عمليات تحرير الموصل قراءة عسكرية في التهديد والفرص المتاحة
صحيفة الزمان
2016-09-26 10:03
عماد علوّ
تتّجه الأنظار كلها إلى مدينة الموصل العراقية – التي اغتصبها تنظيم داعش الارهابي في 10 حزيران 2014 بانتظار تحريرها من براثن هذا التنظيم الارهابي المتطرف .. وسط مؤشرات عديدة بشأن تبلور العديد من المخاطر و التعقيدات المحتملة التي يمكن أن تشكّل تحدياً كبيرا” في مرحلة ما بعد تنظيم داعش الارهابي ، وخاصة في مدينة الموصل التي يؤمل أن تكون محررة عندئذ، والتي هي بودقة عرقية متفجرة تضمّ ما يقرب من مليون ونصف نسمة من مختلف الأعراق والمذاهب والاديان الأمر الذي سيشكّل اختباراً بنفس القدر من الأهمية للقيادات العراقية والكردية، وكذلك لحلفائهم الدوليين في تحقيق الاستقرار بعد انتهاء الصراع . ولذلك فانه من ضرورة التفكير بعمق قبل إطلاق معركة تحرير الموصل، ذلك لأن هذه المدينة تشكّل بيئة لا مثيل لها في العراق . ومن المتوقع أن عملية تحرير الموصل ستنفذ في وقت لا يزال معظم السكان المدنيين فيها باقين في أماكنهم ، حيث عملت عصابات داعش بنشاط على ضمان إبقاء معظم سكان الموصل محاصرين داخل المدينة. وقد فُرض “نظام كفالة” يلزم كل من يغادر المدينة بتحديد ثلاث رهائن تتم معاقبتهم إذا لم يعد إلى المدينة. ونظراً إلى هذه العوامل، فإن تحرير الموصل يطرح تحدياً فريداً من نوعه بالنسبة للحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان وشركائهما الدوليين.
الأهمية الاستراتيجية للموصل
تكمن أهمية الموصل في عنصرين، ستراتيجي (سوّقي) ومعنوي. وينصرف المعنوي إلى أن الموصل ثاني أكبر مدينة عراقية، وهي مدينة تاريخية قديمة كانت عاصمة للدولة الآشورية ، وتحوي الكثير من المعالم التاريخية ذات البعد الحضاري والديني ليس فقط للمسلمين بل للمسيحيين ايضا”. ويزيد عدد سكان الموصل عن مليون شخص بقليل، بينما تبلغ مساحتها حوالي نصف مساحة بغداد ولكن أكثر من ضعف مساحة البصرة . إلى جانب ذلك، تضم مدينة الموصل فسيفساءً من الأديان والأعراق. وقبل أن يسيطر عليها تنظيم داعش الارهابي في حزيران/يونيو 2014 كان 65 بالمئة من سكانها تقريباً من العرب السنّة، وذلك وفق نتائج الانتخابات، وربما تشمل الآن عدداً أكبر من السنّة بعد نزوح الأقليات غير السنية في الأيام الأولى من سيطرة «داعش» على المدينة. ولطالما اعتبر الأكراد والتركمان والآشوريون ومجموعة كبيرة من الأقليات العرقية والدينية الأخرى الموصل ديارهم، ولكن ربما أنهم يشكلون اليوم أقل بكثير من ربع سكان هذه المدينة. من ناحية أخرى، تكمن الأهمية السوّقية (الاستراتيجية) في أن محافظة نينوى تسيطر على إدارة نهر دجلة ، والتحكم في مناسيبه من خلال سد الموصل الذي يقع الى الشمال الشرقي لمدينة الموصل ، مما يجعل من سقوط هذا السد الاستراتيجي الحيوي ، بيد داعش كارثة استراتيجية كبرى تلحق بالعراق ، ذلك أنه سيكون في وسع داعش التحكم بمياه نهر دجلة ، في توجهه جنوباً باتجاه المحافظات العراقية الوسطى والجنوبية ، خصوصا” اذا ما علمنا أن تكتيكات الإغراق هي إحدى الوسائل التي لجأ إليها داعش لتهديد بغداد بعد سقوط الموصل وتشير إلى توفر الخبرة التعبوية في استخدام المياه عسكرياً، مما سيكون له أثر خطيراً على الأرض، إلا أن تنفيذ داعش هذه العملية يقتضي منها التمسك بالأرض بقوة، لأجل إتاحة المجال والمدى الزمني اللازمين، لتنفيذ عملية معقدة بهذا المستوى تتطلب معرفة جيدة بطوبوغرافية الأرض، وخطوط تقسيم المياه، وغير ذلك من فنون الاستحكامات والنسف والتخريب.
