى سبيل المثال فإن برامج التخفيف الكمي في الدول المتقدمة ساهمت في السيولة الفائضة وبالتالي في الإنفجار الذي حصل مؤخرا في ديون الشركات في الإقتصادات الناشئة. إذا أخذنا عينة من تلك الإقتصادات لوجدنا أن الدين المقوم بالدولار للمؤسسات غير المالية قد إرتفع بنسة 40% بالمعدل من سنة 2010 إلى 2014 كما أنه من سنة 2007 إلى 2015 إرتفعت نسب خدمة الدين بنسبة 40% . إن هذه الإرقام توحي بإزمة مصرفية منهجية في حالة تشكل .
بالإضافة إلى ذلك فإن الإستثمارات القائمة على الديون قد تركزت في القطاعات القائمة على الموارد الطبيعية والتي تعتبر متكررة بشكل كبير وهي قطاعات لا تساهم في نمو شامل ومستدام وفي واقع الأمر فإن هناك سبعة قطاعات فقط – النفط والغاز والكهرباء والبناء والسلع الصناعية والعقارات والإتصالات والتعدين – تشكل أكثر من ثلثي الزيادة الإجمالية في كل من الدين والإستثمار وهذا يوحي بإن الوصول السهل للإموال الرخيصة وتمويل الدين لم يأتي لصالح القطاعات ذات التقنية العالية والتي تعتبر الأفضل في المساهمة بنمو الإنتاجية .
من أجل عكس هذه التوجهات يتوجب علينا أولا عكس التوجه في الإقتصادات الناشئة تجاه إستراتيجيات الشركات القائمة على أسس مالية مرتفعة وهذا سيتطلب تغييرات في حوكمة الشركات بشكل عام وفي هياكل الحوافز للشركات غير المالية بما في ذلك المعاملة الضريبية التفضيلية للإحتفاظ بالأرباح وتمويل الأسهم وعلاوات إستهلاك خاصة للأرباح التي يعاد إستثمارها.
بالإضافة إلى حوكمة الشركات يتوجب علينا إستعادة التوازن للعلاقة بين الأرباح والإستثمارات من خلال المبادرات المؤسساتية بالإضافة إلى مبادرات السياسات العامة وبسياسات صناعية ديناميكية وهذا سيتطلب إصلاح وتعميق النظام المصرفي للتحقق من وجود قدرة كافية على الإقراض للإستثمارات طويلة المدى بما في ذلك للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم .
أما بالنسبة لبيئة الإقتصاد الكلي فإن بإمكان الحكومات تحسين الظروف من خلال الإستثمارات العامة وخاصة في البنية التحتية والتي سوف تعزز الإنتاجية وربحية القطاع الخاص وأخيرا فإن على المجتمع الدولي أن يسعى بشكل حثيث لمكافحة التهرب الضريبي وهروب رؤوس الأموال واللذان يؤديان إلى تآكل قاعدة الإيرادات.
إن الإستثمار طويل المدى في الأصول المنتجة هو أمر ضروري من أجل التحقق من النمو المستدام الذي تحتاجه الإقتصادات النامية ولكنهم لن يتمكنوا من تحقيق ذلك بالإبقاء على بيئة تشجع الإستراتيجيات قصيرة المدى.