عوامل لابد من اخذها بالحسبان
مما لاشك فيه أن معركة تحرير الموصل ستكون المعركة الأولى في العراق التي تشارك فيها الكتل الرئيسية العرقية والطائفية الثلاث حول مدينة واحدة، وبذلك ستحاول كل كتلة منها المطالبة باستحقاقات تنسجم مع أجندتها الخاصة من خلال هذه العملية. وهنا لابد أن يتبادر الى اذهاننا تساؤلات حول هذه الاجندات ! على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :-
1. ما اذا كان الأكراد سيقبلون بدخول أو إعادة الجيش العراقي الاتحادي الى مواضعه وثكناته السابقة القريبة من (المناطق المتنازع عليها) ؟
2. وهل سيقبل اهل الموصل من السنّة قوات الحشد الشعبي ذات الصبغة (الشيعية)لتحرير مدينتهم ؟
3. وهل سيقبلون بعودة قوات الجيش العراقي التي مارست سلوكيات طائفية معهم في السابق قبل احتلال الموصل من قبل داعش؟
4. ما هي الاجراءات الواجب اتخاذها اثناء وبعد عملية التحرير التي ستستهدف إبعاد السكان المحليين عن تنظيم داعش الارهابي؟
5. ماهي احتمالية مشاركة سكان وابناء الموصل الموجودين داخل المدينة في المعركة ضد أو مع داعش ؟ اذا ما علمنا أنه يتوافر داخل المدينة ما يقارب 100 ألف شخص قادر على حمل السلاح الذي يحتمل امتلاك عدد كبير منهم على بنادق كلاشنكوف ومسدسات في اقل تقدير !
تقييم التهديد
تعود الخطورة البالغة التي يشكلها تنظيم داعش الارهابي ، إلى خواص التنظيم الفريدة وتجسيده لاتجاهات ومخاطر طويلة الأجل ليس في العراق فحسب بل في الشرق الأوسط والعالم بعد أن وصلت جرائمه الى شمال افريقيا وأوربا وحتى الولايات المتحدة الامريكية . حيث ارتكب الدواعش جرائمهم البشعة التي لم تشهد لها البشرية مثيلا، مثل نحر رؤوس الابرياء وحرق الضحايا وسبي النساء واغتصابهن، وتحطيم دور العبادة، واجبار الناس على التخلي القسري عن عقائدهم وتحويل دياناتهم، ومصادرة ممتلكاتهم، ومؤخرا نفذوا واحدة من أبشع جرائم العدوان على التراث الرافديني والانساني وذلك بتحطيم المتحف التاريخي في مدينة الموصل، الذي كان يضم كنوزا عراقية وانسانية ومقتنيات فنية وتاريخية لا تقدر بثمن، تؤرخ للحضارة البشرية ومسيرتها نحو الانعتاق والتقدم . لذلك فان تنظيم داعش الارهابي – وكما وصفه مؤخراً هنري كيسنجر – يرزح تحت ضغطٍ هائل مع تشكيك شعوب المنطقة في شرعيته. وفي الواقع أن تنظيم «داعش» – الذي يعدّ الوريث لتنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» الذي اسسه الارهابي الاردني ابو مصعب الزرقاوي – تغلغلٌ في نسيج مجتمع عدد من محافظات العراق(نينوى ، صلاح الدين ، الانبار ، ديالى ، بغداد ، التأميم)، بعدة طرق . لذلك ستحتاج الحكومة العراقية وقتاً وجهداً كبيراً لتحرير مجتمعات تلك المحافظات من تنظيم داعش الارهابي وجاذبيته المتطرفة، التي بإمكانها إيجاد طرق جديدة للظهور، على غرار بروز تنظيم «القاعدة».
لكن تنظيم داعش الارهابي ليس مجرد ظاهرة أخرى من التطرف الإسلامي العنيف. فتبني تنظيم داعش لخطاب الدفاع عن (السنة) في العراق ، وتعبّده لسياسة العنف العدمية، وسيطرته على مساحات شاسعة من الأراضي ،، بالإضافة إلى إمكانياته العسكرية التقليدية وغير التقليدية على حد سواء، وجاذبيته بادعائه كدولة خلافة إسلامية ، جميعها عوامل تجعل من هذا التنظيم فريداً وصعب المحاربة. ولا تمنحه طبيعته الخاصة مرونةً ملحوظة فحسب، بل تعطيه أيضاً اندفاعاً لا مفر منه لإلحاق الأذى بالنسيج الاجتماعي والنظام السياسي القائم في العراق والبنى التحتية فيه ، سواء بشكل مباشر أم عن طريق السذج والمخدوعين بطروحاته المتطرفة حول الجهاد واقامة دولة الخلافة الاسلامية .
ونظراً إلى طبيعة تنظيم داعش الارهابي، وضعف النظام السياسي العراقي الذي يعاني من الكثير من التجاذبات والتناقضات بين اطراف العملية السياسة القائمة في العراق منذ عام 2003 وإلى المخاطر الأخرى التي تهدد الأمن الوطني العراقي والتي يتعين على الحكومة العراقية اليوم أن تواجهها بشكل متزامن، فان تنظيم داعش الارهابي سيحاول مواصلة عملياته غير المتجانسة ضد المجتمع العراقي و القوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي والاهداف الحيوية في العراق، وسيسعى إلى توسيع قاعدة دعمه بين أقلية من المخدوعين في المجتمع العراقي، وسيستغل الانقسام السني – الشيعي ليظهر بدور البطل المزعوم للطرف السني. وفي ظل هذه الظروف، يجدر بالحكومة العراقية والقيادة العامة للقوات المسلحة والحشد الشعبي ، أن تخوض المزيد من العمليات التعرضية لكي تسرّع من العمليات الهجومية ضد تنظيم داعش الارهابي انطلاقا” من مبدأ ادامة الزخم الهجومي . ومن الضروري أن تتكلل هذه العمليات بالنجاح حين تبدأ، من أجل الحفاظ على زخم الانتصار على التنظيم الارهابي الذي بدأ في “سد الموصل” ولوحظت بوادره في أماكن أخرى، من مصفاة بيجي إلى سد حديثة وديالى والضلوعية والعلم والدور وتكريت .
ان التنسيق والتعاون مع التحالف الدولي ينبغي ان ينصب باتجاه توسيع وتسريع وتيرة الضربات الجوية، ونشر فرق “تنسيق الهجوم النهائي المشترك”، فضلاً عن الفرق الاستشارية لتطال وحدات الكتائب التي تنفذ الهجمات، واستخدام منظومات أسلحة أخرى على غرار منظومات مدفعيات وصواريخ ارض/ ارض ميدانية والمروحيات الهجومية، نظراً لدورها المباشر في مساندة العمليات البرية، وتزويد الجيش العراقي بأسلحة أكثر ثقلاً.
السياق السياسي
على غرار قيام تنظيم داعش الارهابي وسواه من الحركات الارهابية المتطرفة، بالاعتماد سياسيا” على الرسائل التي يوجهها حول التطورات السياسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط بنطاقه الأوسع، فان هزيمة (داعش) ستعتمد أيضاً على التطورات السياسية في العراق خصوصا” فيما يتعلق بالأداء الحكومي البعيد عن الطائفية ، خصوصا” اذا ما استوعبنا أن تحرير محافظة نينوى وحل الازمة فيها لا يمكن ان يقع فقط على عاتق القوات المسلحة العراقية بل ايضا” على وحدات البيشمركة الكردية وعلى عاتق الحشد الشعبي ايضا” . فهذه الجهود تستلزم مشاركة بين أطراف داعمة محلية من اهالي محافظة نينوى انفسهم فهم أدرى بشعابها – كما حصل مع حركة “الصحوة” بين عامَي 2006 و2008 – وقوات عسكرية عراقية نظامية ومنضبطة خالية من النزعات الطائفية، ومصحوبةً بتواصل سياسي بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان والقوى العشائرية في المحافظة. لذلك فانه من الضروري جدا” على الصعيد السياسي ما يلي :-
1. التوفيق بين جميع الفئات الدينية والعرقية في العراق بما يكفي لهزيمة تنظيم داعش الارهابي وتحرير العراق بشكل دائم من هذه الجماعة ومما سيتبعها من حركات على الأرجح.
2. اعادة النظر في اصلاح الملفين الامني والاقتصادي وتعزيز صلاحيات المحافظات غير المرتبطة بإقليم
3. تعهدات موثوقة من قبل الولايات المتحدة بتقديم التزام طويل الأمد من جانبها، لتسليح وتدريب القوات المسلحة العراقية وخصوصا” في مجال القوة الجوية والدروع .
4. تطوير علاقات العراق مع محيطه العربي والاقليمي في اطار احترام السيادة العراقية وعدم التدخل بشؤنه الداخلية.
داعش وادارة المعركة الدفاعية
قوات تنظيم داعش في الموصل : بحسب المعلومات الاستخبارية المتيسرة فان قوات تنظيم داعش الارهابي في منطقة الموصل تتألف من (6000 الى 8000م قاتل اجنبي اضافة الى 8000الى 10000 مقاتل عراقي)مسلحين برشاشات خفيفة ومتوسطة وثقيلة وقاذفات RBG7 وهاونات (60- 82ن 120(ملم ومدافع ميدان وما يقارب 16-20 دبابة ، بالإضافة الى عشرات المدرعات والهمرات وصواريخ كاتيوشا وصواريخ م/ط محمولة على الكتف ومدافع م/ط (57ملم و23ملم) .
أ. الانفتاحات التعبوية داخل الموصل: سيدافع تنظيم داعش الارهابي (على) الموصل من خلال توزيع عصاباته داخل مدينة الموصل وحولها في بؤر وعقد دفاعية محصنة تحوي كل منها على (20 الى50 ) عنصر .. وتتخذ من مقرات الجيش والشرطة وبعض المباني الحكومية مقرات وعقد دفاعية داخل مدينة الموصل مثل مقر فق3 ومقر فوج جهاز مكافحة الارهاب ودائرة المحاربين في وسط الموصل . كما تتوزع العقد والبؤر الدفاعية لعصابات داعش في مناطق الغابات والقبة ومنطقة الفيصلية وحي عدن ووادي حجر .
ب. الانفتاحات التعبوية خارج مدينة الموصل : سيدافع تنظيم داعش (عن) مدينة الموصل من خلال انفتاح و توزيع عصاباته في المدن والقرى والتجمعات السكانية حول مدينة الموصل لتعويق تقدم واستنزاف زخم هجوم وتقدم القوات المسلحة العراقية والقوات المتعاونة معها (البيشمركة والحشد الشعبي والعشائر) حيث تفيد المعلومات الاستخبارية أن أهم هذه المواقع الدفاعية تقع في المناطق التالية:
ناحية حمام العليل ( مقاتلين مدعومين بآليات وعجلات مفخخة وخطوط من العبوات الناسفة).
ناحية الشورة (تجمع لعصابات داعش).
الرمانة (تجمع لعصابات داعش).
قرية الزاوية(راجمات صواريخ كاتيوشا ومدافع ميدان)
قضاء تلعفر ( مقر لكتيبة حذيفة بن اليمان) في منطقة مطار تلعفر بالإضافة الى عجلات مفخخة وخطوط من العبوات الناسفة والالغام الارضية) و400 الى 600مقاتل في داخل القضاء.
قرية قصر المحراب (مقر كتيبة الصديق) .
ناحية العياضية (تجمع لعناصر داعش) .
قضاء الحمدانية ويتضمن تجمعات لعناصر داعش مدعومين بآليات ودروع وعجلات مفخخة في ناحية بعشيقة وناحية تلكيف.
قرية الزنازل رعيل مدفعية ميدان وتجمع لعدد من عناصر داعش.
ت. طرق الامداد والتموين :
1 ) الحدود السورية – قضاء البعاج – عين الجحش – الجرن – البو بدران – الموصل.
2 ) الحدود السورية – سنجار – البعاج – وادي عكاب – تلعفر – الموصل.
3 ) بادية الجزيرة – عين البيضة – سيطرة عين العقرب – دورة بغداد – الموصل.
التحليل
من خلال المعارك السابقة التي خاضتها القوات المسلحة العراقية ضد تنظيم داعش الارهابي وخبرتها المكتسبة حول اساليب قتال هذا التنظيم وردود فعله المحتملة ! لذلك لابد من تفعيل العمل الاستخباري واجراء تقدير موقف استخبارات للوقوف على مسالك العدو المحتملة في ادارة معركته الدفاعية عن وعلى مدينة الموصل ! ومن خلال الدروس المستنبطة من معارك محافظتي الانبار ، ومعارك تحرير الفلوجة، فان داعش ستلجأ بين حين وآخر إلى شن تعرضات وهجمات استباقية بقوات آلية وراجلة وباستخدام الهجمات المنسقة بالعجلات المفخخة ، يكون هدفها إثبات الذات بالوجود في مناطق ترى فيها أهدافاً ذات أهمية استراتيجية ومعنوية بالنسبة لها ، بالإضافة الى استنزاف القوات المسلحة العراقية استباقيا” ، في كل مرة، تبدو هنالك مؤشرات على عمل تعرضي للقوات المسلحة العراقية ، فيكون هدف الهجوم أو التعرض الاستباقي لداعش هو إجهاض العمل التعرضي الذي تنوي القوات المسلحة العراقية القيام به ، من خلال استنزاف و تدمير القوات التي خصصت للقيام به. ومن الجدير بالذكر إن 57 بالمئة من مقاتلي تنظيم داعش عراقيون، لكنهم يفتقدون الى ارادة القتال، ومن المحتمل جدا” أن يفروا حينما تدخل القوات العراقية المدينة . الا أن المشكلة في 43 بالمئة وهم مقاتلون أجانب ملقنون عقائديا، يائسون، ولا مفر أمامهم .. ومن المحتمل جدا” أن يقوم تنظيم داعش بإدارة معركته الدفاعية في الموصل عن طرق مجموعات متنقلة، لتقليص الخسائر بأرواح مقاتليها من القصف الجوي الذي ستقوم به القوة الجوية العراقية وطيران التحالف الدولي. ويضع داعش في حسابه انه سيكون مرغم للانسحاب من مدينة الموصل. ولذلك تم نقل الاغلبية العظمى من اعضاء ما يسمى بـ”مجلس الشورى” الى خارج المدينة حيث توجد انفاق وملاجئ تحت الارض. وتجدر الاشارة الى سحب داعش بشكل مخطط فصائله من منطقة الحدود السورية ـ التركية وإعادة نشرها الجزئي في العراق باتجاه محافظة نينوى ، ومدينة الموصل بالذات . استنادا لما سبق مناقشته فان استعادة السيطرة على الموصل وتحقيق الاستقرار الأساسي فيها ستكون عملية أطول مدى وأكثر تعقيداً مما هو متوقع . ولن يكون الأمر سهلاً، وقد لا يتم بسرعة، ولكن استعادة السيطرة على الموصل هي مسعى يستحق العمل من أجل تحقيقه، ويستحق تحقيقه بالطريقة الصحيحة. لقد كانت قبضة «داعش» المسيطرة على ثاني أكبر مدينة في العراق تشكل رمزاً لنجاح التنظيم. وبالتالي، قد تكون معركة الموصل المعركة الوحيدة في العراق التي يمكن أن تثبت بشكل حاسم أن تنظيم داعش الإرهابي عبارة عن قضية خاسرة.
سيناريو معركة تحرير الموصل
ستتألف القوات المهاجمة من خمسة ألوية من الجيش العراقي، وثلاثة ألوية أصغر من قوات البيشمركة الكردية – وهي قوات تضم ما بين 2000 و 5000 جندي في كل لواء ، بالإضافة الى ألوية من الشرطة الاتحادية لأغراض الدعم والاسناد و سيتم نشر قوات من أهالي الموصل يجري اعدادها وتدريبها وتسليحها في معسكر التحرير في اقليم كردستان ، لغرض مسك الارض و كقوة لفرض الاستقرار.
و يرجح أن تشارك أيضاً وحدات أخرى من القوات العراقية التي كانت قد أثبتت فعاليتها في القتال ضد تنظيم داعش الارهابي، مثل قوات مكافحة الإرهاب ، وبعض وحدات الدبابات والمدفعية ، ولايزال الجدل حول مشاركة قوات الحشد الشعبي قائما” لحد الان . (الا أن تجربة تحرير الفلوجة اشرت امكانية تعاون وتنسيق قوات التحالف الدولي مع الحشد الشعبي – عن طريق الحكومة العراقية – ان التفكير الجدي بالاستعانة بقوات الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل لا يُعتبر قرار متعقلاً من الناحية العسكرية فحسب ، بل حكيماً على الصعيد السياسي أيضاً) . لجهة تعزيز الوحدة الوطنية واثبات التلاحم بين ابناء الشعب العراقي بشكل يتجاوز جروح وارهاصات المرحلة الماضية .
وفي ظل ظروف مثلى ومع تخطيط ذكي، فإن القوة المخطط لها شن الهجوم تشمل 20 إلى 25 ألف جندي قد تكون كبيرة بما يكفي لاقتحام وتحرير الموصل . وسيتم تقديم الاسناد الجوي لقوة الهجوم من قبل القوة الجوية العراقية وطيران الجيش وطيران التحالف الدولي .. ويمكن تسريع أي من هذه الاحتمالات من خلال القيام بعمليات نفسية مدعومة من قبل الولايات المتحدة تتولى السيطرة على نظام الهاتف الخلوي وتسمح بالتواصل مع الجمهور بشكل مباشر مع استخدام مخطط له لوسائل التواصل الاجتماعي . ومن شأن القوة المهاجمة أن تُخدم بشكل جيد من خلال الاستيلاء بشكل انتقائي على مواقع رمزية مثل مطار الموصل، ومعسكر الغزلاني العسكري المجاور، وحتى جسور دجلة. .
إن العدد المتغير من المهام والواجبات العسكرية التي ستواجهها قوات التحرير من شأنها أن تمتص زخم تقدم وهجوم القوة وقد تؤدي الى انهاكها بسرعة خصوصا” وأن مدينة المواصل مترامية الاطراف و ستحتاج قوات أمن داخلي كبيرة تكون مسؤولة عن نصب سيطرات تفتيش وكمائن و تفتيش وإخلاء المباني التي قد يفخخها او يختبئ بها داعش وإعادة الاستقرار والخدمات. وبالتالي فإن العودة إلى الموصل قد تكون الجزء السهل.
ان على القوى السياسية والعشائرية المؤثرة في المجتمع الموصلي دور مهم في اعداد واستنهاض سكان المدينة ضد تنظيم داعش ، ولعل منهجية اعتماد قوة تهدئة (طمأنة) موثوقة بحد ذاتها تكون سبباً لانهيار قبضة تنظيم داعش على المدينة. وفي أفضل الحالات، يمكن لشبكات المقاتلين والمجتمع المستترة في الموصل أن تبدأ بالانقلاب ضد داعش ، وبإغلاق مناطقها والبقاء خارج إطار المعركة. وربما يبالغ تنظيم داعش الارهابي في رد فعله ويسرّع من زواله من خلال أعمال وحشية تثير رفضاً لوجوده وتَحوّل من جانب إلى جانب من قبل اهالي الموصل …
دور التحالف الدولي
لاشك ان معركتي تحرير الانبار والموصل ستكون معارك صعبة وطويلة الامر الذي يتطلب زيادة الدعم المقدم من قبل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية للحرب ضد داعش الارهابي وخصوصا” في المجالات التالية :-
1. توسيع الدعم الاستخباري والاستطلاع الميداني بمختلف وسائل الرصد والتحسس المتطورة.
2. زيادة عدد الفرق التدريبية والاستشارية العسكرية الأمريكية والغربية العاملة مع وحدات وتشكيلات القوات المسلحة العراقية وقوات البيشمركة .
3. زيادة عدد منسقي الاسناد الجوي القريب .
4. زيادة عدد الخبراء في الهندسة العسكرية بهدف التعامل مع الألغام والعبوات الناسفة والعجلات المفخخة واعادة تأهيل قاعدة القيارة الجوية لاستخدامها من قبل طائرات القوة الجوية العراقية وطيران الجيش.
5. تولى طيران التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ضرب القشرة القوية المدافعة عن الموصل بقنابل العصف، والقنابل الارتجاجية لفتح الثغرات والممرات لاندفاع قوات الهجوم العراقية لاقتحام المدينة وتحريرها .